الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- أوراق الزيتون - : محمود درويش ثائرا

ناظم الماوي

2017 / 8 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


" أوراق الزيتون " : محمود درويش ثائرا

ثائرا على واقع الظلم و الإستعمار الإستيطاني الذى يعاني منه شعبه و ثائرا على الأنماط الشعريّة السائدة ، هكذا تبدّى محمود درويش فى مجموعته الشعرية " أوراق الزيتون " وهي مجوعة شعرية تناولها بالبحث ياسين أحمد فاعور فى مؤلّف عنونه صاحبه " الثورة فى شعر محمود درويش " . و نحن فى هذا المقال لا نقوم سوى بنوع من العرض والتلخيص لما ورد فى هذا العمل الصادر عن دار المعارف للطباعة و النشر ، سوسة - تونس منذ عقود الآن .

و إذ نقوم بهذا فلأنّ جلّ المقالات التى قرأناها عن محمود درويش فى الجرائد و المجلاّت السائدة فى المدّة الأخيرة أهدرت جانبا جوهريّا فى تجربته الشعريّة و النضاليّة فقدّمت صورة مشوّهة عنه بحيث يصبح مقبولا لدى الرجعيّة و لأنّنا شعرنا أنّه من الواجب إلقاء شيء من الضوء ( لا أكثر و لا أقلّ – حتّى لا يحمّل المقال ما لا يسعه حمله ) على هذا المظهر الثوريّ فى عمل من أعمال الشاعر الفذّ علّنا نساهم فى إبراز هذا الجانب الثائر الذى تريد الرجعيّة طمسه و إهالة التراب عليه .

و أمّا من يرغب فى دراسة ( و لما لا التفاعل النقديّ مع ) موقفنا بشأن تحرير فلسطين و تحرير الإنسانيّة بأسرها الذى صغناه إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعية الجديدة ؛ فننصحه / ننصحها بمقالنا " تحرير الجماهير الشعبيّة الفلسطينيّة و تحرير الإنسانيّة و ضرورة الشيوعيّة الثوريّة " و بما ورد بهذا المضمار فى كتابينا " ضد التحريفيّة و الدغمائيّة ، من أجل تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا " و " الوطنيّون الديمقراطيّون الماركسيّون – الليبنيّون يحرّفون الماركسيّة – اللينينيّة " و هي كتابات متوفّرة على صفحات مكتبة الحوار المتمدّن و بالموقع الفرعي لناظم الماوي بالحوار المتمدّن .

1/ من خلفيّة الشاعر:

ولد محمود درويش بعد ثورة 1936 بخمس سنوات أي فى مارس 1941 و قبل إنشاء الكيان الصهيوني بسبع سنوات ، فى قرية صغيرة إسمها البروة ، قرية هدّمها الصهاينة و غيروا معالمها و إسمها . إثر إنشاء الكيان الصهيوني ، إضطر إلى الرحيل بمعية عائلته وهو طفل إلى لبنان ليعود بعد سنة و يقيم فى قرية " دير الأسد " .

و مذّاك غادر الطفولة ليعتاد حياة الكبار و قضاياهم . " و عندما بلغت السابعة ، توقفت ألعاب الطفولة إلى مرحلة جديدة قاسية " .

عاش مرارة التناقض بين إنتمائه و أهله منذ أجيال إلى أرض فلسطين العربية و بين حرمانه من الجنسيّة فى هذا الوطن . و بالرغم من كل ذلك ، ظل يفتخر بجذوره الطبقية التى تشدّه شدّا لا فكاك منه إلى أرض فلسطين :

" أبى من أسرة المحراث
لا من سادة نجب
و جدّى كان فلاّحا
بلا حسب و لا نسب "

و تابع محمود درويش دراسته الإبتدائية فى مدرسة قرية " دير الأسد " و الثانوية فى مدرسة " كفر ياسيف " و هناك علّمته إحدى المعلّمات فهم الثورة كعمل أدبيّ . و أخذ عن أخيه الأكبر أحمد بدايات إهتمامه بالأدب .

دخل سجون الكيان الصهيوني أكثر من مرة أولاها سنة 1961 ثم زجّ به فى غياهب السجن ثانية سنة 1965 بسبب سفره دون تصريح إلى القدس للمشاركة فى امسية شعرية ألقى فيها قصيدته " نشيد للرجال " و من أبياتها :

" سنصنع من مشانقنا
و من صلبان حاضرنا و ماضينا
سلالم للغد الموعود
ثم نصيح : يارضوان
إفتح بابك الموصود " .

2/ " أوراق الزيتون ":

عنوان المجموعة الشعرية ذاته شديد الإيحاء فشجرة الزيتون ترمز للثبات و الرسوخ و الصمود فى وجه الأعاصير و عمق الجذور و من ثمة يحيلنا العنوان إلى تمسك الشعب العربي الفلسطيني بإثبات وجوده و حقه فى أرضه أمام الهجمة الصهيونية الساعية لإقتلاع العرب من أرض كنعان .

" جذوري قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتّح الحقب
و قبل السرو و الزيتون
و قبل ترعرع العشب "

( من قصيدة " بطاقة هويّة " ).

و تتنزّل هذه المجموعة الشعريّة حسب رأي محمود درويش عينه فى مسيرته الشعريّة ضمن المرحلة التى سماها مرحلة " الثوريّ الحالم " . فهو يعبّر فى ثورته عن الأوضاع التى يعانى من جراءها الإنسان العربي الفلسطيني فى الأرض المحتلة المادية منها و المعنوية و لا يتوقف عند حدود الرومنسية الغنائية بل يتجاوز التعبير المباشر إلى تقديم صور إنسانية مختلفة ، نابضة بالحياة و مواقف ملحمية مؤثرة .

3/ الشعر فى نظر محمود درويش :

1- الشعر و الواقع :

ورد على لسان محمود درويش : " أنا أعتبر نفسي إمتدادا نحيلا ، بملامح فلسطينية ، لتراث شعراء الإحتجاج و المقاومة إبتداءا من الصعاليك حتى حكمت و لوركا و أراغون الذين هضمت تجاربهم الشعرية و الحياتية و أمدونى بوقود معنوي ضخم ." و أضاف فى مكان آخر " شعر المقاومة كما أفهمه تعبير عن رفض الأمر الواقع – معبأ بإحساس ووعي عميقين بلا معقولية إستمرار هذا الواقع وبضرورة تغييره و الإيمان بإمكانية التغيير ".

و حتّى يستكمل محمود درويش دعائم نظرته الثورية أصرّ على التسلح بالمعرفة العميقة للتراث و للواقع للمساهمة فى تغيير هذا الواقع تغييرا جذريا . و ما كان ذلك بالأمر الهيّن حين لم يكتف بشخصه بل آل على نفسه دعوة الآخرين للنسج على منواله .

" فمن يكتب قصيدة
فى زمان الريح و الذرة
يخلق أنبياء "

( صفحة 84 من " أوراق الزيتون " )

إنّها بلا أدنى ظل للشكّ دعوة صريحة و صادقة لشعراء الثورة للخلق و الإبداع لكي تنهض الكلمة بدورها فى معركة مصير شعب .

2/ خط التمايز و الإنحياز :

لدى محمود درويش ، لا بدّ للقصيدة أن تؤدّي مهمّة شحذ همم الأصدقاء و بعث الحبور فى أنفسهم .هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى ، لابد لها أن تصيب العدوّ لا فى مقتل و لكن على الأقل فى نقطة موجعة تغيضه .

" لو سرّت أشعارى خلانى
و أغاضت أعدائي
فأنا شاعر " .

و كان إيمانه بضرورة مساهمة الحرف و الكلمة فى الصراع المصيري للشعب راسخا لا يتزعزع :

" آمنت بالحرف ...إمّا ميّتا عدما
أو ناصبا لعدوى حبل مشنقة
أمنت بالحرف ...نارا لا يضير إذا
كنت الرماد أنا أو كان طاغيتى . "

3/ سلاح الشعر :

أداة هو فى النضال لدفع الظلم عن الأرض و الإنسان فإن سقط شهيد أو سقطت شهيدة حمل الراية بعده/ها ألف مناضل و مناضلة منهم الشاعر و الشاعرة .

" حملت صوتك فى قلبي و أوردتى
فما عليك إذا فارقت معركتى
كل الرواية فى دمى مفاصلها
تفصّل الحقد كبريتا على شفتى
و إن سقطت و كفى رافع علمي
سيكتب الناس فوق القبر لم يمتِ " .

و الكلمة فى نظر محمود درويش ينبغى أن تكون قوية شديدة و حادة حدّة السيف القاطع لأجل أن يتحقق النصر :

" أطعمت للريح أبياتي و زخرفها
إن لم تكن كسيوف النار قافيتى ."

4/ الشعر منارة :

" أن أنقل قضية شعبيّ بكل ّ أبعادها إلى الصفحات التى تستحقها فى ديوان الشعر الإنساني فهذه هي القضية ، حلقة من صراع الإنسان المسحوق ليأخذ دوره الذى يستحق فى الحياة و فى نشاط البشرية " .

فى ما مرّ بنا لمسنا أن شاعر المقاومة صنف شعره ضمن شعر المقاومة على النطاق العالمي فهو هضم تجارب الصعاليك وصولا إلى أعظم تجارب الشعر المقاوم عالميا حكمت و لوركا و آراغون و هانحن نلفيه يعيد التأكيد على البعد العالمي الإنساني لطموحاته و تطلعاته وهو يتبنى كسابقيه جعل الشعر منارة للبسطاء و المسحوقين طبقيا و وطنيا و قوميا :

" قصائدنا بلا لون
بلا طعم ...بلا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت
و إن لم يفهم " البسطاء" معانيها
فأولى أن نذريها
و نخلد نحن للصمت ".

5/ مواصفات الشعر و صفات الشاعر :

و حتّى يتسنّى لهذا الشعر أن يحقّق أهدافه ، لزم أن يتحلّى بالوضوح و الإثارة :

" أجمل الأشعار ما يحفظه عن ظهر قلب كل قارئ ...
فإذا لم يشرب الناس أناشيدك شربا قل : أنا وحدى خاطئ
و الشاعر فى معركته شعرا و قولا و فعلا طاقة كامنة و زلزال و أعاصير :
هكذا الشاعر ، زلزال و إعصار مياه
و رياح ...إذ زأر
يهمس الشارع للشارع : قد مرّت خطاه
فتطاير ياحجر ".

4/ رباعي الأرض /الأم /الوطن / الحبيبة فى شعر محمود درويش :

و الوطن لدي محمود درويش حياته بداتها و منتهاها ، له يعيش و من أجله يموت :

" وطنى لم يعطني حبّى إليك
غير أخشاب صليبي
وطني ، يا وطني ، يا أجملك !
خذ عيوني ، خذ فؤادي ، خذ حبيبي ."

لقد مزج شاعر المقاومة الوطن و الحبيبة ليمدّ تجاربه الشعرية بنفس عاطفي خصب و يولّد تلك المعاني الحية حيث تستحيل القصيدة إلى ومضة ، إلى حلم ميزته الوطنية و تتشابك فيه الفتاة مع الوطن فلا يعود بإستطاعة أحد أن يفرق بين عاطفةحب فتاة أو أمّ و بين عاطفة الحب للأرض و الوطن . و هكذا تغدو الأرض ذات عينين ساحرتين منهما يتطاير الهجر و الحب و المنفى و العودة و هما تتطلعان إلى المستقبل .

و يبدع محمود درويش الصور و التشابيه ليرسم شكل حب الوطن/ الأرض / الأم / الحبيبة و مدى تعلقه بهم فى قصيدة غاية فى الروعة لحّنها و غنّاها لاحقا مرسال خليفة :

" أحبّك حبّ القوافل واحة عشب و ماء
و حبّ الفقير الرغيف
كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة
وجدنا غريبين يوما
و نبقى رفيقين دوما ."

5/ مكانة القمح و الشجر:

و كيما يستمرّالإنسان الفلسطينيّ فى العطاء و النضال و المقاومة لا بد من أن يتوفر له الأدنى الحياتي و نقصد الأكل و المشرب و هما يتعرضان على الدوام للتهديد الصهيوني بما يجعل الشعب مهددا دائما بالتجويع فيطرأ على القيم النضاليّة تغيّر يجعل الفلسطينيّ المناضل يعيد ترتيب الأولويات :

" إنّا نحبّ الورد
لكنّا نحب القمح أكثر
و نحب عطر الورد
لكن السنابل منه أطهر ".

و فضلا عن تلك الدلالات ، تمّدنا السنابل بموجب العصا الشعرية لمحمود درويش بصورحبلى بدلالات إستمرار الحياة و الأمل و المستقبل الوضاء :

" و حبوب سنبلة تموت
ستملأ الوادي سنابل "

و لمحمود درويش مع الشجر أواصر و روابط خاصة فهو يعترف أنه منه يتعلّم الثبات و الرسوخ فى المقاومة . نقرأ له فى مؤلفه "شيء عن الوطن " ، صفحة 91 " و الشجرة يتحرّك ... و لكنه يتحرك إلى الأعماق و إلى الأعالي و لا يغادر وطنه و هذا هو سرّ قوته ، رسوخ فى الأرض و تطلع إلى الآفاق فلنأخذ منه الحكمة و لنتعلم درسا فى حبّ الوطن . إذا فكر الشجر بالهجرة من أرضه ...مات . و لكنّه لا يفعلها لأنّه لا يريد أن يموت قبل الأوان ."

و من هنا نربط هذا الكلام بعنوان المجموعة الشعرية موضوع هذا المقال فنقول لا غرابة إذن أن يكون عنوانها " أوراق الزيتون " و نحن نعلم مدى رسوخ هذه الشجرة التى تموت واقفة .

و لا غرابة أن يكون شعر محمود درويش فنيا راقيا مرتبطا بالواقع إرتباط جذور الزيتون بالأرض و متطلّعا إلى الأعاليّ ، كما النخل . و فى آن يتكشّف شعره عن الثورة و الأحلام ، عن الصلابة و الرومنسيّة :
" غضب يدى
غضب فمي
و دماء أوردتى عصير من غضب "

و للمرّة الثالثة نعيدها لا غرابة فى ذلك فالشاعر المنصهر فى شعبه و أرضه " فخور ببلاد كلّ ما فيها يعيش من فورة الغضب " و يحلم ب " حبوب سنبلة تموت ستملأ الوادى سنابل " .

و مسك الختام أبيات من قصيدة " الأرض " :

أسمّى التراب إمتدادا لروحى
أسمّى يديّ رصيف الجروح
أسمّى الحصى أجنحه
أسمّى العصافير لوزا و تين
أسمّى ضلوعي شجر
و أستل من تينة الصدر غصنا و أقذفه كالحجر
و أنسف دبابة الفاتحين
...
أنا شاهد المذبحه
و شهيد الخريطه
أنا ولدُ الكلمات البسيطه
رأيت الحصى أجنحه
رأيت الندى أسلحه
عندما أغلقوا باب قلبي علياّ
و أقاموا الحواجز فيّا و منع التجوّل
صار قلبى حاره
وضلوعي حجاره
وأطلّ القرنفل
و أطلّ القرنفل ."

---------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا