الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدرسة فرانكفورت بين الحداثة وما بعدها : مشروع نقد لم ينته بعد

رائد عبيس

2017 / 9 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مدرسة فرانكفورت بين الحداثة وما بعدها : مشروع النقد لم ينتهي بعد

بحثت مدرسة فرانكفورت في جدلية الانقلاب أو التبني للمشروع الحداثي الذي يعد ميزة الإنسان الأوربي , بكونه منعطفاً تاريخياً مفصلياً في خارطة الحضارة التي امتدت منذ اليونان ليورثها الألمان ,فقد كان الفلاسفة الألمان جليون في صنع تراث التنوير والوعي المعمق في رؤى وجذور الحداثة ,فضلاً عن أفقها المستقبلي الذي تشوه بسبب دخان الحربين العالميتين اللتين إنتهيتا بالإنسان الحداثي النرجسي الرومانسي العقلاني , إلى ساحل التأمل البعيد لكل المشاريع الإنسانية ,التي رافقت مشروع الحداثة . فخيبة الأمل الجزرية الطويلة تلك في الوعي الإنساني المعاصر من وعود الحداثة ,ازدادت بسبب الطوفان والمد الغارق لما يسمى "العدمية" لكونها أفق لوعي تجاوزي وفكر إلغائي ومشاريع تخطي , لذلك الركام الذي خلق إطلاله للبكاء والندب و الاستهجان والنقد والسخرية من ذلك القدر الذي سُمي بالحداثة . ذلك الوعي تمثل بتيارات ومشاريع تحاول ترميم المنجز الحضاري الذي أصبح هيكل رث في عمارة الحضارة الغربية ,الذي بدأ الحديث عنه في فن العمارة والنحت والفن والرسم ومدارس فنية وفكرية ذات طابع تجديدي .
مثل مدرسة فرانكفورت التي أنجبت هابرماس ,فقد شرعت بطرح مشروعها النقدي عبر ما يسمى "النظرية النقدية".التي كانت إلى حد كبير ذات طابع تشاؤمي نقدي لكل تمظهرات الوعي المصاحب للمنجز العلمي ـــ التكنولوجي كــ التسليع والتشيؤ والأداتية والفن المبتذل وانحطاط الوعي , الذي مهد لانحدار جديد تمثل بأفق مفتوح وفضاء رحب من اللاعقلانية ,التي تتيح حرية للفكر بعيدا عن النسقيات والأنظمة ,وهذه أدخلت الإنسان المعاصر في تحرر من ضوابط التفكير المنتظم ,وصرنا نسمع حديثا عن موت الإنسان وموت الفلسفة وموت المؤلف وموت الفن ,هذه الإماتات الإفتراضية لمشاريع مازالت على قيد الحياة هو شروع بالتجاوز والقفز والولوج لحقبة جديدة من الوعي البشري الليبرالي, اللبرلة العدمية هنا كانت تعيش مخاض ما يسمى " ما بعد الحداثة " الذي أصبحت مفرداتها تشكل علاقة جدلية مع مفاهيم الحداثة .وتلك الحقبة شهدت نزاع وصراع ونقد وبناء وتفكيك وهدم ,لأهم المشاريع الفلسفية من قبل فلاسفة الحداثة والمدافعين عنها أو فلاسفة ما بعد الحداثة وناقديها .وقد كان لهابرماس موقفا من تلك الآراء والتحولات عبر عنه بصيغة وبمقولة " الحداثة مشروع لم يكتمل بعد " بمعنى انه مشروع لم يستنفذ كل مؤهلاته ولم يتيح له إن يُستكمل دوره ,فالحداثة من وجهة نظره مازالت فيها مكامن قوة تسمح لها بالإستمرار والتفاعل والعطاء.
فرؤى هابرماس ما هي إلا إستنفادية جعلته يتحرك ضمن أفق مرحب به,إلا وهو "التواصل ", هذا المفهوم الذي كون منه "نظرية الفعل التواصلي " التي استلهمت كل التراث النقدي ببعد هيرمونطيقي ,منذ اليونان وحتى أمانوئيل كانت ووصولاً إلى أصحاب النظرية النقدية ومؤسسي مدرسة فرانكفورت أدورنو وهوركهايمر . اللذان لم يمضيا قدماً في مشروع النظرية إلى أن تحقق هدفها بسبب رؤاهم التشاؤمية , وهذا هو أحد مآخذ هابرماس عليهما رغم أنه لم ينقدهما بشكل لاذع واكتفى بالنقد اللطيف.مضى هابرماس قدماً إلى تطوير النظرية النقدية ببعد تواصلي , فالعقل التواصلي والفعل التواصلي يتصل بمجالات متنوعة ومختلفة حدد أولويتها هابرماس في الأخلاق والسياسة وتكنولوجيا التواصل , ودورها في تعزيز هذا البعد الإنساني الذي يحمل معه مضامين أخلاقيات التواصل فيما لو قننت بعيداً عن الأداتية الإنتاجية أو الإستهلاكية , التي تنتهي بالإنسان إلى سلعية و صنمية وشيئية . وبالتالي إلى قيمية رأسمالية مقنعة , تحت غطاء التحرر والحقوق والحريات والقوانين الكافلة والضمانات الإجتماعية والإقتصادية , فالبعد الإيديولوجي ليس ببعيد عن هذه الأداتية والإنتاجية , التي استثمرت سياسياً لتدخل الإنسان في وعي مؤدلج تحت عنوان تلبية الرغابات وإتباع الموضة ووسائل الرفاهية , فالإنسان الذي يعيش المنجز الحداثي ليس ببعده العقلاني وإنما التكنولوجي والصناعي , انتهى به الأخير وبسبب نتائجه إلى عدمية ما بعد الحداثة .
المشروع الذي استهجنه هابرماس ونقده , بسبب رؤيته ألا قيمية التي تطيح بوجه أو بآخر بالمشروع القيمي التواصلي الذي ينطوي على معيارية و علموية في الوقت نفسه , مستثمراً كل الحقول المعرفية التي تدخل كحلقة وصل في تنظيم هذا البعد في المشروع وهذا لا يتم بسهولة ,إلا بنقد مشروعات ألما بعديات ــ التجاوزيات , بأدوات عقلانية نقدية جديدة , كانت الأخلاق واللغة و الهيرمونطيقا أهم مقوماتها فضلاً عن نتاجاتها المفاهيمية,التي اتصفت بإنسانيتها و كونيتها مثل الفضاء العمومي والمجتمع المدني والعالم المعيش والديمقراطية التواصلية ومفهوم المواطنة ودولة الرخاء والمشروعية والدين , وهذا ليس من استشراف المستقبل وحسب , بل أتى من استنطاق الموروث الفلسفي واستنطاق ما هو قابل للإستنطاق, الذي يحاول من شأنه تقليص مسافة الفهم البشري والإتفاق على سقف فهمي واصطلاحي لمعايير أخلاقيات التواصل ببعدها الإنساني والكوني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة