الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا للتنازل عن الاستقلال

إدريس سالم

2017 / 8 / 26
القضية الكردية


يقول الباحث وعالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار: «تربّيت على مبدأ تقرير المصير، وبالتأكيد يحقّ للكورد بناء دولتهم، فالعراق خالٍ من مقومات إقامة الديمقراطية»


إن مَن يطالب إقليم كوردستان بضرورة اتباع طرق قانونية ومواد الدستور لحلّ الخلافات المتعلقة بالاستفتاء على استقلال الإقليم، عليه أولاً أن يكون جادّاً على تطبيق مواد الدستور المتفق عليه بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليم، «وأيّ دستور هذا الذي أعطاهم الحقّ بقطع أرزاق ورواتب المواطنين في إقليم كوردستان؟ أيّ دستور هذا الذي أعطاهم الحقّ بعدم تنفيذ المادة (140)؟ أي دستور هذا الذي جعلهم يمنعون من وصول الأسلحة إلى قوات البيشمركة وميزانيتها المالية؟».

مَن يراهن على شرعية الاستفتاء وخطورته على المستقبل، فليعلم جيداً أن الدولة الكوردية لن تكون خطراً على مستقبل دول الشرق الأوسط الجديدة «لماذا لم يعارضوا عندما حصلت البحرين والكويت وقطر على استقلالها من الدول الأجنبية، رغم أن مساحة وعدد الكورد في كل الأجزاء أكثر وأكبر من مساحة وعدد دول الخليج العربي بكاملها، ودول بلاد الشام أيضاً؟».

مَن يدعو إلى تأجيل عملية إجراء الاستفتاء لحين حلّ المشاكل الداخلية، عليه أن يدرك ويكون واقعياً أكثر أن نجاح الاستفتاء سيكون سبباً كبيراً لحلّ كلّ الاختلافات والخلافات الموجودة بين الأطر الكوردستانية «هل يدركون أن حلّ المشاكل الداخلية مرهون بنجاح الاستفتاء؟ ثم لو تأجّل الاستفتاء فهل سيقبلون بتقديم التضحية والعمل على إرضاء الشعب ببناء دولته، بدل إرضاء أجنداتهم المعادية لطموحات وثورات الكورد؟».

مَن يشكّ في جدّية استخدام قيادة الإقليم لورقة الاستفتاء كورقة ضغط أمام بغداد وأنقرة وطهران لنيل مكاسب شخصية أو حزبية أو عشائرية فقط، عليه أن يسأل نفسه: «ألا تخدم تصريحاته للأطراف التي ذكرها؟ أيتذكّر ردّ البارزاني للمالكي عندما قال: إننا لم نَخفْ من 9 آلاف دبّابة تابعة لصدام حسين فكيف نخاف من 20 دبابة تابعة لك؟».

مَن يحذّر على أن الاستفتاء قد تكون له تداعيات خطيرة تضرّ بمصلحة الإقليم، وما له من انعكاسات على دول المنطقة والوضع الإقليمي، فهو إما يتوّهم أو لا يعرف في السياسية شيء، فالاستفتاء سيكون عاملاً للاستقرار المبني على الشراكة الحقيقية بين مكوناتها المختلفة ومعتقداتها الدينية، والدولة الكوردية ستكون مناخاً آمناً لدول المنطقة على أن يتخلّصوا من صراعاتهم ومشاكلهم الراهنة، ويعيش الكلّ فيها بحرية وكرامة دون أن يمسّهم أي قمع وظلم «عندما خطّط النظام العراقي لقصف سكان حلبجة بالأسلحة الكيماوية لم يتجرّأ عراقي واحد بتحذير المسؤولين من عواقب هذه المجزرة، وضرورة تأجيل القصف، واللجوء إلى الحوار والمفاوضات».

مَن يصرّح على أن استفتاء الاستقلال مجرّد دعاية ضدّ حزب العمال الكوردستاني، عليه أن يدرك بأن البارزاني أكثر مَن أراد بإزالة اسم PKK من قائمة المنظمات المحذّرة، وليسأل قياداته في قنديل: «لماذا باعوا قائدهم وهو حيّ؟ وهل يدرك أن الاستفتاء والاستقلال من ثوابت السياسة الكوردستانية على مرّ عقود من الزمن، ولا يمكن التنازل عنها مهما كلّف الأمر؟».

مَن يشرعن لنفسه ويطلق مشاريع غير انتمائية للهوية واللغة والثقافة الكوردية دون أي استفتاء أو انتخاب أو مشورة شعبية، ويحارب مشروع استفتاء الاستقلال من خلال فروعه الأخرى وأجنداته، عليه أن يعلم جيداً أن مَن ينفذ مخططات أعدائه وبدماء أبنائه «للثائرين الذين يعانقون البنادق.. لهم فقط قدسية الوطن» فلن ينفعه لاحقاً أي علاقات أخوية وسيخرج من أي مستحقات تاريخية خاسراً «ما أهمية مشروع فيدرالية شمال سوريا على الصعيد الكوردي والكوردستاني في ظل تمثيل نسبة (50%) المتساوية بين الكورد والعرب؟ أيعقل أن عدد العرب في المناطق الكوردي متساوٍ مع عدد الكورد؟!!».

مَن يطالب بترجيح كفّة التوصّل مع حكومة بغداد إلى تفاهم حول القضايا المتنازع عليها، وأن قبول بغداد لمطالب الكورد هو الخيار الأفضل في هذه المرحلة الفوضوية والعصيبة، ولكن أعتقد أن هذا الخيار سيكون وارداً في حال وُجِدت أنظمة متمكنة وأصحاب عهد وميثاق حقيقي، أما مع هذه الأنظمة المستبدة والشمولية لا أظنها ستجدي نفعاً ولن تجلب النتائج المرجوة، حتى لو تواجدت الأمم المتحدة ومراقبين دوليين «لو أرادت أمريكا أن يبقى الإقليم بهذا الوضع الحالي لضغطت على الحكومة المركزية، وأجبرتها على تقديم تنازلات كبيرة، وأرضى الكورد دون أن يفكروا باستفتاء أو استقلال»، ثم ما الوعود التي أنجزوها سابقاً، حتى ينجزوا اليوم وعوداً أخرى؟

إن إدارة بغداد – بضغط من طهران أولاً وأنقرة ثانياً – قد تقدّم تنازلات مقابل تأجيل الاستفتاء «لاحظوا أن غالبية الأطراف السياسية الكوردية والعراقية وحتى الأطراف الإقليمية والدولية تتحدّث عن تأجيل الاستفتاء وليس إلغائه نهائياً!!»، وباعتقادي أنها لا تمتلك أي تنازلات سياسية أو اقتصادية، فهذه التنازلات التي قد تقدمها للكورد فهم حصلوا عليها فعلاً، ولكن منذ زمن بعيد، عندما منحوا الفرصة لتكوين كيان شبه مستقل داخل الدولة العراقية، لهم حكومتهم ودستورهم وجيشهم، وفوق كل هذا لم يعطوا للدولة العراقية دولاراً واحداً من مبيعات نفط الإقليم «وهذا حقهم، فنفط الكورد للكورد»، ثم مسألة التنازل عن هذا الحق الشرعي والديمقراطي يتعارض مع مصداقية قيادة وحكومة إقليم كوردستان داخلياً وخارجياً، وستفقد ثقلها الاستراتيجي والدبلوماسي أمام جيرانها والدول العظمى، أضف إلى انهيار كامل في آمال وتطلّعات ومعنويات الكورد أجمعين وليس إقليم كوردستان فحسب، ما قد يؤدي هذا التنازل إلى تلاشي الجغرافية الكوردستانية أكثر من ذي قبل، لكونهم عاشوا سابقاً تجارب ووعود وضمانات عديدة من بغداد وسفراء ووزراء الدول الفاعلة «ما الضمانات التي قد يقدّمها المجتمع الدولي الذي يطالب حكومة كوردستان في سبيل أن تأجل مساعيها نحو الاستفتاء مؤقتاً؟ هل قادرون على تقديم بديل أقوى من الاستفتاء؟».

هناك مقولة شائعة بين عامة الناس تقول أن “مَن لا يحسبْ لا يسلم“، وعلى الحكماء والعقلاء السياسيين والعسكريين في قيادة إقليم كوردستان أن يحسبوا جيداً ويكونوا أكثر حذراً واتزاناً من أي عمل تهوّري من أعدائها الإقليميين، عليهم ألا ينسوا موقفي إيران وتركيا المشتركَين والمعارضَين للاستفتاء، والذي ظهر بعدائية غاضبة على أعقاب زيارة رئيس الأركان العامة للجيش الإيراني اللواء “محمد باقري“ ولقائه برجب طيب أردوغان «ما هدف الزيارة التي أتت على هذا المستوى منذ العام 1971؟ أللانضمام إلى محور طهران – دمشق – بغداد أم لتكثيف التعاون على خفض التوتر في سوريا أم للاتفاق الأمني والعسكري ضد PKK وفروعه؟»، أي أن إيران قبل تركيا يخيفها مسألة الانفصال عن العراق بشكل تام، خاصة وأن تركيا تحسب ألف حساب لشركاتها الدولية ورجال الأعمال الأتراك الذين لا يهمهم شيء سوى جمع الثروة وملء الجيبة، لذا فعند انطلاق مرحلة الاستفتاء فهو قد يشكل أساساً لها لبدء سلسة من التوترات والمواجهات داخل العراق «قد يطلب العبادي تدخلاً مباشراً من إيران ضدّ بارزاني، كما فعل قبله الأسد وطلب مساعدة روسيا وتدخلها الجوي بذريعة الإرهاب»، وستطال تداعيات هذه المواجهات نحو دول الجوار.

ولا يخفى على أحد أن مسعود بارزاني يدرك جيداً أن التقارب التركي ــ الإيراني الذي وصل مؤخراً لأعلى المستويات ليس لصبّ الجهود ومساعدة سوريا ضد الإرهاب كما تزعّمته وسائل الإعلام، بل تأكيداً منهما أن نجاح الاستفتاء هو الخطر الحقيقي الذي يتهدّد استقرار بلديهما، ففي تركيا هناك ما يقدر بأكثر من 25 مليون كوردي، وفي إيران أكثر من 15 مليون كوردي، والاستفتاء سيعزّز من رغبة الشعور القومي ورفض الواقع الاستبدادي لأكثر من 40 مليون كوردي موزّع بين هاتين الدولتين، لذا فإيران من المتوقع أن تتدخّل عسكرياً، لمنع قيام أي كيان كوردي مستقلّ قرب جوارها «إيران مستعدة للذهاب إلى أبعد من الرفض التركي للاستفتاء! أخوفاً من الدولة الكوردية أم تحسّباً لوجود إسرائيلي على حدودها الشمالية الغربية؟».

إسرائيل قريبة جداً من المشهد الحالي، فهي لا تزال وسيبقى هاجسها الأول وهمها الدائم وشغلها الشاغل الأكبر هو استقرار وأمن دولتها، وبما أنها تتلقى دعماً كاملاً من أمريكا فإنها لا تترك وسيلة مهما كانت نتائجها وأبعادها للنيل من أي مناهض معاد لها إلا وسلكها، لذا فهي تدعم عملية استفتاء واستقلال كوردستان سياسياً وإعلامياً وبشكل مباشر «قد تدعمها عسكرياً» وستؤيده لاحقاً بإقامة دولة كوردية مستقلة وديمقراطية، لأن الخطر العربي والإيراني الذي قد يلقاه كوردستان فستلقاه إسرائيل شعباً ودولة مستقبلية، فالهدف الاستراتيجي الذي تسعى إليها منذ وعد بلفوز وحتى اليوم في الدول العربية والإسلامية هو هدف كوردستاني أيضاً.

اختصاراً لما سبق، فإن رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني «المفوّض من البرلمان على التحرّك دون قيود» وأركان حكومته وقواته البيشمركة وغالبية الأحزاب الكوردستانية ماضون في بناء دولتهم الديمقراطية المستقلة بالطرق السلمية والحضارية، باحتضان المكونات المختلفة واحترام المعتقدات الدينية وفتح العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها، ولن يتنازلوا عن الاستفتاء حتى لو ضاعفوا الميزانية المالية أو زادوا نسبة الحقائب الوزارية، أو طبّقوا المادة (140) من الدستور، وسينجزون هذا الحق الشرعي بطريقة حضارية سلمية، ولن يلجؤوا إلى التأجيل المؤقّت والمرهون بالضمانات الدولية، فالاستفتاء ليس مشهداً ضبابياً كما هو الحال بالنسبة لوجهات واعتقادات نظر القرّاء والمثقفين العرب «حرام عليكم وحلال عليّ!»، فليسألوا أنفسهم أولاً وحكّامهم ثانياً «لماذا لا يكون المشهد الفلسطيني ضبابي أيضاً؟ لماذا قبل حكّامكم على تقسيم كوردستان فيما بينها واليوم ترفض على تقسيم دولها وإعادة ما قسّمته لأصحابها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة


.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا




.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة


.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي




.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة