الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستدلال(1)

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2017 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


وجدت من واجبي أن أُبَين لمن يُتابع ما أنشره في الحوار المتمدن، ويصرف أوقاتً قد تكون ثمينة له، بدون شك، بأنني أصبو منها التغلغل، بهدف الفهم الموضوعي، في الجانب التأمري الذي لم يكن مرئياً في حينه، وفي ما لحقها من أوقات عصيبة، لسياسة المستعمر الذي ورث العراق كغنيمة من غنائم الحرب العالمية الأولى بعد أن أمضى قرون عديدة في دور سبات عميق خلال الحكم العثماني، وأجاد في تحويل وتجنيد كامل الرعيل الذي كان في خدمة عدوه، الامبراطورية المهزومة، وأركانه الى أدوات طيعة لتنفيذ مخططاته وأهدافه، بجرأة ودهاء. منقطع النظير، وإن تطلب الأمر القسوة البالغة والتصرفات الدنيئة من خلال سلطة محلية متنمرة.
بتقديري لايمكن التقدم في مثل هذا المسعى إذا لم يكن بفكر هاديء بعيداً عن التشنج لحد الارتخاء خالياً من الشحنات الآنفعالية، باتجاهاتها المعروفة، التي كانت، ومازالت، الألية الرئيسية والعمود الفقري للنشاط السياسي في الساحة العراقية.
ما المقصود ب "الجانب التأمري غير المرئي لسياسة المستعمر" في نظري؟
يعني مجمل التكتيكات التي صممها العقل الإستعماري للهيمنة في مرحلتيها البدائية؛ الكولونيالية، وما بعدها؛ الإمپريالية بوسائل غير مبنية على العنف المباشر اعتماداً على ثلاثة مصادر:
1ـ خبراته الغنية التي أستمدها من استعماره المباشر لشعوب أخرى لقرون عديدة وفي مناطق موزعة على سطح الكرة الأرضية.
2ـ العلوم الإجتماعية والنفسية؛ الأنثروبولوجيا؛ البايولوجيا خصوصا الفهم الدقيق لقوانين التطور وتحديثاتها ( human evolution) بهدف إيجاد تطبيقات فعالة تخدم الأهداف الإستعمارية .
3 ـ إضافة خبرات جديدة نابعة من إجراءات تقييمهم (evaluation ) المتواصلة لخططهم الى المخزون المتراكم من الخبرات، ومدى نجاعتها وملائمتها للواقع العراقي الذي وضعوه على سكة التحول بالإتجاه الذي يحقق لهم الهدف القريب والاستراتيجي؛ المتلخص: في أن لا تفلت الضحية من الفخ مهما حاول وصبر....
ما الذي سبب في أن ينحو هواجسي بهذا الاتجاه؟
قد يكون الشك، التجربة الشخصية والتمعن جيداً فيما وثَّقَه الأخرون بدقة وصدقية جديرة بالاحترام.
أختار، من بين الكثير من النماذج، نموذجين تدلان على أن ما خفي، من جوانب العمل التأمري، عنا كان أعظم.
أولا ـ النموذج الأول؛ من المكان الذي خرجت منه المكارثية للوجود بكل عنفوانها؛
[يذكر حنا بطاطو في "العراق" ـ الكتاب الثاني ، الفصل الرابع والعشرون " جدل حول الدين" مايلي:
«خلال سنوات عدم الاستقرار التي تلت «وثبة» العام 1948 و« انتفاضة» العام 1952، حاولت الطبقات الموجودة في السلطة أن تستفيد من الدين للإبقاء على الناس في قبضتها ولصد تقدم الشيوعية. ومن الأمور ذات المغزى في هذا المجال أن المبادرة بهذا الخصوص جاءت من ممثلي القوة الإنكليزية وليس من غيرهم. وكتب ضابط الاستخبارات البريطاني پ . ب. راي في رسالة مؤرخة في 20 نيسان (أبريل)، موجّهة إلى مدير الشرطة السرية العراقية، يقول:(( لن تقتلع الشيوعية من جذورها بما يمكن أن نسميه «الطرق البوليسية))وحدها...ولن تفعل قوات الأمن، من عندها، إلا القليل لاجتثاث الشيوعيه، ولن تستطيع أكثر من المراقبة وانتظار نموها، ثم تطبيق إجراءات تصحيحية))]ص361
وفي نفس الكتاب، ص 265 ـ266، يذكر أيضاً:
[وارتبط الحزب كذلك بشكل أخر من أشكال النشاط، وهو شكل ذو طبيعة وقائية أساساً واستخدم بشكل محدد ضد الشرطة السياسية. وكان هذا نوعاً خاصاً من الصراع الذي مارسه الطرفان ببراعة أحيانا. وفي لحظة ما، لاعبت خيال بهجت عطية، رئيس الشرطة، فكرة خلق حزب شيوعي مزيّف. وكتب عطية يقول في مذكرة سرية:
«سيكون من المفيد، لمواجهة التنظيم الشيوعي القائم ، إقامة حزب شيوعي منافس تكون له صحيفته السرية الخاصة به... ويسيِّر العملاء هذا الحزب بموجب خطوط محددة وبطريقة تخفي طبيعته الحقيقية...ويجب أن يجتذب الحزب إليه شيوعيين وآخرين لهم ميول مشابهة بحيث يمكن تقديمهم للعدالة... ويجب أن يتبنى موقفاً مناوئاً للحزب الشيوعي القائم....وان يدحض نظرياته وكتاباته باسم الماركسية»
هامش رقم 7: (مذكرة غير مؤرخة معنونة «طرق محاربة الشيوعية » كتبها بهجت عطية، مدير إدارة الاستخبارات الجنائية، في مطلع العام 1949ص2)]
ويستمر حنا بطاطو في نفس المصدر:
[وليس من الواضح ما إذا كان بهجت عطية قد وضع فيما بعد هذه الفكرة موضع التنفيذ ـ في منتصف1949 كانت هناك أربعة تنظيمات تنافس الحزب الشيوعي في العمل السري ولكن بصدق ـ ولكنه عدل عنها في تلك الايام على الأقل. ولقد علق ضابط الاستخبارات البريطاني پ.ب.راي على الفكرة قائلاً:
(( إنه مشروع ممتاز، ولكن من الصعب جداً جداً أن يعمل. واستناداً الى خبرة مكتسبة في مكان اخر، فإن الأفضل هو عدم المحاولة إلا إذا كنا متأكدين تماماً من إمكانية الإبقاء على طبيعته الحقيقية سراً. ولن يؤدي الفشل إلا إلى زيادة الشيوعيين قوة. وبشكل عام، فإن من الأفضل الآعتماد على نظام تسريب عدد من العملاء المدربين والذين يمكن الاعتماد عليهم إلى داخل الحزب الشيوعي. وعندما تنجح الشرطة في القبض على عدد من الشيوعيين فإنَّه يُنصح بمحاولة استمالة واحد أو اثنين من بين الأقل شهرة منهم. ثم تجب محاكمتهم والحكم عليهم إلى جانب متَّهمين آخرين والسماح بقضاء مدة الحكم في السجن، وإعادة إدخالهم إلى الحزب بعد الإفراج عنهم، وقد تمر سنوات عدة بعد ذلك قبل أن يرتقي هؤلاء العملاء إلى قمة، ولكنهم لا بد و أن يصبحوا من مصادر المعلومات القّيمة جدا خلال ذلك))
وهكذا، فإنّ الشرطة صارت تعتمد في حربها ضد الشيوعيين، وبشكل أساسي، على التقنية نفسها التي يستخدمها الحزب: التسلل أوالتغلغل. ومن المؤكد أن رجال الشرطة استخدموا هذه التقنية في وقت أبكر ولكن بشكل فج يتَسم بالهواية، بينما أصبحوا الأن أكثر صقلاً وتطوراً. وكانت ممارستهم المميزة تقوم على أساس توظيف عميلين متوازيين، لا يعرف أي منهما شيئاً عن الاخر، ولا حتى عن وجوده أصلاً. وفي إجراء مضاد، يبدوا أن الشيوعيين قد زرعوا عملاء لهم بين عملاء الشرطة المزدوجين، أي عملاء كانوا يعملون في الواقع في خدمتهم، ويبدوا أنهم نجحوا أحياناً في إرباك السلطات بإصدار تقارير متضاربة، أو معلومات بعضها صحيح وبعضها الآخر زائف، أو أنها كاذبة بأسرها.]
ثانياً ـ النموذج الاخر من أعماق السجون التي كانت مبنية، إعتماداً على الخبرة المحلية والأجنبية، لنزع إنسانية كُل من كان يتمرد على منهج الرضوخ للظلم وأن يكون رقماً منسياً في قطيع مقطوع اللسان و يحلم بأن لا يرى مثل هذا اليوم : ـ
ذكر حسقيل قوجمان في "ذكرياتي عن السجون العراق السياسية ـ الجزء الاول ما يلي":
[بعد اعدام فهد بخمسة أيام القي القبض على أحد قادة الحزب في تلك الفترة اسمه جالاك وسلم كافة العناصر الحزبية التي عرفها ومن جملتها بيتنا الذي لم يكن بيتا حزبيا بل كان بيتا به أعضاء حزبيون. هاجمتنا الشرطة واعتقلت كل بالغ في البيت. وتعرف الضابط على زوجتي لانها كانت قد اعتقلت وحوكمت بين من اعتقلوا مع فهد وحكم عليها بالسجن سنة مع ايقاف التنفيذ. وقد سمعت الضابط يقول للشرطي القريب منه "انظر من هنا، حبيبة وزوجها، ستذهب هي خمس سنوات وزوجها عشرين". هذا يدل على ان الحكم صدر علينا قبل ان يعرفوا اسمنا او دورنا في الحزب. في 19 شباط 1949 جرى اعتقالنا أنا وزوجتي واختي وصديقة اختي التي صادف أن كانت موجودة في بيتنا تلك الليلة وأمي التي كانت في الستينات من عمرها وشابا من العائلة التي كانت تسكن معنا في البيت. وفي نفس اليوم اعتقلت أخت زوجتي وخالتها وأخوها الذي كان في السادسة عشرة من عمره. وبهذا يكون عدد المعتقلين من العائلة 9 أشخاص يضاف اليهم أخي موشي الذي كان سجينا منذ 1948 في سجن الكوت.]
مثل هذه الحقائق وغيرها تجعلنا بأن نضع قيد الاحتمال كون ظاهرتي مالك سيف و رفيق جالاك، وأخرون جاء بعدهما، جزءً من اللعبة التأمرية التي أشار اليها حنا بطاطو في رسالة ضابط الاستخبارات البريطاني پ . ب. أنف الذكر. لربما كشف أوراقهما كان ضرورياً لإنهاء مرحلة، مشهد من المسرحية، لخلق الأرضية الملائمة ليتسنى لهم البدء بالمرحلة التي تليها وهذا ما نحاول بالبحث عنها بالآستدلال من ما هو معلوم إلى ما هو مجهول.
(يتبع)
*تعريف و معنى "استدلال" في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي
اِستِدلال: (اسم)
مصدر استدلَّ بـ / استدلَّ على
( الفلسفة والتصوُّف ) انتقال الذِّهن من أمرٍ معلومٍ إلى أمرٍ مجهولٍ ، أو بحثٌ عقلِيٌّ منظَّمٌ لبلوغ حقيقة مجهولة انطلاقًا من حقيقة معلومةٍ اسْتِدْلال مَنْطِقيٌّ
( الفلسفة والتصوُّف ) استنتاج قضيّة من قضيّة أخرى ، أو استنتاج قضيّة من قضايا أخر



















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي