الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس التونسي يتحدى الشرق البائس

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أطلق رئيس الجمهورية التونسية السيد "الباجي قايد السبسي" مؤخرا مبادرة ـ بمناسبة عيد المرأة يوم 13 أوت 2017 ـ هي بحجم سرب من القاذفات لقـنابل حرارية ضاربة الذهن العربي المتكلس.
لقد دعا رئيس الجمهورية إلى التـقدم بمجلة الأحوال الشخصية إلى مزيد من دعم حقوق المرأة وفق المنهج المقاصدي للطاهر الحداد، و ذلك بالدعوة إلى الاشتغال على تكريس المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل، و ذلك بدلا عن قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين القرآنية".
المنهج المقاصدي الذي يفكر في القرآن كنص تاريخي تحرري حسب زمانه و مكانه و الذي يستوجب منا إتباع روحه التحررية و المواصلة على نهجها، و ليس الأخذ بما أقـره من تـشريعات ظاهرة هي لزمانها و مكانها. بذلك تـتحقـق مقولة الإسلام دين لكل مكان و زمان.. أما أن نغض النظر عن التغيرات الواقعية بدعوى قدسية الشريعة فذلك ليس من الشريعة في شيء من حكمة مفترضة، و ليس من واقع متمثل في التشريعات و المؤسسات و منظم وفق تسخيره نحو خدمة الغايات السامية في الرقي و التحضر..
و ليس من أدنى شك عندنا أن مبادرة كهذه لا يمكن أبدا أن تكون بنت لحظة نزوية أو حسابات سياسية ضيقة أو حسابات شخصية ضيقة..
برغم ذلك فان المبادرة أرجعتـنا مباشرة إلى صورة الزعيم "الحبيب بورقيبة" في تحديه للشرق العربي البائس و التـشريعات البائسة و الجمود المخزي. أرجعتـنا إلى صورة الزعيم الذي يثور مجتمعه في العمق ليتحرك بحرية في زمانه و مكانه وفق واقعه الحقيقي و ليس وفق مقولات في الرأس منفصلة عن الواقع، فيكون الرأس أجوفا و الواقع متحيونا غير متمثل في العقل و بالتالي إرادة عقلانية مغيبة، فحياة انفعالية لحظوية بائسة و شخصية غير قادرة على الفعل في الواقع الغير موجود بدوره في الذهن..
انك لبمجرد تخيل تلك الصور من بؤس الشرق التي تجري أمامنا اليوم و خاصة في بؤرة أتعس صورة للمرأة في التاريخ و هي الموجودة في السعودية و في بقية دول الخليج و إن كانت بصورة أخف في تعاستها، فانك تدرك جيدا أن هذه الدعوة تضرب في العمق ذاك التغييب الكامل لإنسانية المرأة..
فالدعوة إلى المساواة في الإرث بتعارض ظاهري مع النص القرآني، هي تعني قبل كل شيء الدعوة إلى المساواة التامة بين المرأة و الرجل..من هنا يتوجب العمل على تعديل كل التشريعات و السياسات الاقتصادية لتـنـفي واقع قوامة الرجل على المرأة لتـتجسد بعمق هذه المساواة..
و عودا إلى السيد الرئيس، فان رجع الصدى يحيي صورة الرجال الدستوريين الأصيلين اللذين كانت لهم مدرسة فكرية متكاملة، و السياسة لم تكن مجرد سلطة و إدارة حكم و نفوذ و استمتاع ببعض الميزات الاقتصادية، و إنما هي مشروع ينضوي بجملة من المفاهيم المتلاحقة و المتطورة وفق الخط الزمني بدءا من إصلاحات "خير الدين باشا" في القرن التاسع عشر..
هذه تونس التي كانت أول دولة في العالم تمنع التجارة بالإنسان. تونس التي تـقدس الإنسان و التي ترى الإيمان بالاه في إطار خير الإنسان لأخيه الإنسان. تلك تونس الأرض المباركة مثلما وصفها الجنرال "رشيد عمار" احد أبطال الثورة التونسية حين كان حينها القائد الأعلى للجيوش الثلاث..
و الحقيقة انه يحق لنا قراءة الأثر الذي أراد أن يتركه السيد الرئيس لمجده الشخصي في التاريخ. فهو من أنقذ تونس سنة 2011 حين ترأس الحكومة الانتـقالية إلى غاية انتخابات المجلس التأسيسي، و هو الذي انقضها من الفوضى و هو بصدد إرجاع هيبة الدولة، و هو الآن خلافا للحرب على الفساد غير المسبوقة في تاريخ تونس، أراد أن يسجل اسمه بحروف من ذهب من خلال هذه المبادرة..
و لكن هذه المبادرة سيكون لها الصدى الحسن في أوربا و أمريكا و ستجلب دعما إضافيا لتونس، كما أنها من الناحية العملية ستحيي النقاشات الجادة حول موضوع اعتبار المرأة إنسانا و بالتالي لا فارق بينها و ما بين الرجل في الذهنية العامة أو عند العوام، أي الداصة من الجهلة المنافقين اللذين عبر قرون لم يطبقوا التـقـسيم الوارد في القرآن، و إنما الوصية كانت تورث للذكور دون اعتبار للإناث إلا بقدر ضئيل جدا و هو أقـل بكثير من قاعدة " للذكر مثل حظ الأنثيين".. فلعل هذه النقاشات تفضح هذه العقلية المنافقة أمام نفسها و أمام ادعائها بهتانا بالرغبة في إتباع ما قال به الرب في كتابه..
و نـشير أن هذه المبادرة أثارت ضجة كبرى في الداخل و الخارج، كما أنها أحرجت عديد الأطراف السياسية و أهمها حركة النهضة، التي دخلت البلاد و الحكم سنة 2011 بمشروع تهديم مجلة الأحوال الشخصية و إرجاع تعدد الزوجات فإذ بها على ما يبدو ستخرج من باب التـقدم بمجلة الاحوال الشخصية نحو المساواة التامة بين المرأة و الرجل..
و لكن طال هذا الاحراج كذلك حتى لمن يدعي تمثيله لليسار و نقصد هنا تحديدا حزب العمال برغم أن "حمه الهمامي " كان قد دعا في عدة مناسبات إلى المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل، و يعود هذا الإحراج إلى كونه يربك سياسة التـقية التي ينتهجها هذا الحزب على عدة مستويات..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان