الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (81) الغطاء الاستخباري

بشير الوندي

2017 / 8 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (81)
الغطاء الاستخباري
بشير الوندي
-------------
مدخل
-------------
لابد من النفاذ والولوج في العمل الاستخباري عبر ساتر منطقي, وبغيره لا يمكن انتاج جهد استخباري حقيقي , ولذا يعتبر النفاذ داخل العدو والخصم والصديق والحليف ودول الجوار من اهم عوامل جمع المعلومات.
لقد جربت اجهزة الاستخبارات كافة انواع الاستتار , وخاصة في فتره الحرب الباردة , فذهبت الى انتاج انواع الشركات والبعثات العلمية والسواح كواجهات لها , وهو امر ادى الى تصعيب عمل اجهزة مكافحة الاستخبارات وطرح امامها تحديات ادت الى تطوير ادواتها .
---------------------------------------
بين النفاذ المستتر والنفاذ السري
----------------------------------------
الغطاء الاستخباري هو نفاذ استخباري لجدار الجهة المستهدفة داخلياً كان او موجهاً لدولة صديقة كانت او دولة عدو , وهذا الشكل من النفاذ المستتر يختلف عن النفاذ السري الذي يتم من خلال مصادر وشبكة ومثابات ترتبط بمحطة استخبارية تكون في السفارة او القنصلية او تكون سرية تعمل في الخفاء .
فالغطاء الاستخباري او مانسميه بالنفاذ المستتر , هو جهد استخباري سري بغطاء اقتصادي او ثقافي او علمي او طبي او تعليمي او منظمات مجتمع مدني او اعلام او صحافة او قنوات فضائية او وسائل التواصل الاجتماعي وبأشكال مختلفة ومتنوعة لا تحصى بحسب الظروف والبيئة والمكان والجغرافيا والحاجة الاستخبارية.
وتكون المحطة مكان تردد ونشاط طبيعي ظاهرياً وواقعياً تبذل جهدا استخبارياً كان يكون مطعم او كوفي شوب او نادي رياضي او مصرف او مقر شركة او منظمة انسانية او مركز دراسات او تجمع تحت عنوان شبابي او رياضي او فني او علمي او مالي .
-------------------------------
انواع النفاذ المستتر
-------------------------------
تتنوع اشكال النفاذ بقدر تنوع الحياة , فالنفاذ يبدأ بزرع استخباري ويكبر ليتحول من نفاذ الى استثمار , والغطاء الاستخباري لاحصر له ولكنه ينقسم في خطوطه العريضة الى عدة اشكال وانواع منها :
1- نفاذ مستتر كامل : وهو ان تقوم الاستخبارات بتأسيس شركة (مثلا) كل اعضائها هم عناصر استخبارات وتتظاهر بالعمل وتبذل مجهودها الاستخباري سرا من خلال هذه الواجهة .
و تقوم الاستخبارات باستثمار دور ضباطها الكبار المتقاعدين ووضعهم على راس او ضمن طاقم شركات كبرى لمنحهم النفاذ اللازم للعمل , ولكن هذا الاسلوب بدء يتراجع الان بسبب الكلف المالية العالية وعدم وجود تخصص حقيقي للكثير من الاغطية .
2- نفاذ مستتر جزئي : هو ان تقدم الاستخبارات خدمات لشركات اقتصادية مقابل ان تستفيد من قدرات الشركة وان تضع عناصرها تحت عناوين مموهة في هذه الشركة للعمل الاستخباري , فالشركة خاصة نشاطها حقيقي ولكن توجد خلية صغيرة ضمن الشركة هي المختصة بالنشاط الاستخباري.
توجهت اجهزة الاستخبارات بانتهاج هذه الطريقه فهي اقل كلفة واقل خطورة وافضل علما وتخصصا وسرية , فشركة نفطية عملاقة يسهل وضع فريق صغير من خمسة اشخاص للجهد الاستخباري ضمن طاقمها للتغطية عليهم.
3-نفاذ مستتر غير مباشر : ويتم من خلال انشاء منظمات مجتمع مدني او اندية فكرية ومراكز دراسات , ويكون انشاءاً حقيقياً لكن ليس لاغراض التجسس , بل لصناعة رأي عام وانتاج لوبي شعبي واذرع اضافية تعاون الجهد الاستخباري.
4- واجهات للاستخبارات الداخلية : يقتصر حدود الواجهات الاستخبارية في الاستخبار الداخلي, كسواق التاكسي واصحاب الاكشاك والعاملين في الفنادق والمقاهي والمطارات ورعاة الاغنام في المناطق الحدودية لضبط ومكافحة التهريب والمخدرات والصيارفة والمصارف ومكاتب الانترنيت والاتصالات .
تستخدم اجهزة الاستخبارات كافة الاشكال الاربعة في غطائها الاستخباري , ويتم توظيف اغلب ضباط الاستخبارات المتقاعدين في الجامعات والشركات الكبرى كضابط امن او حسب اختصاصه ليكون هو نقطة ارتكاز لمشروع استخباري جديد.
وفي بعض الاحيان تقوم الاستخبارات بنقل بعض عناصرها سرا الى وزارات ودوائر اخرى , كالخارجيه والنقل وشركات النفط الحكومية ليتم الافادة من انتشار تلك الشركات واذرعها في دول الجوار والمنطقة ومن ثم العمل مستقبلاً تحت مظللة تلك الشركات بشكل النفاذ المستتر غير المباشر.
اما في حاله الدول الغربية واجهزتها الاستخبارية , فبما ان القطاع الخاص هو السائد في ظل دولة مرشقة ولا تمتلك الكثير من المؤسسات , لذا تكون هنالك علاقة مستدامة بين الشركات العالمية وجهاز الاستخبارات ويتم بينهم بروتكول تعاون وتبادل خدمات ومنفعة , لاسيما وان حكومات تلك الشركات تساعدها في الحصول على عقود غي دول العالم من ضمن سياستها الخارجية .
وهذا الامر يشمل الشركات العالمية المعروفة والشركات السيارات الشهيرة وشركات الصناعات الالكترونية والنفطية العملاقة وشركات الخدمات والمقاولات . الصناعيه والزراعية وغيرها .
وغالبا ما تعمل تلك الشركات في بيئة خطرة كالشركات النفطية , وتحتاج لمعلومات وحماية وبالمقابل تومن الغطاء الاستخباري المطلوب.
---------------------------------
الاختيار الامثل للواجهات
---------------------------------
النفاذ والغطاء والواجهات الاستخبارية فن وعلم يحتاج الى تخطيط ومهارة وتدريب , ويجب ان يكون ملائماً ومناسباً ويتشابه مع محيطه ومنطقته ويتيح قابلية الحركة والنشاط والمرونة , كالراعي في منطقه حدودية وشركة استيراد وتصدير في منطقة تجارية وتخليص كمركي في الموانيء والدبلوماسيين في مؤسسات الامم المتحدة .
فاذا ارادت جهة ما التجسس على المسؤولين العراقيين واسرار بيوتهم فانها تقوم بانشاء شركة توريد العمال والخدم الاسيويين لانهم يعملون في اغلب بيوت المسؤولين كخدم .
بعض الدول تسمح لاستخباراتها بالقيام باعمال تجاريه واخرى تمنع والتي تسمح بالتاكيد يكون سهلا بناء واجهات استخبارية داخل البلد للمراقبة , فمثلا انشاء شركة تصليح مقاعد او هواتف او نصب انترنيت او تجهيز اثاث اداري تساعدها للنفاذ الى السفارات الاجنبية , كما ان انشاء شركات صيرفة او شركات تحويل مالي تتيح لها الايقاع بالمهربين وعصابات المخدرات وتكون الواجهه طعما لهم.
كما ان مراكز الاستبيان والابحاث والدراسات والمركز الخبرية والصحف والاعلام والقنوات الفضائية وجمعيات الصداقة بين الدول من ابرز ملاعب النفوذ للاستخبارات , حتى فروع المصارف الاجنبيه فهي ممكن ان تكون محلا لجذب التجار والمستثمرين في البلد الهدف وانتاج نفوذ مستتر استثماري منهم.
---------------------------------------
حسابات اعمال الغطاء الاستخباري
----------------------------------------
طبيعة العمل الاستخباري السرية تنسحب على مجمل نشاطات الجهاز , واهمها موازنة الجهاز المالية باعتبارها تحتاج الى موافقات من جهات خارج الجهاز كمجلس النواب ووزارة المالية ورئاسة الوزراء وجهات التدقيق المالي , مما يوجب الاطلاع على اوجه الصرف لكافة اعمال الجهاز الاستخباري السرية .
وقد حلت اجهزة الاستخبارات في العالم تلك المعضلة من خلال موازنات تقدمها للجهات المختصة تحوي الحسابات الختامية بارقام نهائية دونما التطرق الى التفاصيل .
وبذلك لاتعرف الجهات الحكومية ,خارج الجهاز, تفاصيل العملاء ومخصصاتهم ولا حسابات العمليات السرية وتكاليف الغطاء الاستخباري , الا ان الامر لايعني التساهل مع الفساد المالي داخل المؤسسة الاستخبارية , فللجهاز الاستخباري جهاز محاسبي ورقابة مالية لضمان دقة وصحة الحسابات .
لذا فان النفاذ المستتر الكلي (انشاء شركات كواجهة للاستخبارات) والجزئي (زرع خلية استخبارية داخل شركة خاصة )او للنفاذ غير المباشر (كمنظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات) له حساباته الاقتصادية والمالية الدقيقة , , فيتحمل جهاز الاستخبارات كافة المصاريف كما يستلم ايرادات وارباح تلك الواجهات ليوجهها لتمويل عملياته او لانشاء اغطية استخبارية اخرى .
وبالحقيقة , فان اية ارباح ترد للاستخبارات من خلال هذه الشركات والانشطة فانها لا تتناسب مع اضرارها حيث انها تستهلك ميزانيات اكبر من فوائدها , ومن اجل ذلك قلصت الاجهزة الاستخبارية النفاذ المستتر الكامل لتكاليفه الباهضة وتحولت الى النفاذ الجزئي لانه قليل الكلفة وسليم من الناحيه الفنية .
ولاتسمح بعض الدول لاجهزتها الاستخبارية بالاستثمارات المالية , فيما تتيح بعض البلدان لاجهزتها الاستخبارية حتى بامتلاك اسهم في الشركات الكبيرة , وبذا توفر الارباح والغطاء المناسب للتدخل والنفاذ وبشكله الخليط بين الكلي والجزئي.
اما بالنسبة للواجهات الاستخبارية الداخلية , فغالبا ماتكون داخل البلد وتذهب ارباحها لدعم العمل السري والمخبرين كشركة تكسي المطار او الفنادق او المطاعم او شركه الانترنيت , ويشمل ذلك الواجهات الترفيهية كالملاهي والبارات,وغيرها لاسيما في البلدان السياحية والتي تستقبل الكثير من السياح .
اما بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات فانها جهات غير ربحية يتم تمويلها بالكامل من الدوائر الاستخبارية عبر دوائر وزارات خارجيتها , ويكون التمويل الاجنبي علنياً احيانا , فبعض الدول ترتضي التمويل الاجنبي لمنظمات المجتمع المدني لبلادها كالعراق , بينما البعض الاخر يعتبره تمويلاً استخبارياً ويحظره كمصر مؤخرا, والغالبية منها تطالب بتفاصيل التمويلات واوجه الصرف برقابة صارمة معتبرة منظمات المجتمع المدني نوع من التجنيد غير المباشر الايهامي .
فامريكا ,مثلاً , تدعم 400 منظمة مجتمع مدني في العراق وتقدم مساعدات من خلال وزاره الخارجية الامريكية الى حوالي 120 منظمة منها بشكل رسمي واصولي بلا سرية تحت ستار الصحافة ونشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق النساء والطفولة والعنف الاسري والمعاقين , وكل المنظمات مسجلة رسميا وللحكومة الامريكيه دورات وزيارات وموتمرات لهذه المنظمات ومقر رئيسي في السفارة واخر في مدينة اربيل.
----------
خلاصة
----------
العمل الاستخباري له اوجه كثيرة لعناوين السرية كالعملاء السريين والجواسيس والعمل الدبلوماسي , الا انه كباقي المؤسسات يخضع للتطور والحيوية , فكان الابتكار هو عنوان العمل الاستخباري الذي يتلخص بكيفية اختراق العدو بذكاء من حيث لايحتسب.
ويعد الغطاء او النفاذ الاستخباري من الطرق المثلى التي ترهق العدو وتباغته , فلم يعد رجل الاستخبارات هو صورة الانطباع الذهني للجاسوس المتخفي وانما يمكن ان يكون مهندس بترول او رئيس لشركة استيراد وتصدير او ان يكون مدير ناد لكمال الاجسام .
ان الاهمية القصوى في النصر الاستخباري تكمن في التيقن من انها حرب ذكاء لاحرب عضلات , وفي حرب الذكاء كل شيء وتصور هو ممكن شريطة اللعب في الملعب المناسب والمكان والزمان المثاليين , ولاشك من ان مجالات التخفي عبر المؤسسات والشركات هو تخفٍّ مثالي لاسيما مع الانفتاح الاقتصادي العالمي , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس يبحث تمويلا إضافيا لإسرائيل| #أميركا_اليوم


.. كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي: لدينا القدرة على




.. الخارجية الأمريكية: التزامنا بالدفاع عن إسرائيل قوي والدفاع


.. مؤتمر دولي بشأن السودان في العاصمة الفرنسية باريس لزيادة الم




.. سر علاقة ترمب وجونسون