الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشدة المستنصرية ( 1 من 2 ) ( حين أذلّ الجنود خليفتهم المستنصر الفاطمى )

أحمد صبحى منصور

2017 / 8 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشدة المستنصرية ( 1 من 2 ) ( حين أذلّ الجنود خليفتهم المستنصر الفاطمى )
مقدمة
ـ هو خليفة ضعيف لا يصلح لقيادة أسرة ، ولكنه أصبح خليفة يحمل لقبا لا يستحقه : ( المستنصر بالله ) ويحكم أقطارا تمتد من المغرب وصقلية الى العراق وتشمل بلادا من آسيا وأوربا وأفريقيا . بسبب ضعفه تحكمت فيه ست الملك ثم أمه ، والوزير القوى الجرجرائى ثم بدر الجمالى . بسبب تدخل أمه فى السياسة تكاثر الوزراء ، وبسبب حمقها وتعصبها لبنى جلدتها العبيد السود نشب القتال بينهم وبين الجنود الأتراك ، وإشتد وتشعب فوصل الى الريف ، ولم يستطيع الفلاحون الزراعة ، وعمّ النهب والسلب الريف على أيدى الجنود السودان ، كما عمّ القاهرة على يد الجنود الأتراك ، وسلب الأتراك كنوز الخليفة المستنصر التى ورثها عن أسلافه ، وشمل السلب كل شىء من الجواهر والدرر والذهب والفضة والنفائس من الأثاث والمتاع والرياش والتحف ، وباعه القادة الأتراك بثمن بخس ، مرتبطا بإذلال هائل للمستنصر .
2 ـ هو خليفة لم يخف الله جل وعلا فجعله الله جل وعلا مقهورا من جانب جنوده الذين أذلُّوه ذُلّا لا مثيل له . ونعطى بعض التفصيلات من تاريخ المقريزى ( إتعاظ الحنفاء .. )
أولا : عاقبة المجون والسخرية بالاسلام :
1 ـ فى أحداث عام 453 ، يذكر المقريزى أن المستنصر كان يتأثر بالشكاوى التى تصل اليه تطعن فى الوزراء فيعزلهم ، وعرف الناس فيه هذا فتكاثرت شكاويهم ( حتى إنه كان يصل إلى المستنصر في كل يوم ثمانمائة رقعة فتشابهت عليه الأمور وتناقضت الأحوال‏.‏ )
2 ـ وفى أحداث عام 454 ، وتحت عنوان ( الفتنة التي خربت مصر : ذكر ابتداء الفتنة التي آلت إلى خراب ديار مصر ) يقول : ( وفي هذه السنة ابتدأت الفتنة التي كانت سبباً لخراب الإقليم‏.‏ وذلك أن المستنصر كان من عادته في كل سنة أن يركب على النجب ومعه النساء والحشم إلى جب عميرة ، وهو موضع نزهة ويغير هيئته كأنه خارج يريد الحج على سبيل الهزر والمجانة ، ومعه الخمر محمول في الروايا عوضاً عن الماء ، ويدور به سقاته عليه وعلى من معه كأنه بطريق الحجاز أو كأنه ماء زمزم‏.‏ ) أى إعتاد هذا الخليفة السخرية بفريضة الحج ، وحدث أن جنديا من الأتراك ـ وهو سكران ـ قتل جنديا من السودان ، وبدأت شرارة الفتنة . يقول المقريزى ( فلما كان في جمادى الآخرة خرج على عادته واتفق أن بعض الأتراك جرد سيفا في سكرة منه على بعض عبيد الشراء فاجتمع عليه عدة من العبيد وقتلوه‏.‏ فغضب لذلك جماعة الأتراك واجتمعوا بأسرهم ودخلوا على المستنصر وقالوا : " إن كان هذا الذي قتل منا على رضاك فالسمع والطاعة وإن كان قتله عن غير رضا أمير المؤمنين فلا صبر لنا على ذلك ".! وأنكر المستنصر أن قتله برضاه أو أمره ، فخرج الأتراك واشتدوا على العبيد يريدون محاربتهم ، فبرزت العبيد إليهم ، وكانت بين الفريقين حروب بناحية كوم شريك قتل فيها عدة ، وانهزم العبيد ، وقويت الأتراك . ) أى إن مجون المستنصر وسخريته بالحج أدى الى هذه الفتنة .
ثانيا : أم المستنصر : أم السُّوء :
1 ـ وبسرعة تدخلت أم المستنصر منحازة للعبيد السودان ، قال المقريزى : ( هذا ، والسيدة أم المستنصر تمد العبيد بالأموال والسلاح‏.‏ ) وعلم الأتراك بالأمر ، : ( فاتفق في بعض الأيام أن بعض الأتراك وقف على شيء مما تبعث به أم المستنصر إلى العبيد لتعينهم به على محاربة الأتراك ، فأنكر ذلك ، وأعلم أصحابه ـ فاجتمعوا وصاروا إلى المستنصر ، وتجرءوا عليه بالقول وأغلظوا في المخاطبة ، فأنكر أن يكون عنده من ذلك خبر، وصار السيف قائماً‏.‏ فدخل على أمه وأنكر عليها ما تعتمده من تقوية العبيد وإعانتهم على محارة الأتراك‏.‏)
2 ـ ويقول المقريزى فى سبب كثرة العبيد فى البلاط الفاطمى وقتها : (.. فكانت هذه الكائنة أول الاختلاف بين طوائف العسكر‏.‏ وكان السبب في كثرة السودان بالقصر أن أم المستنصر كانت جارية سوداء ، قدم بها أبو سعيد التستري .. فأخذها منه ( الخليفة ) الظاهر ( والد المستنصر ) واستولدها المستنصر‏.‏ فلما أفضت الخلافة إلى ابنها المستنصر ومات الوزير صفي الدين الجرجرائي في سنة ست وثلاثين وأربعمائة، استطالت أم المستنصر وقويت شوكتها وتحكمت في الدولة واستوزرت مولاها أبا سعيد‏ ( التسترى ) أى جعلت سيدها السابق وزيرا .‏ يقول المقريزى : ( وأخذت في شراء العبيد السود وجعلتهم طائفة لها ، واستكثرت منهم وخصتهم بالنظر ، وبسطت لهم في الرزق ، ووسعت عليهم حتى أمطرتهم بالنعم وسار العبد بمصر بحكم حكم الولاة‏.‏ وشرعت تغض من الأتراك وتظهر كراهتهم وانتقاصهم‏.‏) لم تكتف أم الخليفة بذلك بل بذلت جهدها مع الوزير الجرجرائى أن يجعل العبيد يقاتلون الأتراك ، فرفض ، وبعده حاولت مع الوزير التالى اليازورى فرفض ، ثم أطاعها الوزير البابلى ، يقول المقريزى : ( ووُزّر البابلي فأمرته بذلك ، فشرع فيه‏.‏ وتغيرت النيات وصارت قلوب كل من الطائفتين تضمر السوء للأخرى حتى كان من الحرب ما قد ذكر ولم يزل ذلك حتى خرب الإقليم كله وهلك أهله ‏.‏ )
3 ـ عن الحروب بين الجنود السودان والجنود الأتراك فى عام 459 يقول المقريزى : ( فيها قويت شوكة الأتراك واشتد بأسهم ، وطلبوا الزيادات في واجباتهم ورواتبهم. وساءت أحوال العبيد وكثر ضررهم وهم يتزايدون حتى صار منهم بالقاهرة ومصر وما في ظواهرهما من القرى نحو الخمسين ألف عبد ما بين فارس وراجل‏.‏ وخلت خزائن أموال المستنصر وضعفت الدولة‏.‏ فبعثت السيدة أم الخليفة المستنصر إلى قواد العبيد تغريهم بالأتراك ، وتحثهم على الإيقاع بهم ومحاربتهم وإخراجهم من مصر . فجمع قواد العبيد وحشدوا طوائفهم وصاروا إلى شبرا دمنهور ، وساروا إلى الجيزة ، فخرج إليهم الأتراك يريدون محاربتهم وقد بلغت النفقة في تعديتهم إلى الجيزة ألف ألف دينار‏.‏ فالتقى الفريقان وكانت بينها حروب انجلت عن كسرة السودان وهزيمتهم إلى الصعيد‏.‏ وكان مقدم طوائف الأتراك يومئذ ناصر الدولة أبو علي الحسن بن الأمير أبي الهيجاء ابن حمدان ، فرجع بالأتراك إلى القاهرة ، وقد قويت نفسه وعظم قدره واشتدت شوكته وثقلت وطأته‏.‏ وتلاحق العبيد بعضهم ببعض واجتمعوا في بلاد الصعيد ، وهم في عدد يتجاوز الخمسة عشر ألف ما بين فارس وراجل ، فساء ذلك الأتراك وأقلقهم ، فصار أكابرهم إلى المستنصر وشكوا إليه أمر العبيد‏.‏ فأمرت أم المستنصر جماعة ممن كان عندها من العبيد أن يقتحموا على الأتراك فهاجموهم على حين غفلة وقتلوا منهم جماعة‏.‏ ففر ابن حمدان حينئذ إلى ظاهر القاهرة وتسارع إليه الأتراك وقد استعدوا لمحاربة العبيد فخرج إليهم عدة من العبيد الذين كانا بالقاهرة ومصر‏.‏ فكانت بين الطائفتين حروب شديدة مدة أيام ، فحلف منذ ذلك ابن حمدان أنه لا ينزل عن فرسه حتى ينفصل إما له أو عليه‏.‏ وثبت كل منهما فكانت الكرة لابن حمدان على العبيد ، فوضع السيف فيهم ، وتجاوز الحد في كثرة قتلهم وتتبعهم في كل مكان حتى لم يدع في القاهرة ومصر منهم إلا قليلا. وهم مقيمون بالصعيد والاسكندرية‏.‏ فرأى ابن حمدان أن يبدأ محاربة من في الاسكندرية منهم فسار إليها ونازلها مدة وحصر العبيد بها وألح في مقاتلتهم حتى طلبوا منه الأمان فأقام على ولايتها رجلاً من ثقاته‏.‏ وانقضت هذه السنة كلها في قتال العبيد والأتراك .) .
رابعا : إنتقام الأتراك من خليفتهم المستنصر
1 ـ أصبح الجنود الأتراك أعداءا للمستنصر وأمّه ، وقد تحكموا فى القاهرة وصار المستنصر تحت رحمته ، فأخذوا يطالبون بزيادة رواتبهم ، وأرغموه على بيع ذخائر القصر ، يقول المقريزى فى أحداث عام 460 : ( فيه اشتد البلاء على المستنصر بقوة الأتراك عليه وطمعهم فيه ، فانخرق ناموسه ، وتناقصت حرمته ، وقلت مهابته، وتعنتوا به في زيادة واجباتهم‏. وكانت مقرراتهم في كل شهر ثمانية وعشرين ألف دينار فبلغت في هذه السنة إلى أربعمائة ألف دينار في كل شهر، فطالبوا المستنصر بالأموال‏. وركب ناصر الدولة الحسين بن حمدان ومعه جماعة من قواد الأتراك وحصروا المستنصر وأخذوا جميع الأموال ثم اقتسموا الأعمال وركبوا إلى دار الوزير ابن أبي كدينة يريدون الأموال فقال‏:‏ وأي مال بقى الريف في يد فلان والصعيد في يد فلان والشام في يد فلان‏. فقالوا‏:‏ لا بد أن تنفذ إلى مولانا وتطلب منه وتعلمه بحضورنا ..فاضطروه إلى إخراج ذخائره وذخائر آبائه وبيعها فأخذ يخرج ذلك شيئا بعد شيء وهم يأخذونها لأنفسهم بأيديهم ويثمنونها بأقل القيم وأبخس الأثمان‏. )
2 ـ وفى هذا العام عاث الجنود السودان فى الصعيد فسادا ، قال المقريزى : ( وسار ابن حمدان بجماعة الأتراك إلى الصعيد يريد محاربة العبيد وكان قد كثر شرهم وتزايد ضررهم وعم الكافة أذاهم وإفسادهم فاجتمعوا لحربه واستعدوا للغاية‏. فسار إليهم في شهر رمضان وقد بلغت النفقة عليه وعلى من معه ألف ألف دينار وكانت بينهما حروب عظيمة ووقائع عديدة انجلت عن كسرة الأتراك وهزيمتهم إلى الجيزة‏.)
3 ـ إنهزم الأتراك ورجعوا للقاهرة ، وأرجعوا سبب هزيمتهم الى مساعدة المستنصر لخصومهم . قال المقريزى : ( فتلاقى بعضهم ببعض وصاروا يداً واحدة على المستنصر وألبوا عليه واتهموه بأنه بعث إلى العبيد بالأموال في السر ليقويهم على محاربة الأتراك ، وجهروا له بالسوء من القول فقال لهم إنه لم يبعث إليهم بشيء ولا أمدهم بمعونة‏. ) وبهذا لم يعد للمستنصر وقار مع جنوده الأتراك وهم المحيطون به المتحكمون فيه . تزايد وضعه سوءا بالانتصار الماحق للأتراك على الجنود السودان ، يقول المقريزى عن نهاية القتال بينهما : ( وساروا إلى قتالهم مرة ثانية ، فالتقوا بهم وصابروهم القتال ، ووالوا عليهم الكرات حتى انهزم العبيد منهم ، وقتل كثر من أعدادهم ، بحيث لم ينج منهم إلا القليل ، وزالت حينئذ دولتهم‏.)‏.
خامسا : زعماء الأتراك يسلبون كنوز الفاطميين التى ورثها المستنصر
1 ـ إلتفت زعيم الجنود الأتراك الى المستنصر وسأله الزيادة فى المرتبات فلم يكن لديه سيولة مالية بسبب فقدانه السيطرة على الأقاليم . لذا قام الأتراك بسلب كنوز الفاطميين التى ورثها المستنصر ، وباعوها بأبخس الأثمان ليأخذوا مرتباتهم . قال المقريزى : ( وأخرج من الذخائر مالا شوهد فيما بعده من الدول مثله نفاسةً وغرابة وجلالةً وكثرة وحسنا وملاحة وجودة وسناء قيمة وعلو ثمن . ونقل منه التجار إلى الأمصار شيئا كثيراً سوى ما أحرق بالنار بعد ما امتلأت قياسر مصر وأسواقها من الأمتعة المخرجة من القصر المبيعة على الناس) . ستين وأربعمائة‏.). وجاء عام 461 ، وقد إنهار الأمن فى مصر ، أو على حد قول المقريزى : ( فأهلت سنة إحدى وستين هذه وقد اشتد الخوف بمصر وكثر التشليح في الطرقات نهاراً والخطف والقتل‏.) فالجنود الموكل بهم حماية البلد أصبحوا هم من ينهب البلد ، وتبعهم مجرمون يتخطفون الناس فى الشوارع بلا رادع .
2 ـ ما سلبه الفاطميون وما جمعوه من أموال السُّحت وملأوا به خزائنهم ما لبث أن نهبه قواد المستنصر الأتراك . وقد كتب المقريزى صفحات يسجل فيها المنهوبات من قصر الخليفة المستنصر من الجواهر والدرر والذهب والفضة والنفائس من الأثاث والسلاح والفراش الغالى الثمن والكتب والأقلام والتحف ، وكلها لا تُقدّر بمال ، وبيعت يثمن بخس ، تداولها زعماء الأتراك والتجار ، وتكدست به أسواق القاهرة وغير القاهرة .
3 ـ ونأخذ بعض الأمثلة لما أخرجوه من كنوز الفاطميين : يقول المقريزى : ( ..وأخرج من القصر صندوق كيل منه سبعة أمداد زمرد ، ذكر الجوهري أن قيمتها على الأقل ثلثمائة ألف دينار‏.... فقال بعضهم لمن أحضر من الجوهريين‏:‏ كم قيمة هذا ؟ فقالوا : إنما تعرف قيمة الشيء إذا كان مثله موجوداً ومثل هذا لا قيمة له‏... ) وبيع بخمسمائة دينار ( وأخرج عقد جوهر قيمته على الأقل ثمانون ألف دينار فكتب بألفي دينار .. وأخرج ما أنفذه الصليحي من نفيس الدر وكيل فجاء سبع ويبات‏. وأخرج ألفان ومائتا خاتم ما بين ذهب وفضة بفصوص من بين سائر أنواع الجواهر مما كان للخلفاء شوهد منها ثلاثة خواتيم من ذهب أحدها فصه زمرد واثنان ياقوت غشيم صاف ورماني كان شراء الفصوص اثني عشر ألف دينار‏....) وقال أحدهم ممن كان يستخرج الكنوز : ( أخرج من الخزائن على يدي أكثر من مائة ألف قطعة ) وطولب المستنصر بالمزيد فأعطاهم ( خريطة فيها نحو من ويبة ، فأحضر أرباب الخبرة من الجوهريين ليقوّموه ، فذكروا أنه لا قيمة له ولا يشتري مثله إلا الملوك ، فقومت بعشرين ألف دينار.. ). وفرقوها على الأتراك. ( وأخرج في يوم من خزائن من القصر عدة صناديق فوجد في أحدها أمثال كيزان الفقاع من صافي البللور المنقوش والمجرود شيء كثير وإذا جميعها مملوءة من ذلك وغيره‏.)‏ ( وخرج من القصر خردادي وباطية من بللور في غاية النقاء وحسن الصنعة مكتوب عليهما اسم العزيز ، تسع الباطية سبعة أرطال ماء ويسع الخردادي تسعة أرطال ، دفع فيهما ابن عمار بطرابلس ثمانمائة دينار ) ( وبيع في مدة خمسة عشر شهراً ....ــ سوى ما نهب وسرق مما خرج من القصر ــ ما تحصل من ثمنه ثلاثون ألف ألف دينار ،على أنه بيع بأقل القيم وأنزر الأثمان . وقبض الجند والأتراك جميعها من غير أن يستحق أحد منهم درهماً واحداً منها‏.)‏ ( وأخرج من الحصر السامانية المطرزة بالذهب والفضة وغير المطرزة مما هي مجومة ومطيرة وطفيلة ومصورة بسائر الصور ما لا يحصى كثرة‏. وأخرج من صواني الذهب المجراة بالميناء وغير المجراة المنقوشة بسائر أنواع النقوش المملوء جميعها جواهر من سائر أنواعه شيء كثير جدا ونيف وعشرون ألف قطعة طميم من سائر الأمتعة‏.)‏( ووجد غلف خيزران مبطنة بالحرير محلاة بالذهب خالية من الأواني كانت تسعة عشر ألف غلاف ... ووجد ستور حريرية منسوجة بالذهب تقارب الألف مختلفة الألوان والأطوال... ووجد في خزانة عدة صناديق كثيرة مملوءة سكاكين مذهبة ومفضضة بنسب مختلفة من سائر الجواهر‏.) ‏( وأخرجت حصير من ذهب زنتها ثمانية عشر رطلاً ... وأخرج ثمان وعشرون صينية ميناءً مجرى بالذهب لها كعوب تعلو بها عن الأرض ... قومت كل صينية بثلاثة آلاف دينار فأخذها كلها ناصر الدولة ابن حمدان‏ ( قائد الجنود الأتراك ) . ( ووجد عدة صناديق مملوءة مرايا حديد صيني وغيره من الزجاج الميناء ما لا يحصى كثرة وجميعها محلاة بالذهب المشبك والفضة ومنها ما هو مكلل بالجوهر. ) ( وأخرج من خزائن الفضة ما ينيف على ألف ألف درهم كلها آلات مصوغة مجراة بالذهب فيها ما يبلغ زنة القطعة منها خمسة آلاف درهم مما هو غريب الصنعة فبيع جميعه عشرون درهما بدينار وكانت قيمته خمسة دراهم بدينار‏. وأخرج غير ذلك عشاريات موكبية وأعمدة الخيام وقصب المظال ومنجوقات وأعلام وقناديل وصناديق وبوقات وزواريق وقمطرات وسروج ولجم ومناطق العماريات وغير ذلك ما يجاوز ألف ألف فضة بيعت كما بيع غيرها‏. وأخرج من الشطرنج والنرد المعمولة من أنواع الجواهر والأحجار ومن الذهب والفضة والعاج والأبنوس برقاع الحرير المذهب وغيره ما لا يحد كثرةً ونفاسةً ومن دسوت الفصاد مثل ذلك ومن خرق المنجوقات والمطارد والمظال والأعلام ما لا يمكن وصفه لكثرته مما هو مخمل وحرير ساذج ومذهب فقطع جميع ذلك وبيع‏. ) ( وأخرج من خزائن الطريف ستة وثلاثون ألف قطعة ما بين بللور وغيره‏.‏.) وأيضا عطور فاخرة مصنوعة على شكل تماثيل ، أو بتعبير المقريزى ( وأخرج من تماثيل العنبر اثنان وعشرون ألف قطعة أقل تمثال منها وزنه اثنا عشر منا وأكبره يتجاوز ذلك بكثير ، ومن تماثيل الكافور ما لا يحد كثرة منها ثمانمائة بطيخة كافور) ومن الفرش قال المقريزى : ( وأخرج من خزائن الفرش أربعة آلاف رزمة خسروانية مذهبة في كل رزمة فرش مجلس ببسطه وتعاليقه وسائر آلاته‏. وأخرج من خزائن الكسوات من التخوت والأسفاط والصناديق المملوءة بفاخر الملابس المستعملة بتنيس ودمياط وبرقة وصقلية وسائر أقطار الأرض ما لا يحد كثرةً ولا يعرف له قيمة‏.)‏ وطالبوا المستنصر بالمزيد عام 461 ( .. فذكر أنه لم يبق عنده شيء إلا ملابسه وقال فابعث من يقوم ذلك ويقبضه فأخرج إليهما ثمانمائة بذلة من ثيابه بجميع آلاتها كاملة قومت وحملت إليه في حادي عشر صفر‏.‏). أى أرغموه على بيع ملابسه .!!
4 ـ وذكر المقريزى ما حصل عليه قادة الأتراك من الكنوز .وهو يحتاج فى حصره ووصفه الى صفحات . ويقول عن المسلوب من قصر المستنصر : ( وأخرج من القصر في ثلاثة أيام من المحرم ما قيمته من العين اثنان وعشرون ألف دينار وستمائة وستة وسبعون ديناراً وثمن دينار ....) أى بالسعر البخس ، أو على حد قول المقريزى : ( .. هذا على أن ما يساوي ألف دينار يقوم بمائة دينار وما دونها‏. ) ويسأل المقريزى متعجبا : ( فإذا كان هذا في ثلاثة أيام فكيف يكون في مدة سنتين ليلا ونهاراً‏!‏ )
5 ـ وفى عام 464 وصل المستنصر الى الحضيض ، فقطعوا الخطبة اليه فى الوجه البحرى ـ أى لم يعد معترفا به فى دلتا مصر . يقول المقريزى ( .. فاضمحل قدر المستنصر وتلاشى أمره‏.‏ وتعاظمت الشدائد بمصر وجلت رزايا الناس‏. ) وانتهز الفرصة القائد التركى ناصر الدولة ابن حمدان فزحف بعساكره الى القاهرة في شهر شعبان وأرسل اليه يطلب منه المزيد من المال . فدخل عليه رسول القائد التركى ، يقول المقريزى : ( منه المال فدخل عليه قاصد ابن حمدان وهو جالس على حصير بغير فرش ولا أبهة وليس عنده غير ثلاثة من الخدم وقد زال ما كان يعهده من شارة المملكة وعظمة الخلافة‏. فلما أدى إليه الرسالة‏ قال له المستنصر‏:‏ أما يكفي ناصر الدولة أن أجلس في مثل هذا البيت على هذه الحال‏!‏ فلما سمع بذلك قاصد بن حمدان بكى وخرج فأعلم ناصر الدولة ما شاهده من هيئة المستنصر وعرفه بما صار إليه من سوء الحال فرقّ له ، وكفّ عنه ، وأطلق له في كل شهر مائة دينار‏. ) .!!
6 ـ ولم تستمر رأفة ناصر الدولة كثيرا بالمستنصر ، إذ ما لبث أن ( استبد بسائر أمور الدولة ، وبالغ في إهانة المستنصر .. وزاد في إيصال الضرر إليه وإلى سائر حواشيه وأسبابه ، حتى قبض على أم المستنصر ، وعاقبها بعقوبات متعددة ، واستخلص منها أموالاً جمة‏. فتفرق عن المستنصر جميع أهله وسائر أقاربه وأولاده وحواشيه ، فمنهم من سار إلى المغرب ، ومنهم من خرج إلى العراق . وبقي فقيراً وحيداً خائفاً يترقب‏. وقيل إن أم المستنصر فرت أيضاً إلى العراق‏....) وثار نزاع داخلى بين القواد الأتراك فإنتهى أمر ناصر الدين ابن حمدان بالقتل عام 465 ، ووقع المستنصر تحت سيطرة قادة جدد فاستنجد بوالى عكا القوى بدر الجمالى الذى جاء بعسكره وقتل قادة الفتنة ، وحكم مصر والمستنصر أيضا .
7 ــ لم تكن هى الشدة الوحيدة التى عاناها هذا الخليفة ـ وهو أطول الخلفاء حُكما ـ فقد عانى أعواما من الجوع أيضا ، فى المجاعة ( المستنصرية ) . وموعدنا معها فى المقال التالى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-


.. #shorts - 14-Al-Baqarah




.. #shorts -15- AL-Baqarah


.. #shorts -2- Al-Baqarah




.. #shorts -20-Al-Baqarah