الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسوا نويل بابيوف - آخر العاطسين فى الزكائب-

محيى الدين غريب

2017 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


دراسة وتقديم محيى الدين غريب
11/8/2017

الفرنسى بابيوف، الصحفى والمحرض الأولالسياسى أثناء وبعد الثورة الفرنسية، ولد فى سان كانتان في نوفمبر1760، وأعدم فى 1797 عن عمر لم يتجاوز السابعة والثلاثون.

بابيوف يعتبر رائد المذهب الاشتراكى حيث وضع خطوطه الرئيسية خمسة قرون قبل أن تتبين تفاصيله لفلاسفة الاشتراكيين، حتى أن كارل ماركس وفريدريش إنجلز يعتبرانه سابقا لعصره كرائد للتغيير من أجل مجتمع جديد، وكأول مؤسس لحزب شيوعي فاعل يهدف إلى المساواة الكاملة وسعادة الجميع على الارض.
ويمكن إعتبار بابوف من أول منظري ديكتاتورية الطبقة العاملة التى تستند إلى قوة العسكريين، وكان له أبلغ التأثير على الحركة الاشتراكية طوال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى، كما جاء فى كتاب * بوناروتي.

نشأ فى عائلة فقيرة ومضطهدة لكونها تتبع المذهب البروتستانتى، هرب والده من الجيش إلى خارج فرنسا،
وعاد إليها وعاش فقيرا. ويقال أن أبنه فرنسوا تعلم القراءة من الجرائد المهملة، ولكن أبوه إستطاع أن يعلمه حب الوطن والقراءة والنضال من أجل الشعب ومقاومة الطغيان. أهم ما حققه هو حصوله على لقب جراشوس ** Gracchus ليحقق رغبة أبوه قبل وفاته ويصبح واحدا من رجالات الثورة الفرنسية.

عمل بابيوف بالصحافة وفى العديد من الوظائف الحكومية فى ثمانيات هذا القرن قبل وأثناء الثورة، أعطته تلك الوظائف خبرة هائلة لاقترابها مباشرة من معانات الفلاحيين ومشاكلهم ونضالهم ضد الإقطاعيين الكبار، مما ساهم مساهمة فعالة في قناعاته وفى وعيه وضميره ضروروة النضال من أجل المساواة الحقيقية بين الناس على النسق الشيوعى.
حين نشبت الثورة كان فى التاسعة والعشرين، قام بحرق سجلات ومحفوظات النبلاء إنتقاما منهم، ثم انخرط مع الثوار وتقلد مهام بيع الأملاك المصادرة وتوزيعها على الفقراء بجانب تحريضه للفقراء بعدم دفع الضرائب حتى تكتمل حقوقهم. سجن عدة مرات، وأتهم بالإختلاس، وأتهم بالتآمر لقلب نظام الحكم بالعنف.

كانت مشكلة بابيوف الأساسية أن الثورة الفرنسية كانت ثورة إجتماعية، وليست ثورة إشتراكية، ثورة الطبقة البورجوازية على الطبقة الإرستقراطية. نادت بالحرية والملكية الفردية، لكن لم يتحقق فيها المساواة الكاملة، لذلك نادى بإلغاء الملكية الفردية وإعادة توزيع الممتلكات العامة على الفلاحيين.
ومن هنا بدأ تحول الفكر الاشتراكى الى نظام ايديولوجي ومن ثم إلى صراع إجتماعي سياسى.

وكما حدث ويحدث غالبا فى السنوات الأولى فى معظم الثورات الكبرى، بدءا من محاولات تقويضها، إما بثورة مضادة، أوعودة الدولة العميقة، أو الإنقضاض عليها وتحريف مسارها، وحتى إشعال الفتن، واختلاف زعماءها وتشكك بعضهم من البعض، وتآمر بعضهم على البعض الآخر، وأخيرا وكما حدث فى الثورة الفرنسية الحكم على زعمائها بالإعدام بالمقصلة، بحجة خيانة الثورة أومعارضة أهدافها، أو ما إلى ذلك.

فبينما كانت مقاصل الثورة تعد لإعدام المستبدين الظالمين لحقوق الشعوب، أعدت هى ذاتها فى وقتا لاحق لإعدام ما كانوا منذ قليل أبطالا.
فلقد فصمت المقاصل فى سنوات قليلة أبان الثورة الفرنسية أكثر من عشرة آلاف، هم من العاطسين فى الزكائب. وكان أهل باريس أيام الثورة الفرنيسة يتفكهون بأن كل من فصمت رأسه المقصلة أنه عطس فى الزكيبة. فقد كانت هناك تحت المقصلة زكيبة تسقط فيها الرؤوس المقطوعة، حيث يحق لهذه الرؤوس أن تعطس فى الزكيبة للمرة الأخيرة. ومن ثم كان هذا العصر عصرا عاطسا.

وكما حدث ويحدث فى معظم الثورات الكبرى، تختلط المبادئ بالطبيعة البشرية ونقائضها من وفاء وخيانة، ومن إخلاص وتآمر، ومن طموح وخنوع، ومن عطاء وحقد، حتى أصبح الإعتدال تهمة، والتطرف تهمة، والتسامح تهمة. فاشتد التناحرفى سبيل السلطة بين زعماء الثورة، وبالغ بعضهم فى العنف وسفك الدماء مما ساعد على استقواء الملكيين على الجمهوريين، وسقط روبسبيير فى 1794، وسقطت حكومة الثورة لتحل مكانها حكومة إدارية.

فى مثل هذه الأجواء تجمع حول بابيوف الثوريين وأصدر جريدته منبر الشعب مهاجما الحكومة لإعادة دستور الثورة الذى ألغى بعد سنتين من إعلانه، والمطالبة بالمساواة السياسية والاقتصاجية الكاملة.
زج به فى السجن، وأغلقت جريدته، وكان فقيرا حتى أن إبنته ماتت جوعا وهو فى السجن. بعد الإفراج عنه عاد فأنشأ جمعية المتساوين، داعيا إلغاء الملكية الفردية الزراعية.

وكان الجنرال نابليون بونابرت قد تسلل إلى الحكم بعد أن أبدى ولائه للحكومة الإداريه وساعدهم في القضاء على المظاهرات وأغلاق جمعية المتساوين، ثم وزج ببابيوف فى السجن، بعدها إنقلب على الحكومة الإداريه وعلى البرلمان فى نوفمبر 1799، مستغلا سئم الشعب للعنف وللدماء ولعدم الآمان، ومستغلا لفزاعة الأمن ومتحالفا مع حكومة فاسدة. ولم تمر أعوام قليلة حتى أعلن بونابرت نفسه امبراطورا لفرنسا، واستطاع أن يسخر الثورة لينشأ إمبراطوريته العسكرية المترامية التى أدخلت فرنسا فى حروب ونزاعات طائلة.

أما بابيوف فقد حكم عليه بالإعدام بالمقصلة هو وأنصاره من الجيش والبوليس. ودافع عن نفسه ببسالة أمام القضاء فى ستة جلسات أحتوت على 800 صفحة (لم تنشر كاملة إلا فى عام 1884)، أنكر فيها تهمة التآمر على قلب نظام الحكم بالعنف، وأنه كان يدعو إلى تطبيق نظام إشتراكى متكامل استلهم أفكاره من الفلاسفة العظام أمثال دنيس ديدرو وجاك روسو.
هرب له أبنه خنجرا فى السجن، إذ كان يفضل أن يموت بيده لا بيد أعدائه على عادة الرومان. ولكنه لم يمت، وأخيرا سيق إلى المقصلة حيث عطس فى الزكيبة، لكي يكون آخر العاطسيين فى الزكائب.

* كتاب بوناروتي عام 1828 بعنوان تاريخ مؤامرة الانداد ( المعروفة بمؤامرة بابوف)، والذي كتبه بناء على وصية باببوف (صديقه فى الكفاح).

** Tiberius المصلح الاجتماعي الروماني وشقيقه Gaius فى القرن الثانى قبل الميلاد، الملقبان بلقب جراشوس- Gracchus، قاما بسن تشريعات لإعادة توزيع أراضي الأرستقراط على الفقراء، وتحرير العبيد. اغتيلا كلاهما على يد أعداء الإصلاح لتصبح أسماؤهم رمزا للوطنية والشجاعة لتحقيق المساواة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. امتعاض واعتراض وغرامات.. ما رأي الشارع العراقي بنظام المخالف


.. عبد الله حمدوك: لا حل عسكريا للحرب في السودان ويجب توحيد الم




.. إسرائيل أبلغت دول المنطقة بأن استقرارها لن يتعرض للخطر جراء


.. توقعات أميركية.. تل أبيب تسعى لضرب إيران دون التسبب بحرب شا




.. إبراهيم رئيسي: أي استهداف لمصالح إيران سيقابل برد شديد وواسع