الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهج الحضارة ومنهج البدائل

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2017 / 8 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن إحدى المفارقات المثيرة للوجدان المعرفي والقومي بالنسبة للعالم العربي تقوم في قلة أو انعدام أبحاثه الفلسفية بقضايا حضارته الخاصة، بينما ينقل ما كتب عنها من خارجها، وبالأخص في الدراسات والأبحاث الأوربية أولا والأمريكية في الآونة الأخيرة. ومع ذلك لا غرابة في هذه المفارقة من الناحية التاريخية والثقافية والعلمية. وذلك لان الوعي الأوربي النظري بشكل عام والفلسفي بشكل خاص قد ذلل بصورة شبه تامة الأصول اللاهوتية وأخرجها من ميدان الأبحاث العلمية. وقد كان ذلك نتاجا ملازما لانتقال وعيها الثقافي إلى مستوى المواجهات الحية لإشكاليات الوجود الطبيعي والماوراطبيعي الأوربي بمعايير الرؤية المناسبة لمرحلة تطورها التاريخي (المرحلة السياسية الاقتصادية).
من هنا الاهتمام بالعلم التاريخي، بوصفه احد المؤشرات الدقيقة على مستوى تطور الوعي الذاتي القومي والثقافي. ومن هنا أيضا ظهور وتوسع البحث في قضايا التاريخ الثقافي، الذي نعثر عليه من حيث تسلسله الزمني في ظهور عناوين تتعلق بالبحث عن ثقافة وحضارة الأمم القومية في أوربا بدء من القرن التاسع عشر، مثل البحث في الثقافة والحضارة الفرنسية والإسبانية والبريطانية وغيرها. بينما تتوسع وتتعمق أبحاث الألمان بقضايا العقل والروح وفلسفة التاريخ. والأسباب وراء هذا التباين تقوم في ظاهرة تكامل القومية أو سعيها للتكامل. وليس مصادفة أن تحتل ألمانيا وتقاليدها العلمية في مجال الأبحاث التاريخية والفلسفية والحضارية مركز الصدارة الأوربية بعد توحدها على يد بسمارك (1815-1898) في سبعينيات القرن التاسع عشر، وتشكيل الإمبراطورية الألمانية أو الرايخ الثاني، وان تنتج ما قبل صعود الرايخ الثالث الهتلري فلسفة الحضارة الشهيرة لشبنغلر.
ولم يكن كل ذلك معزولا عن حصيلة الوحدة الفاعلة لتاريخ الروح الفلسفي منذ هيغل حتى فلسفة التاريخ عند ماركس وما بينهما وبعدهما من مدارس تاريخية علمية وأكاديمية هي الأوسع والأعمق والأدق من حيث تأسيسها النظري الفلسفي في أوربا ككل. فإذا كان غوته قد قال مرة بان ألمانيا لا شيء ولكن كل ألماني لحاله يعادل الشيء الكثير، فانه يعكس بذلك حالة الضعف الجسدي للمقاطعات الجرمانية العديدة وتفككها والقوة الروحية الكامنة فيها آنذاك، التي سيؤيد المسار اللاحق عمقها ودقتها، اي كل ما سيجد تعبيره في الخطاب القومي لفيخته من اجل النهوض القومي ووحدة الألمان. وليس مصادفة أن تنتج ألمانيا في غضون خمس عقود من القرن التاسع عشر اكبر وأعظم كوكبة من الفلاسفة والمؤرخين ليس في تاريخ الألمان، بل والتاريخ الأوربي ككل على مدار أكثر من ألف وخمسمائة سنة، اي منذ سقوط روما. بحيث تبوأت ألمانيا مركز الصدارة وحالة القاطرة التي سحبت وراءها بقوة وطاقة المنطق الفلسفي كل روافد الفكرة العقلانية وتوجيهها صوب التعمق المتنوع في بحث وتأسيس وعي الذات القومي والثقافي والتاريخي، كما نراه على سبيل المثال لا الحصر في منظومات الفكر الكبيرة والمنهجيات العميقة عند ماكس فيبر وفيندلباند وديلتي وريكرت وكثير غيرهم، وفِي إبداع المؤرخين الكبار مثل يوهان غوستاف درويزن وهنري فون زيبيل وتيودور مومزين وغيرهم.
وعندما نقارن هذه الحالة بواقع العالم العربي المعاصر، فإننا نقف أمام نتائج مثبطة للإرادة في ميدان الفكر والرؤية المستقبلية، مع أن الأزمة الشديدة تفترض ظهور محاولات لمواجهتها وحلها على اقل تقدر، وتحديها بمعايير البدائل الكبرى كما يفترض منطق الرؤية الفلسفية ومهمة أهل العلم والمعرفة. اذ نقف أمام مقاطعات أو إقطاعيات (دول) مفككة ومجتمعات أشد تفككا وبشرا بلا هوية وإدراك ذاتي. من هنا ضعف الاهتمام بوعي الذات القومي والقدرة على الإبداع الحر، والانسياق المشين والمقزز "لعلماء السوء" من مرتزقة الأصوات الفارغة والحروف الالكترونية. بحيث أدت إلى انتكاسة هائلة في الوعي الاجتماعي بشكل عام والنظري بشكل خاص. وعوضا عن فطاحل اللغة والأدب والشعر والنقد والتاريخ والفكر السياسي والفلسفي والغناء والموسيقى للنصف الأول من القرن العشرين الذي نعثر على صداه الباقي والأبدي في صوت فيروز واستكماله في الخطاب السياسي والروحي للشيخ حسن نصر الله، نرى ازدياد مفرط بأعداد "مفكري" الشاشات التليفزيونية، الذين لا يتعدى أفضلهم لقب نصف متعلم أو أشباه مثقفين، بينما في حقيقتهم هم جهلة أميون بالمعنى العلمي والثقافي، وكائنات لا قيمة لها بمعايير الوجدان القومي السليم والعقل الثقافي للأمة. اذ لا تتعدى اهتماماتهم قضايا "السياسة" الرخيصة، اي الدعاية المبتذلة والمبتسرة التي وجدت وتجد في تويتر وفيسبوك الميدان الأوسع "لاجتهادها الفكري والسياسي"، اي لا يتعدى اجتهادها سطر أو سطرين من كلمات غبية في اغلبها، بحيث نستمع فيها إلى ما يمكن دعوته "بتغريدات" الحمير والبعير عوضا عن نهيق الحمير وهدير البعير وجرجرته وكركرته وهجيجه وغيرها من أصواته.
وما يثير الاستغراب والتقزز عندما ترى صور أولئك الذين "يغردون"! بلابل من نوع لم تصنعها الطبيعة والخيال، لكنها واقعية بهيئات مختلفة ومتنوعة بحيث تبدو فزاعات هيتشكوك إلى جانبها مخلوقات بريئة وعذبة! ولا غرابة في هذا الواقع كله. فحالما يبلغ الانحطاط مداه يمكن توقع كل ما لا يخطر على العقل والبال والخاطر! فالانحطاط والغباء بلا حدود. وليس مصادفة أن يتحول شرطي في الإمارات إلى الناطق "الفكري" للدولة، وان يكون رجال الإفتاء في مملكة ال سعود مجموعة من العميان والعوران التي أنتجها الزمن النجدي، اي زمن القحط والجدري، الذي جعل بعض مؤرخيه، حتى في أتعس مراحل انحطاطه، يضع كتابا تحت عنوان (المجد في تاريخ نجد)! وان يتحول الرعيل اليساري إلى قطيع متنوع المشارب متقلب المشاعر والمآرب. بينما يتحول أتباع الإصلاح والتنوير الاسلامي إلى أبواق غبية للطائفية، في حين انحدر ما يسمى بالليبراليين إلى مجرد كائنات بلا طعم ولا رائحة. وعوضا عنهم أخذت تبرق نيازك الزمن الفارغ في ساسة بلا سياسة، ومعممين عميان العقل والروح، وصحفيين كصفائح بيوت الصفيح، وزوابع الهمجيات الحنبلية و"الإسلام السني"، وفنانون يفنون الدهر في إفناء قيم الخير والجمال، و"علماء" لا يفرقون كما في إحدى العبارات الساخرة للشدياق، بين القاموس والجاموس! والاستثناءات قليلة لكنها تحمل في أعماقها بذور المستقبل، كما هو الحال في كل مراحل الانحطاط أو بدايات الصعود.
المقصود مما وضعته أعلاه، أن قضية الحضارة تظهر بوصفها الإشكالية الأكثر تعقيدا زمن مراحل الانتقال أو التغيرات العاصفة. فهو الميدان الذي يجري البحث فيه عن عناصر الثبات وجذور الانتماء وشحذ الرؤية الذاتية. ومن ثم تنعكس فيها إشكالية الوعي الذاتي للأمم وإبداعها المنهجي في التعامل مع إشكاليات الحضارة بوصفها شكلا ومستوى جوهريا من تحد الواقع والخروج من أزماته.
إن امتلاك زمام الرؤية الذاتية حول قضايا الحضارة التاريخية بالنسبة للأمم الثقافية الكبرى كالعرب في الحالة المعنية، هي الإشكالية الأكثر تعقيدا وضرورة في الوقت نفسه من اجل تأسيس الهوية القومية الذاتية المعاصرة، لكي لا يكون وعي الذات القومي والثقافي اغترابا عن حده وحدوده، اي ماهيته وحقيقته. وليس بالإمكان بلوغ ذلك دون بلورة المناهج القادرة على بلورة الإجماع العقلاني وتنوير العقل الثقافي وشحذ طاقة الحرية وتوجيه همومها صوب إشكالاتها الواقعية والتاريخية.
إن عقودا من الضخ الهائل في تقليد المناهج الأوربية والأمريكية الحديثة في الرؤية "العلمية" لم تصنع علما ولم تؤسس لثقافة رصينة ولم تبدع وعيا ثقافيا ولم تنتج ما يمكنه أن يكون نموذجا عالميا في جميع ميادين المعرفة. وذلك لانها مجرد ترديد وتلقين. وهي "ثقافة" لا تختلف من حيث الجوهر، اي من حيث أثرها المنهجي في تربية العقل، عن تلقين الكتاتيب القديمة، تماما كما لا يعني استماع البدوي لأغاني حديثة في إحدى البنايات الشاهقة المبنية بعقول هندسية ومواد بنائية وأيادي عمل أجنبية، انه يستمع من مكان أعلى من سنام البعير ونغم الربابة! وبالمقابل يبقى التشبث بتراث الأسلاف وبالأخص بصيغته الدينية اللاهوتية الوجه الآخر للاغتراب الثقافي. الأول اغتراب ظاهري باطني، والثاني اغتراب باطني ظاهري. وكلاهما يوديان إلى نفس النتيجة: العماء والفناء!
كل ذلك يكشف عن الأهمية الحاسمة للمنهج والفكرة المنهجية بالنسبة لفهم قيمة ومعنى التراث في الحضارة. وذلك لانها تؤسس وتبلور محددات وآفاق الوعي الذاتي في مواجهة الواقع وإشكالاته.
إن الرؤية المنهجية والمناهج هي على الدوام نتاج تاريخي ثقافي لمعاناة الأمم في رؤية الواقع واستشراف المستقبل. وبالتالي فان المناهج الغربية تتسم بقدر هائل من العلم والمعرفة والتأسيس ضمن سياق التطور التاريخي للغرب. لكنها تبقى غريبة ولا تفعل إلا على تغريب واغتراب الوعي الثقافي بشكل عام والعلمي بشكل خاص حالما يجري أخذها كما هي. وعموما أن أخذ مناهج الآخرين في ميدان العلوم التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية هو أما جهل أو اغتراب أو كلاهما معا. الأمر الذي يصيب الوعي النقدي بالشلل، والوعي الاجتماعي بالكسل، والوعي القومي بالخلل، والوعي الثقافي بالعطل. والنتيجة هي الخواء الروحي والمعرفي وانكسار الإرادة واستحالة البناء الذاتي والتأسيس المستقبلي.
وليس مصادفة أن يكون الاهتمام الأكبر والجهود الهائلة في مجرى الهيمنة الاستعمارية المباشرة ولحد الآن موجهة صوب الفكرة المنهجية الغربية وغرسها في العالم العربي. وعليها جرى ويجري تقييم كل مجريات ومعطيات الواقع والشخصيات والحركات السياسية والفكرية وما إلى ذلك. وهذا جزء ومظهر عضوي وطبيعي بالنسبة للوعي الكولونيالي، كما انه صفة جوهرية ملازمة للتاريخ والوعي والثقافة الأوربية، بوصفها صيرورة ثقافية تاريخية خاصة وأصيلة. وقد اظهر ادوارد سعيد في (الاستشراق) و(الثقافة والإمبريالية) العينات النموذجية لهذا النمط المنهجي وأثره في بلورة المواقف الغربية من تراث وحضارات الآخرين. ومن ثم أثرها الهائل في تحديد الرؤية السياسية العملية للمراكز الكولونيالية آنذاك.
وعندما نتأمل مجريات الأحداث السياسية المتعلقة بالعالم العربي على امتداد القرن العشرين ولحد الآن، فإننا نقف أمام استمرار واستمداد لهذه المناهج بطريقة اقرب ما تكون إلى حذو النعل بالنعل ولكن بأساليب وأشكال "جديدة". فقد رجعت المراكز الكولونيالية الأوربية القديمة للتدخل السافر والخشن على طريقة القرن الثامن عشر والتاسع عشر في أول فرصة مناسبة كما نراها في السياسية الفرنسية والبريطانية والايطالية من سوريا وليبيا. لكنها في ظل قيادة "جديدة" أمريكية لا جديد فيها من حيث الجوهر. فهي تتمثل التقاليد الكولونيالية القديمة وبالأخص الانجلوسكسونية منها والمطبوخة على نار النفعية المباشرة والتسطيح المعرفي والثقافي.
وليس مصادفة أن يظهر ويتبلور بهيئة "نظرية" جيوسياسية الموقف من الحضارات، والذي حصل على صورته النموذجية فيما يسمى باصطدام الحضارات. مع أن الحضارات، من حيث الجوهر، لا تتصادم فيما بينها لانها أنساق مختلفة من صيرورة الروح الثقافي للأمم الكبرى، اي أنها نتاج تلقائية معقدة من تكامل منظومة المبادئ المتسامية ومرجعياتها الكبرى. أما الذي يسحبها الآن إلى ميدان التصادم، فهو الرؤية السياسية والمصالح الاقتصادية. بمعنى أنها جزء من الصيرورة المعقدة للمرحلة السياسية الاقتصادية على النطاق العالمي، التي أشركت الجميع في عولمة تاريخية طبيعية متناقضة ومتصارعة ما لم تكتمل الأمم الثقافية الكبرى بذاتها ولذاتها لكي تظهر بهيئة "أقطاب حضارية" منافسة ومكملة.
بعبارة أخرى، إن جوهر الصراع الحالي هو سياسي اقتصادي تسعى بقايا ونماذج الكولونياليات القديمة إلى توظيف الفكرة الحضارية وحرقها في أتون المناهج الخشنة لقرون السيطرة الغربية من اجل إذكاء روح العداء والصراع لإبقاء حالة الهيمنة والاستحواذ. لهذا لا نرى ولا نعثر على اصطدام بين بقايا ونماذج الحضارات الإسلامية والبوذية والهندوسية والنصرانية الأرثوذوكسية، أو العربية والهندية والصينية والصينية، بينما نرى حدتها بين حملة وعوالم هذه الحضارات مع نظيرتها الاوروامريكية.
انه مؤشر على ظهور وتطور ما ادعوه بالمركزية الثقافية ذات التقاليد الذاتية العريقة في مجرى انتقالها من الطور الديني السياسي إلى الطور السياسي الاقتصادي، ومن ثم هدم التركيبة القديمة التي بلورها التفوق الأوربي في مجرى تطوره التاريخي الحديث عبر إرسائه أسس وبنية "المركز والأطراف" أو "الغرب والشرق" أو "أوربا والعالم" أو"الشمال والجنوب" وأشكالها الأخرى في كل المناهج النظرية والعملية.
وعندما تتحول قضية الحضارة وفكرة الحضارة والحضارة نفسها إلى مصدر الصراع الإقليمي والعالمي، فإننا نقف أمام ذهنية منهجية ومنهج ذهني يتحسس الأبعاد الجوهرية في هذا الصراع لكنه لا يدرك كنهه. وذلك لان همومه ليست معرفية ولا حضارية، بل نفعية صرف. وهذا بدوره ليس إلا المظهر الخارجي لأثر المرجعيات الثقافية الغربية التي تبلورت تاريخيا في مجرى الانتقال من الطور الديني السياسي(النصراني القروسطي) إلى الطور السياسي الاقتصادي وقيم الحداثة. وإذا كان مسارها التاريخي في أوربا يتسم بانسجام قل نظيره في تلقائية التكامل الذاتي ومن ثم أثره في بلورة المركزية الأوربية ومناهجها النظرية والعملية تجاه ثقافات وحضارات الآخرين، فان الأمر يختلف اختلافا كبيرا بالنسبة للذهنية الأمريكية التي تفتقد إلى تقاليد الوعي الفلسفي العميق تجاه قضايا الثقافة والحضارة والماضي، بسبب حداثتها وتركيبتها البشرية والثقافية. فما يجمع الرؤية الأمريكية هو ثقافة المصالح وليس الحضارة. اذ لا حضارة في الكينونة الأمريكية، بل ثقافة المصالح. وهو نمط مباشر و"كلاسيكي" للذهنية السياسية الاقتصادية المبتورة عن أصولها الأولية، لكنها موجودة بهيئة تجمعات مختلفة تتحكم فيها إحداها (في الحالة المعنية الثقافة الانجلوسكسونية). من هنا ظهور فكرة اصطدام الحضارات، لانها لا تعي فكرة الحضارة بمعايير الحضارة ومرجعياتها الثقافية، بل تعيها بمعايير ثقافة المصالح، اي التوظيف الخشن لكل ما يمكنه الحصول على أكبر قدر من الأرباح.
كل ذلك يكشف عما في قضية الحضارة من أبعاد متنوعة، بما في ذلك الجيوسياسية والجيوعسكرية. وهذا بدوره يعكس الصيرورة الخفية لصعود المراكز الحضارية القديمة في مجرى انتقال دولها وأقوامها وأممها إلى الطور السياسي الاقتصادي وتأسيس مرجعياتها الثقافية الخاصة، اي الصيغة الضرورية لتلقائية التطور التاريخي التي تذلل مختلف أشكال الثنائيات المبنية على مبدأ القوة وبقايا الغريزة، والاستعاضة عنها بتنوع البدائل الثقافية المستقبلية في إرساء أسس ما ادعوه بالتاريخ الماوراطبيعي وبدايته الأولية في الطور الاقتصادي الحقوقي على النطاق العالمي.
وقد قطعت المراكز الثقافية الحضارية القديمة (الصينية والهندية) المسار المعقد للانتقال من الطور الديني السياسي إلى الطور السياسي الاقتصادي، في حين مازال العالم الاسلامي، وفِي الحالة المعنية العالم العربي، يتراوح في مكانه. بمعنى انه لم يستطع تذليل الأصول الدينية اللاهوتية لوعيه الذاتي، من هنا تأزم وعيه النظري والعملي وتشوش الرؤية وضعف الإبداع العقلاني للبدائل المستقبلية. ومن الممكن رؤية النتائج الكارثية لهذه لحالة في انغلاق الأفق الفعلي للتطور الذاتي وصعود العربدة "الثورية" للهمجية "الإسلامية" التي يجري استغلالها ضمن أيديولوجية ما يسمى بالصراع الحتمي والأبدي بين الشرق والغرب، وبين الإسلام والنصرانية وما شابه ذلك، اي تلك التي يشترك فيها تيار الاصطدام الحضاري الذي يقول به الغرب الاوروامريكي وأيديولوجية "الصراع الحضاري" التي تقول بها اغلب التيارات الإسلامية. وهذا بدوره ليس إلا النتاج الملازم لخلل المنهج النظري والعملي المميز لكل النهايات الحرجة في مراحل الانتقال التاريخية الكبرى.
**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية