الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمييز بين الموت الظالم و العادل .

يوسف حمك

2017 / 8 / 21
الادب والفن


ممن الممكن مواجهة أي أمرٍ مهما كان عظيماً ، و مقامه رفيعاً إلا الموت .
فهو الغالب دوماً ، و غيره المغلوب حتماً ، مهما امتلك القوة و النفوذ و الجاه و الغطرسة . لأن الهزيمة ستكون من نصيبه كيفما علا شأنه في الجولات الأولى من صراعه مع الحياة ، فسقوطه في آخر الجولة محتمٌ .

يتحدثون كثيراً عن إنصاف الموت إزاء المخلوقات و عدالته بين العباد .
على اعتبار أن كل كائنٍ تخطفه يد المنون بلا استثناءٍ ، و الرحيل الأبدي مصير الجميع .

اتفق معهم في مساواة المصير ، و دفنهم تحت الثرى .
لكنني في توقيت الرحيل أجد الغبن ، و في نوع المخطوف و مدى صلاحيته للعمل أو عدمه أرى الظلم بدلاً من العدل .
كما إنني أنأى بنفسي عن ( الاستغفار ) . لأن قول الحقيقة – و إن كان مراً - لا يستوجب الاستغفار . و لاسيما إذا كان الحزن الذي يعجز الإنسان عن تحمله من أهم نتائج هذا الفعل .

فالموت هو الفعل الذي يولد الألم ، و بعض أنواعه يفجر أشد المواجع إذا كان مدوياً .

منذ أكثر من عقدٍ مد الموت يده فاختلس صبيةً كان دواؤها الموت ذاته . و لم تكن الحياة بها تليق .
على المقبرة أثناء الدفن ، دنوت من والدها لأعزيه على طريقتي .
صافحته مبتسماً ، و أخبرته همساً : ( أشاركك الفرحة لا الحزن ، كانت تستحق الموت ، أحسن الله صنعاً ، و أبارك مشيئته الصائبة بموتها .
فرحيلها يجلب راحة البال لكم ، و لها الاطمئنان الأبدي .)

لم يمضي وقتٌ طويلٌ حتى غدر الموت بأخيه الشاب و هو في عز شبابه و أوج عطائه .
ترملت زوجته في مقتبل العمر ، و ترك في عهدتها أولاداً صغاراً .
قدمت له عزائي بأسلوبي الخاص أيضاً .
و مقارنةً بالمرة الأولى قلت له : ( لقد زاره الموت في الوقت الخطأ ، و لم يكن مصيباً في حقه ، بل كان قاسياً عليه و عليكم ، و على عائلته كان جائراً .
لم يدعه يكمل رسالته العائلية ، فمنعه من إتمام واجباته الاجتماعية .
استأنفت الكلام : الموت زارك في المرة الأولى عادلاً ، و في زيارته هذه كان ظالماً .)

أعرف امرأةً أخرى كان لها ابنٌ معاقٌ تخدمه بإخلاصٍ ، و تعتني به كثيراً ، فتسهر على راحته بقلبٍ صبورٍ منفتحٍ .
يدخل الموت بيتها فيخطئ الهدف مرةً أخرى بخطف الأم ، و يبقي المعيق بلا سندٍ لتزداد حياته تعقيداً و بؤساً .
في حين أنه كان الأولى به أخذ المعاق و الإبقاء على الأم .

ثم ما ذنب الرضيع الذي يفقد والديه في حادثة سيرٍ أو هدم المنزل فوق رأسيهما ، أو الموت غرقاً ؟!

حينما يخفق الموت في اختيار الزمن السليم ، و يفشل في التمييز بين الشخص الفاعل المعطاء و العاجز المقعد . و بين الفاضل الوفي و السفيه الشرير . و بين راجح العقل الرزين و الجاهل الحاقد ، عندها سيكون سلوكه مداناً بكل المقاييس .

أما قول : ( قدر الله و ما شاء فعل ) . بدون تمييزٍ بين القدر العادل و الظالم . ففيه مذلةٌ و هوانٌ .
نقر بأن الموت آتٍ لا محالة ،ولا نملك القدرة على إبطاله .
لكننا نملك العقل للتمييز بين الموت العادل و الظالم .
انطلاقاً من توقنا للتفكير الحر ، و إعطاء العقل دوره الفعال .
دون خوفٍ من قول الحقيقة و المنطق السليم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال


.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة




.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة