الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اكفان خضراء

جمانة القروي

2017 / 8 / 24
الادب والفن


اكفان خضراء

ضاقت الشوارع، شحت الطرق، متاهة من الازقة الملتوية،استحال كل شئ الى غور الزمن، ثلة بشر بوجوه مرعوبة تلبس اكفانا خضراء مهترئة، يحاصرونهم رهط من الاشرار بعيون ذئبية صائفة وانياب تقطر سماً زعافاً، تزعمهم وغداً بوجه مبهم، فيه عينان مستعرتان بالحقد وشارب اسود كث يغطي شفته الغليظة الزرقاء.
كان الليل في منتصفه والسماء داكنة عالية، اضواء النجوم بعيدة صامتة. اصطفت الاكفان الخضراء كحزمة قصب جافة، في قاعة لعب مغلقة سقفها يكاد ينطبق على ارضها، ارتفاعها بطول ذلك الرذل، مر بنا بخيلاء ثم ادارَ رأسه بتأن ماسحاً وجوهاً تحولت الى كتل طينية بعيون تاعسة وشفاه متشققة عطشى، كما لو انه يلتمس ملء عقله الفارغ بتلك الملامح المذعورة،.اشاعت نظراته المتحجرة الرعب فينا، كأن ناراً سجرت في اجسادنا الهزيلة المتصلبة، ثم اطلق ضحكة هوجاء.
انشدت الابصار نحوه، جمدت الكلمات قبل ان تنطق، تعالي صوت لهاث وشخير المنتظرين حتفهم، تقوست اعناقهم وهوت رؤسهم على الاكتاف، بنرق اعطى اشارته،تراجعت الاجساد المثخنة بالخوف والحيرة الى الوراء، غطت وجوه المنساقين للمجهول سحابة سوداء، دوي الطلقات الرشاشة تحكم وساد على كل شئ.
سحب المتعجرف مسدسه موجهاً فوهته لجباه المحتضرين والميتين وراح يجوس المكان بغطرسة وهو يطلق النار على الرؤوس الواحد تلو الاخر امعاناً في الانتقام .
تناثرت دماء الصرعى وبعض من اشلائهم على جسدي وهي تنزف دماً حاراً، وجوه مغروزة في الارض، اجساد تكورت باكفانها الخضراء الرثة التي تيبس عليها الدم مختلطاً بالتراب،امسيت كتلة من صلب يعبث بها القدر لم ابدِ باي حركة، تخفيتُ في جسد اخر، اتلصص من خلال الظلمة الدامسة التي تغلفني على فوهة المسدس الذي ستنطلق منه المنية، مع ان زمناً طويلاً قد انقضى وانا في وهدة المرارة التي اجتاحتني لكني شعرت بسعادة قد لاتكون في آوانها.
اقترب ازيز الاطلاقات من صدغي شيئا فشيئا، تطلعت اليه وانا مرتاع، ها هو يتجه نحوي سيطلق علي رصاصته الاخيرة! امطرتني الذاكرة بشبح امي وهي تصب الماء الساخن على راسي من دلوها وتغسل جسمي المعفر بالطين والدم. احتميت خلف ظهر اختي الكبرى من عصا ابي المخضبة بالماء والتي لاتعرف الرحمة. اقتفيت اثر نعجة هاربةٌ من القطيع، رايت الراعي بعينيه الجميلتين يتبعني مشدوهاً، جدار متصدع تسيل منه الدماء فتجرفني الى اللامكان، نهد جارتي التي كنت اتسلل لمخبئها كلما اتقد جسدي بالرغبة، ثمة فراشات ملونة حلقت حول تلك الاكفان الخضراء ربما هي ارواحهم الضالة. سياط موجعة تلهب ظهري،ورائحة صديد مقرف،تهادى الي انين مكتوم صمت بعد صبيب الرصاص.
ركزت في تلك الدوائر بصعوبة،انتشلت نفسي منها الا انها حاصرتني واخذت تنهشني من الداخل. في تلك الاجواء الخانقة التي تتصاعد فيها حمم الغيظ والوغر، شعرت بحاجتي لاتعرى من نفسي، لم يعد هناك متسعاً من الوقت، لما اتوار والى اين اهرب، وسط هذه السمفونية الجنائزية.
بغتة غير القائد الاحمق خطته، تراجع الى الخلف ليس شفقةً ولكن ربما ارتوت نزواتــه فادار ظهره الينا،هكذا خطر لي. إلا انه التفت فجأة وعيناه كجمرتان تنفث حقداً وسخطاً،اردت ان استغيث، لم اسمع سوى ضجيج وجلجلة صوتي مختلطة بضحكات ونواح وزغاريد شامتة. انسلختُ من بين الاكفان فامسيت طائرا محلقاً في سماء تمطر رعافاً، ها هو ذا يرفع عينيه الي ويطلق رصاصته لتصيب جنحي فاهوى ببطئ فتتشظى اشتلائي متناثرة في الهواء .
استيقظت فزعا من الكابوس الذي يرافقني كل ليلة ومنذ مدة طويلة .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في