الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نصل فعلا إلى تحقيق أن الدين شأن فردي.....1

محمد الحنفي

2017 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الدين، أي دين، لا يتحقق إلا بالإيمان به. والإيمان لا يكون بالقوة، بقدر ما يكون بالاقتناع. والأديان الشائعة في مجتمعات معينة، وفي أمكنة معينة، وأزمنة معينة، لم يومن بها أفراد الشعب المنتمين إلى دين معين؛ بل إن تربية الأبناء، والبنات، خلال التنشئة على الإيمان بدين، أو بآخر، مما يجعل الأفراد: نساء، ورجالا، لا يصرن، أو لا يصيرون مومنين بدين معين، إلا على أساس التبعية إلى لآباء، أو الأمهات، الذين، أو اللواتي يتخذون، أو يتخذن، طابع التقديس، الذي يجعل الإنسان يخاف من غضبهما، أو سخطهما، باعتباره من غضب الله، أو سخطه. ومن غضب عليه الله، فمأواه جهنم، وبئس المصير، كما يقول من يسمون أنفسهم، أو يعتبرهم الناس رجال الدين، أو العلماء، كما يسميهم المخزن.

أما الإيمان بالدين، فإننا، إذا استثنينا الرعيل الأول، الذي عاصر ظهوره، واقتنع به، وآمن بالدين، أي دين، فإن الأجيال المتعاقبة، تصير يهودية، أو مسيحية، أو مسلمة، أو بوذية، أو تصير معتنقة لدين آخر، بالتبعية للسلف، الذي يصير صالحا، حتى وإن كان يمارس كافة أشكال الفساد؛ لأن السلف، يصير صالحا بالتقديس. والتقديس مرده الخوف من عذاب القبور، الذي لا وجود له، خاصة وأن الإنسان، عندما يموت، لا تعود إليه الحياة، إلا بعد البعث، والنشور، حسب ما ورد في القرءان، والخوف من جهنم بعد يوم الحساب، والحرص على دخول الجنة، من اجل التمتع بنعيم الحياة الأخرى، كما تم التمتع بنعيم الحياة الدنيا، كما جاء في القرءان الكريم، وخاصة في سورة الواقعة: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين، في سدر مخضوض، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب، وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة، ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة، إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين، ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين}، وتجنب الدخول إلى جهنم، بعد أن يصير من أصحاب الشمال، كما جاء، كذلك، في القرءان، وخاصة في سورة الواقعة أيضا: {وأصحاب الشمال، ما أصحاب الشمال، في سموم، وحميم، وظل من يحموم، لا بارد، ولا كريم، إنهم كانوا قبل ذلك مترفين، وكانوا يصرون على الحنث العظيم، وكانوا يقولون أهذا متنا، وكنا ترابا، وعظاما إنا لمدينون، قال هل انتم مطلعون؟ فاطلع فرءاه في سواء الجحيم}.

وهذه الرغبة الجامحة في نعيم الجنة، مبعثها الحور العين، وهذا الخوف المركب، والمبالغ فيه، من عذاب جهنم، مبعثه الحرمان من الحور العين. ومنهج مؤدلجي الدين، أي دين، هو الحرص على أن لا يختار الإنسان دينا آخر يومن به، بعد أن مجد نفسه، متقمصا لدين معين، لم يومن به في الأصل، بل فرض عليه الإيمان به، بحكم التبعية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يحرصون أشد الحرص، على تطبيق ما يسمونه ب {الشريعة الإسلامية}، التي من بين أحكامها، قتل المرتد، مع أن كل من فرض عليه الإيمان بالدين الإسلامي، بحكم التبعية، لم يختر ذلك الإيمان، ولم يقتنع به، بقدر ما وجد نفسه مسلما بالتبعية، فإذا تبين له أن يعتقد بدين آخر، يومن به، ويقتنع بما جاء فيه، بعد اطلاع واسع بما يتعلق به، فإن ذلك شأنه، من منطلق أنه لم يومن بالدين الإسلامي، بقدر ما فرض عليه بحكم التبعية.

وإن الإيمان بدين معين، هو شأن فردي، بعد ترسيخ الاقتناع التام بهذا الدين، أو ذاك. وإذا اختار عدم الإيمان بأي دين، فذلك شانه أيضا، ولا دخل لأي كان به.

ونحن عندما نتطلع إلى السلام في واقعنا الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومن أفراد الشعب الواحد، وبين الشعوب بصفة عامة، وبين شعوب المسلمين بصفة خاصة، نكون قد حققنا الإسلام الذي آمنا به؛ لأن الإسلام كما جاء في الحديث، هو {من سلم المسلمون من لسانه ويده}، كما جاء في جواب الرسول عن السؤال الموجه إليه: {ما الإسلام؟} وعندما يتحقق السلام بين المسلمين، يتحقق الإسلام، الذي يصير مجالا لتجسيد الإيمان، والإيمان كما جاء في الحديث، هو {هو ما وقر في القلب}، في إجابة الرسول عن السؤال {وما الإيمان؟}. ولا وجود للسلام إلا في ظل الإسلام، ولا وجود للإسلام إلا بالإيمان، ولا إيمان لفرد معين بأي دين، إلا بالاقتناع به، واختياره. والاقتناع، والاختيار من شأن الأفراد، وليس من شأن الجماعات، وبالتالي: فالدين بالتبعية عمل قسري، وقمعي، واستبدادي، وإقصائي، ونفي لعدد من المعتقدات. والدين بالاقتناع، والاختيار، شأن فردي، وديمقراطي، وتعددي، وبالتالي: فإن تدريس معتقد معين في المدارس، التي تهم شعبا معينا، دون باقي المعتقدات، لا يعني إلا إعداد الأجيال الصاعدة على الإيمان القسري، بمعتقد واحد، وإقصاء المعتقدات الأخرى، التي لا تعرف عنها الأجيال المتمدرسة شيئا.

وقد كان المفروض أن لا تقوم المدارس، بتدريس اي دين، وان تعمل على إعداد الأجيال الصاعدة، في اي شعب، على:

1 ـ التعرف على ما كان يسميه القدماء بالملل، والنحل، مع الحرص على التفريق بين ملة، وملة، وبين نحلة، ونحلة، مع إبراز الخصائص التي تميز كلا منها، حتى يتحفز الشباب على البحث فيها، والسعي إلى دراسة كل ملة على حدة، بشكل فردي، في أفق بلورة وترسيخ الاقتناع بملة، أو نحلة معينة، تصير موضوع اختيار الإيمان بها، كمعتقد، قد يكون متناسبا مع ديانة موسى، أو ديانة عيسى، أو مع دين الإسلام، أو أي دين آخر، على أساس أن ذلك الاختيار شأن فردي، ولا علاقة له بأي جماعة، أو بما هو أيديولوجي / سياسي، بالنسبة لمؤدلجي الدين الإسلامي، مادام المؤدلجون يقصرون وجودهم على الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي للدين، أي دين. والشأن الفردي، هو ما يهم الاقتناع بالاعتقاد بدين معين، أو بآخر.

2 ـ إبعاد الدين، أي دين، عن السياسة، حتى لا يتحول إلى شأن عام. والشأن العام هو ما يقتضي التدخل في الأمور الخاصة لعامة الناس، ليتحول الشأن الخاص: {المعتقد كشأن فردي}، إلى شأن عام، يرتبط بالاستغلال الأيديولوجي، والسياسي. وهو ما يجعل المعتقدات، أو الأديان، مؤدلجة، أو مسيسة. وأدلجة المعتقد معناه: تحويله إلى أيديولوجية معبرة عن مصالح طبقية اجتماعية معينة، ضد طبقة اجتماعية أخرى. والدين عندما يصير كذلك، يفقد ضرورة وجوده؛ لأنه بدل أن يجمع الناس حوله، ليصير محترما من الجميع، يتحول إلى دين يفرق بين المومنين به، الذين قد يكونون من هذه الطبقة الاجتماعية، أو تلك، كم أن تسييس معتقد معين، يجعله يتحول إلى مجرد شعار سياسي، قد يتناسب مع الواقع، وقد لا يتناسب معه، وقد يقف وراء قيام صراعات طائفية، بين المقتنعين، المعتقدين بأديان معينة. وهذا الاقتناع، قد يجر المعتقدين إلى أدلجة معتقداتهم، وتسييسها، مما يعتبر وسيلة لاشتعال الحروب الطائفية، التي تأتي على الأخضر، واليابس. وقد تدوم عقودا طويلة، بين المتحاربين على أساس الإيمان، أو الاقتناع بمعتقدات معينة، تمت أدلجتها، وتسييسها، وهو ما يعني: أن إبعاد الدين، اي دين، عن الأيديولوجية، وعن السياسة، يقف وراء تجنب الصراع الطائفي / الطائفي، بين الأديان، وبين المعتقدين، بمختلف الأديان، التي لا يمكن ان يصير كل منها إلا شأنا فرديا. والدين {الشأن الفردي} عندما يتحول إلى أيديولوجية، أو إلى أي شعار سياسي، يصير فاسدا. وفساد المعتقدات المختلفة، يكلف البشرية الكثير من المآسي، التي لا يؤدي ضريبتها إلا المعتقدون المومنون بها، على حساب سلامة البشرية، من مختلف الحروب التي يخوضونها.

3 ـ ممارسة السياسة، بعيدا عن مختلف الأديان، لا من قبل الدول، ولا من قبل الأحزاب، ولا من قبل الشخصيات، حتى لا تتحول المعتقدات الدينية، إلى توجهات سياسية، وحتى لا تتحول التوجهات السياسية، إلى معتقدات دينية، وحتى لا يتحول الزعماء الدينيون / السياسيون، إلى مقدسين، وحتى لا تختلط المعتقدات السياسية، في حالة قيامها، بالمعتقدات الدينية، ليختلط الأمر على عامة الناس، الذين لا يعرفون ما للدين، وما للسياسة.

وممارسة السياسة بعيدا عن الدين، لا يمكن ان يتم إلا في إطار فصل الدين عن السياسة، الذي لا يمكن حدوثه إلا في إطار المجتمع المعلمن، الذي يميز بين ما للسياسة، وما للدين، ولا يخلط بينهما؛ لأن الخلط بين الدين، والسياسة، وبين السياسة، والدين، هو من خصال المجتمع المتخلف، الذي تسود فيه الأصولية الدينية، ويشيع فيه الفساد، والاستبداد، وتكفير علمنة المجتمع، والعلمانيين، وغيرهم مما لا يخدم إلا مصلحة المستفيدين من تخلف الوضع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين عندما يكون دولة
ِAmir Baky ( 2017 / 9 / 2 - 19:38 )
الدين لو تحول لدولة لفقد مفهوم الدين من أساسة . الدين لو تحول لدولة أصبح قومية و ليس فكر شخصى. الدين لو تحول لدولة تصبح الحروب أمر عادى لفرضة بالقوة على الشعوب. الدين عندما يتحول لدولة يتم معاقبة من يخرج منه مثل عصابات المافيا. الدين عندما يتحول لدولة نجد اهم شيئ للحاكم هم شيوخ السلاطين. عندما يتحول الدين لدولة أصبح الدين مجرد وسيلة لتحقيق رغبات الأذكياء عن طريق إستغلال الأغبياء. الخلاصة عندما يتحول أى دين لدولة لا يصبح دين من اساسة.

اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل