الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا لو كان في النهروان مولاً؟!

واثق الجابري

2017 / 8 / 29
كتابات ساخرة


لم يمهلني سائق التكسي ثوانٍ التقط أنفاسي، حتى بدأ يسرد معاناته بحرقة، عن زحمة الشوارع وصعوبة العيش، وطول الطريق الذي يقطعه، حتى يصل الى مركز بغداد للعمل، فسألته: من أيّة منطقة تأتي لتعمل هنا، فكان جوابه من النهروان!!
تجهمه دفعي لأسئلة عديدة، عن منطقة يسكنها آلاف المواطنين، وأغلبهم أيادي عاملة عاطلة وبعض الموظفين.
النهروان مثال لأحياء أطراف بغداد، التي يسكنها النسبة الأكبر من سكان العاصمة، وهي كبقية المناطق التي يختلف أسمها تماماً عن واقعها، كالحسينية وسبعة قصور، التي يدلعها سكانها بسبع قبور، وما أدراك ما خلف السدة وبيوت الصفيح والعوائل التي تعتاش على النفايات.
يشكل معظم سكان النهروان من الشباب العاملين في البناء ومعامل الطابوق، والكادحين الكادين لأجل البقاء، وكحال شبيهاتها تفتقر لأبسط مقومات العيش والخدمات، ما يضطر أبناؤها للبحث عن عمل وسط العاصمة المكتظة، ويرون بأم أعينهم كيف الكلاب تهز الذيول للحيتان وتنهش لحم الفقراء، وما الأجر الذي يحصلون عليه سوى فتات يضيع نصفه بين لقمة عيش وأجور نقل، ولا تساوى قنينة ماء في الحانات ودور المساجات المنتشرة عمداً وسط العاصمة.
لو كان في النهروان مولاً ومستشفى كبير ومدرسة نموذجية، ولو كان في مناطق مثلها مراكز تسوق وفرص عمل، ولو كان تقيم الى محيط العاصمة الدائرية وربطها بشبكة طرق، لكان لهذه المناطق شأن في العمل وفرص الإستثمار، ولكانت العقارات التي يساوي بيتها سعر متر في المنصور أفضل حالاً، ولقل الإزدحام وتوزع السكان دون فوارق طبقية، وما ذنب طفل تلده الأقدار وسط الأقذار وشغف العيش وسوء الخدمة، ولماذا لا يستثمر جهود الكادحين، ولماذا الإستثمار في مناطق حية مزدحمة، ورب زحامها يقلل من فرص تنوعها وشمولها طبقات وشرائح أكثر من المجتمع؟!
رادوني الشكل بكل ما يمكن أن يكون وطنيّ المعنى، وكأن الأمر مقصود وغائب الإستراتيجية البنيوية لدولة تنظر لمواطنيها بعين سواء.
أقارن بغداد بكثير من العواصم، فلا أجد بينهما ثمة تقارب، وعن حديث كثير منا عن الحضارة وكيف سبق العراق الأمم في العمران وتوزيع السكان وسن القوانين العادلة، فلا أجد منها سوى السرد البعيد عن الوقع، وليست ممّن لا يتمنون أن يفتح مول وتحفة معمارية وسط العاصمة، ولكن يجب أن تتوزع مصادر العيش بعدالة، كي يجد العامل فرصة عمل قريبة من منزله لتوفير عليه عناء الطريق والمصاريف، وقبل أن أنهي مقالي سألت وبالصدفة صديق لي من النهروان عن الخدمات، فقال: أتدري أن الماء بالقطع المبرمج، فقلت:كيف؟! قال لكل حي يوم محدد ويأتيه الدور بعد ثلاثة أيام، وعليه أن يخزن الماء بالمضخة، وإذا فاته الدور عليه الإنتظار ثلاثة أيام آخرى، وقفت حائراً أمام أزمة الماء والكهرباء وبقية الخدمات، وأفكر ماذا لو كان المول في النهروان، فمن أين يأتي بالخدمات، ولماذا لا يأتي المستثمر الى الأرض الميتة لإحيائِها؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى