الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فَلْنُدْرِكْ رِئَةُ اَلْسُّوْدَاْنِ قَبْلَ فَوَاْتِ اَلْأَوَاْنْ ..!

فيصل عوض حسن

2017 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


فَلْنُدْرِكْ رِئَةُ اَلْسُّوْدَاْنِ قَبْلَ فَوَاْتِ اَلْأَوَاْنْ ..!

د. فيصل عوض حسن

في خِضَمِّ المُلاسَنَاتِ المُتبادَلَةِ بين موسى هلال والمُتأسلمين، ومُؤخَّراً تصريحات التطبيع، تَنَاسَى السُّودانيُّون إحدى أخطر الجرائم الإسْلَامَوِيَّة التي يسعى البشير وعصابته لاستكمالها، وهي التخلُّص من ميناء بورتسودان، رئةُ البلادِ ومُتَنَفَّسها للعالم الخارجي وأكبر مُمتلكاتها السياديَّة، وكعادتهم تلاعَبُوا بالألفاظ وخَفَّفوا من خطورة هذه الخطوة، وهو ما سنتناوله في هذه المقالة.
في هذا الإطار، نَفَى مُسْتَوْزَرْ الدولة بالمالية لصحيفة الصحافة 8 أغسطس 2017، بيعهم لميناء بورتسودان لأنَّهم لم (يفرزوا) عطاء تشغيل الميناء حتَّى الآن! وقال بأنَّهم يسعون لإسناد عمليات تشغيل الميناء للقطاع الخاص (الأجنبي أو المحلي)، للاستفادة من التكنولوجيا والخدمات (حسب زعمه). وفي المُقابل، هَدَّدت النقابة البديلة لعُمَّال الموانئ البحريَّة، في 11 أغسطس 2017 بتصعيد الاحتجاجات، وأنَّهم شرعوا في توعية الشارع بمخاطر خصخصة الميناء، خاصَّةً وأنَّ المطروح الآن هو الإدارة (الكاملة) للميناء لمُدَّة 20 عاماً، وهو يختلف كثيراً عن دور الشركة الفلبينية، المحصور في إسناد/تشغيل ميناء الحاويات ولمُدَّة ثلاث سنوات فقط. وأشارت النقابة لوجود حملة مُنظَّمة لـ(تزيين) التخلُّص من الميناء، وتَعَمُّد تكديس الحاويات بـ(القطوعات المُتكرِّرة) للكهرباء و(عَرْقَلَة) عمليات التخليص وغيره.
بالتدقيق في تصريحات ذلك المُسْتَوْزِرْ سنكتشف (كَذِبُه) المفضوح، فإنكار تخصيص/بيع ميناء بورتسودان، يتنافى مع قرار مُسْتَوْزِرْ النقل والجسور رقم (23/2016م)، القاضي بتشكيل لجنة لدراسة عَرْضَي إدارة ميناء بورتسودان المُقدَّمان من شركة P&O التابعة لموانئ دُبي، وتوجيه تلك اللجنة بـ(اتخاذ ما يلزم) من تعديلات على العقد، توطئةً لتوقيعه خلال شهر واحد فقط من تاريخه (23 أكتوبر 2016)! ووفقاً لصيغة القرار، فإنَّ موانئ دبي (ظَفَرَت) بميناء بورتسودان سواء بالبيع أو الإيجار، وأنَّ دور اللجنة (شكلي) فقط لإضفاء الشرعية، واقتراح بعض التعديلات في عرض شركة P&O، أو (تظبيط النهب والتخريب)، ولقد قمتُ بشرح ذلك في مقالٍ مُفَصَّلٍ في حينه! ويتأكَّد (تضليل) مُسْتَوْزِرْ المالية أكثر، بتبسيطه لأهمية ميناء بورتسودان الاستراتيجية، فهي ركيزة (حتمية) لاستقلالنا وسيادتنا الوطنية، و(رئةُ) السُّودان ومُتَنَفَّسَه الرئيسي للعالم الخارجي، وتُنعِش تجارتنا الدولية وتربط اقتصادنا بالعالم، وتُساهم بعوائدها من العملات الأجنبية في تحسين ميزان المدفوعات وزيادة الناتج المحلي، وتُخَفِّض تكاليف الواردات وتدعم القُدرات التنافُسية للصادرات، وترفع مُستوى الدخل وتُهيئ فرص العمل وتُقلِّل البطالة، بخلاف عوائد ورسوم عبور ورُسُو السُفُن الأجنبية. وهذه – إجمالاً – مُعطياتٌ تتقاطع وإتاحة ميناء بورتسودان لأي جهةٍ كانت، سواء بالبيع أو الإدارة أو التشغيل (الكُلِّي أو الجُزئي)، لأنَّها عكس الثوابت السياديَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة المُتعلقة بالمنافذ البحرية، ويجب (مُحاكمة) و(مُعاقبة) من يسعى لذلك بأقصى العقوبات، حفاظاً على أحد أهمَّ مُقدَّرات السُّودان (الاستراتيجية)!
ولعلَّ ما حدث للخطوط البحريَّة السُّودانيَّة، هو ذات المصير الذي ينتظر ميناء بورتسودان، فقد احتفى البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة وإعلامهم المأجور، باتفاقه مع شركة (بوولي) الصينية بتصنيع (تسع بواخر) واستلامها قبل نهاية عام 2015، وذلك عقب عودته من زيارته للصين بنهايات أغسطس 2015، ثمَّ وبلا مُقدِّمات قَرَّروا (تصفية) الخطوط البحريَّة، لنكتشف (مُتأخراً) كذب المُتأسلمين بشأن البواخر الـ(تسع) وغيرها، والتي كانت كغطاءٍ وتمويه ريثما يُكملوا جريمتهم بتصفية الخطوط البحريَّة، وهي طريقتهم المألوفة لتدمير السُّودان والتخلُّص من أملاكه وأصوله العقارية. وهنا سينبري البعض مُدافعاً، بحِجَّة الاستفادة من تكنولوجيا التشغيل، وأنَّ الإمارات تُدير عدداً من موانئ الدول الأُخرى بما فيها أمريكا، وغيرها من الحِجَجْ/المُبرِّرات الواهية. وفي هذا نقول، بأنَّ المُتأسلمين دَمَّروا (عَمداً) ميناء بورتسودان، حينما تَخَلَّصوا من الكوادر المُؤهَّلة والمشهودة بالكفاءة والنَّزاهة، واستبدلوهم بآخرين لا يُجيدون سوى النهب والتدمير والكَذِب، وأهملوا الميناء الرئيسي ليبلغوا بنا هذه المرحلة الكارثية. وأمَّا عن (إدارة) الإمارات وتشغيلها لبعض الموانئ الأفريقية والأمريكية، نقول بأنَّ ذلك يتم وفق اتفاقاتٍ (شَفَّافة) تحوي ضمانات مُوثَّقة لحقوق تلك الدول ومُواطنيها، عكس ما فعله المُتأسلمين بجميع مُقدَّراتنا التي أتاحوها للغير، بلا ضماناتٍ أو عوائدٍ (معلومة) للبلد وأهلها، بخلاف أنَّ بعض الدول – خاصةً أمريكا – لديها أكثر من ميناء، وليس كحالتنا مع بورتسودان! وفي ما يخص تكنولوجيا التشغيل، فبإمكاننا جَلْب المُسْتَحْدَث منها حتَّى ولو عبر القروض، التي أغرقنا فيها المُتأسلمون والتهموها لمصالحهم الشخصيَّة، بعدما رَهَنُوا أملاك الدولة كضماناتٍ لتلك القروض! والأهمَّ من هذا وذاك، فإنَّ إدارة الآخرين لميناءنا، تأكيدٌ (إضافي) لفشل البشير وعصابته في إدارة السُّودان، ويتطلَّب زوالهم واقتلاعهم بأسرع وقت!
وإذا تدثَّر المُتأسلمون بالخصخصة وغيرها من صور التكيُّف الهيكلي، كما فعلوا في جميع جرائمهم الاقتصاديَّة، نقول بأنَّ الخصخصةُ تتم إمَّا بالبيع للجُمهُور بدءاً بالعاملين في المُؤسَّسات المعنية، أو بتأجير الأصول مع (الالتزام) بحماية المُستهلك/المُنتفعين من الصرح المعني، ومُساهمة الخطوة في تنمية الاقتصاد العام، وتهيئة فرص عمل إضافية وتحسين مُستوى الأجور، و(حتمية) قيام الدولة بإحداث الـ(مُواءمة) وتطوير التشريعات خاصةً الرقابيَّة. وهذه مضامينٌ تختلف عمَّا نفَّذه المُتأسلمون، حيث شرَّدوا الآلاف بحجة الخصخصة، وتخَلَّصوا من المُؤسَّسات (الناجحة) فقط، وبالبيع الكامل دون خيارات المُشاركة أو الإيجار، ودون (إشراك) العاملين بتلك المُؤسَّسات، لأنَّهم إمَّا اشتروها هم أنفسهم أو قبضوا عمولات بيعها. كما أغفلوا أدوارهم (الرقابية) و(التشريعية) أو وتنمية الاقتصاد الوطني وغيرها من المُتطلَّبات. وبخلاف الأخطاء التشريعية لقانون (نَهْبْ) مرافق الدولة لسنة 1990، هناك شهاداتٌ وتقاريرٌ مُوثَّقة للتجاوُزات (المُركَّبة) التي صَاحَبَت خصخصة القطاع العام، بدءاً بخصخصة ما لا يلزم من مُؤسَّسات (لكونها ناجحة)، وانتهاءً بإجراءات الخصخصة نفسها. ومن ذلك، ما أثاره مُراجعهم العام في يونيو 2015 بشأن (تضارُب) قرارات التصرُّف في المرافق العامة، ومُطالبته بـ(إدراج) عوائد الخصخصة في الحساب الرئيسي بوزارة المالية، ودعوته لإعداد (قانون جديد) للتصرُّف في مرافق الدولة، مُستشهداً بتقييم حصة السُّودان بشركة الفنادق السُّودانية الكُويتية! والأكيد، أنَّ المُتأسلمين لن يُوقفوا تدميرهم للسُّودان ونهبه، خاصةً مع توقُّف الإنتاج وضغوط الدائنين، وما تصريحاتهم المُتزايدة هذه الأيام بشأن إعفاء بعض الديون، إلا لتهيئتنا لكوابيسٍ قادمة تُهدد استقلالنا وسيادتنا الوطنية، وأهمَّها سعيهم للتخلُّص من ميناءنا الرئيسي!
ولنتأمَّل في مُعاناة الدول الحبيسة أو المُغلقة أو المعزولة بحرياً، وخضوعها (صَاغِرَة) للغير في عمليات استيرادها وتصديرها، وتأثُّر نمو اقتصاداتها بتكاليف النقل والمُنَاوَلة وغيرها، بخلاف الأبعاد السياسيَّة وهي الأخطر. وإنْ كانت مُعاناة الدول المعزولة/الحبيسة، أقلَّ حِدَّة بأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، نجدها أعمق بالدول الأفريقية لأنَّها بالأساس دول نامية أو أقلَّ نمواً، وبحاجة لـ(تنويع) و(تطوير) مصادر دخلها القومي وتقليل نفقاتها العامَّة، بخلاف التحديات والصراعات والأطماع السياسية. وكمثال لدول أفريقيا الشرقية، نلحظ تأثُّر إثيوبيا بوضعها الجُغرافي كدولةٍ حبيسة، ولُجُوئها للموانئ المُجاورة كجيبوتي، ومُؤخَّراً السُّودان (ميناء بورتسودان نفسه)، خاصَّةً عقب تَورُّط البشير وعصابته في مُحاولة اغتيال حسني مُبارك بأديس أبابا، وهي الفرصة التي انتهزتها إثيوبيا، ليس فقط لاستغلال ميناءنا ببلاش، وإنَّما لإشباع أطماعها المُتجَذِّرة في أراضينا الخصبة والمُسْتَوِيَة، وهي مزايا تفتقدها إثيوبيا لوقوعها في منطقةٍ مُرتفعة، ودخلت بسببها في مُشاحناتٍ تاريخيةٍ مع جيرانها بالقرن الأفريقي وحوض النيل والبحر الأحمر، والحديث يطول ولا يسع المجال لذكره. وهناك أيضاً، دولة جنوب السُّودان، التي عانت من اختناقاتٍ تصديريةٍ مشهودة، خاصةً البترول عمود اقتصادها الفقري، والذي تعثَّر تصديره لأسبابٍ سياسيَّةٍ أو لارتفاع تكاليف نقله، وهذا أيضاً لغياب المنفذ البحري، وهو حال جميع مناطق السُّودان الأُخرى، التي تُشكِّل بورتسودان منفذها الوحيد للعالم، ولن يتأثَّر المُتأسلمون بفُقدانها لأنَّهم بالأساس تَخَلَّصوا من كل مُقدَّراتنا، وأحالوا عوائدها لمصالحهم الشخصية وسيتخصلَّون من الميناء بذات الطريقة، ثمَّ يُشيعون الفوضى التي بدأت نُذرها الآن – خاصةً بدارفور والمنطقتين – حتَّى يهربوا للبلاد التي يحملون جوازاتها، ونحن السُّودانيُّون الضحايا الوحيدون، وعلينا إدراك هذه الحقائق والتعامل معها بجدية قبل فوات الأوان.
المُحصِّلة، أنَّ ميناء بورتسودان حالة (استثنائية) لأنَّها (رئة) السُّودان ومنفذه للعالم الخارجي، وهي مُؤسَّسة قوميَّة لا تهم فقط العاملين فيها وأهل البحر الأحمر أو الشرق وحدهم، وإنَّما تهم جميع السُّودانيين ومن السذاجة بمكان التهاوُن فيها أو التغافُل عنها بأي موضوع آخر مهما كان، لأنَّ المُصيبة ستحل بكل السُّودان دون استثناء إقليمٍ أو منطقةٍ ما، وبفُقدانها سنختنق جميعاً، وليس من الحكمة إمهال المُتأسلمين ليُكملوا جريمتهم. ونحن معنيُّون بتغيير طريقتنا والمُبادرة بالهجوم على هذه العصابة، بدلاً من انتظار كوارثهم والاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار، ثُمَّ (مَصْمَصَة) شفاهنا حسرةً وانتظار كارثة جديدة.
فلنقف جميعاً صفاً واحداً للحيلولة دون وقوع هذه الكارثة، ودعم النقابة البديلة لعُمَّال الميناء بكافة صور الدعم، ومُناهضة هذه الجريمة بكل ما أوتينا من قدراتٍ وطاقات. ولتكن هَبَّة بورتسودان، بدايتنا الحقيقية لإيقاف مُخطَّطات البشير وعصابته لتمزيق ما تبقَّى من بلادنا، وتسليمها لسادتهم من العالم الخارجي على نحو ما يجري (طبخه) الآن.. وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين