الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحم حار

سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)

2017 / 8 / 22
الادب والفن


لحم حار
أنهكنا المسير طوال الليل في رحلة عودتنا من مواقع الثوار الحدودية إلى عمق أرياف دهوك. هبط الفجر علينا في اللحظة التي أقبلنا فيها على قرية صغيرة تناثرت بيوتها أسفل السفح. كنا أول الواصلين فقد كنا في مقتبل العمر، رياضيين، لعبنا معاً في فرق المدارس التي حللنا بها.
طوال الطريق كنا نحلم بانتصار الثورة متخيلين لحظة عودتنا المظفرة بالسيارات إلى مدننا التي ستستقبلنا بالورود، مخدرين بأحلام العدالة والمساواة.
سبقني مسرعاً نحو سقيفة حجرية وبلغ فتحتها ليعود مهرولاً:
- تأخر ولا تدخل خلفي
سألته:
- لماذا وما هذا البناء؟!.
- نبع ماء!. تأخر أرجوك سأشرح لك؟!.
كان مستعجلاً. أصررت على معرفة طبيعة الأمر، فأرتبك قائلاً:
- صبية.. صبية وحدها!.
.... وجدته في أول التحاقي بالثوار واقفاً في نهاية الممر الجبلي الصاعد إلى القاعدة الصغيرة يبتسم. حضنني بحنان. شعرت بالأمان بعد ليالٍ من المسير الطويل وعبور معسكرات الجيش والكمائن. سألني عن الديوانية وناسها وما جرى خلفه. كان قد تحول إلى أسطورة إذ أن لحظة اعتقاله من شارع عام حولها إلى فضيحة؛ هتف وقتها بحياة الشعب العراقي مندداً بالحملة التي بدأت للتو وقتها. أخذوه وعند إطلاق سراحه بعد أشهر اختفى تماما تاركاً زوجته وولده الرضيع. ها هو أمامي يحمل سلاحه المتأرجح على كتفه نشطاً حيوياً.
لم أفهم شيئاً، فكفر بالسماء وركض نحو سقيفة النبع. تمهلتُ وتسللت إلى طرف السقيفة الآخر لأطل على المشهد؛ كان صاحبي يتلمس جسد صبية كردية مذعورة أخرسها الرعب ومازالت تتمسك بإناء معدني جوار مجرى النبع الصاخب. جمدتُ مذهولاً أحملق به وهو منهمك في عصر سيقان وصدر وبطن الصبية لاهثاً. في اللحظة التي حاول سحبها إلى صدره، ضربتُ أخمس بندقيتي بقوة، فتركها. لم تتوان هبت راكضةً صوب بيوت القرية. عدل ملابسه وأقبل نحوي قائلاً بصوتٍ مكسور:
- وين أنروح رفيق وين؟!.
- ...!.
- متتْ.. متتْ أريد ألمس جسد نثية حار.. حار، من لحم ودم!.
- ...!.
- من لحم ودم..
- ...!.
- مو والله متت رفيقي!.
21-8-2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وين أنروح رفيق وين؟
Almousawi A.S ( 2017 / 8 / 23 - 11:41 )
العزيز المبدع الجميل سلام ابراهيم
هل قدمت تقريرا للحزب بذلك؟
اليس من المنطق التفكير مسبقا بمثل هكذا امر ؟
لقد قرأت عن شكوى أمراه شيوعيه
كان رفيقا يرمي الحصى على فراشها ليلا
عن غياب زوجها في واجب حزبي
ما رأيك الشخصي المتوازن بهذا؟
اشكرك جزيلا على حراره المقال


2 - لست من كتبة التقارير
سلام إبراهيم ( 2017 / 8 / 23 - 15:00 )
لا لم أقدم تقريرا بل تعاطفت معه ومع الصبية وقمت بالفعل اللازم كي لا يتمادى
خلال الثورة المسلحة يحدث الكثير سجلت منه في روايتي الكثير أيضا ك -الحياة لحظة- و-الإرسي- و-حياة ثقيلة- و -في باطن الجحيم-- وفي قصصي القصيرة في مجموعتي -رؤيا اليقين- و -سرير الرمل.أما عن المرأة التي شكت من رفيق رمى عليها الحجر وزوجها في مهمة هي فصل من سيرة زوجتي الكاتبة -ناهده جابر جاسم- عاكفة على كتابتها وأتوق جدا لقراءة تجربتها كاملة فستكون من وجهة نظر المرأة العراقية التي خاضت تجربة ثورية مسلحة، فأكثر النساء الثوريات يحجمن عن كتابة مثل هذه التجارب
خالص التحية والأعتزاز

اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد