الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرص الضائعة

مازن كم الماز

2017 / 9 / 3
كتابات ساخرة


سقطت بغداد عام 1258 بمجزرة على يد المغول , كان ذلك حدثا "جللا" لم يتوقعه أحد , لا الخليفة العباسي ( الذي اتضح أنه سيكون آخر الخلفاء العباسيين ) و لا رعاياه أنفسهم .. كانت تلك لحظة مناسبة لمراجعة النفس .. فمع بغداد و الخلافة سقطت الكثير من التوهيمات التي كان أجدادنا قد اعتقدوا أنها مطلقة الصحة و لا يأتيها الباطل لا من أمامها و لا من خلفها .. لكن سرعان ما جاء ابن تيمية ليؤكد لنا أن ما قاله السلف هو الحقيقة المطلقة بعينها و أن الفلسفة حرام و كفر و أن العلوم الواجبة هي دراسة ما أمر الله به و فهم ما نهانا عنه , و اكتشف مؤرخونا ابن العلقمي و اعتبروه المسؤول الوحيد عن "النكسة" , و جاء المماليك أخيرا "ليصدوا" الغزو المغولي ليصبحوا حكاما لأجدادنا مع نظرائهم العثمانيين و ليستمر حكمهم حتى قدوم الجيوش الفرنسية و الانكليزية عامي 1798 و 1916 .. و عندما "ثار" "الضباط الأحرار" اكتشف آباؤنا بعد حين أنهم من سلالة المماليك نفسها .. و عندما هزم كبيرهم , عبد الناصر , خرج آباؤنا إلى الشوارع ليعيدوا إليه صولجان القيصر الذي ما زال قائما حتى الآن .. سقطت بغداد مرة أخرى فعدنا و أكدنا لأنفسنا ( أو هذا ما قاله لنا ابن تيمية المعاصر ) أن ما كان عليه أسلافنا هو الحق و أنه علينا أن نموت دون ذلك .. ما زالت محاكم التفتيش و كنائس بيع صكوك الغفران هي من يحكم عقولنا , و ما زال المماليك هم من يحكمون أجسادنا .. سقط الاتحاد السوفيتي لنكتشف مع الربيع العربي أن كل اليسار المنظم , بمن فيه "هراطقته" التروتسكيون و الماويون , ما زال يدعوننا إلى السير على نفس الطريق التي انتهت قبل عام 1991 بوقت طويل مع مجزرة بحارة كرونشتادت و تجويع و سجن و قتل الملايين ممن كان يفترض بالبلاشفة أن "يحرروهم" , و أنهم ما زالوا يرددون نفس الكلام عن حتميات تاريخية و اقتصادية صنعت و تصنع كل شيء بطريقة لا تختلف عن إرادة أي إله .. غير صحيح أن الغرب "متفوق" علينا , العكس هو الصحيح .. و غير صحيح أنه يوجد شيء اسمه حقيقة مطلقة .. لأننا لا نستحم في نفس النهر مرتين كما قال هيراقليطيس و نقل عنه ماركس ؟!! .. و غير صحيح أن ما قاله أجدادنا , بعضهم بل بعض بعضهم البعض فقط , هو الصواب أو أنه الحقيقة الخاصة بنا دون سائر البشر .. و غير صحيح أيضا أننا بحاجة لمن يحررنا أو يقودنا أو يهدينا .. إن بغداد تسقط مرة تلو أخرى , لكن كلما سقط مملوك جاء بعده مملوك ( مع الاعتذار لأمل دنقل و سبارتاكوس * ) .. و كلما سقط ابن تيمية جاء بعده آخر , أحيانا بذقن العريفي أو الخميني و أحيانا
بذقن كارل ماركس ...

فخلف كل قيصر يموت : قيصر جديد !
و خلف كل ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..

كلمات سبارتاكوس الأخيرة – أمل دنقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا