الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الفكر الديني

سفيان ناشط

2017 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني








تقــــــــــــديم

المبحث الأول : نقد الفكر الديني المسيحي

المطلب الاول: الحروب الصليبية
المطلب الثاني : الجماعات المتطرفة المسيحية

المبحث الثاني : أصول التطرف الديني الاسلامي

المطلب الأول : حيثيات التطرف الاسلامي
المطلب الثاني : الجماعات المتطرفة الاسلامية

خـــــــــــاتمة



تقــــــــــديم

تبقى من قضية الوجود البشري في الأرض ضمن القضايا الجوهرية التي أولت وأثارت اهتمام العلماء والفلاسفة والمفكرين (...) وذلك راجع لإعتبار كون أن الكائن البشري أو الروح البشرية المنتمية أو التي انتمت صوب المحيط الخارجي تفرز عدة ديناميكيات وجدليات بفعل حركية الوجود البشري المساهمة والمنتجة للزمن وما يحمل في طياته ، ولعل ما يهمنا من هذه الإفرازات هو الجانب الاخلاقي أو الوازع الديني والرابط الروحاني الذي يجمع بين الخالق والمخلوق أو بين المعبود والعابد فهذا الأخير الذي يعتبر مجموعة من واجباته تكليفية وأوامر إلهية واجبة الاتباع والامتثال التي هي أساس وجوده كذات إنسانية ، وهذا هو أساس الدين في عمومه . وتختلف المناهج والتعاليم الإلهية من دين لآخر فهناك من يعبد بقرة ويعتبرها واجبة التقديس وهناك من يعبد نارا يترجى دفئها وهناك من يعبد أصناما أو منحوثاث حجرية من صنع يده ينتظر خيرا منها والطمع في التقرب إليها ، وهناك من يعبد ثلاثة آلهة في قالب إله واحد ، وهناك من يعبد إلها واحدا أحد مستتر وراء حجاب ويتم تمجيد قدسيته ... فاختلفت العقائد الدينية وشعائرها المتنوعة باختلاف الأديان المعتنقة اعتقادا والموروثة عن الاسلاف .
لعل هذا الاختلاف العقائدي هو الذي ساهم في إنتاج مناهج وتعاليم دينية تستند في ذالك لمرجعياتها المقدسة والأصولية التي قد تأخذ صفات كتب مقدسة أو ( سماوية ) أو قد تأخذ خواطر أو أقوال أو أساطير أو حقائق لشخصيات مقدسة ... هاته المرجعيات التي أنتجت من اختلافها خلق مفاهيم دينية وتوجهات عقائدية مكرسة بذالك صراطا ومنهاجا قدسيا واجب الاتباع لنيل الخلاص والجزاء وأن الخروج والتمرد على هذه التعاليم ونقدها يجعلك مشككا ناكرا لهذا الدين كالمهرطق عند المسيحية والمرتد (الزندقة) عند الاسلام وبين واجب الاتباع والتمرد عليه الأمر الذي سيحيلنا على مفاهيم دينية وهذا هو لب وفحوى دراستنا هي إشكالية الدين كأصل إلهي وجوهر الاعتقاد الذي لا مرد منه إذا ما أردت الخلاص بإتباع تعاليمه والابتعاد عن نواهيه و التي تأخذ قالب و صفة التدين كنتاج للاجتهاد شخصي وتنوع إنساني بغية التقرب إلى الله .
بناء على هذا ، وهو ما سنسقطه بذلك على موضوعنا عبر إثارة إشكالية التدين في كل من الديانتين المسيحية والإسلامية إيمانا منا أن إشكالية التطرف ليست لصيقة أو حكرا على دين محدد دون غيره كما يتم إشاعته فجميع الديانات عموما يمكن اعتبارها مبدئيا في جانبها الشمولي أنها لا تستند على العنف الديني إلا أن هناك مجموعة من الحركات أو الجماعات التي تنشق عن هذه التعاليم بفهمها الخاطئ والمتطرف كون أن جميع الديانات لها أتباع ومريدون متطرفون ، ففي الدين الاسلامي انطلاقا من الفهم الخاطئ والتأويل الذاتي للنصوص القرآنية الذي أنتج جانب من التعاليم والمناهج التي اعتبرت وتعتبر متطرفة ومنافية لأخلاقيات النوع البشري وحتى في الدين نفسه ، والذي يتجسد ذلك في جماعات متطرفة تتوهم وتدعي تدينها ومرجعيتها المتبعة باعتبارهم أساس حماة للعقيدة وكونهم ممثلون رسميون وسفراء لإرادة الله في أرضه ، حيث نجد في الدين الاسلامي مجموعة من الجماعات المتشددة بإسم الدين تمارس تدينها وفق إيديولوجيتها ومفاهيمها الخاصة ولكثرة هذه الجماعات سنشير إلى أهمها كتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة (الإسلامية) أو عبارة داعش باختصار...ونفس الشيء ينطبق حتى على الديانة المسيحية التي يقال أنها مبنية على المحبة والسلام و بالرغم من أقلية الحركات المتطرفة الحاضنة في هذه الديانة صراحة إلا أننا نجد بعض الحركات والجماعات التي تستند على العنف الديني كجيش الله وجيش مقاومة الرب و جماعة كوكلوس كلان .
وللإلمام أكثر بالموضوع سنحاول الغوص بين حمولاته الفكرية الدينية وما ينتج عنها من إيديولوجيات تجعل من العنف الديني أساسا لها ومبررا لأعمالها وأفعالها كدراسة نقدية لهذا الفكر الديني المتطرف و المبني على العنف والإرهاب العقائدي في كل من الديانة المسيحية والإسلامية وما يخلق عن ذلك من صدام وصراع بين الحضارات في مآلاتها وأبعادها في عصرنا الحضاري المعاصر .
بناء عليه قسمنا موضوعنا إلى مبحثين


 نقد الفكر الديني المسيحي

 أصول التطرف الديني الاسلامي
















المبحث الاول : نقد الفكر الديني المسيحي

لقد تعرضت الديانة المسيحية ومازالت تتعرض إلى عملية نقد صارمة ، نقد مباشر وهو الذي سلط على النص المقدس ، أي على العهدين القديم والجديد لكشف حقيقة هذا الكتاب ، وهل يعبر فعلا عن كلمة الرب أي هو وحي إلهي أم أن الايدي البشرية تلاعبت به وحرفته ، أم أنه إنتاج بشري خالص كما رأى البعض ، بغض النظر عن النقد الذي وجه للنصوص المقدسة التي اصطدمت مع تعارضها لما وصل إليه التطور العلمي الامر الذي زاد تشكيكا لمصداقية الديانة المسيحية ، و حتى نصف طبيعة المسيحية اليوم يجب أن نضع في اعتبارنا الفرق بين المعرفة التي تصل للإنسان عن طريق الملاحظة والاستنتاج وتلك التي يوحى بها إلى الانسان من الله ، فالمعرفة الاستقرائية أو الاستنتاجية دائما ما تتغير في ضوء الملاحظات والتجارب الجديدة وبالتالي لا تكون يقينية أما المعرفة الموحى بها فمن الله .
وتبقى من المعرفة الاستقرائية لإدارك طبيعة الديانة المسيحة استنادا من التحليل للنص الديني الذي استقت منه مرجعا لها وعلى اساسه تستوحي تأويلاتها التدينة وهذا ما نستشفه ونلاحظه انطلاقا من الحروب الدينية التي اقيمت واستندت على اساس عقائدي الامر الذي جعل من ذلك يأخذ ابعادا متزايدة في تفريخ جماعات وحركات دينية متطرفة .

المطلب الاول : الحروب الصليبية

تمثل المسيحية التي كرس بها يسوع منذ قيامها ، ديانة سلم ، تنبذ استخدام العنف والأسلحة وتدينه ، ومع ذلك دعا البابا أوربانوس الثاني في نهاية القرن التاسع إلى الحرب الصليبية أي حملة حرب مقدسة فرضت على الفرسان المسيحيين تكفيرا عن ذنوبهم لاسترداد عنوة القبر المقدس في أورشليم عقب سقوطه بأربعة قرون ونصف تحت سلطة المسلمين .
وكان الدافع ومن أهم الاسباب التي أدت إلى بداية الحروب والحملات الصليبية هي الخلفيات الدينية المعقدة من رغبة حثيثة للكنيسة للسيطرة على عقول الناس وأموالهم ومن خوف مطرد عند الشعوب من فناء الدنيا وكثرة الذنوب ومن حب جارف لهذه الارض التي ولد فيها المسيح والتي بسبب الرحلة إليها ستغفر الذنوب كل هذا وغيره مهد لفكرة الحروب الصليبية وغزو فلسطين ، عبر إضفاء الباباوات الطابع الديني لهذا الغزو والذي اجتاح أرض فلسطين عن طريق استغلالهم للسلطة الكنسية وأن كل المشاركين في هاته الحملات سيتم التخلص من ذنوبهم وغفرانها قبل إنتهاء الدنيا لتسيير وتسهيل رحالات الحج للنصارى بأوربا . وبدون شك أن هذا الغطاء الديني عزز بحجة قوية جعلت تمهد نفسيا مكانا في قلوب النصارى لقبول فكرة الخوض والمشاركة في غمار الحروب والحملات الصليبية الكبرى والصغرى منها وأصبحت بذلك فكرة الذهاب لهذا المكان المقدس مكان مألوفا لكثرة سماع الناس كثيرا به من طرف تحريض الباباوات عليه كل هذا وأكثر أدى لتضخيم حجم فلسطين في عيون الغربيين .
وقد قام البابا أوربان الثاني وساعده كثيرا بطرس الناسك الراهب بتحمس شديد بتحريض الغرب على غزو بلاد المسلمين والاستيلاء على القبر المقدس حتى يرضى المسيح عن أعمالهم في وقت كان فيه التعصب الديني على أشده وكان نشاط الباباوات كبيرا والملك الذي يرفض يحكم عليه بالحرمان ،وهذا ما يستشف من خلال الخطبة الشهيرة والتى تعد أقوى الخطب في العصور الوسطى بعدما اعتلى البابا منصة الخطبة وسط حشد غفير بفرنسا بمدينة كليرمونت ومما جاء في هذه الخطبة :
يا شعب الفرنجة يا شعب الله المحبوب المختار ... لقد جاءت من بلاد فلسطين ومن مدينة القسطنطينية أنباء محزنة أن جسما لعينا أبعد من أن يكون عن الله قد طغى وبغى في تلك البلاد ، بلاد المسيحيين وخربها بما نشره فيها من أعمال السلب والحرائق ولقد ساقو بعض الأسرى إلى بلادهم وقتلوا بعدهم الآخر بعد أن عذبوهم وهم يهدمون المذابح في الكنائس بعد أن يدنسونها برجسهم ... على من إذن تقع تبعة الانتقام لهذه المظالم واستعادة تلك الاصقاع إذا لم تقع عليكم أنتم يا من حباكم الله أكثر من أي قوم آخر بالمجد في القتال والبسالة العظيمة ، وبالقدرة على إذلال رؤوس من يقفون في وجوهكم ألا فليكن لكم من أعمال أسلافكم ما يقوي قلوبكم ... فليثر همتكم ضريح المسيح المقدس ربنا ومنقذنا الضريح الذي تمتلكه الآن أم نجسة وغيره من الأماكن المقدسة لوثت ودنست ... واتخذوا طريقكم إلى الضريح المقدس وانتزعوا هذه الارض من ذلك الجنس الخبيث وتملكوها أنتم ... وثقوا بأنكم ستنالون من أجل ذلك مجدا لا يفنى في ملكوت السماوات .
والملاحظ من خلال هذا الخطاب التحريضي قد كرس مجموعة من المفاهيم المبنية على العنف والجنوح إليه بإعتباره أنبل الطرق إلى الله مادام الامر مرتبطا بالمقدسات ولعل هذا هو المؤشر الذي لعب عليه البابا عن طريق تغليف خطابه التطرفي بغطاء ديني وذلك لقبوله من كافة الناس المحتشدين الأمر الذي زادهم حماسا للغزو وتلبية النداء ما دام الامر مرتبطا بنصرة الله و تحرير الاماكن المقدسة.
وبه تكون الحروب الصليبية أعلنت بدافع ديني واستغلت عن طريق الخطابات التكريهية من طرف السلطة الكنسية مكرسة بذلك صراعا بين الحضارات ما زلنا نلامس حيثياته في عالمنا المعاصر من خطابات الساسة والحروب القائمة وما تخلفه من صراعات دينية تخلق سوى الدمار واستباحة الدماء .
وبالرغم من أن رسالة يسوع كانت قائمة على أساس المحبة والسلام مرتكزة بذلك على حب الله والتقرب إليه وجعل من التسامح من أهم مقومات الدين المسحي وهذا ما يستشف من خلال الكتاب المقدس بحيث لا يترتب على المرء عدم القتل وحسب بل عليه أيضا نبذ الغضب والحقد فهما يؤديان إلى المجابهة والعنف ( متى : 5 : 21 – 25 ) فقد تم تجاوز " العين بالعين السن بالسن "بوسيلة شريفة لمحبة القريب التي تنطوي على اللاعنف الآثم " سمعتم أنه قيل عين بعين و سن بسن أما أنا فأقول لكم : لا تقاوموا الشرير بل من لطمك على خدك الأيمن فقدم له الآخر أيضا " ( متى : 5 : 38 – 39 ) .
إلا أن النص الديني يبقى في عمومه يخضع لعدة تأويلات وتفسيرات متعددة ومتنوعة الأمر الذي يجعل من استغلاله أمرا قائما .

المطلب الثاني : الجماعات المتطرفة المسيحية

يبقى لفظ الارهاب المسيحي من الألفاظ التي تكاد تكون محظورة نتيجة السعي ومحاولة التعتيم والسرية وذلك راجع لتفادي وعدم إلتصاق المسيحية بالإرهاب وهذا ما نلاحظه في عدم تناول هكذا موضوع في وسائل الإعلام أو الابحاث أو المؤتمرات أو القيام بمراكز لمحاربة هذا النوع من الإرهاب ما دام الارهاب لا دين له أم أنه فقط مرتبط بالإرهاب الاسلامي لا غير ، فالإرهاب المسيحي يشمل هو الآخر أعمالا إرهابية من قبل المجموعات أو الأفراد الذين يدعون الدوافع أو الاهداف المسيحية لأفعالهم كما هو الحال مع غيره من أشكال الارهاب الديني ، اعتمد الارهابيون المسيحيون على التغيرات الفقهية أو الحرفية لتعاليم الايمان ( الكتاب المقدس في هذه الحالة ) . وقد استخدمت هذه الجماعات كتب العهد القديم والعهد الجديد لتبرير العنف والقتل أو السعي إلى تحقيق " اوقات النهاية " الموصوفة في العهد الجديد بينما يسعى البعض الآخر لتحقيق ثيقراطية مسيحية .
وتبقى من أهم الجماعات المتطرفة التي تنخر الجسم الديني المسيحي نتيجة التعصب والتطرف أحيانا من خلال الخلل في فهم النص المقدس في عمومه ، فنجد من بين هاته الجماعات الارهابية جماعة جيش الله المسيحي والذي يرمز له اختصاراً بـ (AOG) و هو اسم منظمة أو جماعة مسيحية بروتستانتية متطرفة ظهرت في أمريكا في بدايات العقد الأخير من القرن الماضي، هدفها مكافحة عمليات الإجهاض والدعارة والشذوذ الجنسي قام عدد من أعضاء هذه الجماعة ، والذين يسمون انفسهم بجنود الله، بعدد من جرائم القتل والتفجير والخطف و اقدم حادثة موثقة لعمل هذه المنظمة كانت قيام ثلاثة من اعضائها بأخذ طبيب اجهاض وزوجته كرهائن لفترة من الزمن، ثم قاموا باطلاقهم دون تعرضهم لأذى . دأبت هذه المنظمة على العمل بسرية وعلى دعم اعضائها النشطين للقيام باعمال عنف، بشرط أن لا يكون هذا الدعم معلناً .
أما على الصعيد الافريقي فنجد الجماعة الإرهابية والتي تسمى جيش مقاومة الرب التي أسسها جوزيف كوني Joseph Kony مسيحي راديكالي في أوغندا سنة 1987 ودعا لإنشاء حكومة أصولية مسيحية متشددة في ذلك البلد. ووفقاً لهيومن رايتس ووتش، ارتكبت جيش الرب للمقاومة الآلاف من عمليات القتل والخطف، وينتشر إرهاب هذه الحركة من أوغندا إلى أجزاء الكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان . وعلى الرغم من أنه من النادر استخدام كلمة « الجهادي » فيما يخص جيش الرب للمقاومة، ولكن في الواقع، لا تختلف تكتيكاتهم عن تلك التي تتبعها الدولة الاسلامية في العراق والشام، أو بوكو حرام. ويأمل كوني بإقامة الشريعة المسيحية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى .
كما نجد في الارهاب المسيحي و من أبرز جماعاته المتطرفة جماعة كوكلوكس كلان واختصارا تدعى
أيضا (KKK) وهو اسم يطلق على عدد من المنظمات الاخوية في الولايات المتحدة الامريكية منها
القديم ومنها من لا يزال يعمل حتى اليوم . تؤمن هذه المنظمات بالتفوق الأبيض ومعاداة السامية
والعنصرية ومعاداة الكاثوليكية ، كراهة المثليين وتعمد هذه المنظمة عموما في إستخدام العنف
والإرهاب وممارسات تعذيبية كالحرق على الصليب لاضطهاد من يكرهونهم مثل الامريكيين الأفارقة
وغيرهم ، وقد نددت جميع الكنائس المسيحية تقريبًا رسميًا بأفعال كو كلوكس كلان كما وترفض
جميع الطوائف البروتستانتية الكو كلوكس كلان أو الإقرار بها .

ولأن المتطرفون يعلمون بأنهم على حق لأنهم قرأو الحقيقة في الكتاب المقدس ويعفون مقدما ، بأن لا شيء يمكن أن يحرفهم عن إيمانهم . حقيقة الكتاب المقدس من البديهيات وليست نتيجة لعملية عقلانية ... وعندما تبدوا الأدلة وكأنها تناقضه فعندها يجب رمي الأدلة خارجا .

المبحث الثاني : أصول التطرف الديني الاسلامي

إنما الدين ( متى اعتبرناه على الصعيد الذاتي ) هو معرفة بكل واجباتنا بوصفها أوامر إلهية . والدين الذي ينبغي علي فيه ان اعرف قبل أن شيئا ما هو أمر إلهي من أجل أن اعترف به بوصفه واجبي هو الدين الموحى به ( أو الذي يحتاج إلى وحي ) .
وتبقى المعرفة الدينية وعلاقتها بالواقع كجدلية التأثر والتأثير كون أن إشكالية العلاقة بين المجتمع ( أو الواقع ) والدين ومدى تأثير وتأثر الدين بالظروف الاجتماعية ، فإن الفكر والفقه الاسلاميين عرفا هذه الاشكالية حيث تعرض لمناقشتها عدد من الفلاسفة والفقهاء والمؤرخون .. حتى علماء الإجتماع المعرفة في الغرب قد تعرضوا لهذه الاشكالية وناقشوها وأبدوا آراء مختلفة .
ويبقى الدين كمعطى بين التقليدانية والعقلانية مفرزا بذلك أشكالا متعددة ومتنوعة من أشكال التدين الذي يدلي هو الاخر عبر سيمائيات ونمطيات لتعاليم مذهبية طائفية معبرا بذلك عن إيديولوجية خاصة تستقي مفاهيمها انطلاقا من تأويلاتها الذاتية للنصوص الدينية تكاد لا تتلازم بين التمسك الصحيح بالنصوص والغلو والتشدد فيها الامر الذي يؤثر سلبا على الدين نفسه عبر تفريخ حركات دينية متطرفة تجعل من العنف والترهيب بيئة خصبة لها مستندة بذلك من النص الديني في حد ذاته .

المطلب الاول : حيثيات التطرف الاسلامي

بالرجوع إلى المصادر والمعجمات اللغوية يتبين لنا أن التطرف هو تفعل - بتشديد العين - من طرف يطرف طرفا بالتحريك ، وهو الأخذ بأحد الطرفين والميل لهما إما الطرف الأدنى والأقصى ... ومفهوم التطرف في العرف الدارج – في هذا الزمن – : الغلو في العقيدة أو فكرة أو مذهب أو غيره يختص به دين أو جماعة أو حزب ، وبالتالي فكل من التطرف والغلو والعنف و " الارهاب " يصب في حقل المفاهيم المكرسة لمنطق التشدد الديني .
ومن البداهة أن التدين كنتاج لممارسة الدين يبقى كعنصر أساسي في تكوين الانسان ، والحس الديني ، إنما يكمن في أعماق كل قلب بشري ، بل هو يدخل في صميم ماهية الانسان ، مثله في ذلك مثل العقل سواء بسواء...وإذا سلمنا بأن الحس الديني جزء أساسي في تكوين الانسان وأنه موجود بدرجات متفاوتة عند الناس جميعا ، فقد يكون مطمورا عند من يحاول أن يحجبه أو يمنعه من الظهور بل ربما يجحد وجوده ، فعندما بدأ هذا الحس الديني في جانبه يأخذ منعرجات خطيرة وأصبح يخضع لعدة تشوهات وانحرافات التي شابهته ، بفعل التأويلات والتفسيرات الذاتية وهذا ما تم إسقاطه وتبنيه عند مجموعة من التنظيمات والحركات الاسلامية التي عطلت وأفسدت الخطاب الديني بالشعارات والكلمات السطحية وأعطت بذلك انطباع مهين للدين الاسلامي ، حيث أصبحت هاته الحركات تعاني من انحرافات خطيرة لا تتكشف لنا إلا عند الاصطدام بها ، فغالب هذه الانحرافات تكون مستورة خلف " السمت الاسلامي " ولكن عند المواجهة الحقيقية تبرز هذه الانحرافات ... وتتركنا مرضى نفرخ أمراضا وحسرات ، وإن التستر على الانحرافات وإخفائها وتبريرها والتهوين من أمرها يعتبر خيانة ومكر للأمة الاسلامية .
إن أبرز المصادر الفكرية والتنظيمية التي كانت في أساس السمة السلفية والعنفية التكفيرية التي ولدت ونشأت عليها جماعات الجهادية في سبعينات القرن العشرين والتي أودت فيما بعد إلى ما يسمى بالسلفية الجهادية التي هي أقرب إلى تراث الخوارج ، وينبئ الانتشار الجغرافي لجماعات السلفية الجهادية بالكفاءة التنظيمية والتخطيط الاستراتيجي المتقن ويلحظ في المقابل تركيز كثيف على اعتقال عناصر تنتمي إلى تيار إيديولوجي وملاحقة خلايا تنتمي إلى شبكة تنظيمية متعالقة مع المجتمع السلفي وتحمل في جوفها تطلعا نحو إقامة الدولة الدينية السلفية .
وقد ساهمت - السلفية الجهادية - في توليد أيديولوجية متطرفة أخذت ابعادا سياسية خطيرة ازدادت تشددا وعنصرية مع تقدم الزمن إلى ان وصلت ذروتها فيما تجلى عنها من اقصى مظاهر العنف والدموية على أيدي الجماعات الاسلامية المسلحة المنادية بالجهاد في سبيل الله تحت راية هذا المفهوم ومستبيحة تحت مظلته قتل الانفس وسلب الاموال . وتعتبر أهم أسباب انتشار ظاهرة التطرف الاسلامي راجع أولا ، إلى السبب الفكري في جوهر فهم المسلمين للإسلام ذلك الفهم الذي لا يراعي البعد الانساني والتاريخي لنصوص الفقه الاسلامي والنص الديني فبسبب سنوات الشلل الفكري في العالم الاسلامي الممتد ما يقارب ألف سنة ميلادية تعطل فيها العقل الاسلامي عن العمل والعطاء والإنتاج ووقع أسير التكرار والاجترار لنفس المفاهيم القديمة للحياة ... ولا ننسى أبدا ونحن نمر على ظاهرة التطرف الاسلامي دور الغرب وأمريكا وأسرائيل في انتشار التطرف الاسلامي ضمن سياسات دولية غربية امريكية غير عادلة متحالفة مع الانظمة العربية الفاسدة ودعم امريكا لمجاهدين أفغانستان ايام السوفيت ساعد بذلك .
ويبقى الحل هنا هو محاولة الاصلاح الديني والتي تبدأ بدراسة نقدية للموروث الثقافي الاسلامي والتأويلات الجافة للنص الديني حتى يتصالح فهمنا مع الدين و مع العالم ويتماشى مع اللحظة التاريخية .

المطلب الثاني: الجماعات الاسلامية المتطرفة

إن القرآن لا يزال يلعب دور المرجعية العليا المطلقة في المجتمعات العربية الاسلامية ، ولم تحل محله أية مرجعية أخرى حتى الآن إنه المرجعية المطلقة التي تحدد للناس ما هو الصح وما هو الخطأ وما هو الحق وما هو الشرعي ، إلا أن ذلك لا يفسر عبر تأويلات محددة وتفسيرات معينة يتم فيها الاجماع على قاعدة معينة ، الامر الذي يجعل من النص القرآني يعرف عدة قراءات متبانية تكاد تكون أحيانا قراءة مبنية على التطرف الديني و التعصبات الفقهية والمذهبية الامر الذي يجعل من كل هذا وأكثر يعرف ظهور عدة جماعات دينية منطقها العنف والإرهاب كونها ممثلة للدين الاسلامي وسفيرة لإرادة الله فوق أرضه ولكثرة مثل هاته الجماعة سنكتفي فقط بالتطرق على أهمها .





الفقرة الاولى : تنظيم القاعدة

نشأ تنظيم القاعدة عام 1987 على يد عبد الله يوسف عزام على أنقاض " المجاهدين " الذين حاربوا الوجود السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي بأفغانستان ، ويستند هذا التنظيم عقائديا إلى التيار السلفي السني الذي يعتبر صدر الاسلام عصرا ذهبيا يجب إحياؤه واستعادته في العصر الحالي وبحسب مفهوم القاعدة يتعين على المسلم المشاركة في الجهاد لاستعادة مركز الاسلام الذي يليق به ويستهدف الصراع " الكفار " الذين لا ينتمي إليهم "غير المسلمين " فحسب بل أيضا الانظمة العربية الاسلامية التي لا تسير على نهج الاسلام الصحيح بمعنى أنها تميل إلى الغرب و " إسرائيل " وتسعى لاعتماد طريقه ، ويعتمد تنظيم القاعدة مبدأ الحرب الشاملة التي لا هوادة فيها ضد أعدائه وبالتالي فإنه يرى جواز اللجوء إلى جميع الاجراءات لبلوغ أهدافه .

وقد تزعم هذا المظهر المتبلور للفكر الجهادي ممثلا في الثنائية (السلفية - القطبية) السلفي الوهابي السعودي أسامة بن لادن ، والأصولي القطبي المصري أيمن الظواهري ، وقبلهما عبد الله عزام الإخواني الفلسطيني الذي تأثر به أسامة بن لادن ( 1975 - 2012 م ) كثيرا وكان له تأثير بالغ على كل " الافغان العرب " في تحالف يمثل بشكل لافت امتزاج تيارين على " أرض الجهاد " عام (1998) ، وهي جبهة اعلنت ان الخطر الداهم على الاسلام ليس في الانظمة القريبة وإنما في التحالف الصهيوني – الامريكي ، وأن الفريضة هي المواجهة مع أمريكا واليهود وحلفائهما ، وهذا ما نلامسه في إيديولوجية كتاب الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري المعنون ب " الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود "والذي جسد فيه أركان الولاء والبراء في الاسلام انطلاقا من الفصل الاول الذي دعى فيه للنهي عن تولي الكافرين أمور المسلمين وترك مودتهم والنهي عن إعانتهم على المسلمين والأمر بجهادهم وكشف باطلهم وعدم مودتهم والبعد عنهم ، في حين كرس في في الفصل الثاني من الكتاب أبعاد وصور من انحرافات عن عقيدة الولاء والبراء كالحكام الذين جمعوا بين الحكم بغير ما انزل الله وكدا مولاة اليهود والنصارى ثم أعوان الحكام من العلماء الرسميين والصحفيين والإعلاميين والمفكرين الذين يتلقون رواتبهم مقابل نصرة الباطل ودعاة التصالح الموهوم مع الغرب الكافر .
وكانت أفغانستان أول محطة لاستضافة الموجات الأولى للسلفية الجهادية ، حيث جرى استثمارها في المشروع الجهادي ضد الاحتلال السوفياتي .. وقد أبلى المجاهدون بلاء حسنا ولم يكن يدرك الرعاة الاوائل أي السعودية وباكستان والولايات المتحدة أن أفغانستان ستتحول إلى منخفض سياسي حاد ومرجل تغلي بداخله مشاريع سياسية ارتدادية . فمن هناك انطلق المشروع الأممي وهناك أيضا انتعشت فكرة تحرير الاوطان وإقامة البديل الديني .
وعليه فإن المجتمع الدولي المعاصر المتمثل في الغرب وأزلامه الذي يخوض حربا ضروس ضد الارهاب الديني دون هوادة مخلفا بذلك حروبا حضارية هو ذاته الذي ساهم في خلق وتفريخ هذه الجبهات القتالية وخلاياها النائمة التي ما فتأت تترك مخلفة وراء عملياتها الانتحارية أو " الاستشهادية " وفق إيديولوجياتهم سوى جثت الابرياء وهدر دماء الآمنين وإشعال نيران الفتن… وبين إدعاء محاربة التطرف الديني والإيهام أنهم ضحاياه تبقى الانسانية تخوض ضريبة الحروب الدينية المقدسة بدون رحمة ولعل واقعنا خير دليل على ذالك .
وبحسب الظرف التاريخي السائد ، والمتغيرات الاقليمية والدولية ، يتحدد مسار الانبثاقات الفرعية المتمثلة في الجماعات الدينية ، التي تصير مع الايام أكثر تطرفا . فبعضها يظل دوما تحت سندان الضغط السياسي والرفض الاجتماعي ، تأكله نار الحقد العام حتى تتفكك أوصاله وتؤأد دوافعه ... وبعضها يتخندق جغرافيا فيتحصن بموضع ليصير جزيرة عقائدية منعزلة كما هو الحال القديم في اعتصام دولة الشيعية الاسماعيلية بقلعة (الموت) الحصينة وكما هو الحال المعاصر في دولة أسامة بن لادن التي انزوت في حضن طالبان والحصون الجبلية بأفغانستان .
إلا أن مجريات الأحداث ستتغير بعد اغتيال بن لادن زعيم التنظيم من قبل قوة أمريكية خاصة الأمر الذي نتج عنه تلاشي في صفوف التنظيم والشعور بأن التنظيم بدأ يشيخ ويتقلص وأصبح الاحباط يأخذ مكانه وسط التنظيم وقد تعزز ذلك بعد تصفية بن لادن ، إلا أن ذلك لا يفهم بأن الفكر التطرفي قد مات هو الأخر بموت زعيمهم بل الفكر ما زال قائم وأنه باقي ويتمدد وليس بزائل ويتبدد مادام أن الفكر التطرفي لم يجتث من أصوله ومن منظريه من شيوخ الفتن والإديولوجيات الارهابية ولعل هذا ما جعل من تنظيم جديد يبعث وسط الساحة الدولية ليحل محل تنظيم القاعدة .

الفقرة الثانية : تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش"

تبقى أفكار السلفية الجهادية تجد جينات تناسلية لدى مريديها وأتباعها فبعد أن تم تبنيها من طرف تنظيم القاعدة الأم جاءت تنظيم الدولة " الاسلامية " الإبن العاق والذي يعرف بإختصار بداعش ليبعث روحا جديدة لدى التظيم المسلح متبنيا إعادة أمجاد الدولة الاسلامية عبر إقامة نظام الخلافة ، وجاء تأسيس تنظيم الدولة الاسلامية في بلاد العراق والشام بخط تراكمي تمثلت تدريجيا بإعلان ابو مصعب الزرقاوي(محمد احمد الخلايلة ) تأسيس جماعة " التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين ومن تم قام الزرقاوي بمبايعة أسامة بن لادن وأعلن عن قيام " تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين " ، وكانت هذه بمثابة نقطة التحول لدى الجماعة بعدما استمرت المشاورات لمدة ثمانية أشهر وانصياع التنظيم الام لشروط الجماعة مما يدل على وجود بعض الاختلافات بين فرع الام وفرع العراق ، وبعدما تم اغتيال ابو مصعب الزرقاوي بغارة جوية على تجمع قيادات تنظيم في شهر يوليو 2006 ، ومن تم إنشاء مظلة جامعة تضم معظم الجماعات الاسلامية السنية المقاتلة في العراق في يناير 2006 ، وقد عين الشيخ عبد الله بن رشيد البغدادي مسئولا عن مجلس الشورى الذي ضم كل من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ، جيش الطائفة المنصورة ، سرايا أنصار التوحيد ، سرايا الجهاد الاسلامي ، سرايا الغرباء ، كتائب الاهوال ، جيش أهل السنة والجماعة ، والجدير بالذكر أن الزرقاوي قد تولى قيادة المجلس في البدء بعدما تنحى في النهاية للبغدادي (أبو عمر و اسمه الحقيقي حامد داود الزاوي ضابط سابق في الشرطة العراقية ) ، وفي يوم 19 أبريل 2016 بعملية وثبة الاسد قتل أبو عمر البغدادي ووزير الحرب أبو حمزة المهاجر وفي أقل من شهر تم مبايعة أبي بكر البغدادي (ابراهيم العواد ابراهيم السامرائي) أميرا لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق وحين قرر ابو بكر البغدادي دخول سوريا بدأ أولا بإرسال الدعاة الذي كان لهم أثر في أحداث الحماسة وإحياء روح الجهاد والقتال ضد نظام الاسد وأسسوا خلايا نائمة مؤيدة لدولة العراق الاسلامية وكان على رأس هذا الرسل والبعثات المدعو أبو محمد الجولاني ( عدنان الحاج علي) وأبوا عبد العزيز القطري (محمد يوسف الفلسطيني) ، وبدأت عناصر دولة العراق الاسلامية القتال ضد الجيش السوري في حادثة جسور الشغور المشهورة االتي كانت أول شرارة في تحول الثورة السورية من سلمية إلى مسلحة ... مع الوقت أصبح التواجد لعناصر التكفريين وعناصر دولة العراق الاسلامية عامل لاستنزاف الجيش السوري ...في بداية عام 2012 كثرة الانشقاقات في فصائل المعارضة للأسد وفي الجانب الاسلامي واللبرالي على حد سواء وكان منها اعلان جبهة النصرة بقيادة الجولاني ... الامر الذي دفع البغدادي إلى إعلان تحالف (الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش") في 8 ابريل 2013 ، إلا أن أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة رفضه وأعلن تبعيته المباشرة لتنظيم القاعدة الرئيسي بقيادة ايمن الظواهري والذي سينشق عليه هو الاخر لاحقا .
وقد تقمص أبو بكر البغدادي دور الخليفة وبدأ يرسم معالم مشروع دولة توسعية يكون عنوانها ( خلافة على منهاج النبوة ) بعدما ظهر في خطبته الشهيرة في المسجد الكبير في الموصل في 4 يوليو 2014 ، وقد دعى المسلمين عموما إلى الانضواء في الدولة والهجرة إليها وإعتبار أن الوقوف ضد الدولة هو ضد شرع الله وإرادته التي اختارت البغدادي خليفة وإماما لدولتهم ... وقد تقمص ابو بكر البغدادي شخصية الخليفة الراشدة مستقينا أن له سلطانا على الأمة فصار " ظل الله في الارض " وأطلق مشروع دولة الامة في خطبة بالمسجد الكبير بالموصل إلى " مجاهدي الدولة " .
وأصبح مشروع بناء وإعادة أمجاد الخلافة قيد التحقيق ظاهريا على أسس" الشريعة الاسلامية " ، مشروعا يكتسي بذلك غطاءا دينيا ذو حمولات جهادية عقائدية وفق إيديولوجية تنظيم الدولة عبر ميكانزمياته الجهادية ( من عمليات الذبح وقطع الرؤوس والقتل والتنكيل والتمثيل والحرق وتنفيذ التفجيرات والأحزمة الناسفة في الاسواق والشوارع والمساجد والكنائس ... ) وحث مسلمي العالم للهجرة إلى دار الاسلام باعتبارهم أنهم في بلاد الكفر والمشركين على منوال هجرة الرسول الكريم من مكة إلى المدينة مفضيا بذلك خطابا دينيا مفترى عليه ، وإطلاق العنان للتكفير واستباحة دم ومال وعرض لكل من عارض ووقف ضد هذا المشروع وأدبياته المكرسة لثوابت دولة الامة واعتباره ضد إرادة الله وشرعه ، هذا الخطاب الديني البائس الذي يبث روح الكراهية في ما بين المسلمين وفي العالمين وكأن الدين الاسلامي دين كراهية وإرهاب و لا يمت صلة بالإنسانية والرحمة الأمر الذي يجعل من تجديد الخطاب الديني أمرا ضروريا ملحا ، ونحن عندما نقول أنه يتوجب لزاما تجديد الخطاب الديني فلا نقصد بذلك تحريف وتغيير زيادة أو نقصان للنص الديني المقدس أو تجديد الدين في حد ذاته وإنما يراد به مراجعة جذرية للخطاب والطريقة التي يؤدى بها الكلام الدعوي الديني وتيسير لغة الخطاب بأسلوبه وتقريبه إلى الذهن العقلاني بدون تشدد أو غلو كما يحدث حاليا للأسف لدى جل المجتمعات الاسلامية .
وفي المقابل فإن داعش لم تسقط علينا من السماء ، إنها محصلة كل الذين بشرونا بالخلافة وجعلوها أصلا من أصول الدين بل سموها تحديدا بالخلافة على منهاج النبوة والتي ستعقب في نظرهم مرحلة الملك العضوض وهي ثمرة كل الخطب التي كانت تقال على مسامع الجميع وكان الكثير يظنون أنها مجرد أضغاث أوهام ستتلاشى وشيكا ، الاوهام لم تتلاشى في الاخير بل صارت واقعا مرعبا ، بالرغم من أنه ليس هناك نص من القرآن أو السنة يلزم المسلمين بشكل من الحكم معين ، ولا وجود لنص ينهاهم عن شكل من الحكم معين المطلوب الوحيد هو الحكم بالعدل وبما أمر الله ولكن دون أن يقتضي ذلك قيام نوع معين من الدولة ، كون أن النص القرآني لم يأتي بنظرية سياسية إلا أن التاريخ أجبر المسلمين على الاجتهاد في أمور السياسة والدولة ورغم ذلك لم يخلف لنا التاريخ في تفاعله مع النص ما يمكن تسميته "دستور الدولة الاسلامية " ، وعليه فإن الاسلام قد جاء بمبادئ عامة للحكم ، ولم يفرض نظاما محددا ، لأن ذلك قابل بتطور الظروف الاجتماعية والسياسية ويختلف باختلاف الحقب التاريخية وما يتطلبه ذلك من دور الدولة .
وتبقى المنطلقات الفكرية للتنظيمات الدينية الإرهابية تفتقر لرؤية صادقة ونية صالحة وفق إيديولوجية منبتها سوى العنف والكراهية واستباحة القتل وكل الاعمال اللإنسانية مبررة أعمالها وأفعالها من منظور النص الديني و الذي يتبرأ منها ومن أفعالها الامر الذي ينعكس سلبا على الدين الاسلامي و يعزز بذلك الصورة النمطية عن الدين في حد ذاته بأنه مجرد دين إرهابي مبني على الحقد والكراهية وهذا ما يتم تسويقه من طرف الجماعات التي تنشق من عقيدتنا عبر أعمالها ولنا في تنظيم داعش خير مثال والذي هو الآخر بدأ يتلاشى ويضعف ويتقهقر بعد أنباء تفيد مقتل زعيمهم البغدادي ، و في انتظار ظهور تنظيم جديد مختلق يحل محل داعش و هذا الأخير الذي جيء به هو الآخر لملء الفراغ تبقى من هاته السينياروهات تتداخل عبر حسابات جيوسياسية دولية وبين مزايدات دينية تطرفية مفرزة بذلك صراعا وتصادم بين الحضارات .





خلاصة


عموما ما يمكن استخلاصه من كل ما سبق أن البعد التاريخي للنص المقدس والسمات الي يتمثل فيها بأنه مرن وصالح لكل زمان ومكان يستوجب بأن تأخذ مكانتها وتسترجع قراءتها دون أن يتم من محاولة إجهاضها من قبل أصحاب الفقر الثقافي والجمود الحضاري والفكر السلفي التطرفي في أفق إطلاق العنان في فتح القضايا المسكوت عنها والتي تعتبر من الطابوهات لكي نستطيع أن نمارس النقد للمفاهيم والأفكار الخاطئة والمنسوبة للدين عن طريق التدين والذي يستند لتأويلات مغلوطة تأخذ أساسها على فكر منبته التعصب والكراهية وإقصاء الآخر بل ومحاربته بغطاء ديني وهذا ما نعايش في الساحة الدولية من حروب مقدسة دينية ، الأمر الذي يجعل من فكرة التعايش بين الثقافات والأديان والتلاقح بين الحضارات وبناء أواصر التواصل أمرا مستبعدا ما دام منبت الفكر التطرفي مبني على إقصاء الآخر والتشبث بالفكر السلفي الجهادي مفرزا بذلك صراعا بين الحضارت كما نظر إليه عالم المستقبليات المهدي المنجرة .

وفي المقابل فقد ساهم الغرب هو الآخر عبر توظيفه مجموعة من الآليات في تهيئة البيئة الحاضنة للفكر المتطرف وصناعة الارهاب بإستغلال بؤر التوتر في أفغانستان والدعوة للجهاد ضد الشيوعي الكافر ، كل هذا وأكثر ساهم به العالم المسيحي في شخص ساسته ومنظريه ورجال الدين في تسويق الصورة النمطية عن أن الاسلام دين إرهاب وإقصاء الآخر ونبذه ، بالرغم من أن الاسلام عايش أصناف شتى من الطوائف والأديان وعايش أهل الكتب عكس الصورة التي يروجها الاعلام الغربي على أن المسلم إرهابي وهمجي ولا يعرف سوى التطرف والعنف ، والحق يقال عموما أن النص المقدس بصفة عامة لا يفسر نفسه بنفسه ، والدين في حد ذاته لا يطبق نفسه بنفسه وإنما يتم ذلك من خلال المؤمنين المتدينين وما أسوأ ما فعله المتدينون في دينهم .








لائحة المراجع :

1-نعيمة إدريس " أزمة المسيحية بين النقد التاريخي والتطور العلمي " رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه العلوم في الفلسفة بجامعة منتوري قسنطينة بالجزائر في سنة 2008
2 - محمد عطا الله "عيسى المسيح والتوحيد عرض تاريخي للمسيحية والأناجيل والموحدين المسيحيين الاوائل والأواخر " ترجمة عادل حامد محمد مركز الحضارة العربية ، بدون سنة

3 - جان فلوري " الحرب المقدسة ، الجهاد ، الحرب الصليبية : العنف والدين في المسيحية والاسلام "المؤسسة العربية للتحديث الفكري ، الطبعة الاولى سنة 2004

4 - راغب السرجاني " قصة الحروب الصليبية " مؤسسة إقرأ للنشر والتوزيع والترجمة بالقاهرة ، الطبعة الثانية 2009
5 - أحمد باقر – عبد الله مبارك " الحروب الصليبية " مجلة الهجرة ، بدون سنة
6 - محمد سعيد عمران " تاريخ الحروب الصليبية " دار المعرفة الجامعية سنة 2000
7 - تقرير حول " الارهاب المسيحي اللفظ المحظور " منشور في الموقع الإلكتروني http://www.alkhaleejelarabi.com
8 - واثق غازي عبد النبي " جرائم جيش الله المسيحي " مقال منشور في الموقع الإلكتروني الحوار المتمدن http://www.ahewar.org

9 - ريتشارد دوكنز " وهم الإله " ترجمة بسام البغدادي ، أيار 2009

10 - إيمانويل كانط " الدين في حدود مجرد العقل " نقله إلى العربية فتحي المسكيني ، الطبعة الاولى فبراير 2012

11 - مجموعة من الباحثين " سسيولوجيا المعرفة جدلية العلاقة بين المجتمع والمعرفة الدينية " الطبعة الأولى مركز الغدير مكتبة مؤمن قريش – بيروت لبنان ، سنة 2011
12 - علي بن عبد العزيز بن علي الشبل " الجذور التاريخية لحقيقة الغلو والتطرف والإرهاب والعنف " بحث منشور في موقع السكينة

13 - جفري بارندر " المعتقدات الدينية لدى الشعوب " ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ومراجعة عبد الغفار مكاوي ، عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية ، رقم السلسلة 173 بالكويت لسنة 1993

14 - أحمد طه " في انحرافات الحركة الاسلامية " الطبعة الالكترونية الاولى ل أمتي للنشر الالكتروني سنة 1438هــ - 2016 م

15 - سعود المولى " الجماعات الاسلامية والعنف موسوعة الجهاد والجهاديين " مركز المسار للدراسات والبحوث ، الطبعة الاولى سنة 2012

16 - فؤاد إبراهيم " السلفية الجهادية في السعودية " دار الساقي الطبعة الاولى ، المكتبة المتخصصة للرد على الوهابية ، السنة 2009

17 - محمد شحرور " الدين والسلطة قراءة معاصرة للحاكمية " دار الساقي الطبعة الاولى 2014

18 - سيف الدين البحري " ظاهرة التطرف الاسلامي " مقال منشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 11/12/2005 http://www.ahewar.org

19 - محمد أركون " الفكر الأصولي واستحالة التأصيل نحو تاريخ آخر للفكر الاسلامي " ترجمة وتعليق هاشم صالح ، دار الساقي الطبعة الاولى 1999

20 - التقرير الاسرائيلي حول" تنظيم القاعدة وتسرب أفكاره " لسنة 30.12.2008 منشور في موقع https://www.shabak.gov

21 - أيمن الظواهري " الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود " لسنة 2002 منشور في موقع http://www.muslm.org

22 - يوسف زيدان " اللاهوت العربي وأصول العنف الديني " الطبعة الثانية دار الشروق مصر سنة 2010

23 - مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث " تنظيم الدولة النشأة والأفكار " منشور في الموقع http://www.fikercenter.com

24 - أحمد عبد الرحمان مصطفى " داعش من الزنزانة إلى الخلافة " الاصدار الأول أكتوبر سنة 2015

25 - هشام الهاشمي "عالم داعش تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام " الطبعة الاولى ، دار الحكمة لندن / دار بابل بغداد ، سنة 2010

26 - فؤاد أبراهيم "داعش من النجدي إلى البغدادي*نوستالجيا الخلافة *" مكتبة مؤمن قريش الطبعة الاولى ، بيروت أبريل 2015

27 - سعيد ناشيد " ما داعش " مقال نشر في صحيفة العربي يوم 2014/04/22 العدد 9627 الصفحة 9 ، منشور في الموقعwww. Alarab.co.uk

28 - محمد عابد الجابري " مواقف إضاءات وشهادات " الكتاب الثامن والعشرون الطبعة الاولى يونيو 2004

29 - أيمن عبد الرسول "في نقد الاسلام الوضعي دراسات في الخروج على النص الديني " كنوز لنشر والتوزيع ، بدون سنة

30 - الحاج احمد ابن شقرون "البيعة والخلافة في الاسلام " الكتاب العاشر سلسلة البدائع مطبعة إليت – الرباط 1417 هـ/ 1996 م




























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah