الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب المعرفي في المسرح إنتاج أم إستهلاك؟

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2017 / 8 / 10
الادب والفن


قد يتساءل البعض عن جدوى طرح فكرة (المنتج والمستهلك) في دراسة تعنى بـ (واقع المسرح العراقي المعاصر ) ، سيما وأن تلك الثنائية إمتلكت مرجعياتها في الذاكرة الجمعية بوصفها تعبيراً عن المسرح (الجاد والمسرح التجاري) في واحدة من توصيفاتها ، إلا أنني استثمر ذلك التوصيف للتعبير عن فكرة مغايره وبعيدة عن المسرح التجاري ومشكلاته التي تحتاج إلى دراسة مستقلة ، بمعنى آخر نجد أن هذه الدراسة تعنى بالبحث عن المسرح المنتج والمسرح المستهلك في إطار (المسرح الجاد) ، إذ أجدني أتساءل هل العروض المسرحية التي قدمت هي عروض (منتجة للمعرفة ) أو هي عروض مسرحية (مستهلكة للمعرفة) ؟ وهل ثمة مسميات على هذه الشاكلة يمكن ان نركن إليها للتعبير عن واقع المسرح العراقي ؟
قد يذهب البعض إلى ان المسرح بمعناه العميق الذي وفد إلينا من بلاد الإغريق هو مسرح منتج للمعرفة بالضرورة ! وليس ثمة إستهلاك فيه مهما كانت نوعية التجارب المسرحية التي يتم تقديمها.
إلا ان توصيفات (بيتر بروك) للمسرح في كتابه الأثير (المكان الخالي) يحيلنا إلى مسارح منتجة واخرى مستهلكة وإن كانت بمسميات مغايرة جاءت تحت عنوانات ( المسرح المميت ، المسرح المقدس ، المسرح الخشن ، المسرح المباشر ) ، إذ يذهب (بروك) في تعريف المسرح المميت في الإشارة إلى (مسرح رديء ) ، أما المسرح المقدس كما يراه(بروك) : (فهو الحلم الحقيقي الذي يكمن خلف مثاليات المسرح الميت الحقيرة) ، وأما المسرح الخشن ففيه إحالة إلى (المسرح الشعبي) ، ويأتي المسرح المباشر بوصفه تعبيراً عن الفعل المباشر للاحداث والوقائع اليومية من دون أن يتم الحفر في مرجعياتها وصولا إلى إستنتاجات مستقبلية لتلك الظواهر الإجتماعية والسياسية ، من جهة اخرى فإن فكرة المسرح (المستهلك للمعرفة) فتحت الأبواب امام تشكلات سردية واخرى شعرية أسهمت في تطوير هذا النوع المسرحي، الأمر الذي صارت معه قاعة العرض المسرحي بكل ما تحمل من قدسية الإصغاء والإنصات إلى تلك العوالم النبيلة التي تتفاعل وتتصارع على خشبة المسرح يختزل كل هذا إلى ملفوظات من المتداول اليومي والتصفيق غير المبرر والذي بات صناّع العرض المستهلك للمعرفة يساهمون في حضوره الدائم ، الامر الذي صار معه نجاح العرض المسرحي يقاس بالتصفيق والآهات التي يطلقها الجمهور ، وقد أسهم ذلك كله في إنتاج فوضى التلقي الذي تشابهت معه فكرة تلقي العرض المسرحي والتواصل مع عناصر العرض لتكون نسخة أخرى لذلك النوع من التواصل الذي يتوافر في منتديات (الشعر الشعبي) ، إذا راح المتلقي في المسرح يطالب الممثلين بإعادة الحوارات كما يحصل في تلقي الشعر ، وتأتي فكرة (المسرح المستهلك للمعرفة) الذي أسهم في إنتاج ثقافة متداولة في (مواقع التواصل الإجتماعي) من دون البحث عن أسرار العرض المسرحي وقدرته على إنتاج المعرفة التي تعلمنا على وجودها في المسرح العراقي الذي كان يحتكم إلى موقف معرفي وجمالي أسهم في إنتاج ثقافة عراقية تضرب بجذورها أعماق الأرض ، بل على العكس من ذلك فإن مظاهر المسرح (المستهلك للمعرفة) بدت حاضرة في البحث عن مصادر للترويج تتمثل في المهرجانات التي ينتمي البعض القليل منها إلى المسرح وبعضها الكثير ينتمي إلى مهرجانات الإستهلاك المجتمعي والسياحي ، الأمر الذي جعل المشتغلين في المسرح المستهلك للمعرفة يجدون صدى تجاربهم في عدد المشاركات الخارجية من دون ان يتم التفكير بالإنسان العراقي وحاجته إلى المعرفة بكل تعريفاتها التي يمكن أن تكون علاجاً للكثير من المشكلات الإجتماعية ؛ ومن اجل التصدي لظاهرة (المسرح المستهلك للمعرفة) والذي يندرج كما أسلفنا تحت مسمى (المسرح الجاد) نؤشر إلى بعض المشكلات للحد من تضخم هذا الفايروس المسرحي، ومايقابلها من مقترحات من اجل تفعيل (المسرح المنتج للمعرفة ):
1- ظاهرة المخرج المؤلف :
ذهب بعض المخرجين إلى فكرة تأليف النصوص التي يقدمها على خشبة المسرح .. وهي ظاهرة تبدو في شكلها الخارجي (منتجة للمعرفة) بمعنى ان المخرج صار يمتلك القدرة والتقنية في التعبير عن أفكاره وتحويلها إلى نص درامي ، ولكن هل يخضع هذا النص لتقنيات المؤلف المسرحي ، بمعنى هل يمتلك نص المخرج المؤلف حضوره على مستوى البناء الدرامي ، وبناء الشخصيات ، واللغة ، من جهة أخرى هل يعمل المخرج المؤلف على إستنساخ النص الذي قام بكتابته على خشبة المسرح ؟ ألا يخضع نص المخرج المؤلف للمعالجة الإخراجية التي تكونت أساساً في رحلة الكتابة ؟ كل هذه التساؤلات تجعلنا نؤشر إلى ان التجارب التي قدمت تحت مسمى المخرج المؤلف من دون ان يمتلك مخرجوها رؤى مغايرة لمدوناتهم النصية ، وقعت في إشكالات الملفوظ النصي التي لم يتمكن المخرج المؤلف من مغادرتها ، ذلك ان احساسه بأن مدونته النصية مكتمله ، وهو بذلك يتناقض مع الرؤية الإخراجية التي تأسست إبتداءاً حول فكرة أن ( نص المؤلف لايكتمل إلا على خشبة المسرح) وهي ميزة يمتاز بها النص المسرحي عن غيره من المدونات النصية (الشعر ، القصة، الرواية، النصوص الأخرى ) ، وتأتي عملية تحويل النصوص إلى خشبة المسرح عن طريق الهدم والبناء وصولاً إلى تحقيق الرؤية الإخراجية التي تنسجم إبتداءاً مع طروحات المخرج الفكرية والجمالية ، مروراً بقدرة الممثل على إنتاج صيغ للتعبير عن الملفوظ النصي عبر آليات الاداء التمثيلي لاعن طريق إلقاء الملفوظ كما جاء ميتاً في نص المؤلف بحسب (رولان بارت)، وصولا إلى تقنيات العرض المسرحي السمعية والبصرية .
2- وظيفة الدراماتورج في المسرح :
كثرت العروض التي يتم تدوين أسم (الدراماتورج) بوصفه مشاركاً ضمن فريق العرض المسرحي ، وهي ظاهرة تبدو هي الأخرى في ظاهرها (منتجة للمعرفة) ، لاسيما وأن الدراماتورج يفترض بوجوده في العرض المسرحي أن يكون مسانداً فاعلا ومثيراً للجدل المنتج ، إلا ان مانراه اليوم في تجارب المسرح العراقي ، إستهلاك للمصطلح والوظيفة من دون التفاعل معها وتفعيلها ، على الرغم من حاجة العروض المسرحية إلى وجود الدراماتورج ، إلا ان ذلك يحتاج إلى تفعيل مبدأ (الصدق والثقة) بالآخر بوصفه بديلاً عن(الانا الأوحد) القادر على فعل كل شيء.
3- إشكالية التقنيات الحديثة في المسرح :
لجأ المخرج المعاصر إلى توظيف التقنيات المعاصرة (الرقمية ) وغيرها من المقترحات التي تسهم في إنتاج شكل بصري مغاير للأشكال التقليدية التي يرى بعض المشتغلين في المسرح أنها باتت مستهلكة ، وقد وجدوا في التقنيات الحديثة بديلا جمالياً قادراً على إنتاج مسرح منتج للمعرفة ، إلا أن ذلك لم يجعل المخرج المسرحي قادراً على مغادرة إمكاناته في تدريب الممثل ، ذلك أن اداء الممثل يحتاج إلى تدريب ينسجم مع التقنيات الحديثة ، لا ان يظل معتمداً على ادواته وجسده ، بل نراه بحاجة إلى التفاعل مع تلك التقنية وصولا إلى تلك المعرفة المنتجة التي يبتغيها المخرج ، وبعكس ذلك فإن الحضور سيكون للمعرفة المستهلكة ، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج متشابهات على مستوى الشكل والمضمون ، سواء على مستوى الاداء التمثيلي ، او على مستوى الشكل البصري ، فضلا عن توافر بعض العروض على متشابهات في المضامين التي بدت محددة في بعض الموضوعات التي لايعمل المخرج العراقي على مغادرتها .
4- مقترحات في تطوير المسرح المنتج للمعرفة:
- ضرورة التعامل مع المسرح بوصفه مؤسسة تعنى بتقديم الجمال والفكر، ويساعد في التعبير عن المشكلات الإجتماعية بأسلوب فني بعيداً عن الاحداث والوقائع اليومية ، وأن لايقتصر تقديم العروض المسرحية على ايام قليلة ، ويتم بعدها تحويلها إلى المهرجانات الخارجية .
- يجب ان تعمل المؤسسة على تطوير استراتيجية تعنى بإنتاج عروض مسرحية ، كأن تقدم عروض بمناسبة (مئوية شكسبير ، أو تشيخوف أو أبسن ) وغيرهم من الكتاب العالميين والعرب والعراقيين ممن تكون نصوصهم مشهود لها بالجودة والإبداع ، إلى جانب تقديم عروض اخرى لمؤلفين آخرين.
- ضرورة وجود استراتيجيا خاصة بتقديم عروض مسرحية من اجل بناء موسم مسرحي ، يتم بعدها تفعيل نظام الربرتوار المسرحي ، وان لايقتصر تقديم العروض المسرحية على المهرجانات فقط ، ويمكن ان يصار إلى إقامة مهرجان سنوي يكون حصيلة لتجارب الموسم المسرحي ويتم إنتقاء افضل عروض الموسم عن طريق لجان متخصصة .
- بناء مشروع تعاون بين المؤسسة الفنية والمؤسسات الاخرى سواء كانت اكاديمية أو فنية ، فضلا عن تفعيل التعاون بين المؤسسة والمحافظات العراقية ، لا على أساس المفاضلة أو المركز والهامش ، بل يشترط بدائرة السينما والمسرح ان تعمل على تطوير برنامج يتم فيه تقديم النتاجات التي تقدم في مسارح العاصمة وإعادة تقديمها في المحافظات ، ويكون ذلك شرطاً من شروط العقد بين المؤسسة والمخرج المسرحي.
- ضرورة إقامة ورش مسرحية في تخصصات (التمثيل، الإخراج،السينوغرافيا، المؤثرات السمعية ، النقد المسرحي، الدراماتورج ) وذلك عن طريق إستقطاب خبرات من خارج البلاد او من داخلها ومن المتخصصين الذين يشهد لهم بالكفاءة ، من اجل تطوير القدرات البشرية الموجودة في المؤسسة أو خارجها .
- تفعيل الخطاب النقدي عن طريق إعادة الجلسات النقدية الجادة التي تسهم في تطوير العرض المسرحي ، وان لا يقتصر الأمر على إقامة جلسات إحتفائية بما يقدم من عروض مسرحية ، ويتم ذلك عن طريق تكليف مجموعة من النقاد بشكل رسمي من اجل متابعة العروض المسرحية وتقديم دراساتهم النقدية في الجلسات النقدية ومن ثم نشرها في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المتخصصة بالمسرح ومواقع التواصل الإجتماعي المختلفة من اجل تطوير الحركة المسرحية .
- تشكيل لجان متنوعة لمتابعة النشاطات المسرحية في المؤسسات الاكاديمية والفنية في بغداد والمحافاظات من اجل التعرف على الطاقات الشابة من اجل إعادة التواصل مع المؤسسات والفرق المسرحية من اجل رفد مؤسسة السينما والمسرح بالطاقات المسرحية الشابة والتخلص من الترهل الوظيفي الذي يسيطر على المؤسسة التي يفتقر الكثير من موظفي فرقتها إلى التخصصات المسرحية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا