الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صقر الجبل الكردي

عصام الخفاجي

2017 / 8 / 23
القضية الكردية




خلال إسبوع واحد تحوّلتُ في أعين معلّقين أكراد من "صديق وفيّ للشعب الكردي" مدافع عن حقه في تقرير مصيره ومؤيد لقيام دولة كردستان المستقلة، "مفكّر موضوعي مرموق" و"محلّل دقيق لأوضاع كردستان والعراق" إلى "عربي يدس السم في العسل"، "شوفيني يريد إبقاء كردستان خاضعة تحت هيمنتهم" و"متظاهر بالحياد وهو يفرغ حقده على كردستان"، وتحوّلت في أعين عراقيين عرب من "مدافع عن المخططات الأمريكية لتقسيم العراق" إلى "ديمقراطي شجاع". وبين هذا وذاك تعرّض موقع إلكتروني ينشر مقالاتي وله شعبية بين الأكراد إلى التخريب بعد أن انهالت الشتائم فيه عليّ أنا الذي "أفتخر بجرائم صدام حسين ضد الأكراد" وعلى المشرف الكردي على الموقع الذي "جلب الخزي على نفسه" و"كشف عن نواياه الشريرة" بنشره مقالات تعرّض بشعبه.
والقضية، باختصار، تعود إلى نشري لمقالين متتاليين رأيت في الأول منهما أن بقاء كردستان إقليما تابعا للعراق، وإن شكليا، بات أمرا مدمّرا للعلاقة بين الشعبين الكردي والعراقي وأن من مصلحتهما التعجيل في فتح مفاوضات لاتدور حول حل مشاكل بين إقليم وسلطة اتّحادية يخضع لها بل بين العراق وبين دولة كردستان الجارة التي تمنيت أن يقابل العراقيون ولادتها لا بالقبول على مضض بل بالترحاب. وأثرت في المقال الثاني أسئلة افترضت أن من حق المواطن الكردي أن يطرحها وهو يشرع في التصويت على الإستفتاء على استقلال كردستان بعد أسابيع قليلة خالصا إلى استنتاج مفاده أنني لو كنت كرديا لصوتّ على سؤال هل تؤيد استقلال كردستان ب"لا".
لاتثير الفجوة الهائلة التي تفصل العراقيين عن الأكراد الدهشة فهي باتت في عداد البدهيات، لكنها تكشف أن العصبيات القومية لاتزال، حتى في ظل طغيان العصبيات الطائفية والدينية، ذات قدرة هائلة على استحضار أسوأ مافي ثقافتنا السائدة من اختزال للفرد إلى جزء من قطيع يُسلخ عنه عقله وقدرته وتُعزى آراؤه لا إلى اجتهاداته بل إلى قطيعه القومي أو الطائفي فلا يعود ثمة نقاش بين أفراد بل عراك بين أقوام ولا يعود ثمة تأمل في مضمون الفكرة بل تساؤل عن نوايا مطلقها. وسؤال "لمصلحة من؟" يجسّد الخصي الذي أصاب الإبداع والإجتهاد في منطقتنا ويفسّر اسباب العجز عن إيجاد حلول لكوارثها المتزايدة. ولعلّي أنتجت، عن دون قصد، حالة مختبرية لقدرة العصبية الغريزية على انتقاء ما يتساوق مع ميولها فتلتقط العصبية الكردية فكرة الإستقلال الضروري لكردستان فيما تلتقط العصبية العربية حجج الإجابة الرافضة له.
لن أكرر الحجج، بل أحاول أن أبّين أن تصويت الكردي ب"نعم" على الإستفتاء في هذا التوقيت وبهذه التخريجة سيكون تصويتا ب"نعم" لإطلاق يد السيد مسعود البارزاني للقضاء على تجربة أملَ كثيرون أن ترسّخ نظاما ديمقراطيا في كردستان و"نعم" لتكريسه دكتاتورا يؤسس لدولة لاتحمل من الشكل الجمهوري للحكم غير الإسم كما كوريا الشمالية وسوريا.
من الصعب الموافقة على تفسير القيادة الكردية أو تبريرها للتوقيت الدرامي للإستفتاء كضرورة لبدء المفاوضات مع بغداد وهي تحمل تفويضا شعبيا مطالبا بالإستقلال لأن كل سياسيي بغداد بلا استثناء يدركون بأن غالبية الكرد تطالب به. وهذا هو السبب الرئيس الذي يوجب تأييد قيام جمهورية كردستان المستقلة. والأقرب إلى الدقة هو أن البارزاني عازم على التفاوض وهو يحمل تفويضا من الشعب بوصفه قائده الأوحد في المعركة الفاصلة لإنجاز التحرر الوطني. هي محاولة لفرض شرعية قيادته للإقليم/ الدولة التي تمر بأضعف حالاتها. فالرجل قرّر تمديد فترة حكمه بعد أن استنفد كل الذرائع التي تمكّنه من ذلك. حكم كردستان منذ عام 2003، وكان قبلها يتنازع السلطة مع السيد جلال الطالباني. نجح في إقناع البرلمان بأن يعتبر أن فترة الدورتين القصوتين للرئاسة تبدأ منذ إقرار الدستور. أنهى الدورتين فأقنع الأحزاب السياسية بالتمديد له لعامين بسبب الظروف الإستثنائية وما أكثرها حين يستمتع القائد بالعرش. انتهت السنتان فجاءت داعش بظرف استثنائي قرر بسببه التمديد لنفسه من دون الرجوع إلى البرلمان هذه المرة لأنه قرر تعطيله قبل سنتين. وها أن كردستان قد تحررت من داعش ويوشك العراق أن يتحرر منها.
ولأنه واحد من حكام منطقتنا، لم تثر كل تلك الإجراءات سخطا واسعا في أوساط جمهرة الكرد التي تطحنها الأزمات الإقتصادية والتخويف من العدو الخارجي. فحزب الإتحاد الوطني الكردستاني، غريمه سياسيا ونظيره في التمتع بسلطة العائلة، تنازل عن مطلبه بتولي أحد قادته منصب الرئيس واكتفى بتوريث ابن قائده التاريخي جلال الطالباني منصب نائب رئيس الوزراء. وبقيت حركة كوران (التغيير) تناطح لوحدها وتطالب بعودة الحياة السياسية التعددية وبتأجيل الإستفتاء بوصفه قرارا يجب أن يتّخذه ممثلو الشعب المنتخبون، وهي التي لاتقل حماسا للإستقلال عن غيرها.
نحن، إذن، أمام منظور للإصرار على إجراء الإستفتاء بعد شهر ومنظورين للدعوة إلى تأجيله: منظور سياسيي بغداد الآملين في أن يؤدي عامل الزمن والضغط الإقليمي والدولي وتقديم التنازلات للإقليم إلى تمييع المطالبة بالإستقلال وركنه جانبا ومنظور لا أوهام فيه بأن تتجاوز كردستان أزماتها السياسية الداخلية والإقتصادية التي أضيفت لها الآن أزمتها الجدية في التعاطي مع العالم ودول الإقليم، بل ينطوي على محاولة للتنفيس عن اختناقات تقود كردستان إلى طريق مسدود وعلى مسعى لترصين موقع الأكراد في مفاوضات هي في واقعها معركة سياسية قد تتعسكر إن أصر البارزاني على قراره الإمبراطوري.
في مغامرته هذه، يراهن البارزاني وربما كان على حق، على إلهاب حماس الشعب القومي الذي سيسانده إن قرر سحق مؤسسات الحكم وتحويلها إلى منابر للحزب القائد. سيتكرّس زعيما لا يأبه بالشكليات القانونية ولا بتنظيرات المثقفين التي ليس من شأنها إلا إضاعة الزمن في الثرثرة والنقاشات فيما يريد الشعب قرارات حاسمة يتخّذها قائد حازم أعرف بمصالح شعبه من الشعب نفسه. وأكاد أجزم أن الخطوة اللاحقة ل"نعم" ستكون الدعوة إلى انتخابات يحصل فيها حزب الرئيس على أغلبية كبيرة في برلمان يقرر تحويل نظام الحكم في كردستان إلى نظام رئاسي يسحب السلطات من البرلمان ويضعها في يد الحاكم. وقد يستعيض القائد عن ذلك، وقد أغوته الإستفتاءات، باستفتاء آخر ل"نعم" أخرى لنظام سياسي أكثر فردية. وستكون "الأخطار المحدقة بالوطن، والأعداء الذين يتربّصون بدولتنا الفتيّة" حجة أثيرة بالطبع. حكمة يعرفها كل دكتاتور ناجح بالفطرة: عمّق الإحساس بالخطر الخارجي وستجد الجمهرة طوع بنانك.
وماذا إن اضطر البارزاني إلى التراجع عن قرار إجراء الإستفتاء في اللحظة الأخيرة، وهو أمر لا أستبعده إن صدقت الإشارات الأمريكية عن إيقاف المساعدات للبيشمركة إـن لم يتراجع؟ قد لا يتغير شئ، وقد يتغيّر كل شئ. قد يوجه البارزاني خطابا إلى الشعب، وهو متهدّج الصوت، يشرح فيه الجهود التي بذلها من أجل حرية كردستان وصموده بوجه الضغوط والمؤامرات الداخلية والخارجية. وقد يذكّرهم بالعذابات التي تحمّلها الشعب الكردي وهو يكافح من أجل نيل حرّيته. وقد يعلن تنازله عن السلطة إن تأكد أن الكرد سيزحفون إلى قصره، كما زحف المصريون ليعيدوا عبد الناصر إلى السلطة إثر هزيمة 1967. عند ذاك سيعلن البارزاني: "خسرنا معركة ولم نخسر الحرب".
كرّست شغلي النظري طوال العقود الثلاثة الأخيرة لدراسة تكون الدول والأمم والهويات القومية وأدرك تماما الهياج المصاحب لتبلور تلك الهويات، بل ضرورته لسوء الحظ. وأعرف كيف يؤدي هذا الهياج إلى صعود الإستبداد وتعمّقه. وأدرك بالتالي أن كل ما كتبت وكتبه غيري لن يدفع الجمهرة الغالبة إلى التفكير العقلاني. يتوهّم من يقول أن الشعوب تتعلم من تجارب غيرها أو من التاريخ. ربما يصح هذا في حالة نخب من المثقفين لكن البشر الذين يمرون بظروف تاريخية متشابهة ينزعون إلى التفكير والتصرف بطرق متشابهة. والشعب الكردي يعيش اليوم عرس خمسينات وستينات العرب في القرن الماضي: الأولوية المطلقة للتحرر الوطني، أما المشاكل الأخرى فستتولى قيادتنا حلّها.
ملاحظة ختامية: أستمع الآن إلى أغنية تقول "هلا ياصكر (صقر) الجبل". قبل 2003، كان العراقيون يستمعون إلى أغنية "هلا ياصكر البيدا" (صقر البيداء).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - افول المبدئية في عقول الشيوعين بعد سيطرة امريكا
علاء الصفار ( 2017 / 8 / 23 - 12:10 )
راينا بعض شيوعين انقلب لبعثي بعد ان اطال الشارب في زمن الجبهة وبعد تعرض الشيوعيين للضربة والتهجير بدء البعض يصلي وبيه سبحة, وبعد غزو العولمة تحول الكثير الى ابواق للديمقراطية التي تعدها امريكا للعراق بعد سقوط السوفيت, بل راح البعض ليقول سيتحول العراق الى هانكوك العصر,فكثير من بعثيين ومخابرات تحول لاسلامي بعد ان اطالوا اللحى,بالعربي فصيح ان الخواء ليس صاحب القوى الاسلامية والقومجية من عرب واكراد, بل يرجع لأنهيار البعض الشيوعي عند ا قد ا م الدبابات لغز و العو لمة وتسميته تحرررير.فبدء بعضٌ شيوعي ينظر بعظمة الراسمالية وديمقراطيتها ليدعو الى التخلي عن الاشتراكية.ودع امريكا تمر بصنع العراق الراسمالي وليدخل السوق الحرة والحضارة الغربية ان التردي وانتهازية البعث باميل حيث تميل الريح انتقلت لكل الفصائل للمعارضة ورمزوها, بحضور امريكا والعقل الغربي للعراق تطور النفاق السياسي الى مستويات نهج الزيف الراقي,كما عمل الغرب مثلاً بمساواة الشيوعية بالفاشية بعد ان حرر السوفيت العالم من الفاشية وهتلر, لذا ان الخلل والانتهازية مرض الجميع اساسا يتحمله من دعا للتخلي عن الاشتراكية بعو ا ء ديمقراطية امريكا!ن


2 - مواقف تجارية في حال العراق الممزق والتخبط العريق
علاء الصفار ( 2017 / 8 / 23 - 14:48 )
دولة العراق بعد صعود القومجية والبعث في 1963 صارت مجرد فقاعة مزيفة!اليوم بعد نصف قرن يتكرر المشهد وستتحق دولة قومجية! حيث ستولد دولة قومجية للاهانة للاكراد,حيث بدأت بخطوات عملاقة بالفساد كما دولة مصر لحسني مبارك! هنا سأذكر لماذا نؤيد ثورة اكتوبر و فيتنام وكوبا وسلطة مانديلا بجنوب افريقيا! يعني ان الانحياز للفكر الاشتراكي والماركسية هو المقياس لنجاح شعب يفتخر بنضاله وليس بعمل مؤامرات قيادات قومجية عملا ء مزيفيييين يخفيها عن الشعب كما حدث لدولة عراق البعث وصدام حسين! اليوم نرى وثائق العمالة للقومجية من المحيط للخليج ومن العرب والكورد! لذا هناك معادلة تقول ان الدولة العميلة لا تنتج دولة تخدم الشعب بل دولة لقيييطة كما السعودية وقطر خلافا لدولة كوبا وفيتنام بل حتى لدولة فقيه ايران!ان تحطيم الشعوب وجعلها موالية للغرب وخادمة لامريكا هي طريق الدولة القومجية التي تجسد بانهيار ليس صدام و سلطته, بل لتدمير شعب العراق !
https://www.facebook.com/alixe.hoshmand/posts/1712649868769380
من تاريخ السعودية_ لورنس العرب ودولة الكورد _ترامب_ نتنياهو موالاة القومجية الجدد من اجل سايكس بيكو امريكي ههه!ن

اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا