الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوظائف الأيديولوجية للدولة( مقاربة جرامشية)

ممدوح مكرم

2017 / 8 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ا
قَدَّم جرامشي أطروحة متقدمة حول الهيمنة( نقصد هيمنة الدولة على المجتمع وابتلاعه داخلها) ، وأَنَّ الهيمنة ليست امتلاك طبقة لوسائل الانتاج فقط، و يكون لها تمثيل سياسي يمثلها في الحكم( أي من خلال جهاز الدولة) بل لابد أَنْ يكون هناك هيمنة من نوع آخر، هي الهيمنة بشكل أيديولوجي، أي تصبح أيديولوجية الطبقة المهيمنة هي السائدة، هي التي تشكل وعي المجتمع، وقد تحدث ماركس عن ذلك.
ميزة جرامشي أنه أعطى للموضوع أهمية قصوى، لأن بعض الماركسيين وقعوا في شَرَك الآلية/ الميكانيكية؛ بسبب النزعة الاقتصادوية المتطرفة؛ مما ساهم في خفوت رؤية الدور الأيديولوجي للطبقة المُسْتَغِلة( من خلال الدولة، ومن خلال جماعات سياسية مرتبطة بها بشكل مباشر و غير مباشر) جرامشي قام باعادة الاعتبار لماركس و انجلز في حديثهما عن الأيديولوجية، ومن خلال جرامشي نجد أنَّ الدولة تسعى للهيمنة على المجتمع والأفراد من خلال مستويين:-
الأول: الهيمنة المادية/ الفيزيقية، من خلال السجون و المعتقلات، و التعذيب، من خلال سن قوانين، وهي هيمنة تهدف للسيطرة على الجسد( جسد الفرد، باقي الأجساد الاجتماعية=المجتمع) لإرهاق هذا الجسد و تشويهه و تعجيزه، وتصفيته إِنْ لزم الأمر( نموذج المناضل مهدي بن بَرْكة في المغرب، ذُوبَّ في حمض الكبريتيك، إبان الملك الحسن الثاني).
الثاني: الهيمنة الأيديولوجية: وهي غير مادية، تسعى للهيمنة على الوعي و الفكر، بتفريغه من الإيجابيات، وتسطيحه، وجعله أسير الخرافات والإشاعات و الخوف من المجهول و المستقبل، الهدف: إحداث شلل كلي أو جزئي للتفكير، ومن ثم الوعي، وهو ما يترافق مع السيطرة على الجسد( السيطرة على الجسد و العقل على السواء) .
والوظائف الأيدبولوجية تتمثل في:-
1- تنميط الأفكار والأشياء و المواقف، بوضعها في قوالب جامدة وجاهزة، وذلك للإيحاء بالإستاتيكية و الثبات، وهو ما يوصل للعدم و اليأس و العبث.
2- عدم ترك أي مساحة ولو صغير؛ لنقد الأوضاع القائمة، لمحاولة تجاوزها.
3- تزييف الوعي: بإيراد ذرات من الحقائق، ولفها بالأكاذيب، وتصديرها في صورة مقولات جاهزة، تنتشر انتشار النار في الهشيم( مثال: ذلك دخول الحروب أدى إلى سقوط الاقتصاد المصري).
4- الإيحاء بأبدية الوضع القائم، وأنكم مهما حاولتم، لن تستطيعوا التغيير( مقولة: النفخ في قربة مقطوعة، مفيش فايدة، إنتوا ضعاف..إلخ)
5- نشر ثقافة الخوف و القمع، بحيث يسهل السيطرة، والهيمنة.
أجهزة الدولة الأيديولجية
تعمل الدولة للسيطرة الأيديولوجية من خلال ما أسماه جرامشي أجهزة الدولة الأيديولجية وهي:-
1- المدارس و الجامعات: حيث يتم تسريب الأيديولوجية من خلال مناهج التعليم،( مثلا رفض نظرية التطور، واتهام الشيوعية بالإلحاد، وفرويد .....إلخ) والتغني بكل ما هو رجعي، ويظهر ذلك أكثر في العلوم الإنسانية( بالأخص :الاقتصاد و الفلسفة؛ لأنها أكبر ساحة صراع أيديولوجي) وأيضًا العلوم الطبعية، ولكن بشكل غير مباشر، ولا يبدو إلا لمن يدقق في الأمر.
2- دور العبادة: من خلال تنميط الدين والأخلاق، وتقديم مبررات للحفاظ على الوضع القائم، عبر خطاب ديني وأخلاقي وعظي، يرجع كل شيء لمسألة غياب الضمير، وعدم مراعاة الله ورسوله، وعدم الخوف من ربنا....إلخ، بل ويضفي شرعية على الحاكم( تحريم الخروج عليه، وضروة طاعته؛ مادام لم يأمر بكفر، وفق فتاوي الكثير من علماء السنة).
3- وسائل الإعلام: وهي أصبحت ذا دورا خطير، يفوق دور العبادة، ويفوق حتى مؤسسات التعليم؛ بسبب قدرتها على الوصول الجماهير بكافة مستوياتها،ولغتها البسيطة و المباشرة، وهو ما يفسر حاليا: تنميط الأفكار والرؤى في مجتماتنا المعاصرة، وهي تعمل على تجذير ثقافة الإستهلاك، والإبتذال والإسفاف في أغلب موادها؛ لتسطيح الأفكار و الأفعال على السواء، وصنع نجوم وهمية، وأبطال وهميين.
4- مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة: وهي الأخطر، يظن البعض أنها تتمتع بالحرية المطلقة؛ هناك توجيه يتم بشكل مباشر و غير مباشر من أجهزة الأمن والإستخبارات، من خلال إطلاق الإشاعات، ونشر الصور المفبركة، والفيديوهات الكاذبة، والأخبار المغلوطة غير الدقيقة، وغير المسندة لمصادر موثوق بها، والهدف إحداث المزيد من البلبلة، وتمييع المسائل، وأخذنا للمشاجرات حول مسائل جانبية؛ حتى لا ننظر إلى المشكلة الكبرى.
5- الأسرة: أيضًا تلعب في تشكيل أيديولوجية أفرادها بشكل ما، وإن كان قد قل وتراجع لحساب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
ملاحظات
1- لا يوجد ما يسمونه بعض المتفزلكين( اللا أيديولوجية) كل منا له أيديولوجية، و يخضع لمؤثرات أيديولوجية، قد يعيها الفرد أو لا يعيها، ( قد لا تكون إخوانيا قحا مثلا: لكنك تتحدث عن رابعة بمرارة، وتتمنى عودة مرسي؛ وفي نفس الوقت تدعي إنك ليس إخوانيا بالمعنى الأيديولوجي= هذا صحيح، قد لا تعي ذلك، ولكنك تعرضت لمؤثر أيديولوجي).
2- حتى بافتراض اللا أيديولوجية: فهي أيديولوجية؛ لأن الإنسان لابد له من وعي(اختلفنا أو اتفقنا معه) يحاول أنْ يفهم به واقعه، ويتعامل معه.
3- الأيديولوجية تتمتع باستقلال كبير عن الاقتصاد، مثال ذلك: أن القاعدة المادية للأفكار الإقطاعية، انهارت من زمن، لكن الأفكار لازلت تفعل فعلها في مجتمعاتنا( منها الرؤية الدينية السلفية والأصولية أصدق تعبير)
4- هناك إلى جانب الدولة: جماعات أخرى تؤدي دورا أيديولوجيا، مثل الإخوان و السلفيين كنموذج، وهو دور مكمل للدولة، و ليس متناقضا معها، هدفه تدجين الأفراد و المجتمعات.
هذه كانت أطروحة سريعة، اتمنى أَنْ تبعث المزيد من المناقشات والآراء
ممدوح مكرم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا