الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال في العبادة

داود السلمان

2017 / 8 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل كل شيء علينا أن نعرّف العبادة، لا تعريف اسلامي أو لاهوتي يفقدها طعمها الروحي. ما هي العبادة: ونقول أن العبادة هي عقد صلة وثيقة- روحية ونفسية، بين الله والعبد، صلة مبنية على الاقرار بالله من حيث وجوده وقيمته العليا كخالق للكون ومدبر له، وموجده من العدم، ويكون الاعتراف به لا من باب الخوف من بطشه، ومن انتقامه وتعذيبه للإنسان غير المعترف بربوبيته ووجوده، في الآخرة ويوم القيامة، كلا، بل من باب الاحسان والاعتراف بالجميل الذي افاض به الخالق على الانسان ومنحه كل الاشياء الحسنة والممتعة، من صحة وسلامة وشكل مختلف جداً عن بقية المخلوقات الاخرى، حيث يمشي على رجلين اثنين بدل الاربع، وأمور أخرى حسية يشعر بها الانسان، ويفقدها عندما يداهمه أي مرض عضوي طارئ يحل على جسده ضيفاً ثقيلاً، وأحياناً حتى المرض قد يكون نعمة، وذلك حينما يتماثل الانسان من ذلك المرض بعدها يشعر بسعادة ما بعدها سعادة (وكلنا قد جربنا ذلك)، وهي سعادة الشفاء ومغادرة المرض الجسد؛ بمعنى آخر أنه لولا القباحة لم نشعر بالجمال، ولولا الاشواك المحيطة بالوردة لم نشعر بجمالها وبعطرها ولونها الاخاذ، ولولا الشيء المرّ لم نشعر بطعم الشيء الحلو، ولولا المخاطر لم نشعر بقيمة السلامة. على أن العبادة هذه لا تكون تجارة بين الرب والمخلوق كما عبرّت الآية بقولها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ}
لأنّ التجارة دائماً تكون فيها خسارة وربح، فالتاجر أحياناً يخسر في صفقة تجارية، وأحياناً يربح فيها، بحسب الظرف، وبحسب قيمة وأهمية البضاعة التي أستراها بمبلغ معين وأراد أن يبعها بمبلغ أعلى من قيمة الشراء. إذن في التجارة ثمة ربح وخسارة، ومتى ما كانت العبادة الغاية منها كتجارة ومقايضة بين الانسان والرب تكون إذن قائمة على ماديات، وأن الانسان يطلب من الله تعالى أعطائه الارباح كفرض، وأن لم يكن ثمة أرباحاً لم تكن هناك عبادة، وهذا ليس بصحيح. بل الصحيح هو القول المنسوب للإمام علي مخاطب الله تعالى: "إني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك". والله يستحق العبادة الحقيقية الخالصة، بمعنى أن الانسان يجب عليه الشعور بأن الله يستحق هذه العبادة والتي لا يستحقها سواه: الخالق وفائض الوجود.
والعبادة تقسم على قسمين، أو ما يطلقون عليها: عبادات ومعاملات، فالعبادات هي طقوس خاصة يؤديها العبد من صلاة وصوم وحج ودعاء ومناجاة وتضرّع، ويضيفون اليها زيارة قبور الاولياء، وغير ذلك، ألا أن المهم هو المعاملات، فاذا كانت العبادات أمور تقع ما بين العبد وبين الله تعالى قد يقبلها وقد لا يقبلها، وهنا تأتي أهمية المعاملات بمكان.
والمعاملات تأتي من خلال تصرف العبد بين الناس، تصرفاته في المجتمع، وهي الاخلاق والتي دعا اليها كل الانبياء وجميع الفلاسفة على حد سواء، فالدين يعلم البشر: لا تسرق، لا تزني، لا تكذب، لا تغش، لا تنصب على الناس، وتعامل معاملة حسنة مع الناس، وكل هذه المفاهيم تؤكد عليها الاديان، السماوية والوضعية. لكن للأسف، نجد اليوم عكس هذا تماماً، فثمة أناس تسرق النقود وتذهب بها الى حج بيت الله، كما يحدث الآن في الحكومة العراقية وعلى مستوى برلمان ووزراء ومدراء عامون، كي يقال لأحدهم: الحاج فلان، وهو الاهم لديه من عبادة الله والاخلاص له.
وثمة عبارة منسوبة الى الفقيه الكبير محمد عبده، حينما ذهب الى الغرب فأنبهر لما وجد الصدق عندهم والتعامل بالأخلاق والفعل الانساني، فعاد الى بلاد المسلمين، فوجد عكس ذلك تماماً فأستغرب أشد الاستغراب، فقال: وجدت في الغرب الاسلام ولم أجد المسلمين، ووجد هنا المسلمين ولم أجد الاسلام. وهي ملاحظة جداً دقيقة وتحتاج الى تأمل واعادة نظر في المسلمين وفي تصرفاتهم اليوم تجاه الدين، وتجاه الله ، وتجاه انفسهم، وتجاه الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن