الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملحمة

صيقع سيف الإسلام

2017 / 8 / 13
الادب والفن



هو ذا اليوم الموعود المنتظر ، قبيلة إليا كلها ترتقب وصول المرسوم الملكي التكريمي لأبطال معركة « سن تزو» . معركة سن تزو هي المعركة الكبيرة ، الحامية الوطيس ، التي جرت بين كبرى قبائل المنطقة ، و قد منيت العشائر كلها بالخسارة ، حتى عشيرة «أشعي » و عشيرة«نيبا» . . خسارة العشائر كلها جاءت على يد رجل واحد هو«إليا» ، ومنه نالت القبيلة المنتصرة اسمها .إليا رجل حكيم متدين ، عقيدته الوحيدة هي تنوير السلوك ، تنوير من الآلهة المقدسة التي يؤمن بها ، و إضافة إلى رهبانيته يمتاز بحنكة شديدة في الحياة وأدابها العامة ، يلجأ إليه في المحافل الكبيرة إذا عصفت بالقوم و انحنى دونها من هو في مكان التصدي لها ، و لدرايته العتيدة بمؤلف الفيلسوف الصيني « سن تزو» ، مؤلف كتاب فن الحرب ، كذا على غرار مهارته الذهنية الواسعة في تأسيس الخطط و رسم الاستراتيجيات ، كذا قدرته القوية على كبح غمار مشاعره و انفعالاته من التوتر و الخوف . كل ذلك كان يشكل عنصرا متحدا يصعب التعامل معه ، فكم هزيمته صعبة ، أرهقت عقول فذة من بقية المدائن ، و السر في هذه العظمة لم يكن شيئا قريبا من مؤهلاته الذهنية ، إنما لصلاح قلبه ، وهو أمر يجهله بني البشر كحقيقة بديهية تؤسس لغيرها من الحقائق ، أن صلاح النفوس هو الساحة التي تبنى عليها الخوالد ، وبالخوالد أقصد تلكم الأعمال الدائمة ، الكامن من خلفها مسرح عريض من الخير و المحبة ، و كم أنا مدرك لكل هذا ، هو عائد إلى طبيعتي و تكويني ، الذي ستكتشفه لاحقا . . . وصل المرسوم الملكي تكريما لأبطال معركة سن تزو ، على رأسهم الحكيم إليا ، وقد احتفت بهم الناس و بعملهم الشريف ، الذي أنقذهم من الهلاك ، وكعربون ثقة ، اقترح نفر من أهل هذه القبيلة تولية إليا كمسؤول عن القبيلة ، يقوم بمهامها ، يبلغها مبلغ الأمن و الرزق ، ليس أجدر منه أحد بعدما رأوا خباياه من الحذق السياسي و العسكري ، وقد كان متوقعا جدا ، أن الأغلبية ستوافق على مثل هذا القرار المفيد و المعقول ، ثم إلتحق تصويت الباقين تأييدا من المعارضين حينما أدركوا بأبصارهم الإنجازات و التقدمات التي شهدتها تلك القبيلة من صنع إليا، على مستويات وفيرة ، كسلوك الأفراد و تقدم الزراعة و التبادل التجاري ، حتى ارتفاع مستوى التعليم بما يتناسب و حال السكان ...الخ ... على مر وكر تلك السنين ، لم يكن إليا حاكما إلا من خلال مبدأ واحد يردده أينما حل واينما ارتحل ، يرافقه في ذلك تلاميذه الثلاث ، يقول المبدأ :
« الحرب خدعة ، امنح مثلما تمنح لنفسك ، عالج الخاطئ ».
كانت مملكة أوغاريت راضية عن عمل الحكيم إليا ، ولأن الملك شخص بسيط مع قلب رقيق ، وإن كان ينقصه شيء من الدهاء ، لكنه امتاز بمهارة واحدة حفظت المملكة من المساوئ ، مهارة اختيار الرجل المناسب للمهمة المناسبة ، منها حسن اختيار إليا ، الأمر الذي جاء بخواتم مرضية جدا لقضية المناطق كلها ، لكن بعض الهيئات المتوافرة لم تجد قبولا منها ، بل حسدا و بغضا لإليا الراهب الحكيم ، إلا أن هذا الأخير كان حصينا و منيعا من تناوله بسهولة لفرط ذكائه كما قلت سابقا ، ولعل ما أشكل على هؤلاء الكارهين هو توحيد مملكة أوغاريت بعد معركة سن تزو ، مما جعلها متماسكة و ذات فعالية أكبر ، حيث شكلت خطرا على باق المملكتين المجاورتين ، مملكة صيدون و مملكة أويا ، وقد اتفقتا هاتين الإثنتين على الإطاحة بأوغاريت ، و بما أن الطريقة المثلى في الإطاحة بشيء هو في طريق البناء ، أن تضع لبنات من عندك تخصك ، في أجزاء متفرقة من الجدار ، حتى إذا استوى الجدار سحبت لبناتك فتهاوى على بعضه ساقطا مبعثرا أكثر من المرة الأولى .
قامت كل من مملكة صيدون وأويا متحدتين ببعث جاسوس تابع في بداية اتحاد القبائل و التفاهم بينها بعد معركة سن تزو ، قبل أن تتشكل أوغاريت كمملكة متكاملة الأجهزة يديرها مجلس عام ينتخب ملكا موحدا ، توافق عليه سائر العشائر . . . كان هذا الجاسوس هو التلميذ الثاني من تلاميذ الحكيم إليا ، وقد حفظ عنه حكمته حول الحرب و المنح و الخاطئ ، مثل باقي التلميذين .
عاش هؤلاء التلاميذ مع إليا ما يربو على العشرين سنة ، أو يزيد ، وقد جعل ترحاله بين القبائل في تعليمها و توحيدها ، قلت جعل ترحاله تلامذته محل ثقة تامة بين تلك المجتمعات ، وقد كانوا من المساهمين الكبراء في تحسين أحوال الناس ، في تحديد مفاهيم العدل و الحق ، ونبذ دساتير الكره و التنافر ، بهذا كسبوا محبة الآخرين ، بل جعلوا لأنفسهم مكانة سامية بين الأفراد ، هي مكانة القديسين و الأنبياء ، ولم يحصل اختلاف بينهم ، كانوا بمثابة رجل واحد ، حتى أطلق فيهم ملك أوغاريت لقب « أبناء الرب خاح» ...وقد كان خاح هذا إله الأرض ، يقدمون له القرابين حتى تخصب حقولهم وينبت محصولهم ، لكن سرعان ما تغير هذا اللقب إلى آخر هو « ابناء إليا » ...جاء هذا التغيير اثر الوفاة المفاجئة للحكيم إليا ، ولم يقدر اطباء المملكة على تحديد سبب وفاته ، يبدو أنه كان سببا ناشئا عن ثقافة ثانية في التطبيب و الكيمياء ، ربما ، و للوهلة الأولى كان الخبر يعبر عن فاجعة هزت أوغاريت كاملة ، كل قلب إنسان منها كان ينزف على رحيل هذا الحكيم العظيم ، ولقدره الفخم أقاموا له تمثالا عند قبره كتب عليه : « إليا الراهب الحكيم ، الموحد العظيم لمملكة أوغاريت ، البطل الأول في معركة سن تزو ، الأب للأبناء الثلاثة (التلاميذ)» . . . على اثر موت إليا بدأ نوع من التشقق يعيد بعث نفسه بين العشائر ، و صارت كل قبيلة تحتار فيمن سيكون المرشد الروحي الجديد لهذه المملكة الكبيرة ، ثم بدأ الصراع ، كل عشيرة تقدم مؤهلا يمثلها حتى يحتل و يتتبع خطى الحكيم إليا ، لكن الملك و المجلس العام لأوغاريت تدخلا في الحين المناسب ، مبدين عن أن الوريث الحقيقي للحكيم إليا هم تلامذته ، فيكون من شأنهم العمل بمبادئ أبيهم الروحي ، ليوازنوا من حال أوغاريت ، و لم يكتفي الملك بهذا بل أضاف أنه يلزم تقسيم المملكة تقسيما وضعيا ، يكون فيه كل تلميذ مسؤول عن مدينة من المدائن الكبرى الثلاث في مملكة أوغاريت ، فيقدم كل تلميذ من طست حكمته الموروثة عن أبيه ، ما يقيم به شأن تلكم المدينة و ذاك القطاع ، وقد نال هذا القرار الموفق من الملك استحسانا شديدا من العشائر المتوافرة ، جلب لها الهدوء و الاستقرار ، كذا استمرار الوحدة و الاجتماع لا التفرقة و النزاع .

الفترة الأولى : فترة حكم التلاميذ

مدينة ميثانا : تحت حكم التلميذ الأول

استقل التلميذ الأول بحكم مدينة ميثانا ، معتمدا في ذلك مبدأ استاذه « الحرب خدعة ، امنح مثلما تمنح لنفسك ، عالج الخاطئ» . . . و لم يمر دهر بعيد حتى استقرت أحوال سكان مدينة ميثانا ، فغابت عنهم المفاسد الإجتماعية ، و الحالات المزرية من الفقر و القتل و الطائفية ...الخ...وبدأ السكان يدخلون في نوع من الترف الفكري ، فصاروا لا يهتمون بمسالة القمح و الشعير ، حيث كان هناك تنظيم شامل قام به التلميذ الأول ، فجعل تقسيم الأعمال بناءا على الكفاءات ، ثم راقب العدد السكاني جاعلا كل عمل يتم عن طريق شخصين ، حتى يتوفر وقت فراغ ، وقت فراغ من أجل دخول المعهد العلمي الذي بناه هذا التلميذ ، وبرغم جهل التلميذ بمسائل معينة كالزراعة و التجارة إلا أنه اختار بعناية الخبراء في هذا النطاق ، وجعلهم اساتذة في المعهد يخرجون أجيالا تملك نفس الكفاءات الخبيرة و المتقنة ، وبرغم الفروع القليلة في المعهد إلا أن اثره جاء سريعا ، تحسن في كلا الجانبين الكمية و النوعية بالنسبة للزراعة ، تطوير في اساليب التجارة بدل المقايضة البدائية ، انتاج آلات صناعية بمواد بسيطة تقوم بتحقيق بنايات جديدة أمتن ، وبهندسة أفضل ، تحفظ مساحة واسعة ، أيضا ذات مقاومة أشد ، إلى غير ذلك من الأمور الجديدة النافعة التي أتى بها نظام التعليم في المعهد . . . وقد كان التلميذ الأول يبني خطته كاملة في تطوير ميثابا على اساس نظام تعليم جيد ، مع الوقت تطورت الفروع القليلة إلى فروع كثيرة ، يتوسع بها مكان المعهد ، حتى صار شيئا يشبه أحياءا كاملة في مدينة ميثابا ، و على جدوى كل هذا التقدم ، لم يكن التلميذ الأول يكثر من ترديد مبدأ معلمه إليا ، بل جعل منه سلوكا ، كعقيدة إليا : سلوك التنوير ، حيث افتتح فرعا صغيرا ضمن المعهد يشرح أفكار مبدأ الأستاذ إيليا ، إلا أنه جعل النصيب الأعظم في تطوير اساليب العيش ، مستغلا في ذلك القسم الثالث من مبدأ إليا « عالج الخاطئ» ، اي جعل التلميذ الأول في هذا البند معنى خاصا لكلمة عالج لا تعني بالضرورة العقاب ، بل أبدى عن خطأ الخاطئين أنه لتكفير أخطائهم يلزم عليهم القيام بخدمات مجانية ، كتنظيف المدينة ، تقديم دروس مجانية ضمن المعهد لمن يحسن التعليم منهم ، اصلاح منشآت متهدمة ، حرث الحقول ...الخ ...بهذه الوتيرة بلغت ميثابا مستوى متقدم جدا يفوق باقي مدينة التلميذين ، حيث اثار هذا حنقة التلميذ الثالث ( الجاسوس) ، خصوصا بعد تكريم التلميذ الأول من جهة الملك ، حتى صار يطلق عليه «إليا الثاني» . . . هناك قام التلميذ الثالث بارسال رسالة إلى الأول ، بموافقة من التلميذ الثاني أيضا ، تقول الرسالة :« الإله خاح مجرد أسطورة تتناقض مع مبدأ الحكيم إليا ، قم بتوعية شعبك » . . إلا أن الأول كان مدركا لهذه الحيثية ، وإنما كان يؤخرها لأجل مسمى ، حتى يرتفع وعي شعب مدينة ميثابا ، تجنبا منه لثورة أهلية تسحق البلد ، علما أن العصبية و العشائرية لازالت تملك بذورا ، هكذا كانت استجابة الأول برسالة يوضح فيها ذلك إلى التلميذ الثالث و الثاني ، ولما لم يتحقق مراد الثالث بزعزعة ميثابا بثورة أهلية ، عدل عن ذلك بسن قوانين ترغيب في مدينته أوثوكا ، يريد أن يستقطب أطرافا من بقية المدائن ، كي لا يظفر الأول خصوصا بتعداد سكاني كبير له مؤهلات مرتفعة .
في أحسن الأحوال ستبقى في مدينة ميثابا عينة قليلة يمكن انتزاعها بالقوة ، وقد جاء في قوانين مدينة أوثوكا : الحصول على أرض زراعية مجانية من غير ضرائب ، القدرة على زيارة المملكتين المجاورتين ، مساعدة الفقراء على الزواج بمنحة مالية و بيت ...الخ ...الى لائحة طويلة من الترغيبات ، و التي ان استمرت ستودي بمدينة أوثوكا الى التهلكة في وقت محدود ، الأمر الذي كان يعلمه جيدا التلميذ الثالث ، لكنه كان يقدر تماما المهلة التي تسمح له بترك هذه القوانين دون تعديل ، ثم حين الضرورة يتدخل لتعطيلها أو التغيير فيها شيئا حتى يتجنب تدخل المجلس العام أو الملك في مدينة أوثوكا ، ليس هذا فقط بل أنشأ الثالث جمعية صغيرة عبارة عن محاربين محترفين شاركوا في معركة سن تزو وغيرها ، يقومون باغتيال اساتذة المعهد في ميثابا ، بعد أن دفع لهم أموالا طائلة ومنحهم مراكز متقدمة في أوثوكا ، إلا أن التلميذ الأول تدارك هذا وشدد في الجهاز الأمني محافظا على الاساتذة الجدد والذين لا ينقصون كفاءة عمن سبقهم ، مع خطة احتياط شرع فيها و هي تحضير ابنته بما يتناسب و مقام الحكم في ميثابا حتى يبقى السير الى الأمام دوما ، ويبقى إرث إليا محفوظا.

مدينة فاماغوستا : تحت حكم التلميذ الثاني

لم يستقر التلميذ الثاني على مدينة فاماغوستا إلا وهو يتساءل حول البند الأخير في مبدأ إليا : هل هو « تجاوز عن الخاطئ» أم « عالج الخاطئ» وبعد تطواف من التفكير الطويل و العميق ، خلص الثاني ، اقصد التلميذ الثاني ، خلص إلى أن البند الثالث من مبدأ إليا هو «تجاوز عن المخطئ » . . . بل بعد عهد من الزمن عدل الى خلع البند الأول أيضا « الحرب خدعة» باعتبار أن التجاوز عن المخطئ يقضي التجاوز عن معلن الحرب فهو خاطئ ، شبيه بمنح خدك الأيمن لمن صفعك على الأيسر ، وباعطاء ثوبك كله لمن طلب رداءك ، هكذا لم يبقى من مبدأ إيليا إلا « امنح ما تمنح لنفسك» . . وبرغم جودة هذا البند لوحده إلا أنه قاصر عن بناء مجتمع متماسك ، فسرعان ما هبت ريح الجريمة و العنف تعصف بين جدران مدينة فاماغوستا ، ولأن الخاطئ معفي عنه متسامح فيما فعله ، أنبت هذا من جديد الفساد من غير حاجز أو رادع يوازن الأمور ، حتى انبثقت واقفة هذه المرة الطائفية و الصراع القبلي و القتل ، بل تضاعفت الأزمة مرتين ، حين هيجان شعب فاماغوستا حول عبادة الإله خاح ، بعد أن حاول التلميذ الثاني إثبات أنه اسطورة مجردة لا صحة في شيء منها ، تحقيقا لطلب التلميذ الثالث في رسالته الشبيهة بتلك التي بعثها للتلميذ الأول .
حينذاك وبعد هبوب عجاج الفوضى و العبثية داخل فاماغوستا ، قرر الثاني ارسال رسالة يطلب فيها الشرح الأصلي لمبدأ إليا ، فقد نسي مع مرور العهود ما حوته تلك الشروح ، على أن التلميذ الثالث لم يكن الوحيد الذي يملك الشرح الأصلي ، بل أيضا التلميذ الأول ، إلا أن الثاني ولجهله المركب بأن الثالث أقرب اصدقائه من الأول خصوصا بعد رفض الأول لتصحيح عقيدة شعب ميثابا حول اسطورة خاح. . .وقد جاء في الشرح الأصلي لمبدأ إليا :
« امنح ما تمنح لنفسك هو البند المسؤول عن التكافل الاجتماعي في محو الفقر و التآزر الثقافي في محو الجهل ، عالج الخاطئ هو البند المسؤول عن تصحيح الأفعال الشاذة في المجتمع بما يقتضيه نوع الجريمة و بما يقتضيه حال مرتكب الجريمة تارة بالقتل و تارة بالحبس وتارة بالعمل الشاق وتارة بالنفي ...الخ ، الحرب خدعة هو البند المسؤول عن الدفاع ضد المعتدين من الخارج تارة بهدم الاقتصاد وتارة بالتحالف مع العدو وتارة بالهدنة وتارة بالجواسيس ...الخ ».
أما في الشرح المزيف الذي بعثه الثالث للثاني فقد جاء فيه :
« امنح ما تمنح لنفسك هو البند المسؤول عن التكافل و التآزر ، تجاوز عن الخاطئ هو البند المسؤول عن الرحمة بالمجرمين و التيسير عليهم و الرفق بهم و مساعدتهم ، الحرب خدعة هو البند المسؤول عن الدفاع عن الحقيقة ضد المعتدين من الداخل أولا قبل الخارج و الحل الأمثل في ذلك هو القتل ليكون عبرة للآخرين » .
بعد حصول التلميذ الثاني على الشرح المزيف الذي ارسله الثالث ، سارع بحماس يطبق ما كان في المخطوطة بحذافيره ، يبغي الاصلاح في مدينته بعد الفوضى ، إلا أنه زاد الطين بلة ، وصب الماء على الزيت ، حيث راح يجمع عددا من الأفراد ، يكون بهم جيش يحارب ويقمع به المتظاهرين من شعب مدينته ، حتى تنتصر حقيقة أن خاح مجرد اسطورة ، و يعود التوازن و الهدوء لهذه المدينة الجميلة ، لكن هيهات ، بل انقسمت المدينة إلى فرقتين متقاتلتين ، فرقة تمثل الشعب المدافع عن اسطورة خاح وهي الفرقة الأعظم ، و فرقة تمثل الثاني وزبانيته القليلة المنكرة لاسطورة خاح، و لم يكن الحظ حليف الثاني و زبانيته ، إذ دخلوا عليهم وأفنوهم ، بيد أن المسؤولين عن قتل الثاني لم يكونوا من الشعب ، برغم المحنة كان شعب فاماغوستا يحترم الثاني إجلالا للحكيم إليا ، بل هم عصبة مختارة التي قتلت الثاني ، عصبة اختارها الثالث لتندمج بين ابناء فاماغوستا و تنفخ في الرماد لإذكاء النار ، و لعل الغرابة تكمن في تأخر تدخل الملك و المجلس العام ، لكن سبب التأخر أتى من التلميذ الثالث الذي بث الاطمئنان في قلب الملك أنه هو وبمساعدة من التلميذ الأول ، بحكم قداسة الحكيم إليا سيصلحون وضع مدينة فاماغوستا ، داعيا ذلك إلى تأخر ردة الفعل اللازمة لمعالجة القضية ، مسببا تفاقمها مع كل زمنية تمر ، تمر لا في صالحها بل في صالح خرابها ، إنه و خلال مدة الاضطراب تلك الحاصلة من جراء الثورة الأهلية في مدينة التلميذ الثاني ، هناك استغلت العصبة التي أرسلها الثالث إلى حذف الجملة الأخيرة المكتوبة على تمثال إليا عند قبره ، جملة «الأب للابناء الثلاثة ( التلاميذ)». . . الفوضى حالت دون فطنة أحدهم لهذا الحذف.
هناك وبعد اغتيال التلميذ الثاني ، تدخل المجلس العام و الملك لايجاد حل حول من سيتزعم فاماغوستا ، بحضور الثالث فقط ، أما الأول فقد كان أسيرا للظروف ، ظروف اغتيال اساتذة المعهد وإنشاء جهاز أمن يقتص أثر القتلة ، كذا ظروف هجرة ابناء ميثابا إلى أوثوكا طمعا في المزايا و القوانين هناك ، كذا التأسيس لأرضية سليمة تمنع من بذر حبوب الثورية و الحروب الداخلية.
ساعد حضور التلميذ الثالث في مدينة فاماغوستا على تهدئة الأوضاع و ترويح الصدور ، مشيرا إلى أن الثاني قد اخطأ بسبب مرضه الشديد ، بل اضاف كاذبا أن الحكيم إليا قد شهد بقول في التلميذ الثاني هو :« إن عقل الثاني خفيف ، فبكم كثلاثة فقط يصير عقل الثاني رزين ثقيل » بل زعم أن الحكيم إليا أدلى بهذه الشهادة له هو الثالث فقط ، حيث كان أقرب صديق له دون الأول ، و تحت كل هذا الوابل من الزيف هلل ابناء فاماغوستا أنهم سيكونون مرعيون تحت لواء التلميذ الثالث نفسه ، هكذا صارت مدينة أوثوكا ومدينة فاماغوستا كلها تحت لواء التلميذ الثالث ، هو تماما الأمر كما خطط له .

مدينة أوثوكا : تحت حكم التلميذ الثالث

حكم الثالث أوثوكا بطريقة الأحزاب المختلفة ، حيث وبعد أن سن قوانين الترغيب يستقطب من ورائها سكان ميثابا ، وبعد أن صار حاكما أيضا على فاماغوستا بعد اغتيال الثاني ، قام التلميذ الثالث بإنشاء حزبين ينشران أفكارهما بين الناس . . أصحاب الحزب الأول كانوا من العشائر الخائنة و التي تعمل لمصلحة المملكتين المجاورتين ، فقد كان مذهبهم يتمثل في تأويل مختلف عما يليق لكلام الحكيم إليا . . . قال أصحاب الحزب الأول أن بنود مبدأ إليا لا تؤخذ منفصلة بحيث يعمل كل بند في جهة ، بل يجب أن تؤخذ مجتمعة يفسر بعضها بعضا فقالوا أن بند امنح ما تمنح لنفسك متحد مع بند الحرب خدعة بحيث يمكنك أن تخدع غيرك ليمنحك أكثر مما يتيحه لنفسه ، يحق لك أن تسلب أمواله و بضائعه بالخداع ما لم يتفطن لك ، فاذا تفطن لك عدلنا الى البند الأخير عالج الخاطئ وهو ما يشمل العفو عنه أو استرداد ممتلكاته على أقصى تقدير . . . وبرغم أن هذا المذهب يخالف تماما الشرح الذي قدمه إليا ، الشرح الأصلي ، إلا أنه وبدعم من الثالث لقي قبولا بين أفراد المدينتين ،فاماغوستا و أوثوكا، وقد تعللت بعض فئات المجتمع من هذا الانحراف عن المعنى السديد ، إلا أن التلميذ الثالث صرح أنه وبحكم حرية الاعتقاد و التصريح التي كان يدعوا إليها الحكيم إليا ، فكل له الحق عن التعبير عن فكرته من غير اعتراض . كل هذا ساهم في ترسيخ قدم الحزب الأول بين الأوساط الموجودة وسرعان ما انبعثت تلك التفسيرات المنحرفة تفعل فعل السوء وتنخر كالسوس في الضرس ، إذ زاد معدل السرقة والنهب و الاغتصاب ، ثم تدرج تدرجا بطيئا نحو مفاسد أعظم من القتل و العمالة و الجوسسة ، حينذاك استغل الحزب الآخر و الذي أنشأه أيضا التلميذ الثالث ووضع له دستورا يسير عليه ، قلت كان الحزب الآخر يرفع شعار محاربة الحزب الأول ، لكن بأي أسلوب ؟ . . . لم يتهم الحزب الثاني الحزب الأول أنه قد حرف تعاليم الحكيم إليا ، بل مضى خطوة أبعد ، حيث أنكر كلية مبدأ إليا ، أنكر البنود الثلاثة ، موحيا بأن فكرة المبدأ هذه مجرد كذبة منسوبة إلى الحكيم إليا ، إليا كان يحكم بعقله لا استنادا على أي مبادئ أو أخلاقيات ، و اسطورة مبدأ الحرب و المنح و الخاطئ ماهي إلا خطة تحايل بها الملك و المجلس العام مع التلاميذ الثلاث حتى يمسكوا زمام الأمور ولا تضيع مقاليد الحكم من بين أيديهم ، وقد جعلوا دليلهم في ذلك أن مدينتي فاماغوستا و أوثوكا و برغم أنهما تحت حكم المبدأ المزعوم لإليا ، إلا أن الفوضى تعم و الانهيار يتسع و ينتشر ، يشير هؤلاء إلى أنه لو كان للحكيم إليا مبدأ سليم كان ينشره ، للزم من ذلك استقامة حال فاماغوستا وأوثوكا ، وهو ما ليس متحققا ، بل مضوا أكثر في استدلالهم ، أن مدينة التلميذ الأول وقبل تقلص عمل المعهد جراء موت الاساتذة ، إنما كانت متقدمة و أحسن وضعا ، فهل يكون تلميذ الحكيم إليا أفضل من إليا بطل معركة سن تزو ؟؟ . . . لم يفت كثيرا حتى صار أغلب سكان فاماغوستا وأوثوكا ينقسمان لفرقتين عظيمتين ، فرقة تؤمن بتعاليم إليا لكن بتفسيرات محرفة مبدلة ، وفرقة تؤمن بعدمية هذه التعاليم و عدمية هذا المبدأ ، بل وتطعن في مصداقية التلاميذ الثلاثة و تسعى في الاطاحة بالملك و المجلس العام بتهمة التآمر على شعب مملكة أوغاريت .
إن الوصفة السامة التي كان يستند إليها التلميذ الثالث هي فكرة السرية في بث الأفكار، حيث كان يبني أرضية تشكل قاعدة لاستقبال تلك الأفكار قبل الاعلان عنها جهارا ، فينشر بين الشعب الأفكار الأولى و التي تنتشر انتشار اللهيب في التبن ، مما يجعل أي حركة لتقييد الخطر و السيطرة عليه ، تكون متأخرة وغير ناجعة البتة ، ثم تضاعف المشكل ، حين تسربت بعض المخطوطات التي فيها شروح متعددة متناقضة لمبدأ إليا ، حتى في البنود كان هناك تناقض بين مخطوطة ومخطوطة ، وقد نسبت عملية التسريب إلى الحزب الثاني ، غير أنها كانت من فعل التلميذ الثالث .
جاء في إحدى المخطوطات « فن الحرب ، لا تمنح إلا لمن يستحق ، طهر الخاطئ » وفي ذيل المخطوطة شرح لهذه البنود الثلاثة ، في مخطوطة ثانية :« القوة تخلع القوة » مع شرح قصير في ذيل المخطوطة ، في مخطوطة ثالثة :« اذا رفض الملك الانصياع للشعب وجب تطهيره » ... الخ ... تسبب هذا التسريب في تأكد شكوك الكثيرين من الناس حول زيف فكرة مبدأ إليا ، ساهم هذا في انضمام العديد من شعب فاماغوستا وأوثوكا إلى الحزب الثاني ، الذي راح يطعن في قدسية التلاميذ و مصداقية مبدأ إليا و تعاليمه ، هناك خرج التلميذ الثالث بقناع كاذب باك يزعم أن القضية تآامرية من المملكتين المجاورتين وأنه قد قبض على الأفراد الذين تسببوا في هذه الكارثة وسيحكم عليهم بالإعدام ، لكنه حاول اظهار نفسه في صفة المتلعثم الكاذب حتى لا يصدقه الناس و يبقى إيمانهم معلقا بالحزب الثاني . . . إن التلميذ الثالث ذكي شرير ، لم يختر مناسبة خطابه التحفيزي إلا في موسم حصد الحقول و الحصول على المحصول ، مع العلم أن مملكة أوغاريت كانت فيها حقول منتشرة واسعة في ارجاء المدن الثلاث ، إلا أن اكبر حقل تعتمد عليه المملكة ، هو الحقل الرابط بين مدينتي فاماغوستا و ميثابا ، يمثل نصف خزينة أوغاريت من الفوائد التي تجنيها عبره ، هناك وفي موسم حصد الحقول المتناسق مع موسم خطاب التلميذ الثالث ، انتشر حريق كبير في الحقل الرابط بين المدينتين ، حيث ذهب المحصول كله رمادا منثورا تلعب به الريح ، لتنتشر الشائعة بسرعة البرق ، شائعة أن الإله خاح حاقد على شعب أوغاريت لأنهم أنكروه و لم يذبحوا له القرابين ، لذلك أحرق محصولهم كله غضبا منهم لتحل عليهم اللعنة ، بيد أن التلميذ الثالث وزبانيته استغلوا الموقف ، حيث راحوا يوضحون سبب غضب الإله خاح عليهم ، أنه ليس القرابين ، بل هو التلميذ الأول ، فقد قام الثالث بنشر الرسالة التي بعثها التلميذ الأول إليه ، والتي ينكر فيها مصداقية أسطورة خاح ، أنه مجرد عقيدة خرافية لا حقيقة في شيء منها ،و يمضي الزمن يسيرا ، ليتخابر سكان مدينة فاماغوستا مع سكان ميثابا اثناء عملية ايقاف النار و تنقية الأرض لاستزراعها من جديد إذا أمكن ، حينذاك أخبر أهل فاماغوستا أهل ميثابا أن التلميذ الأول مهرطق ينكر الإله خاح ، إله الأرض و الحقول ، لتبدأ الفوضى و تدب الاضطرابات بين سكان ميثابا ، كيف يسمحون لتلميذ منكر للإله خاح ، الأنكى و الأدهى أن التلميذ الثالث قام بتبيين أن الحكيم إليا مؤمن بإله الأرض خاح ، هناك ازدادت شعلة الغضب عند الميثابيين ، مفسرين كل الفساد الحاصل أنهم تخلوا عن حكمة إليا وإيمانه العميق بخاح ، لذلك انتشرت الفوضى في أرجاء المملكة و غضب عليهم خاح فأحرق محصولهم ، هم الآن جوعى لايملكون زادا يسدون به رمقهم ، وفي خضم كل تلك المشاغل ، من جديد تهرع عصبة الثالث الجاسوسة لتزيل عبارة أخرى مكتوبة على ضريح الحكيم إليا ، أزالوا عبارة « البطل الأول في معركة سن تزو » ...الظروف حالت دون الفطنة لهذا التغيير .
انتقلت الثورة إلى مقر التلميذ الأول مع ابنته ، بعد أن كان يدفعها بشدة عن شعبه قبل ابنته قبل نفسه ، هناك أقام سكان ميثابا محاكمة للتلميذ الأول ، أجبروه على قول الصدق ، هو كان قديسا لا يكذب ، فأقرهم على أنه منكر لإله الأرض خاح ، أنه مجرد خرافة ناشئة عن جهل و عمى العقل و الفكر، ليحكموا أخيرا بإعدامه مع ابنته التي تبنت أفكاره ، يريدون بذلك أن يسترضوا خاح ، حتى يبارك أراضيهم و مزروعاتهم فيبعد عنهم القحط و الجدب ، أخيرا صارت ميثابا أيضا تابعة لحكم التلميذ الثالث ، وقد جاءه قرار من المجلس العام و الملك بالتنحي من المنصب ، على نية وضع بديل كفؤ جديد ، لكنهم خافوا من هيجان الشعوب ، فهذا آخر التلامذة ، بل التلميذ الحكيم المؤمن بأفكار إليا حقيقة ، ليس كباقي التلميذين المهرطقين ، هو بقية القداسة التي يمكن أن تبقي على توحد مملكة أوغاريت ، غيرها ستكون بحور من الدماء تصل لحد الركب ، العشائرية الأولى ستعود . . . استولى التلميذ الثالث على حكم المدائن ، ثم جعلها مدينة واحدة ، هي المدينة الأم أعطاها اسم « غيثيو » . . . في تلك الساعة قدم حلولا لانقاذ ما تبقى من مملكة أوغاريت ، فما هي الحلول ؟ .

الفترة الثانية : فترة حكم التلميذ الثالث فقط

مدينة غيثيو الشاملة : تحت حكم التلميذ الثالث ( الجاسوس)

اقترح الثالث بعث عمال مملكة أوغاريت إلى المملكتين المجاورتين ، حتى يشاركوهم في حقولهم ومحصولاتهم ، ليعطوهم نسبة منه في الأخير ، هي تلك النسبة التي يحضرونها لانعاش اقتصاد أوغاريت ، في حين يقوم ابناء أوغاريت بتهيئة الحقول الفاسدة بالنيران ، يستصلحونها ، لتنهض المملكة من جديد ، وقد كانت استجابة المجلس مع الملك بالقبول لهذا الرأي الحكيم ، غير أنهم جهلوا مكمن الخطر فيه ، فقد عمل التلميذ الثالث على نقل المزارعين المهرة كلهم إلى باقي المملكتين ، وعملية النقل كانت للعائلة كلها اذا كان الفرد متزوجا ، أو لوحده إذا كان وحيدا ، في المقابل من ذاك ، عملت كل مملكة مجاورة على تحسين ظروف استقبال هؤلاء المزارعين المهرة ، فوفرت لهم كل عوامل الاستقرار ، من بيوت فخمة و أطمعة فاخرة و ملابس النبلاء و حضور للحفلات أيام العطل ، الذي نال استحسانا وقبولا عظيما من هؤلاء الفلاحين المهاجرين ، فلم يجدوا أي سبب يمنع بقاءهم الدائم في هذه الممالك الجديدة ، وأي فائدة من العودة إلى أنظمة مكسرة لا سبيل في اصلاحها ، خصوصا حينما اقترحت كل مملكة على هؤلاء الفلاحين المهاجرين الإقامة الدائمة في أراضيها من غير ضرائب مفروضة أو قيود على نشاطاتهم أيا كانت ، حتى أن كل مملكة قامت ببناء معابد خاصة لهؤلاء ، معابد للإله خاح عندهم ، في الجهة المقابلة داخل أوغاريت ، كان الوضع يزداد سوءا ، بدأ انتشار الجوع يدب في كل بيت ، مؤديا لارتفاع معدل السرقة حتى يظفر الفرد بلقمة تملأ جوفه ، وبعد السرقة صار الاقتتال على الحقول الصغيرة المتبقية ، الاقتتال بين العشائر و االقبائل ، وقد بلغ الحال بهؤلاء الضعفاء إلى اقتحام مقر المجلس العام و مقر الملك ، الذي كان فيه خزائن من القمح و الشعير و المشروبات ، حتى يستهلكوها ، هكذا لم يزد أن يكون الملك أو برلمان المجلس العام إلا عن أفراد جوعى ، سريعا ما صاروا مثل غيرهم يتابعون اللقمة ، انتهى عهد السياسة والعسكرية ، انتهى عهد الحكم و الأوامر و الدساتير ، كله الآن صراع على البقاء ، القوي يلتهم الضعيف ، الأقوى يلتهم القوي و الضعيف ، ثم بعد كل هذه الحالة الميؤوسة ، كان يتم البحث عن مكان تواجد التلميذ الثالث ، على أنه كان مختفيا ينتظر اللحظة المناسبة للخروج ، استغل فترة اختفائه لطمس ضريح الحكيم إليا و تهديم قبره ، حتى صار غير معلوم من صاحب هذا القبر ، ثم جعل عليه مقبرة دفن فيها بشرا قتلهم وحيوانات اصطادها ، ضمن مساحة واسعة ، فراسخ كبيرة هائلة ، لا سبيل فيها إلى إدراك موقع قبر الحكيم إليا ، صار موحد مملكة أوغاريت مجهولا ، صار بطل معركة سن تزو مردوما مجهولا أيضا . إن تهديم ضريح الحكيم إليا كان ضروريا ، فالشعوب الثائرة دوما ما تستقي مرجعيتها من هيئة عظيمة كانت متوافرة في القدم ، هيئة عظيمة تملك قانونا و مسيرة شريفة ، هي تمثل الحافز الذي يحمس الشعوب الثائرة ، كذا يرسم لهم مسارا وقضية يعملون عليها تنظمهم وتوحدهم جميعا على مستند واحد ، فتكون الثورة قوية بهذا الفكر ، قوية بهذا التعلق بتلك الهالة العظيمة لذاك الشخص صاحب الأثر البارز . كل هذا معلوم عند التلميذ الثالث ، لذلك قام بتهديم الضريح ، حتى لا يبقى الحكيم إليا مرجعية يستند إليها ، و توضع مسارات عبرها ، فتأتي ثورات تهدد بقاء و ديمومة المملكتين المجاورتين . . . بعد مرور أشهر طويلة على تلك الحال ، خرج التلميذ الثالث إلى العيان ، إلى الوجود ، فاحتفل به الناس ، خصوصا حينما أخبرهم أنه يملك الحل وسينتهي الأمر على خير ، بمباركة الإله خاح ، وقد جلب معه عددا من العسكر التابعين ، أمرهم الثالث بتقسيم الشعب المتبقي إلى فئات صغيرة ، كل فئة تسوقها فرقة عسكرية حتى تزودها بالمؤونة و البيوت ، ريثما يستقر الحال على تحديد حكومة جديدة لممكلة أوغاريت ، مملكة أوغاريت المندثرة . . . وقد كان كما قرر التلميذ الثالث ، تم تقسيم الشعب الى فئات صغيرة وأخذها إلى مناطق بعيدة متفرعة من المملكة ، طلبا للمؤونة و البيوت ، لكن في حقيقة الأمر لم يكن هناك مؤونة أو بيوت ، بل كان الموت ينتظر الجميع ، حيث وبعد التفرق ، قامت كل فرقة عسكر من المملكتين بالقضاء إعداما لتلك الفئة الصغيرة من الشعب التي ساقتها معها طمعا في المؤونة ، فقتلوا الرجال و النساء ، الصبيان و الشيوخ ، و لم يذروا أحدا منهم ، استئصالا لعرقهم كاملا ، سالت منهم المساكين المغدروين بحار من الدماء ، كأبشع ما تكون الجريمة ، الجريمة التي لا يتصورها أحد ، و ربما يموت جراء سماع وقعها فضلا عن معايشتها ، نعم هي تلك الفظاعة البشرية ، وكم من الشياطين أرادت أن تكون بشرا حتى يصلح حالها ، فعلمت أن في شيطنتها وهي شياطين سلامة من شيطنة البشر وهم بشر .
لم يبقى في أوغاريت إلا الخراب و الدمار ، حتى تفاهمت المملكتان المجاورتان أن يقتسما هذه الأرض الفاسدة ، ليعيدا بناءها على طريقتهم وهندستهم في الحياة ، من غير شيء يهدد أمنهم أو يسلب ثراوتهم كما يعتقدون . . . ثم هي عهود قليلة حتى تبدأ إحدى المملكتين تخطط للاستيلاء على الثانية و امتصاص ينابيعها و ثراوتها ، هكذا هم البشر الأنانيون .

هل عرفت من الراوي ؟ . . . هو أنا حفيد التلميذ الثالث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض