الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطرات الندم

حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)

2017 / 8 / 24
الادب والفن


قطرات الندم
قصة قصيرة
هي تتهمه بالخيانة وهو يعتقد بأنه لم يكن جريئاً بما فيه الكفاية ليتخذ قرار الاقتران بها، فتركها في منتصف الطريق بعد ان زرع في داخلها أحاسيس جميلة ويبتعد عن أحلامها. مع انه على استعداد أن يحلف بأنه أحبها يوماً أكثر من نفسه، هي مختبئة في جحر كبريائها، ربما تعيش حباً آخر بعد أن محى الزمن آثار الحب القديم، حاملة شعار: يسلي الجديد عن القديم وربما تكون خالية القلب بانتظار عشق جديد يلائم شبابها المتفتح.
لم يكن أهلا للحب حين قبلها يوماً ولثم شفتيها الرقيقتين بدافع الشهوة وتحت تأثير الوعود المخدرة. لكنه مستعد أن يحلف لها بأنه لايزال يحتفظ بحبها في داخله ويود رؤيتها ويضع في إصبعها خاتم الاقتران بها. ترى أين هي الآن؟ مالذي يشغل بالها؟ هل تغير أفكارها عن الحب؟ أحبها بكل أحاسيسه، عمل المستحيل من أجل أن يعيش معها بقية حياته.
في فترة ما كان يريد رؤية موته على رؤيتها حزينة محطمة، قلبه يتقطر ندماً ودموعه تسيل كلما تذكرها مع انه يعرف بأن النسيان قد لفظهما ومحال أن يلتقيا مجددا فسكينه لايزال مستقرا الى اليوم في خاصرتها. في آخر لقاء بينهما طلب منها الجلوس وقال لها بصوت يقطر منه الندم:
- أنا أتحمل الذنب، لم أكن جريئاً بما يكفي لأخبركِ برغبتي في الابتعاد وآثرت التهرب منكِ، كنت مخطئاً بحقكِ حقا، لا أبغي الا سماحكِ.
نظرت اليه بعيون ملؤها الرفق والبغض وقالت وعلى شفتيها ابتسامة مصنوعة من بقايا رماد في قلبها:
- لقد نسيت ما حصل ولست أرغب بالخوض فيه.
- صدقيني بأنني أحببتك وتعلقت بكِ وأصبحتِ جزءاً مني .. ولا اريد أن تسامحيني الا لأنني أخطأت بحقك.
هل تصرف بشجاعة حين أخبرها بأنه مُذنب، كان كمن يعطي السكين لضحيته طالباً منها فعل ما تشاء كأنه يقول لها: اذا كان ذبحي يريحكِ اجعليني قرباناً لخطيئتي.
........
يتذكر جلوسهما على المائدة، كان يعتبر نفسه ملكاً يقاسم الطاولة مع ملكة، ينظر اليها وهي تأكل، يتحدث اليها الى الحد الذي ينسى طعم الأكل، يخوض في تفاصيل عينيها العسليتين الى الحد الذي ينسى نفسه. هي كانت تنظر اليه وهي تفتخر به، في عيد ميلاده أحضرت له وروداً وكانت تود أن تهديه نفسها، لكنهما كانا جالسين في مكان عام، حين التقيا بعد اسبوع، قبِلت أن يلثم شفتيها كأنها تقول له: - هذه هدية عيد ميلادك، فقد احتفظت بها لك ريثما نكون لوحدنا.
........
انها سخية في كل شيء، في حبها ورغبتها ودفئها وحلمها وصبرها وعفوها، أجل ... فقد عفت عَنْه لأنها أحبته يوماً، العظماء لا يكرهون فهم يسامحون حتى من تفننوا في إيذائهم، وأي سخافة ارتكبها بحقها، يا لبشاعة ما فعل، بعد كل الوعود والكلمات الجميلة والأحلام الوردية والقبلات الدافئة والآمال العريضة تركها لوحدها فجأة وآثر أن يتهرب منها، الغريب حقاً انها لم تدري الى اليوم لماذا تركها! كان يفتقر الى الشجاعة ليقول لها: - انتي ايتها الحبيبة، اريد أن اخبركِ بأني لست أهلا لما تظنين فأنا انسان أفتقر الى جرأة تجعلني أحتفظ بكِ للأبد. لو اعترف لها بذلك في احدى جلساتهما لكان اليوم مرتاح الضمير، الا انه يتقطع من الداخل كلما تذكر خذلانه لها، وهيهات أن يسكت صوت الضمير، ماذا يفعل اذن؟ ظل طوال سنتين بعد تلك الأحداث يراها ويتحدث اليها فتجيبه ببرود. كانت هادئة ولطيفة ومثالية وعظيمة.
.......
رغم ما فعلها بها لم تشتكي أو توجه له كلاماً قاسياً ولم تنعته بالخائن رغم انه يستحق ... قتل الانسان يكون بالصمت أحياناً ... أجل طوال السنتين الأخيرتين كانا يلتقيان فتنظر اليه ببرود وينظر اليها بندم. كان في داخله بركان من الحزن والأسى والندم والكره لنفسه ... الانسان الذي لم يستطع الاحتفاظ بجوهرة ثمينه يستحق أن يكره نفسه.
.....
أهنالك مهرب مما يُعاني ... سم الأفعى القاتل يُصنع منه ترياقاً للشفاء ... يا لسخرية الأقدار ... مالذي يخطط له هذه المرة؟.. أيريد أن يعرض عليها بضاعته نفسها؟ البضاعة التي عرضها عليها يوما فوافقت أن تحتفظ بها الى الأبد، لولا ان خذلها بسبب افتقاره الى الجرأة ... فهل يجرب العاقل بضاعة فاسدة مرتين؟ الأشياء التي تبهرنا هي نفسها التي تُبكينا يوماً. لم يتصلا منذ سنة، هو لا يعرف أخبارها حتى، لأنها توقفت عن النشر في الفيس بوك، بل ووضعت منشوراً هو الأخير كتبت فيه بالانكليزيّة: Read a book بدلاً من: Facebook لا شك انه رسالتها اليه، مفادها: اقرأ كتاباً يثري معلوماتي افضل بكثير من ترجمه أحاسيسي الجريحة إليك. يطرح أسئلة شتى فلا يستطيع الإجابة عنها: أتعيش قصة حب مع انسان تستحقه؟ أوقعت من عينيها؟ والأنثى اذا وقع رجل من نظرها تحتقره الى يوم موتها. أتفكر فيّ؟ قد يستطيع معرفة جواب هذا السؤال من الحزن الذي سببه لها، أهدت له وردة فأهدى لها شوكاً. هو قطعاً لا يستحق أنوثة وجمال وسخاء وثقافة تلك الملاك ... قدمت له أغلى ما تملك فقدم لها طبقاً من الحزن والألم، معادلة من لا يعرفون شيئاً عن الحب.
....
اعتذر لها قبل سنتين وقال لها:
- أعرف انكِ ستسامحنني... لقد أخطأت بحقك فعلاً.
يعرف بأنه أخطأ وسيظل احساس بالحزن يرافقه لسنوات، هو لم يخذل فتاة طوال حياته ... خُدع ولم يَخدع ... انها المرة الاُولى إذن، ألم يجد من يجرحها الا هذه الإنسانة الملاك؟ ... التي تمتلك صفات إنسانية وعاطفية وثقافة لا تملكها فتاة في جيلها. قدرها السيء وضع رجلاً غير جريء في طريقها
...
يكبرها بثمانية عشر عاماً. قالت له في احدى جلساتهما:
- شيء طبيعي أن يكون الرجل أكبر من المرأة.
كانت سخية الى أبعد الحدود، سخية في قبولها له وهو يكبرها بثمانية عشر عاماً ... المرأة السخية هي صنف نادر من النساء ...
.....
بعد أن أنهى كل شيء معها وقرر أن يتهرب منها، لم يستطع أن ينظر الى نفسه في المرآة لأسابيع، كان يخشى أن يكسر المرآة من فرط كرهه لنفسه، قبل أيام كان جاساً في سيارته ... بدأ يحلم يقظاً ... "ما أجمل أن أراها أمامي فجأة، فتقول لي: لقد نسيت الماضي لأجلك وأريد العيش معك ... تركت ذكرياتي الحزينة وقررت أن أتبعك، أعرف بأنك ستكون جريئا هذه المرة وستحتفظ بي الى الأبد". لكن هيهات أن تتمنى حتى مجرد رؤيته، هنالك مسائل اخلاقية تمنعها من مجرد التفكير به، صحيح انها سامحته لكنها لا تستطيع أن تنسى بأنه قلع سعادتها من الجذور، حولها الى كتلة من الأحاسيس التالفة، سلمها الى التعاسة، ولولا سخائها الملائكي كانت قادرة على جعل حياته خالياً من السعادة ... الأغبياء فقط من يفشلون في الاحتفاظ بالنساء السخيات.
.....
يحب أن يعرف فيما اذا كانت تعيش قصة حب أم لا، وماذا سيتغير اذا عرف بأنها خالي القلب أو ان لها حبيباً؟ ما علاقته هو؟ الم يخذلها في الجولة الاولى أيريد أن توافق على أن تكون معه في جولة ثانية؟ لماذا يريد لأحاسيسه الزائفة أن تخدعه مجددا فتصور له بأنه مازال يُحبها. صحيح انه يحبها حتى الآن ويتمنى أن تكون قريبة منه، لكن أيستطيع أن يكون جريئاً لو طلبت هي ان تعود اليه ليحتفظ بها ويُشعرها بالأمان الذي افتقدته في الجولة الاُولى؟ انها مجرد أحلام، تأخذ الأحلام الانسان الى متاهات اللا واقع، حتى تسترده الحقيقة وتدفع به الى أزقة الحياة، فكم من شخص خدعته أحلامه فعاش أسيراً لها لسنوات. يوم غد سيتصل بها، ترى أتقبل ان تلعب معه جولة أخرى اذ لم تكن مرتبطة؟ بعض الأمل شقاء.
.......
- مرحبا ... كيف حالكِ ... أنا ابراهيم ... أتتذكرينني؟
- أهلا ابراهيم ... أتذكرك بالتأكيد ... كيف حالك؟
- لست على ما يُرام ... هنالك موضوع يُشغل بالي ... أتتذكرين بأننا جلسنا سوية قبل سنتين وتناقشنا فيه .. اريد الخوض فيه.
- اي موضوع تقصد؟
- هل يمكن ان أسالك سؤالا واحدا فقط؟ أانتي مرتبطة؟
- مع ان هذا سؤال شخصي ... الا اني أقول كلا لست مرتبطة لان لي أهداف اخرى اريد تحقيقها.
تنفس الصعداء وهو يقول: الحمد لله، قطعت نصف الطريق وبقي النصف الاخر.
- لم استطع الاحتفاظ بكِ قبل سنوات ... وقد اعتذرت لكِ حينها.
- نعم، لقد انتهى كل شيء وسامحتك ... الم اخبرك بذلك.
- نعم ... انا مازلت احبك صدقيني ... هذه المرة سوف لن أتهرب منكِ ... واحتفظ بكِ ما حييت ... وافتح لكِ قلبي لتعيشي فيه الى الأبد.
قاطعه وهي تخفي ابتسامة:
- ابراهيم ... أتسمع صوت بكاء الطفل ... انه ابني .. انا سعيدة مع زوجي ... اتمنى لك حياة سعيدة ...
...... صفعته بقوة ... بعض الكلمات يؤلم كما الصفعة ... ينبغي ان يحترم المرء مشاعر الآخرين ليتتجاوز أنانيته .

المانيا 21 – 8 - 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا