الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدين ومصير الإنسان ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 8 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إشكالية الدين ومصير الإنسان

لعل من المناسب في هذا المبحث أن نتناول إشكالية الدين مع الواقع، أو بتعبير أدق إشكالية الدين مع الإنسان بأعتباره العنصر الأكثر أهمية في الواقع بتعاطيه اليومي مع الدين، أساس هذه الإشكالية أن الإنسان من حيث هو كائن معرفي متطور وقابل للتحول والتغير والتبدل فهو كائن إشكالي في الوجود، لسبب بسيط أنه يتمتع بملكة العقل الضابط والنفس التي من طبيعتها التكوينية قدرتها وميلها الطبيعي للخروج عن الضبط القهري، العقل هنا يمتاز بخصيصة أنه يرغب دوما أن يمارس وظيفته الطبيعية أن يحدد للإنسان حيز وجودي يتلائم أولا مع كيفيته التكوينية المجادلة حتى يقنع أو يقنع رغم أنفه بالحدود والضوابط، وثانيا يرغمه على القبول بما هو متناسب مع حدود الطاقة القادرة على الفعل أو على القبول به بنتيجة الفعل، ولكنه يبقى في تماس دائم مع المحاولة على تجاوز نتائج القدرة.
بمعنى حتى لو رضخ للواقع بما فيه لا يمكنه أن يقبل به دون محاولة فهم لماذا هو مقهور على ذلك، ويبحث عن أي وسيلة للتمرد عليه وتجاوزه حتى لوأدى ذلك إلى خرق النظام الطبيعي، فحقيقة أن الإنسان متمرد طبيعي لا تتنافى مع ميله الدائم للبحث عن صيغة أفضل لوجوده، لذا تجده دائما يثير الأسئلة ويخلق الإشكاليات وأحيانا دون مبرر معقول، ويقوم بعدها بالبحث عن أجابات عن معنى لماذا وكيف ومتى وأين، وحتى الإنسان البسيط يرغب أن يكون أكثر رقيا طالما أنه مستمر وجوديا في هذه الحياة، النفس من جهتها وأعني بالنفس القوى المكونة للحس العام الشخصاني لديه هي الأخرى تحاول وتتمرد على ما يقره العقل أو يفرضه الواقع، وتريد أن تمارس كينونتها على أنها غير قانعة أو غير راغبة أن تتقوقع داخل كيانها الذاتي مكتفيه بحيزها المعتاد.
هنا العقل يبحث عن صيغة أفضل للحياة والنفس تبحث عن صيغة أكثر ملائمة مع وعيها الذاتي، فيكون الإنسان بكلا القوتين متمردا ولكن في أطار صراع ثنائي لا يمكن أن يتوحد إلا بغلبة أحدهما على الأخر، هذا القلق عبرت عنه نصوص القرآن حينما وصفت الإنسان بأنه (أكثر جدلا)، الجدل المعني هو جدل الوعي وجدل الوجود بين البقاء ساكنا أو التحرك ضمن الخطوط المتاحة تكوينيا ليتجاوز إشكاليته الأصلية أو يستجيب لميله الجدلي، هذا في الحال الأكثر بساطة في الحياة، أما لو كان أمام تحدي لهذا الجدل فلا يسكنه إلا الإيمان بالإقرار الذاتي أن محاولة الجدل تعني له المواجهة مع قوة أكبر من قدراته وأعظم من طاقته، فيلجأ حينئذ للطاعة.
هكذا نفهم الدين حين يكون ضابطا يؤطر ويحد من حالة الجدل الوجوبي له، فيكون أمام خيارين فقط أما أن ينصاع ويتحول إلى مؤمن بالدين دون أن يناقش أو يمضي في تمرده الطبيعي فيخرج عن معنى الإيمان ليبحث له عن ضد نوعي أما مواز أو مساوي للفاعل الديني، فالدين ليس هو الإشكالية التي تقسم العالم إلى مؤمن أو كافر، بل في الحقيقة أن الطبيعة التكوينية للإنسان هي المسئولة عن خياراته وتعيد صياغة شخصانية الموقف من الحياة بناء على المقدمات التي تأسس عليها ومن ثم أسس عليها قوتي العقل والنفس لديه.
لقد وضع الإنسان نفسه أمام مجموعة من الخيارات تتكون على شكل سلسلة من التدابير (واجبات وحقوق) حين يؤمن وحين يرفض الدين، هذه إشكالية أخرى يقع فيها دون أن يمتحن ولو مقدمة ذهنية ماذا يعني له أن يختار، فهو يقبل بالخيارات عن طريقين فقط، الخوف من المجهول أو الرغبة في الأستمرار مع الجماعة في طريق يحميه من مما يجهله أو لا يدركه، الإيمان هنا وجه من وجوه الإنصياع أو وجه من وجوه التمرد، وفي كلا الحالتين سيفقد جزأ مهما من حريته الطبيعية لمصلحة العقل أو لمصلحة النفس، فإن أمن بالدين عليه أن يكون مهيأ أن يتنازل عن الكثير من خياراته ليحافظ على ما يمكن أن يكسبه من وعد وخير في مضمونية الإيمان، أو يبتعد عن الدين ليخسرها لصالح إرادته القلقة من أن يكون الإيمان بالدين فعلا سيوفر له البديل الأمن.
هنا الدين مسئول عن تقديم نفسه كتجربة تستحق التضحية وتستحق من خلال الرؤية التي يطرحها أن يكون ثمن الحرية المفتقدة على جداره عالية من المصداقية وإمكانية المبادلة به، الإسلام كسائر الأديان التي سبقته طرحت البديل المرتكز على قضيتين أساسيتين وهما أن يعيد ترتيب العالم على شكل الحق الذي يعني وضع كل شيء في المحل المناسب له دون تفريط ولا أفراط في التطبيق، وثانيا أن هذا الوضع المفترض سيوفر الخير للإنسان ليعيش عالما أكثر توازنا وأقرب للطبيعية الأساسية للتوافق بين الإنسان ووجوده.
فهل نجحت الأديان فعلا في إيصال الرسالة للإنسان وحافظت على أفتراضاتها في التطبيق والممارسة، التاريخ الديني يشير إلى أن الإنسان هو الذي يفشل في ذلك ويحبط عمل الدين بما يتداخل به أو يفرضه من تعديل أو تغيير يحسبه قادرا على جعل الدين أكثر ملائمة لطبيعته، هذا التداخل ليس بعيدا عن طبيعة التمرد الأساسية في وجوده وأيضا محاولة منه للتوازن بين متطلبات الدين ومتطلباات الطبع البشري والذي يمكن أن نصفه محاولة منه لمزج الألوان لعله يصل إلى اللون المناسب، النتيجة المتوقعة والتي لا تقبل النقاش أن أي مزج بين لونين متعارضين لا يمكنها أن تنتهي إلى حل وسط يحافظ على شكلية مقبولة بين الحالتين أبدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س