الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حمال لنصف قرن... الجزء 3 :

ياسين لمقدم

2017 / 8 / 26
الادب والفن



عاد "فاراجي" برفقة صديقه "الجيلالي" إلى المدشر. وبعد أن تناولا الشاي والبيض المقلي في زيت الزيتون والسمن الحار، صعدا إلى التلة وقد بدأت السماء تتشح برمادية المساء.

أخذهما الحديث إلى إحصاء مزايا العيش في المدينة وهما يتطلعان إلى أضواء العيون الشرقية المترقرقة بخفوت.

وأكد "فاراجي" أنه عازم على الذهاب إلى العمل والعيش في المدينة بسبب توالي سنوات الجفاف التي أهلكت الزرع والماشية، ولا يمكنه أن يظل مكتوف اليدين يتربص قدوم الفرج الذي طال انتظاره. وهذا ما يجعله يطلب رأي صديقه الذي يتررد كثيرا على المدينة.

أكد له "الجيلالي" أن العيش في المدينة سيحتاج منه صنعة يكسب بها قوت يومه وإيجار بيته وضوء شموعه.

فكان رد "فاراجي" أنه مستعد للعمل كمساعد في البناء، وله معرفة واسعة في طرق خلط الإسمنت بالرمل، ورفع الجدران بالأحجار والطوب كما يفعلون في مدشرهم عندما يقررون بناء بيت لعريس جديد أو لترميم زريبة الأغنام عندما تعصف بها الأنواء.

أكد "الجيلالي" لصديقه أن مهنة البناء ليست بهذه السهولة، إذ تعتمد تقنيات معقدة خاصة في بناء منازل من طابقين. واقترح عليه أن يشتغل حمالا ينقل بضائع الزبناء بين الأسواق والمتاجر والمنازل.

وحدثه طويلا عن مكاسب هذه المهنة والتي أحصى بعضها بعد ترصد للحمالين وهم ينقلون البضائع على طول النهار دونما توقف. رآهم يرابضون في البواكر أمام تجار الإسمنت والحديد، إذ سرعان ما تُطلب خدماتهم من قبل الزبناء الذين يسابقون الزمن لتزويد أوراش بناء منازلهم بالمواد اللازمة لذلك قبل أن يلتحق بها البناؤون.

ورآهم في أيام الثلاثاء يتجمعون خارج أسوار السوق الأسبوعي يتسلمون قفف المتسوقين التي ملؤوها بالخضر والفواكه، فإذا املأت عرباتهم قصدوا بها منازل الزبناء دون حاجة إلى مرافقتهم، فهم يستوعبون الوجوه والعناوين وأشكال القفف.

ورآهم في مناسبات كثيرة يحملون هدايا الأعراس والفرق الفلكلورية والضيوف أيضا. بل رآى بعضهم يحملون العرائس في زفتهن إلى عرسانهم.

وأكثر الحمالين حظا، أولئك الذين تجر عرباتهم الأحصنة، فخدماتهم مطلوبة من قبل العائلات التي تحتفل بختان أطفالها، فيقوم الحمال بحمل الطفل المختن على ظهر جواده في الطواف بين الدروب وزوايا الأولياء الصالحين مرفوقا بعزف فولكلوري. ويكون الحمال في هذا المشهد هو فارس الإحتفال.

هبت نسمات باردة على الصديقين، فتطلعا بعمق إلى الشمال حيث تتلاحم أضواء المدينة بنجوم السماء، فأخذت منهم الصورة لحظة تأمل تدفقت معها دماء الأمل في عروق "فاراجي"، ثم نهضا من إقعائهما فتوجها في حلكة الليل صوب الطريق الذي سيخترق ظلامه "الجيلالي" وهو يستأنف طريقة إلى مدشره على أمل اللقاء في الغداة...

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله