الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعاكظٌ الرعونة و أدمغة أطفال المسغبة

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2017 / 8 / 11
الارهاب, الحرب والسلام


في تقرير مشترك أصدرته منظمة هيومان رايتس وتش، ووكالة أسوشيتد برس ترد شهادات موثقة عن "حشر البشر في حاويات الشحن البحري الملطخة بالبراز، معصوبي الأعين لأسابيع، يُأخذون منها لجلسات التعذيب الجسدي والاغتصاب، ومن ثم الشَيَّ بربط جسد المعذب على عمود معدني ومن ثم تدويره فوق النار المشتعلة" كما لو أنه "دجاجة في فرن الشواء"، بحسب تعليق الباحثة كريستين بكرلي الناطقة باسم المنظمة نفسها.
ولكي لا يُرهَقَ القارئ العزيز في متاهة التفكر عن أي من الأنظمة العربية قد تفتق ذهنه عن تلك التقنيات السادية المبتكرة في التعذيب، والتي بدت للوهلة الأولى لكاتب هذه السطور عند قراءتها بأنها قد تكون من تفتقات المخابرات السورية التي خبر بربريتها على جلده بشكل ملموس محسوس كما هو حال كل السوريين المظلومين، ولكن يبدو أنها في الحقيقة، بحسب التقرير السالف الذكر تحدث في أرض اليمن الحزين، بإشراف ممنهج من دولة عربية من قوات التحالف العربي لتحرير اليمن.
في نهاية العام 2015، أصدر جهاز الاستخبارات الألمانية مذكرة تمّ تعميمها على وكالات الأنباء العالمية وصفت فيه المملكة العربية السعودية بأنها انحرفت عن "سياسة المواقف الدبلوماسية الحريصة للأعضاء الأكبر سناً في الأسرة الحاكمة في المملكة إلى سياسة رعناء للتداخل السياسي والعسكري" بشكل يقود إلى تهديم "الاستقرار في العالم العربي" بحسب وكالة الأنباء الألمانية دويتشه فيله. وهو التقرير الذي علق عليه محررصحيفة الإندبندنت آنذاك بأنه "تصوير لمحمد بن سلمان ابن التاسعة والعشرين، الإبن المفضل لوالده -الذي يعاني من الخرف- على أنه مقامر سياسي"، ليخلص بعدها في تحليل لمقابلات ذلك الأخير الإعلامية بأنّه "ساذج متعجرف يسلك سلوك المقامر الأرعن الذي يرفع قيمة ما يقامر به تالياً لخسارته لأي جولة مقامراتية" كما لو أنّه لإثبات رباطة جأشه وسيطرته على مقاليد اللعبة. وهو الأمير الذي وصفته المتحدثة باسم منظمة هيومان رايتس وتش الآنفة الذكر بأنّه "محض طفل مسؤول عن الحرب الكارثية في اليمن دون سياسة أو خطة أو استراتيجية لتلك الحرب سوى التهشيم والتدمير لليمن بأكمله لسنتين ونصف". و اليمن التعيس قد صار بحسب المنسق لإغاثة الطوارئ في الأمم المتحدة ستيفن أبراين "الكارثة الغذائية الأكبر على المستوى العالمي، والذي يعيش فيه أكثر من 17 مليون مواطن في رعب عدم وجود غذاء كافٍ لهم، أكثر من 6.8 مليون منهم على شفا المجاعة الحقيقية، ويتوقع أن تصل عدد إصابات الكوليرا فيه إلى 150000 حالة خلال الأشهر الستة القادمة، بالإضافة إلى 60000 حالة مشتبه بها، و500 حالة وفاة منذ شهر أبريل المنصرم". وهو اليمن الحزين نفسه الذي وصفته الصحفية المتخصصة بشأن شبه الجزيرة العربية ميديا بنجامين بأنّ قوات التحالف قد دمرت فيه معظم " المزارع ، و بنى إنتاج وتخرين الطعام، و البنية التحتية لمياه الشرب، و الأسواق، وحتى ميناء الحديدة والذي منه كانت تأتي معظم المساعدات إلى اليمن".
إنها تراجيديا كالحة يتلطى بين تلافيفها مستقبل مهول لكل أولئك الأطفال المدنفين جوعاً، والذين لا يعتقد بأن أجسامهم النحيلة تستطيع أن تطيق عدوانية جراثيم الكوليرا، والتي إن نجوا منها، فكيف لهم أن ينجوا من هول نقص النمو الدماغي الذي أصبح كارثة محيقة في غير موضع عربي في المسغبة العربية السرمدية من سورية المكلومة الثكلى، و العراق الجريح المهيض الجناح، إلى الصومال المنسي، وصولاً إلى اليمن المحزون، والمرتبط أساساً بحقيقة أن تطور الدماغ البشري مشروط من الناحية العضوية والفيزيولوجية بحصوله على وارد مناسب ومستمر من البروتينات خلال السنوات السبعة الأولى من عمره، وهي التي لا تستطيع أبدان البشر تخرينها كالدهون والسكريات، ولا تستطيع أثداء الأمهات الواهنات تقديمها لأبنائهن بعد أن نال الهزال من كل المتبقي من بروتينات في عضلاتهنّ، ولم يعد لديهنّ من سبيل ممكن لتقديم عصارة أرواحهنّ للحفاظ على حياة فلذات كبدهنّ حتى إن أَرَدْنَ ذلك.
هذا عدا عن كارثة أنّ أجيالاً عربية بأكملها لم تنل من التعليم شيئاً، وبعضها لم يعرف ما هي المدرسة أصلاً، لتضيف إلى العطب الفيزيزلوجي التشريحي في أدمغة أجيال المستقبل، عطباً تربوياً في مجتمعات عربية صُيّرَتْ فاشلة بإرادة مستنسخة عن همم ملوك الطوائف وملكهم العضود المضيع في الأندلس.
بحسب بحث علمي نشر منذ أيام قليلة في مجلة علم النفس العصبي المرموقة فإن "أعطاب الدماغ التشريحية والوظيفية"، والتي قد يكون نقص النمو الدماغي الناجم عن المسغبة في اليمن نموذجاً عيانياً مشخصاً عنها بامتياز، " تقود إلى سهولة تبني التعصب الديني جراء تحدد قدرات المرونة المعرفية، و السلوكية للمصاب بها"، وهو ما يعني أن جيلنا العربي بأكمله متواطئ بدرجات مختلفة في جريمة تنشئة أجيال عربية مؤوفة معاقة جسدياً وعقلياً ليس لها من طريق تستطيع إبصاره في مستقبلها إلا الارتماء في أحضان التطرف على طريقة الخبث الداعشي أو أي من إصداراته القادمة في قابل الأيام .
وقد يصح الاعتقاد بإيمان كل الحكام العرب بصحة مقول المتنبي بأنّ "الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني"، وأنّ هناك حكمة غيبية عليا محجوبة الستار تنزّلت في أفئدتهم، لا يستطيع إدراكها الرعاع والدهماء من أبناء شعوبهم المظلومة المقهورة، وأنّ كل الادعاءات السالفة الذكر هي محض جحود وجهل وتنكر لمصداقية الُمسَلَّمَةِ بأنّ "المرء بأصغريه قلبه ولسانه". فإذا كان الحال كذلك أفليس من الأولى الاحتكام إلى التعاكظ؛ وهو الحجة، والبيان، والمناظرة، على طريقة سوق عكاظ العربي الذي ولدت لغتنا العربية الراهنة من رحمه، بدل التمترس في خندق إفناء، و تهشيم، و حصار، و تجويع الأخوة، و المطالبات بتكميم الأفواه، و ووأد الأقلام، وإغلاق الصحف والأقنية الفضائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا