الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب المكان والزمان في مجموعة -هي لعبة .. ولكن- عمر الخواجا

رائد الحواري

2017 / 9 / 3
الادب والفن


غياب المكان والزمان في مجموعة
"هي لعبة .. ولكن"
عمر الخواجا
في زمن الهزائم والانكسارات والتقهقر المستمر لا بد أن نجد أثره على غالبية صنوف الأدب، فالقصة المعاصرة تشكل أحدى الأشكال الأدبية التي تعكس صورة هذا الواقع، ويمكن أن يكون هذا الانعكاس نابع من وعي القاص/الكاتب، ويمكن أن يأتي من خلال العقل الباطن، في الا شعور، وهذا الأمر يكون أصدق وأهم من ذاك الذي يأتي من خلال الوعي.
من المؤشرات على الأثر السلبي للواقع عند الكاتب/القاص عدم تسمية شخصياته القصصية، عدم تحديد الزمن، غياب المكان، والمقصود في المكان الجغرافيا، المدينة، الحي، اضافة إلى المضمون، فكرة القصة.
في هذه المجموعة نجد كافة هذه العناصر، وإن كانت غير كامل، لكنننا نستطيع أن نجد العديد من العناصر التي تؤكد على الأثر الذي تركه الواقع البائس على القاص، بحيث نجد غياب كامل للمكان، بحيث تدور أحداث القصص في مكان/جغرافيا غير محددة، فنحن لا عرف الدولة أو المدينة التي تجري فيها الأحدث.
أما بخصوص الزمن، فهو أيضا كان عائم، غير معلوم لنا، إذا ما استثنينا قصية "قد يكون سقوطا" والتي جاء فيها: "مرت ساعات على سقوط بغداد" ص67، نكون أمام زمان لا يمكننا أن نحدده، بحيث يجد المتلقي نفسه في زمان غير معروف، لا يمكن الإمساك به.
وفيما يتعلق بشخصيات المجموعة، فلم يسمي القاص شخصيات مجموعته إلا في قصة "ذات الشعر الأصفر" والتي سمى بطلتها "مارينا" وهي غير عربية، عاملة ملهى ليلي، وهذا يشير إلى أن القاص كان يضع لنفسه رقابة بطريقة ما، لهذا نجده سمى "ماريا" بينما لم يستطع ان يسمي النساء/الفتيات الأخريات في المجموعة، إذا ما استثنينا شخصية "سلمى" اتي جاء ذكر اسمها في قصة " قد يكون سقوطا".
وهناك دليل في المجموعة يؤكد على هذه الرقابة عند القاص، فقد جعل الراوي في قصة "قفزة إلى الوراء" امرأة، ورغم التمرد الذي جاء فيها إلا أنه لم يذكر لنا أسم بطلة القصة، رغم تمردها على العديد من (المقدسات) الاجتماعية، لكنه يذكر لنا أسم بطل قصة "ويقتلون الذكريات" "محمود" ونجد أسم آخر في قصة العنوان "هي لعبة ... ولكن" والذي سمى شخصية الدكتور "غريب" وهذا الاسم يشير أيضا على عدم تركيز القاص على الأسماء، فأسم غريب يوحي، يعطي مدلول على شيء غير معروف.
أما فيما يتعلق في المضمون فهناك عدد من الأفكار يقدمها لنا القاص تشير إلى عدم رضاه عن الواقع، منها ما جاء في قصة "مع وقف التنفيذ" والذي جاء فيها: "أحلم ببيت كبير يكون أجمل من قصر فخم بدلا من بيتي الصغير القديم المتهاوي ... وزوجة جميلة تشبه نجمات السينما استعيض بها عن العذاب الذي أمضيته مع زوجتي البشعة" ص9، مما لا شك فيه أن هذا الوصف يشير إلى امتعاض القاص من واقعه، ويسعى/يفكر/يحلم بعالم آخر أمجمل وأمتع وأهدى من الذي يعيش فيه.
وهناك صورة أخرى في قصة ذات الشعر الأصفر" والتي يقول فيها الراوي: "راقصات يحاولن إظهار جمال غير موجود لأجساد شبه عارية وزبائن مخمورون يظهرون استحسانهم لمطرب لا يملك صوتا أو حضورا يمارس صراخا محببا لهم" ص24، فرغم أن من المفترض أن يكون هذا المكان، الملهى الليلي، مكان يستمتع فيه الراوي إلا أننا نجده يمتعض منه ولا يشعر بأي فرح أو سعادة، وهذا أيضا يحمل مشاعر الراوي ـ في العقل الباطن ـ عن عدم رضاه أو انسجامه مع الواقع/المكان.
وفي قصة "موت مرة أخرى" نجد المشاعر النفسية التي يمر بها الراوي في عملية الاندماج في المجتمع، فنجده يمر بحالة من الاغتراب الصعب والقاسي، يقول فيها: "فوضعت نصب عيني هدفا محددا دون الاستفسار عن الأسباب هو أن أكون واحد منهم في هذه البقعة التي لا أعرف في أية أرض أو أية سماء تقع" ص34، فرغم الرغبة التي يفرضها الواقع، إلا أننا نجد الراوي يجد صعوبة في هذا الاندماج مع الآخرين، فيصف لنا الحالة التي مر بها هو يحاول التكيف/التأقلم مع المجموعة: "بدأت علاقتي معهم تتحسن تدريجيا، وبدأت ملامح الجفاء تختفي وتحل مكانها علامات القبول بالأمر الواقع، وبدأت أختصر الكلمات التي القيها على مسامعه وأقلد طريقتهم في التفاهم عبر تعابير الوجه مما جعلهم يدركون أنني أقترب من فهمهم" ص35، إذا ما توقفنا عند هذا الوصف، سنجد الراوي يقوم بفعل مجبر عليه، وفيه من التمثيل أكثر ما فيه من الحقيقة، لهذا نجده يستخدم كلمة "أقلد" فهو لا ينتمي لهذه الفئة/المجموعة، وهو مجبر على التعايش معها، لهذا نجده يستخدم هذا يصف في التعبير عن المكان الذي هو فيه والذي هم فيه: "وأقترب من لحظات الاندماج من هذه المجموعة التي هبطت عليها من مرتفع شاهق أو صعدت نحوي من منخفض سحيق" ص36، الراوي يتحدث عن وجوده في مكان مرتفع، وهذا يعطيه رفعة ومكانة أعلى من المجموعة، أما هم فقد أخبرنا عن مكانها مرتين، من خلال قوله: "هبط عليها أو صعدت نحوي" ففي الحالتين كان هو أعلى منها وهي أدنى منه، هذا الوصف يحملنا إلى ما في عقله الباطن من حالة عدم الرضا بهؤلاء الأدنى مكانه/ثقافة/حضارة/معرفة/ منه.
وإذا ما توقفنا عند قصة "قفزة إلى الرواء" والتي تتحدث عن امرأة تحاول الانتحار أكثر من مرة ومن خلال محاولاتها المتكررة نجدها تتمرد على (المقدسات/المحرمات) الاجتماعية في أكثر من موقف، وهذا يعطي دلالة إلى حالة غير السوية التي تمر بها الراوية.
وفي قصة "ويقتلون الذكريات" يتحدث عن زوجة "محمود" القعيدة والتي تقبل بخيانة زوجها مع الخادمة "جسديا" لكنها ترفضها عاطفيا، فعندما تشعر أنه يخون حبها تتمرد وتبدأ بالتفكير بقتله: "قبلت في بداية الأمر أن يخونها مع الخادمة ووجدت الأمر مبررا نظرا لاقتناعها بضرورة قيامه بإشباع رغباته الجسدية ولكنها بعد أن شعرت أن العلاقة ما بينه وبين الخادمة قد تحولت من علاقة جسدية إلى شكل من أشكال الحب، ...ازداد حقدها" ص61، لتبدأ بالتفكير بقتله، في هذه القصة يمكننا أن نستدل على أن الراوي يميل أحيانا إلى خلق تبريرات للواقع غير السوي، لكن الواقع ينزلق أكثر في الحضيض، بحيث جعل من خلق (المبررات) غير مجدي، لهذا انتقلت الزوجة من التبرير إلى التفكير بالانتقام والرد على خيانة زوجها "محمود" من خلال اطلاق النار عليه.
وفي قصة "قد يكون سقوطا" يمكننا أن نستدل من خلال العنوان على ما يحمله القاص في عقله الباطن، فهناك حالة سقوط، انهيار، هزيمة، تقهقر، وهذا ما جاء في القصة عندما ذكر لنا احتلال بغداد بهذه الصيغة: "مرت ساعات على سقوط بغداد" ودخول دبابات التحالف مدينة الرشيد العظيمة" ص67، في هذه القصة يحدثنا الراوي عن عدم رضاه عن زوجته "سلمى" التي يصفها لنا بهذا الشكل: "فأنا لا اقتنع بتاتا بأفكارها السطحية، لم يجذبني إليها سوى جمالها الذي مضى مع الزمن، واختفى خلف خطوط
العمر التي برزت على وجهها وكتل الدهون التي ملأت كثيرا من الانحناءات في جسدها" ص69، إذا كانت الزوجة أقرب الناس علينا يصفها لنا الراوي بهذا الشكل، فكيف سيكون الآخرين؟، بالتأكيد سيكون تأثيرهم/هيئتهم عليه أكثر وجعا والآما.
ونجد في قصة "في يده ملاك" أيضا عدم التوافق في المجتمع، فنجد علاقة بين "ملاك" بصورة فتاة وشرير، فرغم استمرار هذه العلاقة وصمودها في وجه كل التحديات الصادرة من السماء أو من الأرض، إلا أنها تبقى علاقة صراع ومواجهة، وهذا يشير بطريقة ما إلا عدم سوية هذه العلاقة رغم استمراريتها ونجاحها.
وفي قصة العنوان "هي لعبة.. ولكن" يخبرنا القاص عن الجمال غير الطبيعي والذي يجعل صاحبته تتمادى في الرذيلة والفحش، حتى أننا نجد الدكتور "غريب" الذي قام بعملية التجميل يرفض القيام بعمليات تجميل أخرى لأنه: "ـ لا أريد صنع مزيد من العاهرات" ص94، فرغم الجمال الشكلي/الظاهر الذي أوجده إلا أنه يجده جمال غير أخلاقي يقود صاحبته إلى الدعارة.
ونجد في قصة "أجيء ورائي" الحب في غير موعده، الاقدام على فعل مراهق من قبل خمسيني، وهذا أيضا يشير إلى ما يحمله الراوي من عدم انسجامه مع الواقع.
كل هذا يؤكد عدم سوية الحال/الواقع الذي يمر به الراوي، لهذا وجدناه يستخدم هذا الأحداث والمشاهد في ما قدمه لنا من قصص.
المجموعة من اصدارات وزارة الثقافة، عمان الأردن، 2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال


.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة




.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة