الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغناطيس

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 8 / 20
الادب والفن


بيت العائلة
1
عندما ألعب مع العصافير أنسى أن أعود إلى المنزل، الوادي الذي لعبت فيه طويلاً يقع على مقربة من دارنا هناك.
لا أشعر بالوحدة عندما تظهر الشمس في الوادي. فالجو مليء بالطّيور، وأصوات الكلاب، والحمير، تأتي من بعيد.
في بيتنا الكبير في قرية" أمّ السّموم" لم أجد أحداً غيري في تلك الفسحة الكبيرة، ولم أجد غير الكرّ الصّغير أداعبه. أسميته غزال.
-هل لديك علكة يا غزال؟
يأكل العشب، يمكن أن نصنع من العشب علكة. سوف أجرّب. طعمه ليس لذيذاً . فيه بعض المرار، سوف أعلكه.
لازال كلبنا يغار منّي، عندما يعود من رحلة مع الكلاب ويرى بيدي بعض الخبز يخيفني. أرمي له الخبز، ينبطح، ويضع الخبز تحت إحدى قدميه، وهو ينظر إليّ.
. . .
كنت أشبه الطيور، والكلاب، والحمير، والشّجر. لم أسجل ذكريات عن قريتي" أم السّموم" فقد كنت جزءاً من تلك الطبيعة التي تخلو من البشر تقريباً، ومع أنّنا كنّا عشرة أطفال في المنزل إلا أنّني لم أعرف إخوتي، ولا أعتقد أنّني رأيتهم. أمّا هنا في تلك الغرفة التي نجتمع فيها عندما يقترب وقت النّوم ، فإنّنا مرغمون على رؤية بعضنا.
نحن غير مرحب بنا في الحيّ. لا نخرج إلا إلى المدرسة، أطلق علينا أهل الحي آل الفقير، وهم لا يعنون أنّنا فقراء فعلاً بل بسطاء. نحن قرويون.
لا أعرف من أين يأتون بالقصص التي تدّل على معجزات الرّب.
أصبحت إحدى الجارات" أم إبراهيم" تزورنا، وتنقل لنا الأخبار، وفي كلّ يوم تتحدّث عن معجزة شاهدتها بأمّ عينها. جميع قصصها مثيرة، ومن بين القصص التي سحرتني قصة الشاب عبد الله الذي توفيّ بطلق ناري في أحد الأعراس، ولد عبد الله في قرية " أمّ الفقراء" عند عائلة ، ونطق فور ولادته باسمه، وتحدّث عن عائلته، وطلب رؤيتهم.
كانت تلك الرّوايات تريحني، فما دام القتيل يولد من جديد ويعرف أهله يبدو أنه لم يمت. العالم بخير يموت ثم يولد. لماذا يبكون الأموات إذن.؟
من القصص التي خفت منها عن ذلك الرجل الذي كان سوف يموت ، وأنقذته حيّة لسعته، وتبين أن تلك الحيّة هي أمّه المتوفاة التي حوّلها الله إلى حيّة لكنها تفهم، وتتحدث أحياناً، وعرف الرّجل أنّ أمّه هي التي أنقذته. أراد لن يفارقها، لكنها قالت له أنها مشغولة بحياتها الجديدة، ولها موعد مع ثعبان عمره ألف عام. بكى على فراقها، ومن يوم تركته لم يرها، هو دائم البحث عنها. يرغب أن تسكن معه.
. . . .
أنام في آخر المنزل من جهة النّافذة، وأغفو بينما تتحدّث أم إبراهيم عن الأخبار، وأغفو أيضاً على صوتها عندما تغادر في الثامنة مساء، وقلبها لازال معلّقاً بالجلسة، فقد ألقت محاضراته وسط صمت الجميع وإعجابهم. أصبحت أسرّ عندما تحضر، حيث تجلس أمّي الغائبة عنّي، وهي تؤيّد أ م إبراهيم بقصص مدعومة من عندها. قصص أمّي باهتة لا تثيرني.
رأيت في النافذة التي تقع على مدّ نظري ظلّ عقرب. أيقظت أمّي وكانت تحضن أخي الصغير. قلت لها يبدو أن عقرباً تتسلّل إلى غرفتنا، وهذه أوّل مرّة تمتدحني فيها، لأنّني حميت أخي من العقرب.
بدأ شبح يأتي من النّافذة، ينام قربي، تراقبه امرأة بثلاثة عيون، أرتجف من الخوف، وأصرخ لكن صوتي لا يخرج، ثم أستيقظ لأعرف أنّه كان حلماً.
عندما يغيب الشّبح تأتي المرأة أمّ الثلاثة عيون، والتي عرفت فيما بعد أنها قرينتي.
لم أتجرّأ بالحديث عنها، فهؤلاء الذين تتبعهم قرينة ربما يحتاجون لجلسات عند الشّيخ .
تلك القرينة تزورني في الليل والنهار، ولا أميّز نفسي منها إلا عندما أنظر إلى المرآة . لي عينان، ولها ثلاثة عيون.
. . .
للبيت قانون لا تضعه أمّي وأبي، ولا أعرف تاريخه. القانون يقول أنّ علينا أن نحافظ على نظافة البيت-أعني الغرفة- التي نعيش فيه، لذا نتناول طعام الإفطار والغداء في الدّاخل تنظّف أختي المكان، أما العشاء فليس ضرورياً كي ليتّسخ المكان. أم إبراهيم تتحدّث عن جيرانها الفقراء الذين ينامون دون عشاء، وأكاد أنطق بالسّر لولا خوفي من المحاكمة من عدّة أفراد من العائلة، لكنّني أقول: من الصّعب أن تنام دون عشاء، أنام، وأستيقظ، وكأنّني على موعد مع رغيف الخبز في الثانية عشر ليلاً حيث يغطّ الجميع في نوم عميق .أجلس أنا مع رغيف خبز، وكأس ماء.
لا أعرف من أين أتتني الفكرة، لكن كلما تحدثت عائلتي عن أمر أعتقد أنهم فهموا الأمر بالمقلوب، وأن عكسه هو السليم.
أخاف أفراد عائلتي فلو نطقت حتى باسمي لهبّ الجميع لنصيحتي واحداً تلو الآخر، لذا توقفت عن الكلام. كنت في خدمتهم في المساء أسقيهم الماء جميعاً بينما يجلسون أمام التّلفاز. وعندما ينامون أمسك بعض القصص التي يقرؤون بها، وبعضها يتحدّث عن ظلم زوجة الأب، وأرى أنّني أشبه أبطال القصص، أبكي نفسي، ولا أستطيع إيقاف دمعي. أنفّذ أوامرهم كالرجل الآلي، وكونني لم أكن أعرف الرّجل الآلي فقط أعرف المغناطيس. أسميت نفسي مغناطيس.
. . .

أجلس دون حراك، أنتظر ليلة القدر
يدور في ذهني جمال يبحث عن مخرج
أحضن العالم بحبّ
النّسيم يصفع، وأنا أقهقه في طريق الوادي
أنا والنسيم والعصافير حكاية لي
كنت طيراً
لا يحتاج لقيود، ولا لعائلة
آتي عندما يقرصني الجوع
الخبز موجود، الماء
أتخيّل أنّ أمّ السّموم هي أمّي
أرضعتني الكثير من الحقد على هذا العالم النبيل
يسخرون من اسمها واسمي
من أبي
طباعنا
مسكننا
ونقبل بنا كخاسرين في معركة المدينة
في غرفة في مدينة مجهولة نعيش
لا نعرف أسماءنا
ولا اسم مدينتنا
ليتنا نعود
فليس لدينا جيران، ولا سهرات هناك
في أمّ السموم تعيش وحيداً مع الطبيعة
ما أسخف المدن
يعطونها أسماء جميلة
جميع هؤلاء النّاس لم يعيشوا في المدينة من قبل . يجب أن تطلق كنية آل الفقير على جميع السّكان هنا، بمن فيهم صاحب الغرفة فوق السّطوح الذي يربي الدجاج داخل مزرعة من الأسلاك فوق سطح الغرفة التي بناها مؤخراً، وفي كلّ يوم يمدّ اصبعه في مؤخرة الدجاجة ليحسب غلّة اليوم.
القرية تعيش في مؤخرة دجاجة، وفي حوض زريعة يضجّ بالبصل الأخضر، تقطفه ربّة الأسرة بتأنّ وكأنّه تقطف ثماراً غريبة، وفي مرّة اقتلع ابنها الصّغير بصلة، أوسعته ضرباً، أصبح فيما بعد يقطع معها الأوراق الخضراء.
. . .
عندما يبكي أخي أحمد أشعر بالتعاطف معه. أعطيه ما في يدي، أداعبه، وعندما يضحك أرى أنني بالغت في منحه جميع أشيائي، ولا أعرف كيف أتراجع عن ذلك.
وعندما يشكي لي إخوته أطمئنه أنّني موجودة في حياته، بدأ يبدي مشاعر حبّه لي، ولأوّل مرّة قال أحبّك يا أختي كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكان في الثانية عشر. ابتسمت له: أنت أوّل شخص في عائلتنا تستخدم هذا المصطلح. لم أسمع به من قبل. تستحق يا أحمد الحبّ، فأنت ولد مميّز. عندما تفتح عيناك وتتحدّث معي. أشعر أنّك تكبرني بسنوات. سوف أقول لك سرّاً لا أعرف تفسيره: كأنّني لا أحب العيش في تلك العائلة، وفي نفس الوقت أخشى على أفرادها. سميّت نفسي المغناطيس. أنفذ جميع ما يطلبون منّي وأنا أشتمهم في قلبي. يتقاوون عليّ.
-أراهم عندما يطلبون منك أن تسقيهم بينما يجلسون شبه ممددين، وأستغرب كيف تمشين وكأس الماء تهتزّ بين يديك. لماذا لا تقولين لا؟ لو كنت مكانك لقلت لهم لا أستطيع.
-أفضل أن أكون مغناطيساً على أن يمسك أحدهم بشعري من الخلف.
. . .

هل تعلم قصّة الأسرار ؟
-لا. عن أيّة أسرار تتحدثين؟
تقول أم إبراهيم أنّ الله أودع سرّه في قلب الشّيخ السبعطجي، وكلامه من كلام الله.
وقد سمي بالسبعطجي نسبة إلى الملائكة السّبعة الذين هبطوا، وأودعوا السّر فيه.
-ما هذا الهراء يا فاطمة؟ لا يستطيع أحد أن يرى الله أو الملائكة.
-لماذا إذن يتباركون بضريح الشّيخ أبو قطّة، وعملوا من قبره مزاراً؟ لو ذهبت إلى القبّة الآن لأكلت حتى الشّبع. الأطباق مليئة بالأرز اللذيذ. أكلوا لحم الذبيحة من على وجه الأرز وتركوا الباقي لعابر سبيل. أبو قطّة اليوم من المعال السّياحيّة في بلدنا، ولو أتيت على اسمه بالسّوء لقتلوك، ويقوم الشّيخ السبعطجي بأداء صلاة الجنازة يوميّاً على روحه، وتنهال الصدقات عليه من الوافدين. يقولون أن الشيخ السبعطجي هو روح الله وسرّه . أحياناً يكون شيخاً، وفي نفس الوقت له وجه آخر باسم آخر هو " الأمير المؤمن" ولا أحد يعرف أنه هو نفسه ، فلله في خلقه شجون.
-لو قلت أن الحديث كان تافهاً هل سوف تغضبين؟
ذلك الأمير الذي تتحدّثين عنه هو الذي أشاع عن أمر ذلك الشيخ كي يرتاح .
-أرتاح لهذا الكلام وأخافه.
. . .














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في