الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهد يومية من مقهى

سعد محمد موسى

2017 / 8 / 22
الادب والفن


مشاهد يومية من مقهى
على مقربة من شقتي في محلة "كولنك وود".. كنت أقصد في أغلب المساءات المقهى والمطعم التركي الذي كان يديره ويسكنه أيضاً صاحبه "فؤاد التركي" فاضافة الى مهنته كطباخ ماهر في تحضير أشهى أطباق الطعام التركي فهو يجيد أيضاً تحضير الشاي التركي التقليدي على طريقة السماور البخاري.
كنت أحدث زبائن المقهى المعدودين من الاتراك وغير الاتراك أيضاً حول طريقة تحضيرالشاي العراقي المعطر بالهيل والمهدر بواسطة الأباريق الفخارية فوق رماد الجمر الناعس في المواقد.
لكن في الوهلة الاولى ولدى تقديم إستكان الشاي في المقهى التركي أثار إنتباهي أن الاتراك حين يقدمون الشاي كانو يتقصدون ترك فراغاً بسعة شفة فوق حافة ألإستكان ولا يملؤن ألإستكان تماماً بالشاي.. وحين سألت صاحب المقهى عن سبب ذلك لاسيما بعد أن أخبرته بان تلك الظاهرة لديكم تعد معيبة وترمز الى إنتقاص من قيمة الضيف في القليد العراقي!!
لكن صاحب المقهى عقب عما ذكرته بان السبب لترك الفراغ وعدم إملاء ألإستكان للحافة هو تجنباً لاحتراق شفة محتسيّ الشاي المغليّ.
في المقهى كنت أستمع الى الغناء التركي وطرب المقامات وأنا أجلب معي حبيبات الهيل كي أعمد بها شاي المساء .. فالاتراك لايعرفون الهيل ولا يعطرون الشاي إلا باعشاب القرنقل.
وأثناء حديثي عن الشاي حل تاجر السلع المستخدمة والخردة
مدحت التركي الذي كان في العقد السابع من عمره والمتزوج من طالبة هندية في الثامنة والعشرين من عمرها حين كانت تعمل في محله ويبدو بعد نهاية فترة إقامتها الدراسية تزوجت من صاحب المحل.
رغم ان جسد مدحت يعاني من العلل والعمليات الجراحية لكنه يحاول دائما أن يبقى عاشقاً للحياة والسفر والنساء والمتع .. ورغم انه متزوج من فتاة بعمر حفيدته لكن في ذاكرته وتصرفاته يبقى مدحت زير نساء ويشاكس الصبايا في كل مكان بنزق ولايتحسر على أي شيء في حياته قدر تحسره على فراديس الصبابا اذا مات.
أما جليس المقهى الاخر فكان أيوب الاريتيري الذي كان يبدو بملامحه المتعبة وكأنه في العقد الثامن لكنه في الاصل كان في بداية العقد السادس وهو مازال أعزب وغير مستقر وكان دائماً يبحث عن سكن ويجر بحقائبه وأمتعته وخيباته ويتأبط بمحفظة أوراقه وملفاته ولاينفك عن الحديث بنكبة مر بها منذ عام 2002 حين خسر عمله وبيته واستقراره ومدخراته.
أيوب كان يعمل لدى قدومه الى استراليا كمهندس كهربائي وحالته المالية كانت ميسورة, ولكن لعنة لعبة اللوتو ..اليانصيب وصالات البوكر مشين.. دفعت بحياته نحو الهاوية.
ويبدأ حظه التعيس في احدى الايام حين صدم بمعرفة حصوله على جميع الارقام التي منحته الجائزة الاولى والتي كان مقدارها 16 مليون دولار .. لكن هنالك اشكالات كثيرة حصلت وحالت دون حصوله على جائزته منها ضياع ورقة اللوتو أو سرقتها من جيبه بشكل يدعو للريبة كما يظن ودخول مافيات اللوتو في الورطة ومتابعته له .. التي إستحوذت على الملايين كما يذكر .. فدخل أيوب الاريتيري محاكم ودوائر بوليس كثيرة يشكو مظلوميته وحقه المهدور واستنزف رصيده المالي بما ادخره من عمله سابقاً.
تبعثرت حياة الخاسر بعد أن تبدد حلمه الكبير في الثراء وبقيّ يطرق أبواب مكاتب المحامين المكلفة لكن دون جدوى أمام قوة مافيات ومحتاليّ لعبة اللوتو .. فنصحه البعض أن ينسى ماحدث وأن يبدا حياته ويستقر .. لكنه لايستطيع مغادرة خساراته ودوامة عذاباته اليومية.. حتى بات نصف مجنون يتسكع فوق الأرصفة ويدون بشكواه دائما الى المحاكم كي تنصفه وتعيد له ثراء حلمه المسروق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا