الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقامة الياسمينية (مخطوط بإحدى المكتبات الهندية)

كمال التاغوتي

2017 / 8 / 19
الادب والفن


اشْتَهَيْتُ الكُسْكُسِيَّ، فَقَصَدْتُ البَيْتَ التُّونِسِيَّ يَدْفَعُنِي القَرَمُ ويُطْمِعُنِي الكَرَمُ. فلمَّــا جاوزتُ –بَعْدَ لأْيٍ- المَطَارَ واخْتَرْتُ مِنْ دُونِ المطَايا القِطَــارَ جَلَسْتُ جلْسَةِ المُتْعَبِ قُبَالَةَ عَجُوزٍ مَالَتْ بِشَعْرِهَا الأشْيَبِ عَلَى كَتِفِ غَادَةٍ ذَابَتْ الواحاتُ في عيْنَيْهَــا وارْتَحَلَتْ النَّارُ في خَدَّيْهَــا؛ فَتَنهَّدْتُ وعَنِ الحدِيثِ

أحْجَمْتُ. لكنَّ العَجُوزَ بادَرَتْنِي بالسُّؤَالِ والقِطَارُ كالهوْدَجِ بينَ الرِّمَالِ:" ألَسْتَ ابنَ الشَّيْخِ مَنْصُور صاحِبِ القُصُور؟" فَأجَابَتْ عَنِّي الحَسْنَـــاءُ ووجْهُهَــا يَكْسُوهُ الحَيَــاءُ:" ما لَكِ يا جَــدَّتِي؟ لِمَ تُخَــاطِبِينَهُ بِهَذِهِ الحِدَّةِ؟". فانْثَالَتْ مِنْ فَمِ العَجُوزِ شَتَــائِمُ تَسْقُطُ لِذِكْرِهَــا العَمَــائِمُ؛ فقُلْتُ وقدْ أفْرَخَ رَوْعِي

واقْتَنَصْتُ سَانِحَةَ الجَمْعِ:" كَلاَّ يا خَالَة، إنَّنِي غَرِيبٌ عنْ هذِهِ الدِّيَـــارِ كَثِيرُ الأَسْفَــارِ. ولكِنْ ماذَا فَعَــلَ ابنُ الشّيْخِ حَتّى تَقْذِفِيهِ بكلِّ هذا الطَّيْخِ؟" فقَالَتْ:" لقَدْ جَنَى عَلَيْهِ أبُوهُ وما جَنَى عَلَى أَحَدٍ. قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَتْ:" كانَ الشَّيْخُ مَنْصُــور حَفَّــارَ قُبُــور، وبَعْدَ سَوْرَةِ الياسَمِينِ بِبِضْعِ شُهُــورٍ وجدْنَــاهُ مِنْ

أَصْحَــابِ المَلاَيِينِ، لاَ نَدْرِي شيْئًا عَنْ مَأْتَاهَــا ولاَ مِنْ أيْنَ جَنَـــاهَــا. " قُلْتُ:" عَثَــرَ عَلَى كَنْزٍ أوْ فَتَحَ اللهُ علَيْهِ بِحِرْزٍ". قالتْ وعُرُوقُ ذِرَاعَيْهَــا لاَحَتْ كالأسْلاَكِ فَخَشِيتُ أنْ تُلْقِيَ بِي مِنَ الشُّبَّــاكِ:" أَ مَــازَالَتْ رَأْسُكَ مَحشُوَّةً بالتَّــخَارِيفِ أمْ أنَّكَ مُولَعٌ بالأَرَاجِيفِ؟" قُلْتُ مُسْتَسْلِمًــا:" لا هَذَا ولاَ ذاكَ"

قالتْ:" الغَرِيبُ أنَّهُ لَمْ يتَخَلَّ عَنْ مِهْنَتِهِ رَغْمَ أنَّ المَالَ أَعْتَقَهُ مِنْ مِحْنَتِهِ؛ فلمَّــا عَالَجْنَا المسْألَةَ ومَحَصْنَــاهَــا وتَقصَّيْنَــا القِصَّةَ وفَحَصْنَـــاهَــا تَبَيَّــنَ لَنَــا أَمْرُهُ وافْتَضَحَ سِرُّهُ: فَثَــرَاهُ مِنَ الثَّرَى مُنْذُ أَمَدٍ لَمْ يَكْشِفْهُ لأَحَدٍ، خَوْفًــا مِنَ الحِسَــابِ ودَرْءًا لِلعِقَــابِ، فقدْ تعَوَّدَ أنْ يَبِيعَ جُثَثَ الأَمْوَاتِ مِنَ الجِلْدِ إلَى

الرُّفَـــاتِ فَلاَ يُبْقِي مِنْهَــا شَيْئًا تَحْتَ اللَّحْدِ، ولَمْ يَنْجُ مِنْهُ سِوَى جَدِّي، لأَنَّ الدَّهْرَ سَبَقَ العُهْرَ. أَ يُرْضِيكَ أنْ أَقِفَ عَــلَى قَبْرِ زَوْجِي ولاَ أَدْرِي مَــا فِيهِ وأَقُولُ شِعْرًا تَضِيعُ قَــوَافِيهِ؟" قَالَتِ الحَسْنَـــاءُ وعلَى مُحَيَّــاهَــا الرّجَـــاءُ:" جَدَّتِي إنَّــمَــا نتَرَحَّمُ علَى رُوحِهِ الطَّــاهِرَةِ لاَ أَلْوَاحِهِ العَــابِرَةِ". قالتْ:"

أَجَــلْ، ولَكِنَّ لِجَسَــدِهِ حُرْمَةً أنْ كَــانَ مِنَ اللهِ نِعْمَــةً. واعْلَمْ يَــا كَنَّــاز – تُرِيدُنِي أنَــا – أنَّنِي طالَبْتُ بفَتْحِ القَبْرِ لأَتَثَبَّتَ مِنَ الأَمْرِ، وأعَــانَتْنِي هذِهِ البُنَيَّةُ واسمُهَــا سُمَيَّةُ، فَضَرَبَ الحِصَـــارَ مِنْ حَوْلِي لِعِلْمِهِ بانْــحِسَــارِ حَــوْلِي، والشَّيْخُ أَمْسَى ذَا أنْيَــابٍ وَمَخَالِبَ بَعْدَمَــا التَحَقَ بِمَجْلِسِ النُّوَّابِ، بلْ

نَوَائِبَ؛ وأَمْضَيْتُ علَى الْتِزَامٍ قَهْرًا ألاَّ أعْرِضَ لِسِيرَةِ الشيْخِ سِرًّا أوْ جَهْرًا، فأَصَابَتْنِي نَوْبَةٌ فِي القَلْبِ وآخَــاهَــا تَلُيُّفٌ فِي الكَبِدِ واجْتَــاحَنِي السُّكَّرِيُّ وفَيْرُوسٌ مِجْهَرِيُّ، وبِتُّ أُعَانِي تَصَلُّبَ الشُّــرْيَــانِ، أَنْتَظِرُ يَــوْمِي كَأنَّنِي أسِيرَةُ الرُّومِ، وإنْ كُنْتُ أخْشَى سَطْوَةَ ذَاكَ البَــازِ ذِي العِرْقِ النَّــازِي،

فَــيَرْمِي بِلَحْمِي فِي المَخَــابِرِ كالفَحْمِ. يا كَنَّـــاز، لاَ تَبْخَلْ علَيَّ بالأدْعِيَةٍ الرَّحِيمَةِ وأنْتَ تَأكُلُ مِنْ كُسْكُسِيِّ الوَضِيمَةِ". فَتَطَيَّرْتُ وأصَابَتْنِي السُّوَيْــدَاءُ، والتَفَتُّ فَإذَا بِرَجُلٍ يُــطَالِبُنِي بِبِطَاقَــةِ هَوِّيَّتِي، فقُلْتُ دُونَ أنْ أتْرُكَ رَوِيَّتِي:

أَنَــا مِنْ جُفُونِ البِحَـــارِ** وَرَجْعُ الصَّدَى والمَحَــارِ

أُطَــاعِنُ دَهْرًا بِنَــارِي ** وَأَصْحَبُ طَيْرَ البَـــرَارِي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما