الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غوام المنسية في بؤرة الضوء فجأة

عبدالله المدني

2017 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


قلة في العالم العربي هم من زاروا أو عرفوا شيئًا عن «غوام».. الجزيرة الخاضعة للولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الامريكية الأسبانية في يونيو 1898، والتي لا تزيد مساحتها عن 550 كلم مربعًا ولا يسكنها سوى 180 ألف نسمة ممن يحملون جنسية الولايات المتحدة لكن لا يحق لهم التصويت في الانتخابات الامريكية. وقلة هم من سمعوا أن أول من وطأها من الأوروبيين هو المستكشف الأسباني ماجلان في عام 1521، أو أنها استضافت نحو مائة ألف نسمة من اللاجئين الفيتناميين في عام 1975، ونحو 6600 لاجئ كردي في عام 1996.
هذه الجزيرة التي ينحدر سكانها من أصول ميكرونيزية وفلبينية وتايوانية وصينية ويابانية ظلت منسية، لا أحد يأتي على ذكرها إلا لماما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حينما استطاعت واشنطون إعادة إخضاعها للسيادة الامريكية من بعد نحو عامين ونصف العام من الاحتلال الياباني. لكن غوام عادت هذه الايام الى الاضواء بقوة بعيد تهديدات زعيم كوريا الشمالية المخبول «كيم جونغ أون» باستهدافها بصواريخ باليسية من ترسانته العسكرية الغامضة.
المعروف أن المناوشات والتهديدات بين واشنطون وبيونغيانغ ليست وليدة اليوم، فقد سبقتها حالات من التأزم التي وصلت إلى شفير الهاوية كما هو معروف للجميع، لكن «غوام» لم تكن حاضرة بصراحة في الخطابات السابقة لزعماء بيونغيانغ الستالينيين وتهديداتهم ووعيدهم. فما الذي حدا مؤخرًا بدكتاتور كوريا الشمالية أن يركز عليها ويقرر استهدافها؟
ربما كان السبب هو أن هذه الجزيرة، الواقعة على بعد 4 آلاف ميل من هاواي إلى الغرب من المحيط الباسيفيكي، تشكل حجر الزاوية في الاستراتيجيات العسكرية الامريكية في منطقة شمال شرق آسيا والهند الصينية. ولاننسى في هذا السياق أن قاعدتها الجوية (اندرسين) قد لعبت دورًا محوريًا في الغارات الأمريكية على ما كان يعرف بفيتنام الشمالية وقوات الفييتكونغ الشيوعية أثناء حرب فيتنام، كما أن قاعدة أندرسين تلعب منذ العام 2012 دورًا مهمًا في التمارين العسكرية السنوية التي تجريها الولايات المتحدة مع حليفتيها الآسيويتين الكبيرتين في المحيط الباسفيكي، وهما اليابان وكوريا الجنوبية.
وربما كان السبب هو خطورة غوام على كوريا الشمالية، في ظل العداء المستحكم بين الجانبين، كونها تستضيف أكثر من 6000 جندي امريكي من قوات النخبة، وتوجد بها قواعد متفرقة للقاذفات الجوية الأكثر تطويرًا (مثل القاذفة بي 1 بي) وميناء للغواصات النووية ومقار لقوات العمليات الخاصة، الأمر الذي يعني قدرة واشنطون بسهولة على تفعيل كل هذه المقدرات العسكرية وتحريكها صوب شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان إذا ما استدعت الضرورة، وبالتنسيق طبعًا مع قواعدها العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان ومع حاملات طائراتها المنتشرة في المنطقة.
أو ربما كان للأمر علاقة بالموقع الجغرافي لجزيرة غوام. فهي الارض الامريكية الأقرب نسبيًا إلى شواطئ كوريا الشمالية بدليل أنها لا تبعد عن الاخيرة إلا بمسافة 2200 ميل إلى الجنوب الشرقي، الأمر الذي يسهل على صواريخ بيونغيانغ استهدافها في حال تصديقنا لتقارير الكوريين الشماليين حول دقة منظومتهم من الصواريخ الباليستية وتطورها وقدرتها على عبور المحيطات لمسافات طويلة.
وهذه التقارير يشكك فيها الكثيرون ولاسيما مسؤولو الشطر الجنوبي من كوريا. فعلى سبيل المثال صرح نائب وزير الدفاع الكوري الجنوبي في أوج المعركة الخطابية الدائرة بين واشنطون وبيونغيانغ أن الأخيرة لا تملك التكنولوجيات المتطورة التي تتيح لها إنتاج صواريخ قادرة على ضرب أهداف بعيدة مدى، وتفتقد في الوقت نفسه تقنيات اعادة ادخال الصاروخ إلى الغلاف الجوي للأرض، مضيفًا أنها على بعد سنة أو سنتين من تطوير مثل تلك القدرات.
لكن ما الذي دفع ديكتاتور بيونغيانغ حقًا إلى استفزاز إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب واستخدام لهجة عنترية غير مسبوقة في مفرداتها وإشاراتها؟ بعض المراقبين قال إن للأمر صلة بقرار مجلس الامن الدولي الاخير الذي شدد العقوبات على بيونغيانغ بسبب استمرارها في تجاربها الباليسية المهددة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، خصوصًا وأن القرار جاء بموافقة امريكية صينية غير مسبوقة، ناهيك عما سبقه من إجراءات اتخذتها بكين مجبرة بعد تزايد الشكوك حول دورها في دعم نظام الشمال الستاليني وعدم ممارسة نفوذها عليه للكف عن اللعب بالنار ضد بيونغيانغ حينما أوقفت نحو 90 بالمائة من تجارتها معها، وهو ما يتوقع معه خسارة بيونغيانغ لنحو بليون دولار سنويا من دخلها. بينما قال البعض الآخر إن التصعيد الكوري الشمالي له علاقة بالمناورات العسكرية الضخمة التي تنوي واشنطون وسيئول القيام بها في الفترة الواقعة ما بين 21 و31 من شهر أغسطس الجاري، وقرار طوكيو نشر منظومة لصواريخ باتريوت الامريكية المضادة للصواريخ في عدد من المواقع التي يحتمل أن تحلق فوقها صواريخ بيونغيانغ القادمة.
والحال أن سكان غوام الذين حبسوا أنفاسهم على مدى أسبوع من التهديدات النارية والتهديدات المضادة بين واشنطون وبيونغيانغ تنفسوا الصعداء في منتصف الشهر الجاري مع إعلان الصبي المشاغب «كيم جونغ أون» أنه جمد تنفيذ خطة إطلاق الصواريخ باتجاه جزيرة غوام، وإعلان واشنطون على لسان وزير خارجيتها «ريكس تريلسون» أنها مستعدة للحوار مع نظام بيانغيونغ إن التزمت الأخيرة بالتخلي عن سياساتها الاستفزازية. وقد قيل في أسباب تراجع الديكتاتور الكوري عن خططه أنها عائدة إلى أحد أمرين أو كليهما: رد فعل الرئيس ترامب الحازم والذي توعد فيه نظام بيونغيانغ بـ «نار وغضب لم يشهد العالم لهما مثيلاً من قبل»، وقيام كل من واشنطون وسيئول وطوكيو وتايبيه بوضع قواتها الجوية والبحرية وقدراتها النارية في حالة التأهب القصوى.

المصدر: الأيام البحرينية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء