الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (3/ روجر بابسون : أنها البرجوازية الوضيعة)

موسى راكان موسى

2017 / 8 / 29
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا




في كتابه عن أزمة 1929 بالولايات المتحدة الأمريكية ، ذكر جون كينيث جالبريث العديد من الشخصيات ، كلها مُتميّزة بطريقة أو بأخرى ، إلا أن واحدا منها تميّزت بطريقة عجيبة ، أسم هذه الشخصية كان : روجر بابسون .


هذا الـ(بابسون) كان إن تنبئ بإنهيار مماثل بوول ستريت على غرار إنهيار مضاربة العقارات بفلوريدا 1926 ، بل إنه سيكون إنهيارا أكبر و أشد بأسا ، إلى درجة (( المصانع سوف تغلق أبوابها ... و الرجال سوف يُلقى بهم خارج أعمالهم ... و سوف تدور الدائرة الخبيثة ، و سوف تكون النتيجة كسادا خطيرا في الأعمال )) .


إلا أنه لسوء حظ (بابسون) على حد قول جالبريث : (( لم يكن بالرجل الذي يوحي بالثقة كنبي ملهم على طريقة إرفنج فيشر أو الجمعية الإقتصادية في هارفارد ، (...) كان يُنظر إليه بعض الأحيان على إعتبار أنه يفرض نفسه أكثر من اللازم . كما أن الأساليب التي توصل بها إلى استنتاجاته كانت مشكلة أخرى ؛ فقد تضمنت خزعبلات من الخطوط و المساحات على رسم بياني . كما كان للحدس _و ربما للأفكار الباطنية_ دور في الأمر . و هؤلاء الذين وظفوا الأساليب المنطقية و الموضوعية و العلمية كان من الطبيعي ألا يكونوا متسامحين مع بابسون ، على الرغم من أن أساليبهم فشلت في التنبؤ بالإنهيار ، ففي هذه الشؤون _كما في ثقافتنا غالبا_ من الأفضل كثيرا جدا جدا أن تكون على خطئ بطريقة محترمة من أن تكون على صواب للأسباب الخطئ )) .


بابسون في كلامه و تنبؤاته لم يكن مخطئا بالمطلق ، إلا أنه أيضا لم يكن مصيبا لأنه مصيب (( كذب المنجمون و لو صدقوا )) ، الحظ له دور نوعا ما ؛ هناك مثل شعبي مفاده (( رمية أعمى أصابت أرنب )) .


و لحسن الحظ لم يكن بابسون ماركسيا و لم يستعمل الديالكتيك ، لكن في المقابل و لسوء الحظ هناك ماركسيون ديالكتيكيون بابسونيون ؛ و لأن الماركسي الجلمود فؤاد النمري رجع أخيرا ليثري بكتابته موقع الحوار المتمدن بعد غياب طال بعض الشيء ، لذا أعتقد أن من واجبي الترحيب بعودته لكن على طريقتي الخاصة ، على الرغم من أن أتباعه فعليا قد غطّوا غيابه من خلال تعليقاتهم ذات الأسلوب النمري ، سواء من ناحية لهجة الكتابة أو فكرة النص .




فؤاد النمري لمن لا يعرفه له عدد من الأفكار المُميّزة في الوسط الماركسي العربي بل و العالمي ، و استطاع أن يحظى بأتباع مؤسسا بذلك ما يشبه المذهب في الماركسية ، و خلاصة المذهب النمري :

1. أنا الماركسية الحقّة ، و غير ذلك ليس بماركسية ؛ تكرار لبروباجندا المركزية الماركسية التي استعملتها اللينينية .

2. لا يحق لغير الماركسي أن ينتقد الماركسية ؛ و بشكل ضمني لا يحق للماركسي إلا أن يمدح الماركسية .

3. ماركس عظيم و لينين فلتة زمانه و ستالين الجبّار هزم النازيين و تروتسكي عميل خائن ؛ الذكي من يجد الرابط العجيب .

4. الإتحاد السوفييتي في عهد ستالين كان دولة (اللبن و العسل) أو (المرأة و الطفل) أو (جنة الله على الأرض) ؛ و يستذكر هنا قول لجورج برنارد شو بعد زيارة له للإتحاد السوفييتي ، في حين يُغض النظر عن أقوال الزائرين الأخرى كمثل عالمة الإجتماع فيولا كلين .

5. ستالين باني الإشتراكية و حامي السلام و مخلص البشرية ؛ و يستذكر هنا أقوال لتشرشل و روزفلت في مدح ستالين ، على الرغم من أن لهم كما لغيرهم أقوال في ذمه .

6. الإشتراكية هي اللا نظام ؛ فهي مرحلة محو الطبقات و العلاقات الطبقية ، و النظام إنما يرسخ الطبقات و علاقاتها .

7. إنهارت الإشتراكية في الخمسينات بإغتيال ستالين و التوقف عن تطبيقها ، و ذلك بفعل الثلاثي (بيريا) (جوكوف) (خروتشوف) ممثلي البرجوازية الوضيعة ؛ و العجيب أن ستالين نفسه هو برجوازي وضيع لا برولتياري ، بل حكومة البلاشفة معظمها من البرجوازية الوضيعة (المثقفين/الطبقة الوسطى) .

8. إنهيار الإتحاد السوفييتي كان مسألة وقت بعد إنهيار المشروع الإشتراكي ؛ يعني تقريبا ثلاثة عقود لم يدرك أحدهم فيها أن المشروع الإشتراكي إنهار ، بمن فيهم الماركسيون ، اللهم إلا فؤاد النمري ! .

9. الرأسمالية إنهارت في سبعينيات القرن الماضي ، و بشكل أكثر تحديدا و دقة بإعلان رامبوييه ؛ طبعا الإنهيار لم يبدأ و ينتهي بإعلان رامبوييه ، هو فقط كان المسمار الأخير في نعشها على حد قول النمري .

10. العالم الآن لا رأسمالي تحكمه البرجوازية الوضيعة التي نظامها هو اللا نظام (الهروب من الإشتراكية) ؛ و يتنبئ فؤاد النمري بإنتقال سلمي سلس قريب إلى الشيوعية بمحض إرادة قادة العالم ، رغم أنه نظرته التنبؤية كانت في الماضي أكثر تشاؤمية (من قال أن فؤاد النمري لا يتغيّر) .

11. التاريخ محكمة عظمى لا استئناف فيها و لا نقض ؛ طبعا القاضي لابد أن يكون ماركسيا بالمعنى النمري .




طبعا عودة فؤاد النمري لم تخلو من التكرار ، إلا أنه ربما هذه المرة كان موجزا و واضحا أكثر مما يجب ، فبانت عورة فكرة النص لديه ، إذ يقول (و هو الجزء الذي يهم ذكرى ثورة أكتوبر) :


(( قامت البرجوازية الوضيعة السوفياتية بقيادة الجيش و رجلها في الحزب خروتشوف بالإنقلاب على النظام الإشتراكي . هؤلاء من قادة البرجوازية الوضيعة لم يكن لديهم برنامج سياسي إجتماعي يرومون تحقيقه ، كل ما كانوا يطلبونه هو الإقلاع عن الإشتراكية إلى اللا نظام )) ــ التناقض أو الأعجوبة النمرية هنا في كونه هو نفسه يرى أن (الإشتراكية هي اللا نظام) ، و في نفس الوقت كان (الإقلاع عن الإشتراكية إلى اللا نظام) ! .


يكمل النمري : (( يخطئ كثيرون من الشيوعيين المفلسين إذ يعتبرون أن الذين إرتدوا عن الإشتراكية إنما إرتدوا إلى الرأسمالية )) ــ في تقريره إلى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) ، يقول لينين : (( دون مساعدة من رأس المال سيكون من المستحيل لنا الاحتفاظ بالسلطة البروليتارية في بلد مدمر بشكل لا يصدق يشكل فيه الفلاحون ، الذين دُمّروا أيضا ، الأغلبية الساحقة و ـ طبعا ، من أجل هذه المساعدة سوف يبتز رأسمال مئات في المئة منا . هذا ما يجب أن نفهمه . و بالتالي ، إما هذا النوع من العلاقات الإقتصادية أو لا شيء )) ، لن أقول أن الإتحاد السوفييتي كان منذ نشأته لا إشتراكيا ، لكني أقول أن الإشتراكية لم تبنِ الإتحاد السوفييتي إنما واقعية لينين و خلفه ستالين ، دون الغفل عن دور رأسمال في بناء و تعمير الإتحاد السوفييتي (طبعا لكلٍ ثمنه ، كمعرفة الذهب الروسي طريقه إلى الخزائن الأمريكية ، دون الغفل عن القراءة التي ترى أن الإتحاد السوفييتي أساسا منذ النشأة كان تعبيرا عن رأسمالية دولة) ؛ و هنا في مقابل (الشيوعيين المفلسين) القائلين بالردة عن الإشتراكية إلى الرأسمالية ، يقف لينين بكل شموخه يضع يده في يد الرأسمال قبل أن يخطو خطوة إشتراكية واحدة .



فعن أي لا نظام (إشتراكي) أو لا نظام (هروب من الإشتراكية) في الإتحاد السوفييتي يتحدث النمري ؟! ، ففي عهد ستالين (بطوله و عرضه) لا يمكن أن نسميه لا نظام ، كما نعلم أن خروتشوف إنما إستمر بتطبيق الخطط الإقتصادية الستالينية رغم هجومه و تبرؤه من ستالين ، و هي التي أدت إلى نكبة إقتصادية في الزراعة السوفييتية .


و رغم أن (( البرجوازية الوضيعة و كما شرح ماركس في البيان الشيوعي تعادي النظام الرأسمالي مثلما تعادي النظام الإشتراكي )) ، إلا أنه و على ما يبدو لم يمنع هذا خروتشوف (البرجوازي الوضيع/ممثل البرجوازية الوضيعة التي أرتدت عن الإشتراكية في الإتحاد السوفييتي) من مد اليد للولايات المتحدة الأمريكية (الرأسمالية) لفتح صفحة جديدة (و قد زارها لأجل ذلك) ، إلا أنه قُوبل بالسخرية و الرفض فعاد حاقنا على أمريكا و الغرب و الرأسمالية ! ؛ و النمري يرى أن هذا كان سببا في تأخير إنهيار الإتحاد السوفييتي ، بمعنى أن الغرب الرأسمالي أخّر الإنهيار و التفكك .


رغم أن النمري يتبنى الماركسية بكلها بما فيها المادية التاريخية ، إلا أنه في كل قراءاته التاريخية يجعل من الحدث مرتكزا له و من الشخصيات سندا لتحليلاته ، على الرغم أن الحدث بالنسبة للمادية التاريخية في موقع هامشي ، كما أن الطبقات لا الشخصيات هي سند التحليل و جوهره ؛ مع النمري كل شيء تقريبا يجري بالمقلوب ، فمثلا تقرير خروتشوف التخلي عن الإشتراكية هو للنمري تخلي عن الإشتراكية لا الواقع نفسه ، كما أن أغتيال ستالين هو أغتيال لطبقة البروليتاريا ، دون أن ننسى ما يعنيه إعلان رامبوييه للنمري (سقوط الرأسمالية) ! .


و يقول النمري : (( إنهار النظام الرأسمالي في السبيعينات بعد أن استقلت كافة الدول المحيطية و لم تعد تستقبل فائض الإنتاج المتحقق في مراكز الرأسمالية )) ــ هل إستقلال (الأطراف) و عدم إستقبال الفائض من الإنتاج يؤدي برأسمالية (المراكز) إلى الإنهيار ؟ ، و لنتجاوز السؤال إلى آخر ، ألا يعني ذلك إنتصارا للبروليتاريا في تلك المراكز الرأسمالية ؟ ، للنمري إجابة عجيبة : (( أن البروليتاريا في تلك المراكز لم تكن قادرة على الإستيلاء على السلطة بسبب الضربة القاتلة التي تلقتها طبقة البروليتاريا على رأسها في موسكو . و لذلك آلت الخلافة تجرجر أذيالها إلى البرجوازية الوضيعة )) ، إذا لم يحظَ بروليتاريو أمريكا بالسلطة رغم إنهيار الرأسمالية بسبب أن بروليتاريو الإتحاد السوفييتي ضُرب على رأسهم ؛ و هنا مثل ينطبق على هذه الإجابة المُستهترة (( الجمل يعرج من أذنه )) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تاريخ الفكر الاقتصادى
عبد الحسين سلمان ( 2017 / 8 / 29 - 07:44 )
تحياتي موسى

من اجل الفائدة العامة, ادناه رابط : كتاب جون كينيث جالبريث, تاريخ الفكر الاقتصادى , مترجم للعربية

https://archive.org/details/1929929_201707

واربط الكتاب باللغة الانكليزية

https://archive.org/details/greatcrash192900galb_0


2 - إلى المحترم موسى راكان موسى
فؤاد النمري ( 2017 / 9 / 3 - 09:44 )
بداية أود أن أشكرك كل الشكر لأنك الأول الذي درس فؤاد النمري كما هو
وأشهد أيضا أن موسى راكان موسى له نصيب من الذكاء ليس للكثيرين غيره
ولا أدري إذا ما كان موسى راكان موسى يوافقني على أن الذكاء خوّان
لئن كان موسى راكان موسى لا يؤمن بالصراع الطبقي فقد خانه ذكاؤه
أما إن كان يؤمن فعليه أن يعترف بأن انهيار المشروع اللينيني قد حدث في الخمسينيات بفعل الصراع الطبقي
ويترتب عليه إذاك أن يعرّف الطبقة المعادية للإشتركية
بل ربما موسى راكان موسى الذكي لا يعترف بالإنقلاب ضد الاشتراكية في الخمسينيات فيكون بذلك
قد خانه ذكاؤه
خانه ذكاؤه أيضاً عندما اعتبر النظام السوفياتي إنما هو رأسمالية الدولة في حين لم يكن هناك سوق
خانه ذكاؤه عندما أنكر الوحدة العضوية للثورة البروليتارية في العالم وضربة البروليتاريا في روسيا تعني ضربة لكل بروليتاريا العالم
أنا ما زلت أعتبر نفسي في مقام والدك يخشى عليك من خيانة ذكائك رغم كل عقوقك
أنت علمت أن آخر أطروحة لي تقول بأن الثورة البلشفية ما زالت في الأرض فأرجو أن تستخدم ذكاءك لمناقشة الأطروحة
أحييك بصدق رغم كل العقوق


3 - السيد موسى راكان موسى
فؤاد النمري ( 2017 / 9 / 3 - 11:31 )
أرجوك أن تنتظر تعليقي الذي ربما سينشر بعد أن يتفحص صلاحيته المحرر المناوب

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام