الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة في مفهوم الحرية

عزة علامة

2017 / 8 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا شك أنّ مفهوم الحرية هو من أقدم المفاهيم التي جرى البحث بشأنها من قبل الكثير من الفلاسفة والعلماء والمفكرين. وإن استطعنا أن نتتبعها تاريخياً، من بدء نضج التفكير الإنساني الفلسفي، لوجدناها قابعة في كلّ تفكير، فهي بمثابة المفهوم المختبئ في كلّ مفهوم فلسفي آخر، وهي القيمة الموجودة سلفاً وقبلياً في كلّ القيم الأخرى المختلفة. فلم يوجد فيلسوف أو عالم أو مفكّر جدّي كتب عن الوجود الإنساني من دون أن يتطرّق إلى موضوع الحرية، ومن دون أن يحاول أن يكتشف كنهها وأن يعطيها التفسير الذي يراه مناسباً لها.

لذلك، فإنّ مفهوم الحرية يُعتبر من دون شك من أقدم الإشكاليات وأعقدها، من حيث هي فكرة تتخلّل صميم الوجود الإنساني. فكما واجه تعقيدها الفلاسفة والمفكرين في العصور القديمة المتتابعة، لا زالت تواجه المفكرين المعاصرين اليوم، ولا زالت تقدّم لهم الكثير من الأسئلة المغرية لأن تُجاوَب. لهذا السبب بالتحديد، فإنّ الأجوبة المقدّمة من المفكرين والفلاسفة عن أسئلة مفهوم الحرية تختلف وتتعدّد باختلاف وتعدّد من تحدّث عنها.

فمن المفكّرين من رأى أنّها جوهر الإنسان الأصلي، أي أنّه ربطها بالوجود بما هو وجود، وربط معنى الوجود بالحرية، أي أنّ الحرية هي أساس الوجود الإنساني، ومن دونها يبقى العدم.

ومن المفكّرين من ربطها بالأخلاق، فكانت بالنسبة له أساس الأخلاق وأساس الواجب الأخلاقي، كما أنّها أساس كلّ ما هو خيّر في الوجود.

كما أنّ الحرية ارتبطت أيضاً بالالتزام والمسؤولية، فالحرية كانت بالنسبة لهؤلاء المفكرين مجموعة من الاختيارات التي يختارها الإنسان في طريق حياته، وبما أنّها جميعها اختياراته هو، وبما أنّ اختياراتنا لا تؤثر فينا وفي ذواتنا فقط إنّما أيضاً تؤثر في الآخرين، وجب على هذا الإنسان الحر أن يكون مسؤولاً عن اختياراته، أي أن يكون مسؤولاً عن حريته. وبذلك تشكّل الحرية عبئاً على حاملها، والجميع حاملها.

وهناك من رأى أنّ الحرية هي ما فُطر عليه الإنسان بالطبيعة، وهو لا يمكن أن يكون غير حر. وإذا ما أعطى هذه الحرية لشخص آخر، أي تنازل عنها، يكون قد تخلّى عن إنسانيته نفسها. أي أنّ الحرية في هذا النمط من التفكير تساوي الإنسانية نفسها.

لكن أيضاً، هناك من ربط الحرية بالشروط الموضوعية الخارجة عن الإنسان في كونه إنساناً وكياناً مستقلاً، فكانت الحرية بالنسبة له هي نتيجة الأوضاع والبيئة والمحيط الخارجي الذي يعيش فيه، مثل المجتمع، والطبقة الاجتماعية، والنظام الاقتصادي، ووسائل الإنتاج، وغيرها من الأسباب التي يجد الإنسان نفسه ضمنها و محاطاً بها.

المعنى البدائي للحرية:

إنّ الإنسان الحر هو الذي لا يخضع للعبودية أو للسجن. والحرية فعل الإنسان ما يريد وليس ما يريده الآخرون، أي أنّها غياب القسر والإجبار الآتي من الخارج. فالحرية إذاً هي خاصية الإنسان الخالص من القيود، الذي يفعل أفعاله بحسب طبيعته وإرادته.
هناك حرية نسبية وحرية مطلقة، الأولى تعني الخلاص من القسر والإكراه الاجتماعي، لكن مع التزام القانون بما ينهى ويأمر. أما الثانية، الحرية المطلقة، فهي حق الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرط في سلكها.

والحرية المدنية هي حق الإنسان في الاشتراك في القرارات السياسية والاشتراك في إدارة شؤون بلاده.
والحرية الخلقية هي حالة الفرد الذي لا يقدم على فعل إلاّ بعد التفكير فيه، فيفعل ما يقوله له تفكيره.

أما ما يقوله بعض الفلاسفة والمفكرين في معنى الحرية، فهو التالي:

فولتير: "قلت لكم إنّ حرية الإنسان تكمن في قدرته على الفعل وليس في القدرة الخيالية لإرادة ما يريد".
لايبنتز: "الحرية تكمن في أن تعيّن نفسك بنفسك" و"الحرية هي أن تكون مستقلاً".
فيخت: "إنّ الكائن العقلاني هو الكائن الوحيد الذي يمكن أن نعتبره كائناً مستقلاً.. تأسيساً مُطلقاً لنفسه" و"أن تكون حراً هو شيء جيّد، أن تُصبح حراً فهي السماء ذاتها".
شيلينغ: "أن تكون حراً هو أن تحقّق المثالي في الحقيقي، أريد أن أكون حراً يعني أريد أن أعمل لنفسي بنفسي ما يجب أن أكونه".

مصطلح الحرية في معجم مصطلحات علم الاجتماع:

تعني الحرية في استعمالها الاعتيادي غياب القيود والتحديدات، ويكون الأفراد أحراراً حين لا يوقفهم أحد عن متابعة أهدافهم أو القيام بما يرغبون في القيام به. وكما يقول جون لوك: "إذاً، تكمن الحرية في هذا، في قدرتنا على أن نتصرّف أو لا نتصرّف، بحسب ما نختاره أو نريده". أما العبودية فهي نقيض الحرية لأنها تقتضي أن يكون إنساناً مملوكاً بواسطة إنسان آخر يفعل ما يأمره به.

أما بخصوص غياب القدرة على الفعل ولكن إمكانية الفعل نفسه، فهذا يختلف المفكّرون بشأنه، فمنهم من يرى في ذلك حريّة أيضاً، ومنهم من يقول إنّها لا تكون حرية.

إنّ أهمية الحرية تكمن في أنّها شرط طبيعي للإنسان، لذلك فالحرية لا تحتاج إلى تبرير، بل غيابها هو الذي يحتاج إلى تبرير. فالحرية هي شعار كرامة الإنسانية ومصدر احترامها لذاتها وكبريائها. كما أنّ أهميتها تكمن أيضاً في كونها تساعد الإنسان في بلوغ الإنسانية منزلتها الكاملة فقط عن طريق اختياراتها وممارسة أحكامها.

والحرية هي التي تنمي القدرات الإبداعية والفردية وتطمح إلى اللامعلوم في المعرفة، وهي المصدر الرئيس للتقدّم الإنساني.

لكن، لا يمكن للحرية أن تكون مُطلقة لأنّ أفعال الأفراد تؤثر في الأفراد الآخرين. ولذلك توجد قوانين وأعراف اجتماعية في المجتمعات.


خاتمة

لا قيام لمجتمع سليم وسوي من دون وجود حرية، لذلك فنحن في أشد الحاجة للبحث في هذا المفهوم شديد التعقيد، لعلّه يلهمنا وينير طريقنا ويهدينا إلى السبل التي توصلنا إلى الحرية التي نستطيع بعدها أن نبني مجتمعات سوية تحتوي الصفات الإنسانية الأصيلة فينا، والتي أساسها جميعها الحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير