الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات ماركوس أوريليوس

مروة التجاني

2017 / 8 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



جاءت فلسفة ماركوس في عهد تحول فيه الدين المسيحي إلى صفقة بين الإنسان والإله ، كانت النفوس غنية وكبيرة في روما ولم يكن الدين وحده ليشبعها حيث تحول الإنسان إلى مقدم للقرابين ومستعمل للطقوس المتوالدة من الأساطير إبتغاء مرضاة الآلهة ، هكذا وجد ماركوس أوريليوس الكتابة كفعل للذات إنطلاقاً من إنتمائه للفلسفة الرواقية ، الكتابة للذات أوتدرون يا أحبتي ماذا تكون ؟ إنها أقسى درجات التعري ، حين تجلس إلى المحلل النفسي بغرض البوح تتعري النفس وتكشف كينونتك أمامه فيعتريك الخجل والحياء من تفاصيل قديمة وبالية هكذا يكون هتك النفس وإنفتاحها أمام الآخر ، ومع ذلك فأنت تتعمد موارة تفاصيل تخجل من ذكرها . الكتابة من أجل الذات أشد قسوة إنها إنفتاح النفس بالكامل وتعريها ، اكتبوا لذاتكم وصدقوني ، هكذا جاء كتاب التأملات من أجل الذات ولخلاصها ، ورغم الزمن الطويل الذي مر فإنه يظل كما يقول برانتد راسل من أكثر الكتب متعة ، وتقول سوزان سونتاغ فيما معنى حديثها " عندما كنت أشعر بالألم أضعه فوق صدري " هكذا يا قرائي يتحول الحزن والفرح معاً إلى دخان فلا يتبقى له أثر .. الرواقية فلسفة التجلد والصبر ، جاءت كما يقول راسل عن عهد أوريليوس في الزمن المبشر وليس المجهد حيث كانت النكبات تحل على الأمبراطورية الرومانية فكان حديث الملك الفيلسوف لذاته .. إنه كتاب الإهداء للروح فإذا أردت أن تهدي نفسك هدية قيمة وغالية فسارع إلى البدء في كتاب التأملات . غلاف الكتاب الذي ترجمه ( عادل مصطفى ) معنون إلى : صديق المحافظ الذي يجلس بجانبه .. أي إهداء وعظمة هذه فلا نحن نعرف المحافظ ولا الرجل الجالس بجانبه في صمت .. إنه رمز للرجال الأقوياء الصامتين الذين يعملون بجهد ويتسامون فوق الحياة .



قسمت الرواقية تخصصها إلى طبقات تبدء من الأدنى إلى الأسفل وإذا وصفناها بالمدينة فأن المنطق هو الحصن والطبيعة هي الشعب والأخلاق هي الدستور وفيها منتهى الفلسفة ومقصدها ، " لاشئ في الذهن إن لم يكن قبل ذلك في الحس " وهو المبدأ الرواقي الأول فالذهن أو العقل هو مجرد صفحة بيضاء يؤدي وظيفته تجاه الطبيعة والذات " فعل العقل " عن طريق الإنطباع وتصور الشئ الموجود في الخارج على العقل ، من هذا المنطلق فجميع الموجودات هي خارجة عن العقل ولهذا الأخير وحده سلطة تصويرها وإطلاق أحكام الخير والشر . أما المعاني الأولية فهى مقدمات القضايا التي يجب أن توافق المنطق وتكون بالأساس صحيحة وهي بدايات القضية . تتمثل المعرفة في المذهب الرواقي بالتمثيل الشبيه بمثل أفلاطون في مفارقة الكهف حيث الموجودات هي تمثيل لنماذج عليا ومنه تذهب الرواقية إلى المذهب الأسمى داخل العقل حيث هو مركزية الكون المتمثل في العقل الإلهي " الفاعل " و " المنفعل " الكائن العاقل حيث روح الإله واحدة في الكون وتشكل مركزية الأجسام المادية .



قلة هم الفلاسفة الذين نطلق عليهم لقب فيلسوف ومعلم في ذات الوقت لكن في حالة ماركوس أوريليوس فهو معلم بإمتياز ومُربي مثل سيدنا نيتشة ، لندخل إلى عوالم فلسفته ومحاورها :



يقول ماركوس أن جميع الموجودات مادة تحوم في الفضاء وهو اللوجوس الذي يحكم العالم وعند الفناء فأن بقايا الكائن و روحه تبقى محفوظة في العالم ويعاد تكرارها وهذا مفهوم العود الأبدي فلا شئ يفنى ، العالم مادة خلقت من النار يعاد تشكيلها ومن ثم ذوبانها ويطلق على فنائها أسم الأحتراق العام وبعد ذلك فهي تعود لتتشكل وتبدأ من جديد من حيث الأحداث والمواد . من هذا المنطلق آمن الرواقيون ومن ضمنهم ماركوس بمبدأ وحدة الكون أي أن الإله هو روح الكون ومركزه والموجودات مرتبطة به في وحدة واحدة هي اللوجوس الذي يربط العالم معاً ويسميه القضاء والقدر . في الكون علل تحكم إرادة الأنسان حيث من الصعب بوجود لوجوس يحكم العالم أن تكون للإنسان إرادة وهي من مآخذ منتقدي المذهب الرواقي ومع ذلك ينادي ماركوس بالإرادة الحرة حيث تملكه للعلة الثانية والأصلية والمقصود بها طبائع الكائن الموجودة داخله أي صفة الخير كطبيعة أصلية ثم العلة الأولى والقريبة وهي الخارج عن العقل والإرادة وهي الأحداث الخارجية التي تثير الكائن فلا يجب عليه أن يخضع لها خضوع المستسلم ومن هنا يأتي تعريفه للسعادة بما هي مفهوم الإنطلاق من الداخل وليست المثيرات الخارجية والإنفعالات مثل الغضب وحب الشهرة وغيرها .



قلعة الذات هي التي يجب أن يلوذ بها الأنسان ( لذ بنفسك ) حين يحتاج للتفكير والراحة وفي ذلك يقول كن صاحياً في إسترخائك فجميع الأنطباعات الخارجية والأحداث هي أحداث كما هي إنما هو العقل من يمنحها الحجم والصفة الكبرى أو الصغرى ، وتستعمل هذه الفكرة الرواقية حالياً في أساليب العلاج المعرفي الإنفعالي حيث يساعد المعالج المريض لتبيان الواقع من حيث هو أحداث 1 في حين أن العقل 2 والفراغ بينهما هو 3 وفي الفراغ يملأ العقل نفسه بالمثيرات المعرفية التي ينطلق منها الفرد فإذا تعود على الحكم المنطقي المعتدل كانت الإستجابات في الفراغ عقلانية والعكس بالعكس . يأخذ أوريليوس عن هيراقليطس فكرة التغير والصيرورة في الكون أي أن العالم في حالة تبدل مستمر بما ذلك حالات الفقد ولكنه يختلف مع الأبيقورية القائلة بأن العالم هو وليد المصادفة والعشوائية حيث آمن ماركوس بالكوزموس أي وحدة العالم والوجود . يحدد في كتابه التأملات مفاهيم الخير والشر إنه كتاب للفرد بإمتياز ، ويحدد الأشياء اللافارقة مثل المدح والذم ، الصحة والمرض واللذة والألم فهي زائلة بفناء الكائن والكائنات القادمة من بعده فهي إذن خارج العقل الكلي للفرد وهو من يملئها بالفراغ حسب تكوينه ونموه المعرفي وعليه أن يكون مستعداً للإستغناء عنها أو إسترداها للعالم حين تؤخذ أو تعطى له .



( إنه شحاد إذا أعتمد على الآخرين ولم يذخر في نفسه كل ما يحتاج إليه في الحياة ) في هذا المبدأ يطلب ماركوس من الفرد ضرورة الأستقلال عن الآخرين خاصة فيما يتعلق بالمدح والذم فأين هو قيصر الآن و أين هم المادحون والذامون فالحياة تمضي ويندثر الجميع وكذلك الأجيال الحيالية والقادمة فهي نقطة في بحر الأبدية فلا تضيعها في كسب مديح زائل أو توتر أعصابك من أجل ذم ، بل عش اللحظة الراهنة بما هي خير وفي ذلك يقول ت . أس . اليوت :



يرقد صاحياً ، يحسب المستقبل
يحاول أن يحل خيوط الماضي والآتي
وينشرهما ويفك الغازهما ويضمهما معاً
بين منتصف الليل والفجر ، حيث الماضي خداع كله
والمستقبل لا مستقبل له .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل