الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنية تلفظ أنفاسها الأخيرة داخل التكنات!

محمد مسافير

2017 / 8 / 17
الارهاب, الحرب والسلام


التحق بصفوف الجنود، كان ذاك حلما منذ نعومة أظافره، فقد ترعرع في مدينة صغيرة لا تبعد كثيرا عن إحدى المناطق العسكرية، السبب الذي جعل ثلث سكانها جنود، فكان يرى في الجندي تجسيدا للبطولة والمروءة والمواطنة الحقة، كان هذا حافزا أولا للحلم، بالإضافة إلى أن هذه المهنة كانت مفتوحة في وجه الجميع، ما دامت تتوفر فيهم شروط فيزيولوجية معينة، أما المستوى التعليمي فلم يكن شرطا لولوج الرتب الدنيا على الأقل!
تحقق الحلم، فأرسلوه إلى الحدود، بؤرة التوثر، لم يهتم كثيرا بالموضوع، المهم أنه قد غدا بطلا بين الأبطال... لكن لم تمر إلا أسابيع معدودة، حتى تغيرت نظرته لأمور كثيرة!
كانت كمية وجباتهم محسوبة جدا، رغم أن جودتها دون المستوى، وكان نصيب كل واحد من الماء هو 15 لترا، وعليه أن يتدبر أمرها كيفما شاء في صحراء جافة قاحلة، عليه أن يشرب ويستحم ويغسل وجهه وفمه كل صباح ويغسل الأواني وينظف مخارجه بعد كل قضاء! كل هذا ب15 لتر فقط، فكانوا إذا أرادوا الاستحمام جهزوا إناء كبيرا ثم وقفوا داخله وسكبوا الماء على أجسادهم واحتفظوا بما اجتمع داخل الإناء ليقضوا به مآرب أخرى!
كانوا يُحبسون داخل هذا السجن المفتوح أو المنفى مدة 11 شهرا متصلة، ولهم شهر إجازة، أو إطلاق سراح، هكذا كانوا يسمون أيام الإجازات فيما بينهم، فتجدهم يتساءلون: متى سيطلق سراحنا؟ إنهم يدركون جيدا أن أوضاعهم هي تماما أوضاع سجين، وربما أوضاعهم أكثر سوء، لسببين: لأن رؤوسهم معرضة دائما لأشعة شمس الصحراء الحارقة، عكس السجناء، فهم ينعمون دوما بالظل! ثم إنهم معرضون دائما لهجوم مباغث من العدو، معرضون للخطر، واليقظة إلزامية هنا!
الأشد غرابة في وضعهم هذا، هو أنهم كانوا تقريبا على خط الحدود، إلا أنهم لم يكونوا يملكون أسلحة ثقيلة يواجهون بها العدو حين يهجم، بل إن التكتيك المعمول به، خاصة بعد هزيمة نكراء في آخر حرب، هو إرجاع الأسلحة الثقيلة إلى الوراء وإبعادها عن الحدود، وتقديم أكباش فداء من الجنود للعدو، وهذا يعني أن هلاكهم أمر حتمي فور إعلان الحرب، وهلاكم ليس إلا إنذارا للكتائب المتأخرة حتى تعد العدة للمواجهة!
كان مجرد كبش فداء! لم تكن الدولة ترى فيه شيئا من الإنسان، ليس أكثر من طبل أو جرس إنذار، لذلك لم يكن هناك أي سبب يدفع الدولة لتحسين ظروفهم، أو على الأقل، تحسين مأكلهم ومشربهم... وقد طال زمن الهدنة، وبقي الجنود معلقين إلى أبد الأبدين، ينتظرون الحرب أو الخلاص، وربما يفضلون الحرب، فقد تأتي بجديد، عكس الروتين القاهر الذي يستهلك أعمارهم ويقضي على شبابهم، للسبب ذاته ربما، نشبت معارك ماء كثيرة بين مجموعات متفرقة من الجنود، فأحيانا، وبسبب العطش القاتل، يقتلون سائق شاحنة محملة بالماء كان يقصد بها مجموعة أخرى، ثم يسلبونه الماء، فتهجم المجموعة التي لم تحصل على الماء... كانت مجبرة على الهجوم، وإلا ماتوا عن بكرة أبيهم بسبب العطش!
يمكتون هناك 11 شهرا، إنها مدة طويلة يقضونها بعيدا عن دويهم وأسرهم، ولك الآن أن تسرح بمخيلتك لتتصور الكبث الذي يعيشه أناس لم يشموا رائحة الأنثى كل هذه المدة، أما المتزوجون، فقد كانوا أوفر حظا، حيث كانوا على الأقل يسمعون أصوات زوجاتهم، فتجد الواحد منهم يتصل بزوجته ويطلب منها أن تتصنع أصواتا جنسية حتى يستطيع قضاء وطره بيده، وقد يكون زملاؤه الجنود محظوظين أيضا حين لا يقوى زميلهم على حمل الهاتف فيضعه أرضا ثم يضبطه على مكبر الصوت، فينسلون خلسة إلى أقرب نقطة تسمح لهم بسماع صوت ناعم متدفق عبر تلك الآلة السحرية الصغيرة، يغمضون أعينهم ثم يطلقون سراح مخيلاتهم!
وقد بلغ صديقنا هذا من الكبث مبلغا، فكان إذا ما مر بجحر أفعى أو سنجاب، انتصب قضيبه أشد انتصاب، إن جميع الحفر لا تعني في مخيلته إلا حفرة واحدة... فلا عجب إذن أن يساوم، فالكل كان يساوم ويقايض، ما فائدة الحفرة الخلفية التي وهبها له الله إن لم تنقده من هذه المحن التي تصيبه كل دقيقة وساعة، لقد عزم أخيرا وبعد صبر مديد على أزمة لم ترد الانفراج، لقد عزم على خلق اللذة المستعصية، مهما كانت التكلفة، فغاص في بحر اللذة دون رجعة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللوطانية تقصد اعتقد انه خطأ مطبعي
نور الحرية ( 2017 / 8 / 17 - 18:42 )
فكان إذا ما مر بجحر أفعى أو سنجاب، انتصب قضيبه أشد انتصاب، إن جميع الحفر لا تعني في مخيلته إلا حفرة واحدة... اخيرا مذا لو استبدلت مطلع العنوان أقصد كلمة الوطنية (باللوطانية) لكان أحسن

اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة