الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعرف عن مدارس الأقباط يا شيخ عامر؟

فاطمة ناعوت

2017 / 8 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



بعد انتهاء بثّ الحلقة الشهيرة، على قناة "القاهرة والناس"، التي استضافتني والشيخ السلفي "محمود عامر"، في برنامج "القاهرة 360" مع الإعلامية المثقفة دينا عبد الكريم، وبينما نحن في طريقنا إلى خارج الأستوديو، رمقني الشيخُ وقال ضاحكًا: "طبعًا ماهو أنتِ خريجة مدارس مسيحية! مش كده برضو؟”. قالها كأنما أذاع سرًّا حربيًّا خطيرًا! وقبل أن أطرح ردّي على الشيخ الجليل، أودّ أن أُذكّر القارئ الكريم، بأسباب تهكّم الشيخ عليّ وعلى تعليمي ومدرستي.
كنتُ قد سألتُ الشيخ على الهواء سؤالا محددًا: “هل الدمُ البشريُّّ كلّه سواءٌ، أمْ أن هناك دمًا يفوق دمًا؟ هل هناك دمٌ له ثمن، ودمٌ هدرٌ لا قيمة له؟" ثم حددتُ السؤالَ أكثر حين راوغني الشيخُ محاولا التهرّب من الإجابة، فسألته: “هل دمُ المسلم يتساوى مع دم غير المسلم، في نهجك؟" وجاءت الإجابةُ الفاجعة. قال الشيخ: “لا يستوي دمُ المسلم مع دم غير المسلم.” ولما ذكّرتُه بالآية القرآنية: "مَن قتلَ نَفسًا بغير نَفسٍ أو فسادٍٍ في الأرض، فكأنما قتل الناسَ جميعًا”؛ تحجّج بأنها موجّهة لبني إسرائيل، وفقط، ولها ظرف تاريخي لا تتجاوزه، إنما حُرمة القتل فقط للدم المسلم!!!! هنا قلتُ له بحزن: “أنتَ يا مولانا تعطي لأي مجرم إرهابي رخصةَ قتل إنسان مسيحي، دون أن يخشى عقابًا! فهل أنت جادٌّ وتعي ما تقول؟" فأجاب: “مَن يقتل مسلمًا؛ حقَّ عليه القِصاصُ بالقتل. ومن قتل مسيحيًّا لا قِصاص عليه. إنما عليه دفعُ ديّه.”!!! هنا اشتعل غضبي وقدمت على الهواء بلاغًا ضد الشيخ أمام الرأي العام والنائب العام، كونه "يُشرعن" هدر الدم، ويمنح رخصة دموية لأي مأفون مهووس بأن يذهب ويقتل من شاء من أشقائنا المسيحيين، وهو يعلم أن عقابه (في عرف الشيخ، أو غيره من أضراب المتطرفين) مجردُ حفنة من المال، مقابل الدم، الذي تهتز له أركانُ السماء. لحظتها فقط فهمت المثل الفولكلوري الدارج، الذي لم أحبّه يومًا: “اللي تعرف ديّته... اقتله"!!!!!
وإذن، ظنّ الشيخُ العزيز أن انزعاجي من فتواه الضالّة المُضلّة الُمضللة سببه أنني نشأتُ في مدارس مسيحية، وبالتالي فأنا أُدينُ لهم بالولاء والحب، بوصفهم أساتذتي ومعلمييّ! تأكد لي لحظتها أن ذاك الرجل مستحيل أن يدرك أن رفضي أفكاره؛ سببه أبعدُ من هذا وأشمل. إنما أرفض منطقه، وسأظل أرفضه حتى يومي الأخير في الحياة، لأنني ابنة "الإنسانية" قبل أن أكون ابنة "مدارس الأقباط”. فاته أنني أؤمن إيمانًا نهائيًّا ومطلقًا بأن ربَّّ هذا الكون هو "العدل" المطلق الذي لا يعرف التمييز ولا العنصريات؛ التي ابتكرها مفسدون من بني الإنسان، لمآرب مريضة في نفوسهم.
رددتُ على الشيخ بأنني أفخر بنشأتي في مدارس مسيحية . ثم وعدتُ نفسي وقرائي، أن أعلّم الشيخَ في مقال، ما غاب عنه من أمور العلم والتعليم والمدارس. فكلّنا يعيش ليتعلّم، مهما بلغنا من العمر. التعلّمُ ليس عيبًا، ولا الجهلُ عيبٌ، إنما العيبُ هو أن نجهلَ ثم نُصرّ على عدم معرفة ما نجهل. لهذا قررتُ أن أخبر الشيخ الجليل بالتفصيل: "ماذا تعلمت من المسيحيين" وماذا يجري في أروقة المدارس القبطية المسيحية، وفي مدارس الراهبات، حتى صارت منذ دهور مرمى أنظار طالبي العلم الرفيع في مصر. بعد انتهاء الشيخ عامر من قراءة هذا المقال، سوف يدرك جيدًّا: "لماذا يتهافت أولياءُ الأمور على إلحاق أطفالهم بمدارس مسيحية. ويسوقون من أجل ذلك شخصيات عامة من مشاهير المجتمع كوسطاء لدى مديري المدارس المسيحية، للتوصية على أطفالهم حتى يُقبَلوا. وفي أغلب الأحيان تُرفض الوساطات، ويضطر الأطفالُ أن ينتظروا على قوائم انتظار طولها كالدهر، حتى يبتسم لهم الحظُّ ويدخلوا تلك المدارس المحترمة.
تراودني الآن ذكرياتي مع مدرستي القديمة، التي لم أشعر فيها يومًا بالتمييز أو باختلاف المعاملة بيني وبين زميلي المسيحي الجالس إلى جواري على مقعد الدرس. علّمني أساتذتي المسيحيون أن إتقان العمل والجدية في نهل العلم؛ هما السبيل لأن أكون "إنسانًا صالحًا" يُحبّه اللهُ تعالى. وأن محبة جميع البشر، بمن فيهم المخطئون في حقنا، هي أعلى درجات سمو الروح وتهذّب الأخلاق. تعلمتُ في مَدرستي المسيحية أن حفنة من تراب وطني تساوي كنوزَ العالم. وأن أشرف ما أقف من أجله هو علم بلادي، والنشيد الوطني لمصر الطيبة. علّمتني مَدرستي المسيحية أن أكون صادقة لأن الكذب خِسّة وضعف. وألا أحلف، وألا أقسم، وألا يكون اللهُ عُرضةً لأيماني، وأن يكون كلامي "نعم نعم، لا لا". وألا ألحَّ وألا أتوسّل، وألا أطلب شيئًا مرتين. علّمتني مَدرستي المسيحيةُ أن أشفق على الضعيف وأن أوقّر الكبير، وأن "أفكّر". لأن عقلي هو أثمن ما منحني اللهُ من هدايا. تحيةَ احترام لكل مُعلّمي مدرستي التي احتضنت طفولتي وجعلت مني إنسانًا طيبًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حتى بعض الشيوخ يعلموا اولادهم بمدارس مسيحية
مروان سعيد ( 2017 / 8 / 10 - 19:35 )
تحية للاستاذة فاطمة ناعوت وتحيتي للجميع
عندما درسنا في المرحلة الابتدائية والخاصة بالمسيحيين وجدنا كثير من الاصدقاء اللذين درسوا معنا مسلمين وكانوا لاياتون معنا لحصة الديانة والا لم نكن سنعلم لاان لافرق بيننا ولا احد يتكلم بدين الاخر
وكان اكابر المسلمين وزوات الوظائف المهمة يهرعون ويسجلون ابنائهم وبناتهم قبلنا حتى اتذكر ان والدي ذهب ليسجلني فقالوا له لم يعد امكنة اضطر ليجلب وساطة وترجاهم لقرب المدرسة من بيتنا
كنا مسلمين ومسيحيين مثل الاخوة بقيت مع صديق لي فترة خمس سنين لم اعرف دينه وكان افضل صديق عندي ولم اعرف الا عندما تزوج وبقي الى الان افضل صديق
ولكن شيوخ الفتنة والدعارة هم من يفرقوا بين الاديان والطوائف ويكفرون حتى اولادهم ونسائهم كلمة كفر على لسانهم دائما
وعندي صديق اخر ذهب ليسجل ابنه بمدرسة مسيحية وعندما رجع مر بي وهو غاضب قلت له لماذا
قال لم يقبلوا تسجيل ابني بحضور درس الديانة المسيحية لااني رفضت ان يتعلم الديانة الاسلامية فقلت له لماذا وانت مسلم فقال ان الديانة الاسلامية تعقد الاولاد وتغسل عقولهم وترعبهم
ومودتي للجميع


2 - الظاهر في مصر لا يزال يوجد ناس طيبين
لو خليت لقلبت ( 2017 / 8 / 11 - 07:26 )
كنت أتصور ان الضلام في مصر حالك و حالها مثل حال العراق و غيرها من الدول التي عشعش و تغول فيها الفكر الاسلامي الظلامي و ان ليس فيها بصيص من الضوء ، قرائتي للمقالة للأستاذة فاطمة و لتعليق الأخ مروان سعيد غير قليلا من رأي و بعث في شعورا بأن لا يزال في مصر بقية روح و أمل في ان تتعافى و تتخلص من المرض الذي اصابها و ان الشيطان لم يستطع ان يمحي تماما الجانب الإنساني من ذوات كل المصريين و انه لا يزال يوجد فبها الناس الطيبين الذين عرفوا الاله الحق المحب الغير ماكر نرجوا من الله (الحق ) ان يكثرهم فيها و ان بأتي يوم و ترجع مصر ( على الأقل ) الى ما كانت عليه في الأربعينات و الخمسينات لا نرى فيه امرأة محجبة او زبيبة و لحية ، وجود أمثال الكاتبة فاطمة ناعوت و مروان سعيد في مصر و امتلاكهم الشجاعة لفول الحق هو الذي يقي مصر من ان يقلب. عاليها سافلها و تصبح مثل اليمن او ليبيا او العراق او أفغانستان و الصومال و كل بلاد اخرى يعشعش فيها الشيطان ، صحيح المثل لو خليت لقلبت و ما حدث في الموصل -العراق بعد خلوها من المسيحيين لا لذنب سوى لأنهم مسيحيين يتبعون المسيح دليل على صحة المثل


3 - رجاء للأخت فاطمة ناعوت
عادل يوسف ( 2017 / 8 / 20 - 00:20 )
رجاء حار للأخت فاطمة ناعوت

أرجوكى توقفى عن الكلام عن مدارس الراهبات .. فقد أثارت أحاديثك وكتاباتك عن تلك المدارس ثائرة مشايخ السلفية وأصبحوا فى الأيام الأخيرة يكثرون من ذكرها على مريديهم لبيان ضررها البالغ على المجتمع وعلى النشء (من وجهة نظرهم) ..

بالتالى لا نستبعد أبدا وقوع بعض العمليات الإرهابية التى قد تستهدف تلك المدارس أو الباصات التى تقل الأطفال الأبرياء - وذلك لكى يسارع المسلمون بنقل أطفالهم من تلك المدارس الى مدارس غير مسيحية .. أرجو منك التوقف عن الكلام فى تلك المسألة نهائيا وعدم ذكرها بالخير أو بالشر ..

وشكرا لك