الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى مؤتمر الصومام1956- مغالطات وحقائق-

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2017 / 8 / 19
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


في ذكرى مؤتمر الصومام1956
- مغالطات وحقائق-


يحتفل الجزائريون كل يوم 20أوت بيوم المجاهد الموافق لهجومات الشمال القسنطيني في 1955 وإنعقاد مؤتمر الصومام في 1956، وقد ظهرت في السنوات الأخيرة الكثير من الشهادات والمذكرات المتناقضة حول مؤتمر الصومام وإنعكاساته، لكنها لم ترفق لحد اليوم بأي عمل أكاديمي جاد حول الموضوع، ويمكن أن تكون هذه الشهادات والمذكرات أداة إيجابية مستقبلا في يد الأكاديمي لتوضيح الكثير من المسائل بتطبيق عملية التطابق ونقد الخطابات التاريخية المتناقضة، والتي عادة ما تتحكم فيها عوامل الأيديولوجية والجهوية والصراع حول السلطة وتضخيم الذات وغيرها.
لكن بإمكان توضيح مسائل حول هذا المؤتمر، فلم يكن إنعقاده في الحقيقة إلا تطبيقا للإتفاق بين مفجري الثورة لعقد مؤتمر بعد شهور لتقييم الوضع بعد إشعال فتيل الثورة، لكن لم ينعقد في حينه بسبب الحصار المضروب على كل مناطق البلاد، وكذلك إستشهاد الكثير من القادة المفجرة للثورة وإعتقال آخرين، ولم تتوفر الظروف إلا بعد سنتين، أي بعد ما تمكن عبان رمضان من توسيع الثورة إلى الأحزاب السياسية الأخرى وإقناعها بالإلتحاق بها بعد حل نفسها كجمعية العلماء وجماعة فرحات عباس في 1956، ثم هيكل المجتمع بإنشاء الإتحاد العام للعمال الجزائريين والإتحاد النسائي وإلحاق الطلبة بالثورة بعد إضراب 19ماي1956، وقد أعطى لها ذلك دفعا كبيرا، لأنه قضى على الفكرة الإستعمارية القائلة بأن الثورة هي من فعل الخارجين عن القانون، فأصبحت الثورة أكثر شمولية، وتوسعت إلى كل المناطق والشرائح بفعل هذا العمل الجبار، وتطلب الأمر إعادة التنظيم والهيكلة التامة للثورة، فانعقد مؤتمر الصومام في أوت1956، وكان من الصعب جدا جمع أكبر عدد من الكوادر لأسباب أمنية، فتم الإكتفاء بمشاركة قادة كل مناطق البلاد كممثلين لها بإستثناء الأوراس التي لم ترسل ممثلا لها بسبب الإختلاف الذي دب في المنطقة بعد إستشهاد قائدها الكاريزماتي مصطفى بن بولعيد، وظهرت عدة قيادات متنافسة حول خلافته، مما هدد وحدة الثورة ومستقبلها في المنطقة.
هناك أكذوبة تروج اليوم وتقول أن الأوراس أستبعدت من المشاركة، فمن يجرأ على إستبعاد المعقل الرئيسي للثورة من المؤتمر؟، فهذا ليس صحيح، بل جاء عمر بن بولعيد، لكن متأخرا، وهو الذي أخبر المؤتمرين بإستشهاد بن بولعيد وإخفاء ذلك، كي لاتتحطم معنويات المجاهدين، كما أخبرهم بالصراعات التي دبت في المنطقة، والتي بدأت في الحقيقة بعد تصفية بطل معركة الجرف شيحاني بشير الذي كلفه بن بولعيد بخلافته أثناء رحلته إلى ليبيا مرورا بتونس لجلب السلاح بعد فشل بن بلة في مهمته بإرسال السلاح، وتعد تصفية شيحاني بشير في الأوراس أول تصفية تقع بسبب الصراع حول السلطة أثناء الثورة، وأنجر عنها فوضى عارمة في المنطقة، وتزايدت أكثر بعد إستشهاد بن بولعيد الشخصية الكاريزماتية الجامعة لكل الأطراف، وضبطت الإستقرار نوعا ما في الأوراس، ونشير أن الصراعات الداخلية، ليست خاصة بالأوراس فقط، بل عرفتها أغلب مناطق وولايات الثورة إن لم نقل كلها، لكن بنسب متفاوتة من منطقة إلى أخرى، فلايجب ان نغفل ظاهرة الإنقسامية التيب تعرفها منطقتنا المغاربية عامة والجزائر خاصة، أي بمعنى وجود إنقسامات وصراعات جهوية وقبلية وداخل كل قبيلة نجد صراعات اخرى، وهو ما يسميه علماء النتروبولوجيا والإتنولوجيا بsegmentarisme أي إنقاسامات أفقية وعمودية، وهي الظاهرة التي استغلتها علميا السلطات الإستعمارية في الماضي لإبقاء تواجدها، كما تستغلها الأنظمة اليوم لتمديد إستمراريتها بتطبيق مبدأ "فرق تسد"، وإلا فكيف نفسر إستعانة السلطات الإستعمارية بعلماء الأنتروبولوجيا والإتنولوجيا في تسيير شؤون الجزائر، خاصة أثناء الثورة؟، ونذكر من ضمنهم على سبيل المثال لا الحصر كل من جاك سوستيل الحاكم العام، وكذلك جيرمان تييون المختصة في المجتمع الأوراسي، وأيضا مونتاي فانسان الذي حاور بن بولعيد أثناء سجنه وفشل في إستمالته.
فقد أقتضت هذه الفوضى في الأوراس أحد أهم معاقل الثورة إيجاد حل للمشكلة وإعادة الإستقرار لها، فأرسل المؤتمرون في الصومام وفد من منطقة القبائل بقيادة عميروش تطبيقا لتوصية بن بولعيد للمجاهدين في الأوراس "إن حدثت لكم مشكلة أتصلوا بمنطقة القبائل"، فقد كانت له علاقات وطيدة جدا وثقة متناهية مع كريم بلقاسم، وقد كان بن بولعيد يأتي بالسلاح من ليبيا قبل الثورة، فيوصل شخصيا جزء منه إلى منطقة القبائل، وبالضبط ذراع الميزان، طبعا ممكن أن يكون عميروش قد تعرض لمغالطات من بعض المتصارعين في الأوراس، خاصة حول عاجل عجول الذي أتهم بتصفية بن بولعيد، وما أنجر عن ذلك من أحداث مؤسفة للأسف الشديد.
أن الحديث عن الأوراس يدفعنا إلى فتح قوس حول سعي تيارات أيديولوجية عروبية وإسلاموية توظيف وترويج أكاذيب تاريخية لخلق صراع بين أهم معقلي الثورة، وهما منطقتي القبائل والأوراس، وبصفتهما أكبر منطقتين ناطقتين بالأمازيغية في الجزائر، وكل ذلك في إطار سياسة فرق تسد بين هاتين المنطقتين والحد من تمدد الوعي بالهوية الأمازيغية إلى منطقة الأوراس، كما علينا الإشارة أن هذين التيارين، خاصة البعض من الإسلامويين، ومنهم بقايا الإرهاب يختفون وراء ظاهرة تخوين الكثير من رموز الثورة بهدف تحريك عملية تخوين مقابلة لهذا التخوين وإشعال حرب ذاكرة بين الجزائريين، مما سيضر، ويشوه الثورة الجزائرية وكل رموزها التي تستند عليها الدولة الوطنية، مما سيضعف أسس هذه الدولة التي يعادونها، ويسهل بذلك إسقاطها وإستخلاف ذلك بتاريخ ورموز أخرى الكثير منها سعودية ستستند عليها الدولة الثيوقراطية التي يحلمون بها وبشرعية تاريخية أخرى غير شرعية الدولة الوطنية، وقد لاحظنا ذلك أثناء تسيير الجبهة الإسلامية للإنقاذ البلديات في 1990 كيف استبدلت تسمية شوارع كانت بأسماء شهداء الثورة، وعوضتها بأسماء أخرى غير جزائرية أصلا، كما لا نستبعد سعي بقايا الإرهاب من خلال تهجمهم على بعض رموز الثورة بهدف إشعال حرب ذاكرة بين الجزائريين تكون بداية لحرب أهلية وفوضى تساعد الجماعات الإرهابية على إعادة إنتشارها في الجزائر، فلم تكن أحداث غرداية منذ ثلاث سنوات إلا نتيجة لحرب ذاكرة بين مكونات المجتمع الغرداوي.
وبعد غلقنا هذا القوس، نعود إلى مؤتمر الصومام، ونشير أيضا إلى عدم مشاركة الوفد الخارجي في المؤتمر رغم دعوته رسميا، والوثيقة منشورة بأصلها في كتاب "رسائل الجزائر-القاهرة1956" ، فهناك تضارب حول عدم دخول بن بلة إلى أرض الوطن، والتي تحتاج إلى بحث عميق للوصول إلى الحقيقة، ومنها أن بن بلة يقول أنه لم يجد المرافق الذي سيوصله إلى المؤتمر، وطرح آخر يقول بأنهم خشوا الدخول، وهناك فرضية أخرى تقول أنه رفض المجيء خوفا من محاكمته بتهمة سعيه لزعامة الثورة بدعم مصري، وكذلك عدم القيام بالمهمة الموكلة إليه وهي إدخال الأسلحة، خاصة أنه دخل في شجار عنيف مع محمد العربي بن مهيدي الذي عاد من مصر إلى الجزائر غاضبا عليه، وقد كان بن مهيدي في الحقيقة هو وراء إضافة كلمة "القاهرة" إلى عبارة شهيرة وردت في أرضية الصومام وهي "أن الجزائر لن تكون تابعة لا لواشنطن ولا موسكو ولا باريس ولا القاهرة"، ويعود ذلك لما لاحظه بعد زيارته لمصر من تدخل مخابراتي مصري ورغبتها في التحكم في الثورة وجعل الجزائر وثورتها مجرد بيدق في رقعة شطرنج لخدمة مصالح مصر، طبعا ليس معنى ذلك هو تنكر للدعم المصري الكبير للثورة.
نعتقد أن سبب الخلاف حول الصومام يعود إلى هذه العبارة التي ذكرناها، حيث غضبت مصر، وحركت بن بلة ومحساس ضد أرضية الصومام، خاصة وأن المؤتمرين أستبدلوا بن بلة بلمين دباغين، وكذلك محساس بأوعمران، أي تم إستبعادهما وإضعاف سلطتهما ونفوذهما، وهو ما أغضبهم طبعا، وبتعبير آخر كان هناك صراعا حول السلطة أثناء الثورة، وينطبق ذلك على كل الأطراف، ولعب الثنائي بن بلة-محساس دورا تدميريا للثورة يعاقب عليه قانون الثورة، وذلك بتحريضهما بعض مجاهدي الأوراس ضد قرارات الصومام، وهو ما تعاقب عليه أي ثورة بحكم منطقها الصارم جدا والظالم أيضا في بعض الأحيان، لأن أي عمل بهذا الشكل يضرب روح النظام والإنضباط، خاصة أن الجيش الإستعماري قد اكتشف رسالة بن بلة إلى محساس ضد قرارات الصومام، فضخمها إعلامها بالحديث عن خلافات بين قيادات الثورة، ففي هذه الظروف العصيبة يكتب الصحفي الإستعماري سرج برومبرجر المرتبط بالمخابرات الإستعمارية كتابه حول الثورة المعنون "المتمردون"، ويصف مؤتمر الصومام بأنه "إنقلاب قبائلي"، فهو كان يلعب على سياسات فرق تسد بين مكونات الأمة الجزائرية، وهضم البعض هذه الأكذوبة واللعبة التي تستهدف ضرب الثورة من الداخل، وقد روج لهذا الكتاب إعلاميا، ووزع مجانا آنذاك، وللأسف لازالت المقولات المصرية والكتابات المملاة من المخابرات الإستعمارية، ومنها كتابات برومبرجر هي التي لازالت سائدة لدى البعض في حكمهم على مؤتمر الصومام بالسلب.
نحن لاننفي وجود أخطاء وسلبيات مثل كل عمل، لكن هل من المعقول أن نحكم بالسلب الشامل على الصومام، وهو الذي أعاد هيكلة الثورة كلها، وحدد مبادئها، ومنها حتى شروط التفاوض مع الإستعمار الفرنسي، وشرع في إقامة نواة الدولة الوطنية، فالمؤسسات الشرعية للثورة التي بدأ تجسيدها الفعلي في أرضية الصومام لم تكن إلا إثراء عملي ومؤسساتي لبيان أول نوفمبر1954، فقد وضعت الأرضية النواة الأولى لمؤسسات الدولة الجزائرية سياسيا وعسكريا وإداريا وغيرها، والتي كانت نقيضا، وأقيمت على أنقاض الدولة الإستعمارية، ورافضة حتى للفكر السياسي اليعقوبي الفرنسي متبنية النموذج السياسي البريطاني آنذاك كنقيض للنموذج الفرنسي، فقد كان عبان رمضان والعربي بن مهيدي وآخرون ثوارا يتميزون بالنقاء والطهارة الثورية، فكانوا من أشد الدعاة للقطيعة مع كل ما هو فرنسي حتى في التعليم، ولو تواصلت نفس المؤسسات المنبثقة عن أرضية الصومام بعد1962، لكان لجزائر اليوم نموذج دولة أخرى برلمانية مثل كل النماذج التي نجحت كبريطانيا والهند وغيرها، ونعتقد أن التهجم الذي يتعرض له مؤتمر الصومام من البعض اليوم يعود أسبابه إلى عملية تحريكية من الذين يعملون من أجل الإبقاء على نفس آليات عمل النظام منذ 1962، والتي تناقض آليات عمل الثورة ومؤسساتها الشرعية المنبثقة عن أرضية الصومام، والتي تم الإنقلاب عليها في 1962، ويحرفون النقاش عمدا إلى مسائل تاريخية شخصية بدل التطرق إلى المؤسسات وشكل الدولة المنبثقة عن هذه الأرضية، وهدفهم تشويه كل الأرضية ذاتها بصفتها أرضية عملية وإثرائية لبيان أول نوفمبر1954
إن الثورة الجزائرية في الحقيقة منذ مؤتمر الصومام قد شرعت في إقامة نواة دولة-الأمة الجزائرية كلها من خلال المجلس الوطني للثورة الجزائرية التي مثلت فيه كل التوجهات الأيديولوجية والشرائح الإجتماعية ومناطق البلاد، وهو بمثابة مؤسسة تجسد السلطة العليا للأمة كلها وسيادتها، وقد أنبثق عنها لجنة تنسيق وتنفيذ، وهي بمثابة حكومة مصغرة، والتي تحولت في 19سبتمبر1958 إلى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وهي مسؤولة أمام المجلس الوطني للثورة الذي يعينها، وقد كان وزراء الحكومة ترتعد فرائصهم من الحساب العسير الذي يلقونه من أعضاء المجلس، وكان بإمكان الجزائر عند إسترجاع الإستقلال أن تواصل بنفس المؤسسات تقريبا بتحويل هذا المجلس إلى برلمان منتخب شعبيا بواسطة إنتخابات تعددية تشارك فيها كل الأطياف، ومنها تنبثق الحكومة التي تكون مسؤولة أمامه، وبشكل آخر ستقيم نظاما برلمانيا وتعدديا، وبإمكان تمثيل شرائح المجتمع فيه أيضا إضافة إلى مختلف الأحزاب المنتخبة شعبيا.
ونعتقد أنه كان من المفروض أيضا الإبقاء على النظام الإداري والسياسي و العسكري الذي وضعته الثورة بعد مؤتمر الصومام 1956، وهو النظام الذي أثبت فعاليته في الميدان، وكان وراء الإنتصار على فرنسا الإستعمارية، ويتمثل هذا التنظيم الإداري والسياسي والعسكري بتقسيم البلاد إلى ولايات ومناطق ونواحي لمواجهة الإستعمار، وتمتلك صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها، وأخذ في هذا التقسيم بعين الإعتبار الخصوصيات الجغرافية والطبيعية والثقافية والسكانية والإجتماعية للجزائر .
وكان بالإمكان الإستعانة بنفس التنظيم لمواجهة التخلف والتكفل بعملية البناء الوطني مع إدخال تعديلات تقنية عليه تقتضيها عملية البناء الوطني بعد عملية التحرير، خاصة وأن هذا التنظيم قد أثبت فعاليته أثناء حرب التحرير، لكن بعد1962 فضل الذين أخذوا السلطة بالقوة، وأنقلبوا على المؤسسات الشرعية للثورة مواصلة العمل بنفس التنظيم الإداري الإستعماري الذي وضع لإستغلال وإستعباد الجزائريين بدل التنظيم الإداري للثورة، وكان الهدف من ذلك إقصاء مجاهدي الداخل آنذاك من دواليب الدولة الجديدة، لأنهم هم المسيطرون على الولايات التاريخية، فقد كانت الصراعات السلطوية وراء التخلص من التنظيم الإداري للثورة للأسف الشديد وتفضيل التنظيم الإداري الإستعماري عليه.

وهناك مغالطة أخرى تقول أن مؤتمر الصومام زرع البلبلة بتقسيمه للمجاهدين إلى سياسيين وعسكريين، فهذه مغالطة يجب تصحيحها، فعندما يوردون بالعربية جملة "أولوية السياسي على العسكري"، ويعطونها دلالة معينة، فهو غير صحيح، لأن الترجمة من الأصل الفرنسي خاطيء فهو في الحقيقة يقول Le politique وليس le politicien أي بمعنى "الحقل السياسي"، أي الهدف سياسي، وليس عسكري، ثم هل عبان عسكري أم سياسي؟، وقادة الولايات عسكريون أم سياسيون؟، لكن أؤكد على إصرار أرضية الصومام على "الدولة الديمقراطية والإجتماعية" وفاء لبيان أول نوفمبر، وأكثر من هذا كانت أكثر وفاء لأدبيات الحزب الإستقلالي بقيادة مصالي، فالمشكلة كانت في الترجمة من الفرنسية إلى العربية، خاصة وأن أغلب الوثائق مكتوبة أصلا بالفرنسية، فأستغل البعض الترجمة لزرع الإلتباس والتحريض ضد مؤتمر الصومام، ووقع نفس المشكل مع بيان أول نوفمبر عندما لاتترجم et ب"الواو" فيصبح دولة "ديمقراطية إجتماعية" بدل "ديمقراطية وإجتماعية"، فالعبارتين مختلفتين تماما في دلالتهما.
كما يشير البعض بأن أرضية الصومام تخلت عن مبدأ" في إطار المباديء الإسلامية"، فيجب ان نوضح أن بعض خطابات الثورة كانت توجه إلى الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي لكسب دعمه، ويرى البعض أن هذا المبدأ وضع لكسب جمعية العلماء للثورة خوفا من ترددها، كما أن هذا المبدأ ليس معناه إقامة "دولة إسلامية" كما يعتقد البعض، بل هو إحترام المباديء العامة للإسلام فقط وعدم مناقضتها عند إستيراد أي أنظمة أو قوانين، وبقي الأمر إلى حد اليوم، فكل القوانين الصادرة في الجزائر منذ1962 إلى اليوم لاتناقض المباديء العامة للإسلام، وهذا المبدأ يشبه تقريبا المذهب الظاهري لأبن حزم الأندلسي، أين الأصل في كل شيء هو الحلال ما لم يورد فيه نص صريح وواضح، وقد وضحتها أرضية الصومام بالحديث عن رفض"الدولة الثيوقراطية"، فهل الإسلام مع هذا الشكل من الدولة؟، ففي الحقيقة كررت أرضية الصومام بقولها الدولة "الديمقراطية والإجتماعية" ورفض "الدولة الثيوقراطية" نفس ما كتب في برنامج المؤتمر الثاني للحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية في1952، فلا ننسى أن ثورة 1954 وأيديولوجيتها ما هي إلا إستمرارية لنجم شمال افريقيا ثم حزب الشعب والحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية والمنظمة الخاصة التي أنشأتها، ولم يكن المؤتمرون إلا أوفياء لهذه الأدبيات لا أكثر ولا أقل، لكن المعارضون للأرضية لأسباب سلطوية، وعلى رأسهم بن بلة أستغلوا الدين ضد الصومام باللعب على هذه الفكرة، لكن هل طبق بن بلة "المباديء الإسلامية" أم "الإشتراكية" بعد1962، أحببنا أم كرهنا، فقد كانت الأفكار اليسارية هي الغالبة والمسيطرة على أغلب قيادات الثورة آنذاك، بمافيهم بن بلة، وبقي الكثير منهم بنفس الأفكار حتى وفاتهم، ولم يكن الدين آنذاك إلا مسألة شخصية، وليس معيارا لتحديد مواقف أو سياسات أو الحكم على الأشخاص، وقد بلغ تشويه الثورة من بعض التيارات الأيديولوجية وسعيها للإستيلاء عليها كرأسمال رمزي إلى إستغراب البعض ظهور المجاهدة جميلة بوحيرد والكثير من بطلات ثورتنا التحريرية دون حجاب والتشكيك في جهادهن ضد الإستعمار الغاشم، فليشككوا إذن في جهاد كل المجاهدين والمجاهدات، فلم يكن يعرفن الحجاب ولا الممارسات الدينية بهذه الصورة المبتذلة التي نلاحظها اليوم بعد تعرض بلدان منطقتنا المغاربية، ومنها الجزائر إلى غزو ديني مشرقي عامة، ووهابي خاصة، فقد كانت نساء الجزائر أثناء الثورة يحاربن جنبا إلى جنب مع أخيهن الرجل، فهدف الجميع هو تحرير الوطن الجزائري وخدمته والتضحية في سبيل الأمة الجزائرية، فقد كانت الثورة الجزائرية ثورة وطنية، وليست دينية، فلا نكذب على أنفسنا، فمن الخطأ الفادح قراءة الثورة وتاريخها بمعايير ومقاييس اليوم، بل يجب وضعها في سياق تلك الفترة.


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لقد حدثت تنازلات في هذا المؤتمر
مولود مدي ( 2017 / 8 / 19 - 11:01 )
يجب أن نعترف بأن مؤتمر الصومام أعطى الشرعية للثورة و هيكلها و قادها الى النصر, لكن يجب أن تعترف بحدوث تنازلات في هذا المؤتمر, القادة ارادوا تأسيس دولة ديمقراطية على المبادئ الاسلامية, لكنهم لم يحسموا الأمر بالاعلان الواضح عن الفصل بين الديني و السياسي, و أظن أن هذا هو التراجع الذي لا نزال ندفع ثمنه الى حد الأن


2 - العربو / إسلامي
amazigh ait hamouda ( 2017 / 8 / 20 - 00:47 )

العربو/ إسلامي يقلقهم وحدة (القبائل والشاوية ) ، لهذا فهم ساعون إلى خلق بؤر الخلاف بينهما ولو كذبا ، الغائيبون عن مؤتمر الصومام لهم عذرهم ـ ولكن لا يحق لهم رمي المؤتمر بأوصاف غير لا ئقة ، فالمجتهد على الأقل له أجر الإجتهاد .

اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى