الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (3-5)

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2017 / 8 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الرأسمالية و البضاعة
عندما يزعم أحدهم : "أن الرأسمالية قد ماتت بسبب تحول أكثر إنتاجها من أنتاج البضائع إلى إنتاج الخدمات" ، يفترض بهذا الزاعم أن يكون مستوعباً تمام الاستيعاب لجوهر مسألتي زعمه هذا ، ألا و هما ماهية : 1) الرأسمالية ؛ و 2) البضاعة و الخدمات ؛ فما هو جوهر الرأسمالية و البضاعة و الخدمات الرأسمالية ؟

أعود لإيراد نص ماركس الأخير :

"إن الإنتاج الرأسمالي ليس هو مجرد الإنتاج للبضائع ، إنه جوهرياً الإنتاج لفائض القيمة . العامل ينتج ، ليس لنفسه ، و إنما لرأس المال . لذا لم يعد كافياً للعامل أن ينتج ببساطة ؛ بل إن عليه أن ينتج فائض القيمة . وحده ذلك العامل هو من ينتج ، إنه هو من ينتج فائض القيمة من أجل التمدد الذاتي لرأس المال . فإذا ما أخذنا مثالاً من خارج مجال إنتاج الأشياء المادية ، فإن مدير المدرسة هو عامل منتج عندما يقوم ، بالإضافة إلى القرع على رؤوس المعلمين ، بالاشتغال مثل الحصان لإغناء مالك المدرسة . أما كون الأخير (أي مالك المدرسة الرأسمالي) قد استثمر رأس ماله في معمل تعليمي بدلاً من معمل لإنتاج المقانق (الصوصج) فأن ذلك لا يغير شيئاً في تلك العلاقة (بين الرأسمالي مالك المدرسة و المعلمين المنتجين في مدرسته) . و لهذا ، فإن مفهوم العمل المنتج يقتضي ليس فقط العلاقة بين العمل و نتيجته المفيدة ، بين العامل و انتاج العمل ، بل يقتضي كذلك علاقة انتاج اجتماعية محددة ؛ تلك العلاقة التي بزغت تاريخياً و فرضت طابعها على العامل كوسيلة مباشرة لخلق فائض القيمة ."

ما الذي يوضحه ماركس هنا ؟
إنه يوضح بأن الرأسمالية هي – جوهرياً : "علاقة انتاج اجتماعي محددة .. بزغت تاريخياً و فرضت طابعها على العامل كوسيلة مباشرة لخلق فائض القيمة ." ماذا يعني هذا الكلام ؟ إنه يعني بالضبط ذلك النوع المحدد من علاقة الملكية بين وسائل الانتاج المادي و غير المادي و بين العمال المنتجين و المتمثلة بالفصل التام بين المنتج الحقيقي و أدوات انتاجه عبر تحويل الأخيرة إلى ملكية خاصة للرأسمالي و إجبار العامل المنتج على العمل أجيراً لمنفعة الرأسمالي مالك وسائل الإنتاج كي : " ينتج ، ليس لنفسه ، و إنما لرأس المال . لذا لم يعد كافياً للعامل أن ينتج ببساطة ؛ بل إن عليه أن ينتج فائض القيمة . وحده ذلك العامل هو من ينتج ، إنه هو من ينتج فائض القيمة من أجل التمدد الذاتي لرأس المال ". إذن جوهر الرأسمالية هو وجود علاقة انتاج محددة بين العامل المنتج و بين مالك وسائل الإنتاج ؛ و ما دامت هذه العلاقة قائمة ، فالرأسمالية قائمة .
ماذا نستنتج من كلام ماركس هذا ؟ نستنتج ما هو آت :
1. أن جوهر الرأسمالية هو ليس إنتاج البضائع فحسب ، و انما انتاجها ضمن علاقات الإنتاج المحددة و المبينة بدقة علمية أعلاه . و لما كان من البديهي أن البشرية تنقرض دون إنتاج البضائع ، و كان هذا الانتاج الذي مارسته البشرية منذ أقدم الأزمنة - قبل نشوء الرأسمالية و بعدها بالتأكيد - مطلوباً تواصله و تعاظمه أبداً لإشباع حاجات العدد المتزايد من البشر و توسعها ؛ لذا ، فإن انتاج البضائع ليس هو بحد ذاته السمة المميزة للنظام الرأسمالي ، بل هو الخلق لفائض القيمة ، مثلما يؤكد ماركس .
2. و لكي يتأكد المرء من وجود أو عدم وجود الرأسمالية ينبغي له أن يفتش ليس في نوع البضائع المنتجة – مثلما يحلو للزمرة إياها أن تفعل – (سواء كان معملاً تعليمياً ينتج الخدمات غير المرئية ، أم معمل صوصج ينتج البضائع الملموسة ، مثلما يوضح لنا ماركس بأسطع الكلمات) ، بل يجب عليه أن يفتش في علاقات الإنتاج القائمة التي يؤكد لنا ماركس في نصه أعلاه بأن هذه العلاقة الاجتماعية الجوهرية هي نفسها لا تتغير سواء قام الرأسمالي باستثمار رأسماله في معمل تعليمي أم في معمل لإنتاج الصوصج لأن العمل المأجور في كلا المعملين يخلق فائض القيمة للرأسمالي بغض النظر عن طبيعة البضاعة المنتجة سواء كانت مادية (material commodity) أم لا مادية (immaterial commodity) مثلما يصفها ماركس في كتاباته الكثيرة و المشهورة و التي لا تقبل أدنى التشكيك بأي حال من الأحوال (سأعود لهذا) . لماذا ؟ لأن جوهر الرأسمالية إنما هو "استغلال العمل المأجور في خلق فائض القيمة لمواصلة التمدد الذاتي لرأس المال" عبر الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج . فإذا ما وجد المرء أن النمط الاجتماعي السائد لعلاقات الانتاج قائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و العمل المأجور ، عندها يتأكد من وجود الرأسمالية ، و يقطع بماركس قول كل خطيب .
3. كل هذا يعني بالضبط و بشكل بات بأن إلغاء الرأسمالية مستحيل بدون إلغاء وجود شكل هذه العلاقة الاجتماعية المحددة بين قوى الانتاج و بين المنتجين عبر التشريك الاجتماعي لوسائل الإنتاج و تحرير العمال من إنتاج فائض القيمة لحساب الرأسمالي و ذلك بتكريس إنتاجهم لمنفعة المجتمع ككل . و بدون تشريك وسائل الإنتاج ستبقى الرأسمالية تنتقل بالبشرية من أزمة لأزمة و من حرب لحرب و من تدمير لتدمير ـ وقد تقضي على الحياة برمتها فوق سطح الكرة الأرضية .
4. الخلاصة هي : أن نمط الإنتاج الرأسمالي هو شكل محدد من العلاقة الاجتماعية ، لا ينتهي مطلقاً إلا بإنهاء هذه العلاقة بالتحديد ، و ليس أبداً بالبحث في نوع البضائع المنتجة من طرفه .

البضاعة و شكلها المادي عند ماركس
عند الحديث عن البضاعة ، لا بد للماركسي من الاستيعاب الدقيق لماهية البضاعة بالتحديد لكي يستطيع التمييز بين البضاعة الرأسمالية (و هي المنتجة لفائض القيمة حصراً) و البضاعة غير الرأسمالية (غير المنتجة لفائض القيمة حصراً) . نفس النوع من البضاعة يمكن أن يكون منتجاً إذا ما خلق فائض القيمة ؛ و أن يكون غير منتج إذا لم يخلق فائض القيمة لكون الإنتاجية و عدم الانتاجية مرتبطة في الماركسية بخلق أو عدم خلق فائض القيمة حصراً و ليس بنوع البضاعة المنتجة مطلقاً . فمثلاً ، الخبز الذي يتولى الخباز انتاجه في مخبزه الخاص و بيعه بمفرده لحساب نفسه ، هو بضاعة غير منتجة رأسمالياً لكونها لا تخلق فائض القيمة ، أي رأس المال ، لعدم وجود الرأسمالي في هذا المثال ، بل هي تخلق الدخل لصاحب المخبز المستقل عن الرأسمالي . أما الخبز الذي ينتجه عامل المخبز الأجير عند الرأسمالي مالك المخبز فهو بضاعة منتجة رأسمالياً لكونها تنتج فائض القيمة لرب العمل الرأسمالي ، و لا يحصل الخباز المنتج إلا أجراً عن جزء من ساعات عمله بعد استقطاع فائض القيمة منه . ماذا يعني هذا الكلام ؟ إنه يعني – مرة أخرى – أن نوع البضاعة لا علاقة له البتة بإنتاجيتها و عدم إنتاجيتها و التي ترتبط حصراً بكون البضاعة مُنتَجة لحساب الرأسمالي لخلق فائض القيمة أم لا .

و لكن ما هو تعريف البضاعة عند ماركس ؟ يقول ماركس في فصل البضاعة الأول من "رأس المال" :

"البضاعة هي ، في المقام الأول ، شيء كائن خارجنا ، و الذي يشبع بخصائصه الحاجات البشرية من أي نوع كانت . إن طبيعة تلك الحاجات ، ما إذا كان مصدرها المعدة مثلاً أم الهوى ، لا تغير في الأمر شيئاً . 2 و كذلك فنحن غير معنيين بمعرفة كيف يشبع هذا الشيء هذه الحاجات ، سواء مباشرة إذا كان وسيلة من وسائل المعيشة ، أم عن طريق غير مباشر مثل إحدى وسائل الإنتاج . "
هامش 2 :" تقتضي الحاجة وجود الرغبة ، أنها شهوة العقل ، و هي طبيعية مثل الجوع بالنسبة للجسد ... إن العدد الأكبر (من الأشياء) تكتسب قيمتها من إشباعها حاجات العقل". نِكِلِس باربون :
“A Discourse Concerning Coining the New Money Lighter. In Answer to Mr. Locke’s Considerations, &c.”
لندن ، 1669 ، ص 2، 3 .

في تعريفه للبضاعة يؤكد ماركس – بإيراده عبارة : "في المقام الأول" – خارجية البضاعة عن الإنسان و خاصيتها في إشباع أي نوع من أنواع الحاجات البشرية ، سواء كانت تلك الحاجة مادية (مثل الجوع) ، أم غير المادية (مثل الهوى) . كما يؤكد لنا أن الباحث الماركسي غير معني بالكيفية التي تشبع بها البضاعة الحاجة البشرية . هذه الخاصية للبضاعة في إشباع حاجة بشرية ما ، أي منفعتها هي التي تخلق منها قيمة استعمالية . يقول ماركس :

"إن القيم الاستعمالية لا تصبح واقعاً إلا بفعل الاستعمال أو الاستهلاك ؛ كما أنها تؤلف أيضاً مادة كل الثروة ، كائناً ما كان الشكل الاجتماعي لتلك الثروة . و في شكل المجتمع الذي سنتولى دراسته ، فإن هذه القيم الاستعمالية هي ، بالإضافة لذلك ، المصادر المادية للقيمة التبادلية . "
أما أبلغ تعريف ماركسي للقيمة التبادلية للبضاعة فهو "التحقيق المادي للعمل" ، بمعنى بذل كمية معينة من العمل البشري النافع في انتاجها ، و ليس شكلها المادي . يقول ماركس في "نظريات فائض القيمة" :
When we speak of the commodity as a materialization of labour—in the sense of its exchange-value—this itself is only an imaginary, that is to say, a purely social mode of existence of the commodity which has nothing to do with its corporal reality it is conceived as a definite quantity of social labour´-or-of money. It may be that the concrete labour whose result it is leaves no trace in it.’ (IV/1, 171)
الترجمة :
"عندما نتكلم نحن عن البضاعة باعتبارها التحقيق المادي للعمل – أي بمعنى أن لها قيمة تبادلية – فهذا بحد ذاته هو مجرد مفهوم خيالي ؛ إنه (أي التحقيق المادي للعمل) ذلك النمط للوجود الاجتماعي الخالص للبضاعة و الذي لا علاقة له بواقعها الجسدي ؛ إنها تُفهم باعتبارها كمية محددة من العمل الاجتماعي أو من المال . و يمكن للعمل الملموس الذي تنتج منه البضاعة أن لا يترك أي أثر فيها ."

الإنتاج البضاعي اللامادي
يطلق ماركس تسمية "الإنتاج اللامادي = Immaterial Production" على الإنتاج الخدمي . و قد سبق و أن مر بنا مفهوم "المعمل التعليمي" المملوك للرأسمالي و المنتج لفائض القيمة . لذا سأقتصر عنا على اقتباس هذا النص المهم من كتابه "نظريات فائض القيمة – العمل المنتج و العمل غير المنتج ":

[(H) Manifestations of Capitalism in the Sphere of Immaterial Production]
The production cannot be separated from the act of producing, as is the case with all performing artists, orators, actors, teachers, physicians, priests, etc. Here too the capitalist mode of production is met with only to a small extent, and from the nature of the case can only be applied in a few spheres. For example, teachers in educational establishments may be mere wage-labourers for the entrepreneur of the establishment many such educational factories exist in England. Although in relation to the pupils these teachers are not productive labourers, they are productive labourers in relation to their employer. He exchanges his capital for their labour-power, and enriches himself through this process. It is the same with enterprises such as theatres, places of entertainment, etc. In such cases the actor’s relation to the public is that of an artist, but in relation to his employer he is a productive labourer.

[التجليات الرأسمالية في مجال الإنتاج غير المادي]
"لا يمكن فصل الإنتاج عن فعل الإنتاج ، مثلما هي الحالة بالنسبة لكل عروض الفنانين ، الخطباء ، الممثلين ، المعلمين ، الأطباء ، القساوسة ، إلخ . في هذا الحقل أيضاً فإن نمط الإنتاج الرأسمالي لا نصادفه إلا بدرجة قليلة ، و بسبب طبيعة الحالة ، لا يُطبق إلا في مجالات قليلة . فمثلاً : المعلمون في المؤسسات التربوية يمكن أن يكونوا مجرد عمالاً مأجورين لمتعهد المؤسسة ، حيث توجد العديد من هذه المعامل التربوية في إنجلترا . و على الرغم أن هؤلاء المعلمين ليسوا عمالاً منتجين بالنسبة للطلاب ، إلا أنهم عمال منتجين بالنسبة لرب عملهم . رب العمل هذا يبادل رأس ماله بقوة عملهم ، فيُغْني نفسه من خلال هذه العملية . ينطبق نفس الشيء على المؤسسات مثل المسارح ، أماكن الترفيه ، إلخ . في مثل هذه الحالات ، فإن علاقة الممثل بالجمهور هي علاقة الفنان ، و لكن بالنسبة لرب عمله فإنه عامل منتج ."

يتبع ، لطفاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024