الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدن الثقافة والهجرة

أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة

2017 / 8 / 29
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


الهجرة ظاهرة إنسانية وفعل حيوي لدرجة أنني أستطيع القول بأن الأموات فقط هم الذين لا يستطيعون تغيير محال إقامتهم. ساهمت الهجرة الدولية في رسم خريطة توزيع السكان على ظهر البسيطة ومن خلالها إنتقلت الثقافات والأديان والأفكار والفلسفات. من خلالها أيضا إزدهرت إقتصاديات العديد من الدول من خلال إنتقال العمالة من مناطق الفائض الديموغرافي الي مناطق العجز الديموغرافي ما أدى الى سد العجز في عنصر العمل الذي بدونه لا تكتمل عملية إنتاج السلع والخدمات ودوران عجلة الإقتصاد.

إذن الهجرة هي الحاضنة التي أدت إلى تلاقح الثقافات التي تمخضت عن ذلك المزيج المبهج من الثقافات المتعددة التي يحياها البشر اليوم. وبما أن المدن هي الوجهة الرئيسية للمهاجرين من مكان إلى آخر، وحيث أن المهاجرين للمدن يمثلون عادة الغالبية العظمى من المهاجرين، فإن المدن الكبرى تعد هي البوتقة التي تنصهر فيها الثقافات المحلية والثقافات الوافدة في مزيج مبهج يمثل خلاصة التجارب الإنسانية عبر الزمان والمكان.

في المدن تذوب الأعراق والثقافات والعادات والتقاليد، تختلط ببعضها البعض، تنمو، تزدهر، تولد من جديد لتشكل مساحة رحبة تحتمل كل الأفكار والعادات والقيم والتجارب الإنسانية. المدن هي التي تقود التغيير الثقافي دائما، في كل عصر وفي كل مصر.

مع زيادة الحراك البشري، سواء كان ذلك الحراك طوعيا أو قسريا، زاد الحراك المجتمعي وزادت اللُحمة بين بني البشر وتداخلت الثقافات. على سبيل المثال، لم تعد الأسكندرية كما كانت قبل االهجرات الأوروبية التي قصدتها خلال وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. فمع وفود الأوروبيين للأسكندرية فرارا من الحروب، أسسوا لثقافة جديدة تلاحمت وتشابكت مع الثقافة المحلية لمدينة الأسكندرية وأنتجت ما يعرف بالثقافة الكوزموبوليتانية أو ثقافة المدن الكبيرة التي تشمل مكونات ثقافية عدة، تجربة نفخر بها حتى الآن ونعتبرها نموذجا راقيا للتعايش بين العرقيات والثقافات المختلفة الذين قرروا الإنصهار في بوتقة واحدة. تجربة أنتجت شاعر الأسكندرية العظيم قسطنطين كفافيس اليوناني الأصل والمخرج العبقري توجو مزراحي، إيطالي الأصل الذي أخرج ثلاثة أفلام للسيدة أم كلثوم ضمن أكثر من ثلاثين فيلما قام بإخراجها. تجربة شهدت قيام أخوين شاميين هما سليم وبشارة تقلا بإصدار جريدة الأهرام، أهم جريدة عربية، من الإسكندرية.

نفس الأمر تكرر في القاهرة بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها الجمهورية العربية السورية بدءً من مارس 2011 والتي أدت الى الشتات السوري الكبير. إستقرت أعدادٌ كبيرة من الإخوة السوريين في مدينة السادس من أكتوبر وأسسوا لصناعات وخدمات جديدة كان من أهمها إدخال صناعة المأكولات السورية بكثافة لتلك المنطقة ما أدى إلى إحداث نوع من التنوع الثقافي الذي أدى الى إعتبار تلك المنطقة مزارا رئيسيا للعديد من الأسر والأفراد في ظل الإندماج التام للإخوة السوريين مع أبناء المدينة.

في النهاية لا يسعنى سوى التأكيد على أهمية المدن في دعم وتوطيد سبل الإندماج الاجتماعي والثقافي بين كافة مكونات المجتمع من مقيمين ومهاجرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر