الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فن الكاريكاتور بين الأمس واليوم

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2017 / 8 / 14
مقابلات و حوارات


في إطار تحضير الطالبة حسناء امزيلن بحثا للحصول على شهادة الماستر بعنوان " الخطاب الكاريكاتيري في الصحافة الورقية بالمغرب" اقترحت الباحثة بضع أسئلة كان لي الصفاء الذهني الكامل للتفاعل معها بحكم العشق الولوع بهذا الفن.فكانت الورقة التالية :

كيف ترى الكاريكاتير بصفته فنا كاريكاتيريا بين الأمس اليوم؟
ج: لنتساءل بداية ، منذ متى بدأ استعمال فن الكاريكاتير بشكله الذي نعرفه اليوم؟ بل ما هو الكاريكاتير أصلا ؟ في الحقيقة عندما نقتحم قلعة الأجوبة عن تساؤلاتنا المبدئية بهذا الخصوص نواجه مئات الأجوبة من عشرات الزوايا وبنفس المقاربات المتعددة . لكن أهم ما سيلفت نظرنا للوهلة الأولى قبل اللمحة التاريخية لهذا الفن الملهم والنبيل ، تلك القواسم المشتركة بين معظم هذه التمثلات . وحسبنا أن ننطلق منها لتسليط الضوء على هذا الفن الرائع المبدع والعميق والأشد تأثيرا . من هذا المنطلق لا يبدو الكاريكاتور مجرد رسم بخطوط عابثة وعشوائية ؟ بقدر ما يتجلى أسلوب مقاومة ، وطريقة تعبير ، وهندسة خطوط وبيانات فوق بياض مدروس ، تضفي للوهلة الأولى لمسة ساخرة بل و متنافرة يكون مسرحها ملامح شخصية عمومية ، سرعان ما يتم استبدال قطعها غيارها بذكاء مخدوم وبارع ، ما يجعلها بالنسبة للعين غير الدقيقة أقرب إلى رسوم حيوانية أحيانا ، تثير موجات من الضحك ، لكن مع مرور الوقت ، تتغلغل هذه الخطوط والبيانات عميقا لتقود الذاكرة لتنساب بتأن نحو شيء غاية في التأمل والأهمية
بمعنى هل من تطور في المواضيع التي يطرحها؟
ج: طبعا ، لأنه بهذا المعنى، سيصبح الكاريكاتير حقلا تخصصيا وجنسا صحفيا لمراقبة وتتبع قضايا المجتمع . إنه أمسى منهجية ولغة نقدية على مستوى عال من الإشارة والذكاء وأقوى من ذي قبل لصناعة الحدث وتقديمه للاستهلاك الإعلامي والتأثير في قراراته . إنه على نحو أكثر دقة خطاب نقدي بنكهة رقيب يتم توظيفه ضمن مسارات إبداعية تتماهى مع المعيش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع . إنه سلاح شديد الفتك يعري ، يفضح ، يكشف، يستشرف ، يحيل يشير ، يذكي ، يفتن ، يسحر، يضرم ، يطفئ ، يفتك، يفكك ... ينتقد الأنظمة في تسلطها وفي مظاهر استبدادها في فسادها في تعفناتها . ويفضح السلطة في أركان فسادها وجشعها . كما أن استعمالات متعددة الأوجه ، إذ يمكن أن يكون له وجه دعائي إشهاري ، وهذا لا يقلل من أهميته . إنه يزدهر مع تطور الديمقراطية في البلد ، وعندما ترتقي حرية التعبير وتزدهر ، تتنوع مطارحاته وتتعرش مقارباته نضجا واستشرافا .
وكيف يعالج هذه القضايا بمعنى ماهي الطرق التي يلج إليها الكاريكاتير في معالجته للقضايا المجتمعية والسياسية؟
ج: سبقت الإشارة إلى أن كل رأسمال هذا الفن النبيل هي أولا القراءة التأملية العميقة الذكية المستوعبة للخطاب الصحفي ، أي استيعاب مضمون الحمولة السياسية المراد تبليغها للرأي العام ، ثانيا الفكرة التي ستجسدها على البياض عبر خطوط نارية ليست متطابقة تماما للواقع لكنها توظف الانزياح لتتشكل في النهاية تلك الصورة المراد إعلانها . ويمكن القول أنها رسوم ساخرة لكنها تشبه قذائف نارية موجهة بالليزر قد لا تزعج البعض لكنها بالنسبة للبعض الآخر تصيب أهدافها بمنتهى الدقة والفاعلية وبخسائر أدبية أقل . بالنسبة لي كراصد إعلامي لا زلت على وعي شبه تام بقدرة الصورة الكاريكاتورية على نقل الأفكار والإشارات القوية بشكل أوضح و أفضل من الكلمات ، ويزداد هذا الوعي ضخامة حين يمتلك الرسام الكاريكاتوري حسا إبداعيا راقيا ، وفهما قويا ، ومقدرة شديدة الدهاء على فهم النص وتطويع فكرته خطوطا ساخرة . إن القدرة على فهم الكاريكاتور وتحليل بياناته تتطور مع صحافة حداثية وديمقراطية وذات خط تحريري ينتصر لصوت الشعب وانتظارات الأمة ، ومع تحليلات ومقاربات نقدية جديرة بالتأمل تتحقق مستويات عشق هذا الفن ونعشق مسايرته طبيعة تقلب المجتمع وخطوط انكساراته وهزائمه . فهناك أحداث مجتمعية مؤثرة نجح الكاريكاتور في نقلها بشكل يتفوق على شكل حدوثها الأولي
الكاريكاتير والمجتمع المغربي أي علاقة؟
ج: ارتبط فن الكاريكاتور والمجتمع المغربي في ذاكرتي بداية بمرحلة الثمانينات حيث يقفز إلى الذهن رمزين مرموقين أحدهما التحق برحمة الله قبل أكثر من عقدين من الزمن " حمودة حليوات" وكان صحفيا ينشر رسومه بجريدة الاتحاد الاشتراكي . والثاني العربي الصبان أطال الله عمره وقد ظل يؤثث صفحات جريدة العلم المغربية ولا أعرف ما فعله به القدر . لكنني أستطيع القول أن مع هاتين التجربتين الرائدتين استطاعت النخبة القارئة المغربية سواء كانت متحزبة أو دون انتماء التعرف على فن الكاريكاتور كرسالة إبداعية ملهمة . طبعا ومنذ ذلك التاريخ أنجب الصحافة المغربية على اختلاف وتعدد انتماءاتها العديد من التجارب اللاحقة التي تهتم بهذا الفن العميق والمؤثر اليوم على صفحات الجرائد اليومية المستقلة وغيرها ، وهناك من تخصص لفترة وأصدر جرائد موضوعاتية همها الوحيد الكاريكاتور وصمدت لفترة لكنها انهارت لأسباب مادية بحثة تتعلق بانعدام الدعم .

لكن كيف يمكن رصد هذا التطور؟

ج: لاشك أن مع مرور الوقت، بات فن الكاريكاتير مادة صحفية أساسية في مجتمعنا المغربي سيما مع اتساع نطاق حرية الصحافة والتعبير ما شجع على توظيفه بشكل كبير على أعمدة الصحف الوطنية في متابعة ومواكبة قضايا المجتمع خاصة في العقود الأخيرة سنوات الحكومة الملتحية . ولعل هذا التطور في تقديرنا مؤشر قوي على حدوث قفزة نوعية في التعاطي مع قضايا المجتمع وشأنه السياسي والمجتمعي من قبل النقاد ورجال الصحافة والإعلام من جهة ، وكذلك في كيفية تقبل المسؤولين الحكوميين ومدبري الشأن العام محليا إقليميا جهويا ومركزيا لقساوة هذا النقد لدرجة التعايش معه من جهة ثانية . و الذين باتوا يتقبلون الأمر الواقع ويعتبرون النقد الساخر والمباشر لهم نوعا من تسليط الأضواء الاهتمام وجلب الأنظار واستقطاب الأصوات سيما في فترة الاستحقاقات .

هل يمكن القول بتجا وز الكاريكاتور مرحلة الجنينية ؟

ج: إذا كان من البديهي انتعاش هذا الفن النبيل وانغماسه في متابعة قضايا المجتمع بالنقد والسخرية اللاذعة أحيانا ، فإنه يجدر القول بأن هذا الشغب الجميل تجاوز فترة كان فيها مجرد مادة تكميلية ترفيهية أي مجرد عنصر فني تكميلي يزين الصفحات أو يملأ فراغات الجرائد اليومية ويضفي جمالية ما تخفي مؤقتا قساوة العنف المجتمعي الممارس والمعبر عنه كتابة . بل أصبح مادة صحفية أساسية تغري بالتتبع والتأمل وتحيل على الكثير من الالتباسات السياسية وغيرها وأمست رسومه الساخرة والعميقة التأثير تتصدر الصفحات الأولى للجرائد والمجلات أحيانا .

هذا لا يعني أن طريق هذا الشغب الفني الجميل والمشاكس كانت مفروشة بالورود ، خاصة في زمن البدايات زمن التضييق على الحريات فترة ادريس البصري وسنوات الرصاص . لقد تعرضت رسوم كاريكاتورية للمنع وتوبع أصحابها ومنهم من تم اعتقاله ومحاكمته ويحضرني إسم الكاريكاتوريست ابراهيم لمهادي الذي اشتهر برسوماته مع جريدة "المحرر" الاتحادية الرائدة التي ستحول اسمها لاحقًا إلى الاتحاد الاشتراكي
على ضوء ذلك كيف تستشرف واقع الكاريكاتور على التلفزيون المغربي ؟
ج: من شبه المؤكد إن انتشار فن الكاريكاتور واحتلاله مساحات شاسعة على صدر صحف المملكة وجرائدها اليومية وغيرها يعتبر في حد ذاته مؤشرا تنمويا قويا في مجال حرية الصحافة وحرية والتعبير بالمملكة، ورغم تسجيل غيابه على مستوى الشاشة الفضية نظرا للسياسة التي ينهجها الإعلام التلفزي حيث ما تزال بعض المنابر الإعلامية المغربية بعيدة كل البعد عن التعاطي مع هذا الفن الجميل . أبرزها القنوات التلفزية بشتى تجنيساتها . وهي مسألة جديرة بالتفاعل والنقاش اليوم أكثر من أي وقت مضى . إذ رغم توفر المغرب على أكثر من 8 قنوات تلفزية فضائية وغيرها .
فإن الباحث المتخصص لا يكاد يعثر في شاشاتنا الفضية على برنامج واحد يخصص للتعريف بالكاريكاتور والمهتمين به بل يستحيل العثور على فقرة تعتمد في جزء منها أوكلها على الكاريكاتور . علما أن واقعنا السياسي والمجتمعي في جزئه الكبير كاريكاتوري بامتياز خطب الوزراء وزعماء السياسة وتدخلات البرلمانيين وخطب الفقهاء وسلوك بعض رجال السطلة كلها مواقف كاريكاتورية يجدر التفاعل معها . يحدث ذلك رغم التلفزة من المفروض أن تكون أحد أهم العوامل في انتشار الكاريكاتير، لكنها ظلت عندنا ولعقود متتالية ظلت تفتقد الجرأة . وتأخذ مسافة معينة أثناء التعامل مع الكاريكاتور، والكاريكاتوريون عموما بل تخشاهم وتعتبرهم قنابل موقوتة الانفجار أو حقول ألغام تحتاج إلى جهد كبير وعناء . على العكس من ذلك ، وبعيدا عن الرسميات فقد وجد هذا الفن حيزا جمعويا ولو ضيقا في الملتقى السنوي للكاريكاتير في مدينة شفشاون، بشمال المملكة،وهو أفق شاسع الانتظار ويحتاج منظموه الى مساعدة كبيرة للصمود والتحدي


إطلالة تاريخية على فن الكاريكاتور

ظهرت أول رسوم كاريكاتيرية مهمة في أوروبا خلال القرن السادس عشر الميلادي. وكان معظمها يهاجم إما البروتستانتيين وإما الرومان الكاثوليك خلال الثورة الدينية التي عرفت بحركة الإصلاح الديني. وأنجبت بريطانيا عددا من رسامي الكاريكاتير البارزين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. وقد اشتهر وليام هوجارث برسوماته الكاريكاتيرية التي انتقدت مختلف طبقات المجتمع الإنجليزي. وأبدع جورج كروك شانك، وجيمس جيلاري، وتوماس رولاندسون المئات من الرسوم الكاريكاتيرية اللاذعة حول السياسة والحكومة في إنجلترا.
الكاريكاتير (بالفرنسية: Caricature) هو فن ساخر من فنون الرسم، وهو صورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي، فن الكاريكاتير له القدرة على النقد بما يفوق المقالات والتقارير الصحفية أحياناً. والكاريكاتير اسم مشتق من الكلمة الإيطالية "كاريكير" (بالإيطالية: Caricare)، التي تعني " يبالغ، أو يحمَّل مالا يطيق "، والتي كان موسيني (M0sini) أول من استخدمها، سنة 1646. وفي القرن السابع عشر، كان جيان لورينزو برنيني Gian Lorenzo Bernini))، وهو مثّال ورسام كاركاتيري ماهر، أول من قدمها إلى المجتمع الفرنسي، حين ذهب إلى فرنسا، عام 1665. وقد ازدهر فن الكاريكاتير في إيطاليا، فأبدع الفنانون الإيطاليون كثيراً من الأعمال الفنية. ومن أشهرهم تيتيانوس (1477-1576)، الذي عمد إلى مسخ بعض الصور القديمة المشهورة، بإعادة تصويرها بأشكال مضحكة." عن ويكيبيديا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة