الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وبضدها تعرف الأشياء

محمد السعدنى

2017 / 8 / 28
الادب والفن


ﺧﺮﺝ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ فى نزهة يتفقد أحوال الرعية، ﻓﺮﺃﻯ ﻓﻼحا ﻳﺤﺮﺙ أرضه، تبدو عليه علامات السعادة والرضا، ﻓﺴﺄﻟﻪ ﺍﻟﻤﻠﻚ: أﺭﺍﻙ ﻣﺴﺮﻭﺭﺍً ﺑﻌﻤﻠﻚ فى ﺃﺭﺿﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻔﻼﺡ: لا ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ هى ليست أرضى، فأنا ﺃﻋﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ مقابل أجرة ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻗﺮﻭﺵ فى اليوم، رد ﺍﻟﻤﻠﻚ: ﻭﻫﻞ ﺗﻜﻔﻴﻚ؟ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻔﻼﺡ: ﻧﻌﻢ ﻭﺗﺰﻳﺪ، فقرش ﺃﺻﺮﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﺸﻲ، ﻭﻗﺮﺵ ﺃﺳﺪﺩ ﺑﻪ ﺩﻳﻨﻲ، ﻭﻗﺮﺵ ﺍﺳﻠﻔﻪ ﻟﻐﻴﺮﻱ، ﻭﻗﺮﺵ ﺃﻧﻔﻘﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﻠﻚ: أوضح فهذا ﻟﻐﺰ ﻻ ﺃﻓﻬﻤﻪ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻔﻼﺡ: ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺮﺵ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺮﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﺸﻲ ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ﺃﻋﻴﺶ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﺎ ﻭﺯﻭﺟﺘﻲ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺮﺵ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﺪﺩ ﺑﻪ ﺩﻳﻨﻲ ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ﺃﻧﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﻭﺃﻣﻲ، وﺍﻟﻘﺮﺵ ﺍﻟﺬﻱ أﺳﻠﻔﻪ ﻟﻐﻴﺮﻱ ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ﺃﻧﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﻻﺩﻱ لأﺭﺑﻴﻬﻢ ﻭﺃﻃﻌﻤﻬﻢ ﻭﺃﻛﺴﻮﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻛﺒﺮﻭﺍ ﻳﺮﺩﻭﻥ إلىّ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺮﺵ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻔﻘﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ﺃﻧﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﺘﻴﻦ ﻣﺮﻳﻀﺘﻴﻦ. إﻧﺒﻬﺮ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺭﺩﻭﺩ الفلاح ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ فاﺷﺘﺮﻯ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻭﻫﺒها له. وهنا ﺒﺎﻉ ﺍﻟﻔﻼﺡ ﺍﻻﺭﺽ، ﻭأﺧﺬ ﺍﻟﻔﻠﻮﺱ ﻭﺗﺰﻭج اوكرانية وطلق إمرأته، وأودع أمه وأبوه دار المسنين وطرد أولاده للشارع، وحالياً عايش بألمانيا.
كانت هذه الحكاية ضمن رسائل تلقيتها على "الواتس والماسنجر".
الغريب أن واكبتها رسالة أخرى، وبنفس الكثافة، تحكى على لسان مهاجر مصرى يقول: كنت مسافرا بسيارتي من أمريكا إلى كندا حيث مكان إقامتي وعلى الحدود أعطيت جواز سفري لموظفة المسئولة ففتحته وعرفت أننى من أصل مصرى، سألتنى أخبار مصر؟ ومنذ متى وأنت تعيش في كندا؟ أجبت: أنهيت لتوي السنة العاشرة، وتوالت الأسئلة: متى زرت مصر آخر مرة؟
منذ ثلاثة أعوام، من تحب أكثر مصر أم كندا؟ فقلت: الفرق عندي بين مصر وكندا كالفرق بين الأم والزوجة، الزوجة اختارها وأرغب بجمالها لكن لا يمكن أن تنسيني أمي، الأم لا أختارها ولكن أجد نفسى لا أرتاح إلا في أحضانها. أعجبت الكندية بهذا الإنسان الرائع وتزوجته وعاشوا في مصر، والآن هي تبيع مناديل كلينكس في ميدان رمسيس، وتدعي عليه وعلى أمه وأم الساعة اللي جت فيها على مصر.
وهكذا تكررت الرسالة عشرات ومئات المرات وبتنويعات مختلفة ملحة، وعندها شكلت فى تقديرى ظاهرة لابد من تفكيك شفرتها وحل رموزها، وهى حالة لايمكن قرائتها إلا فى ضوء علم الاجتماع السياسى وعلم النفس الاجتماعى، إذ تشى الحكايات بأننا أمام ضمير جمعى أحبطه واقعه وظروف مجتمعه وأحوال بلده، فوجد ضالته فيما يعبر عن صدمته وحيرته وانكساره. وهى حالة من إنكار للواقع الذى يراه مصطنع ومزيف، لايعبر عنه، فراح يسخر من ذاته وما آلت إليه أحواله، ويتندر على مجتمعه وبلده ومواطنيه ومفارقات تصرفاتهم وعجائب أحوالهم.
ففى الحكاية الأولى لم يكن الفلاح سعيداً راضياً، بل كان مقهوراً على هذا الرضا الشكلى والسعادة المتوهمة فى خيال الملك. وعندما جاءته الفرصة تنكر لكل مفردات واقعة وتصرف على نحو مخالف لما يعتقده الملك. أما فى الحكاية الثانية، فكان صاحبنا "حلو طول ماهو فى كندا" لكنه تحول شخصاً آخر بعد عودته لمصر التى انقلبت فيها أحواله وزوجته إلى النقيض والضد. وهنا إشارة إلى أنه لم يكن مجبولاً على الفشل والحياة البائسة، إنما هى الظروف وطبيعة الأحوال فى البلد الذى يقيم فيه، وهى فى كل الأحوال حالة منذرة تستوجب التحسب والدراسة.
المفارقة هنا أن الرسالة الثالثة المتداولة بكثافة كاشفة ومؤلمة، إذ تحكى عن مليونير أمريكى ذهب يطلب من أحد بنوك نيويورك قرضاً مقداره خمسة آلاف دولار، وأودع ضماناً للبنك سيارته الرولزرويس بحجة أن ليس لديه الوقت لتقديم أوراق ومستندات. سلمهم مفتاح السيارة والأوراق الثبوتية على ملكيتها وتنازله عنها للبنك حال عدم وفائه بالمبلغ المقترض. قام موظفوا البنك بمراجعة أوراق السيارة، وأودعوها جراج البنك وهم يضحكون ويعجبون لمن يضع سيارة تقدر قيمتها بربع مليون دولار ضمانا لمبلغ بسيط. بعد أسبوعين عاد رجل الأعمال من سفره، وتوجه إلى البنك وسلم مبلغ القرض مع فوائده بقيمة 15.41 دولار. سأله مدير الإتمان بالبنك: سيدى
نحن سعداء جداً بتعاملك معنا، ولكننا فى حيرة، إذ بحثنا في معاملاتك وحساباتك فوجدناك من أصحاب الملايين، فلماذا تقترض مبلغاً تافها؟ والأغرب أن تضع مقابله سيارة فارهة باهظة الثمن. رد الرجل مبتسماً: سيدي وهل هناك غير جراج البنك مكان آخر في نيويورك الواسعة استطيع ايقاف سيارتي الرولزرويس فيه لمدة أسبوعين بأجرة 15.41 دولار دون أن أعود لأجدها مسروقة؟!
إذا وضعت الرسالتين السابقتين فى مقابل هذه الحكاية، ستجد التفسير الموجع، وهو تجلى مركب النقص الذى أصاب الشخصية المصرية وحيرتها وعدم ثقتها فى نفسها ومجتمعها، مقابل تفوق الآخر وتميزه وذكاؤه. وهنا مكمن الخطر، وهنا أيضاً بضدها تعرف الأشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب


.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل




.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال