الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يتم تحريف الدين في كل مرة ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا يتم تحريف الدين في كل مرة ح1

في كل مرة يقع الدين ضحية الأنا الفردانية بمعناها المرضي وليس بالدلالة التي تسلك بالإنسان الشعور بأنه مركز الكون وسر معرفته، السؤال الذي يثار بجدارة عندما نتهم الكائن الذي يتعامل مع الدين ويلتصق به في كل مناسبة أنه هو الفاعل والمتهم الأول في عملية التحريف والتزييف، لا ننسى أن هذا الكائن ذاته هو من يحمل رسالة الدين ويناضل من أجل أن ترسو بسلام في عقول الناس، إذا متى يكون الإنسان مفسدا في الوجود ومتى يمكن أن يكون بانيا لمجد الدين.
لو رجعنا في قراءة معمقة للنصوص نجد أن هذا الكائن المتهم مرة والممجد ثانيا بالنبل يرد بمسميات عديدة، تبدأ من أول النزول بلفظ (أبن آدم) وقبله وبعده تردد لفظ (بشر) ولكن الغالب على من يتهم بالسوء والضعف والظلم هو ما تشير له لفظة (إنسان)، بالتأكيد حينما يفرق النص الديني بين الإنسان والبشر في كل النصوص القرآنية مثلا فلا بد أنه يشير إلى مقارنة بين كونية الإنسان خالق المعرفة وموجدها، بكل طرق الأبداع والخلق بالقلق والشك والإحساس بأن صناعة المعرفة هي ملكة إنسانية مجبول عليها طبيعيا، بينما البشر الذي تعنيه النصوص وتشير إليه في مواقع قصدية محددة يتصف دائما بأنه ناقل بأمانة ومطبق بجدية لنهايات الأفكار الإيجابية.
كل ما خاطب النص الدين هذا الكائن بمسى الإنسان فأنه يشير حتما وبمطلق الإشارة إلى موطن من مواطن الضعف الوجودي له، لم ترد في عبارات النصوص والآيات هذه المفردة لتدل على القوة والقدرة على المحافظة على درجة الأستواء المطلوبة للتعامل مع الوجود والمعرفة والعقل ومنها الدين، السبب أن الإنسان عبارة عن محرك يدور بمبدأ التناقض والتضاد ثنائي القطبية، بينما البشر في كل الأحوال والأوصاف التي وردت في القرآن مثلا تشير إلى كائن متزكي يعمل بالطاقة الممنوحة فوقيا أو معد للعمل بمبدأ القطبية أحادية الفعل { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }الإسراء93، وتأكيدا على أن صفات البشر هي صفات أحادية جاء النص ليلمح إلى هذه النقطة بالذات من سورة يوسف { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31.
هنا نشهد أول تفريق بين حقيقة الكائن المعرفي الوحيد في الوجود، معرفي بمى أنه منتج وخالق وناقل ومور المعرفة دون بقية الكائنات، هذا الكائن منقسم حسب طبيعة ميكانيكية وألية خلق المعرفة وأنتاجها وأستعمالها إلى صنفين، الأول لا يصنع المعرفة من خلال أدوات العقل والمنطق والتجربة وما يؤسس لهذه العمليات، بل يتحصل عليها جاهزة أو مكلف بنقلها أو له طريقه الخاص بالوصول لها، فهو كائن لا يمكنه أن يتعامل مع ما ينتجه إلا كما يتعامل مع حقائق ثابته، بينما الصنف الأخر من الكائن المعرفي لا يمكنه ومن منطق التكوين الأولي إلا أن يخضع كل فكرة أو مفردة معرفية أو رؤية تصله إلى سلسلة من المعالجات تبدأ من اشك وتنتهي أحيانا بالتدوير التناسبي مع حدوده العقلية أو إمكانياته بالقبول.
فهو يفصل الفكرة على وفق معاييره الخاصة أو وفق مقدماته وأحيانا يخضع الفكرة الواردة إلى ذات القولبة التي يعيشها، العبد مثلا والذي لا يمكنه أن يطالب بحرية ومستلب القدرة على الشعور بالدونية حينما يؤمن بدين يدعو للتحرر، نراه يستغرق في كل وجوده الذاتي في مفصلات الدين وتفصيلاته وكأن الدين والديان هو السيد الذي أستبدله من سيده القديم، بينما البدوي المشبع بالفردية والذي يعيش حياة التهرب من كل ألتزام حتى لو كان للسكن أو محاولة البحث عن مقر له، نجده أكثر الناس تمردا على الدين ويحاول أن يقزم الأخير إلى القدر الحاد بين الكفر به أو التمسك به على الأسمية {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة97.
هذا التحليل ليس عنصريا ولا يشير إلى خصيصة ذاتية تتعلق بالتفريق بين الناس، ولكن بالتأكيد أن النواحي السيكولوجية التي لها القدرة على صياغة شخصية الفرد في التعامل مع القضايا والأفكار والمواقف لها أحكام شبه عامة وجدية أحيانا تصل إلى كونها قانون سيكولوجي مجرب، أكثر الناس قدرة على التعامل مع النظام والقانون والمنظومة الضبطية هم الأكثر قدرة على فهم الدين والتعامل معه بواقعية، أولا لكونهم قد ألفوا الخضوع لأحكام عامة ومجردة كمواطنين تحت عقد أجتماعي ما، ثانيا توفر مصادر المعرفة وتنوع في ممارستها مما يجعلهم الأقرب إلى فهم التحولات والتبدلات التي تأتي بها الأديان.
المشكلة بالمجموعة الأولى وم العبيد والأعراب ومن هم متشاركين بالوصف السيكولوجي بعيدين جدا عن التأثير في الفكرة الدينية، فهو أما يغرق فيها تماما حيث تتحول لدية مجموعة خطوط حمر لا يمكن حتى التفكير بالأقتراب منها، أو أنه يراها مجرد عذر لا يمكن التفريط به كمالا يمكن التمسك به، فهو يحاول أن يهرب منها قدر الإمكان الذي يحفظ له الإنتساب فقط ولا أزيد، أما المجموعة المدنية أو أهل الحواضر التي تعلمت الأجتماع وخضعت للقوننة فهي الأكثر جدلا والأشد في مناقشة الفكرة الدينية في محاولة منها لمعرفة أولا، كيف يمكن لهم الأستفادة القصوى من إمكانيات الفكرة على المستوى الفردي، وثانيا محاولة فهم المخارج والمداخل ونقاط القوة والضعف في أصل الفكرة، ليسهل لهم التعامل مع ضوابطها وأحكامها وكيفية التغلب على الإشكاليات العملية التي تطرحها.
من هذا التحليل نشير إلى جملة حقائق وإن كنا نقصرها على الدين الإسلامي بأعتبارنا مسلمين عانينا كثيرا من التحريف والتزيف في طول وعرض الفترة التأريخية التي أمتدت إلى أكثر من أربعة عشر قرنا من الأعوام الهجرية، النقاط التي يمكن أن نؤشرها هنا يمكن إيجازها بما يلي
1. في عهد الرسالة الأول وخاصة في الدور المكي وطبيعة المؤمنين الأوائل الذين دخلوا الإسلام وهم أقل الناس قدرة على المواجهة والتحدي، نراهم أكثر صبرا على ما لاقوه من أذى وتعذيب وجلد في مواجهة الوحش القرشي، غالب أولئك كانوا من العبيد والموالي والمساكين المستلبة حقوقهم ووجودهم ما عدا أقلية منهم كانوا من الأحرار، مثال ذلك عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وغيرهم من العشرات.
2. كان هؤلاء وبقوا على شدة إيمانهم لم بتزعزعوا ولم يتغيروا بل كانوا على درجة عالية من الطاعة والرضا بالدين، وكان لهم الأستعداد والمقدرة أن يمنحوا وجودهم من أجله، ونحن نتذكر أن عمار بن ياسر خرج لقتال معاوية وهو رجل في غاية العجز والشيخوخة.
3. في العهد المكي وبدايات العهد المدني كان المسلمون وغالبيتهم من الوصف أعلاه أو من القبائل الأعرابية التي دخلت الإسلام بطريقة أو أخرى، على توافق تام مع الدين بالطريقتين التي قدمنا بهم، منهم من هو مستغرق ومنهم من أمن وأكتفى بإيمانهم وأنتهت لديه المشكلة.
4. في الفترة المتأخرة من العهد المدني والأعوام اللاحقة ظهرت بعض الأفكار والأراء التي تحاول أن تقرأ الدين أو تتسائل عن قضايا قد تثير جدلا ونقاشا وتفتح أبوابا للتفكر والنقاش في قضايا لا يمكن أن تكون محل إثارة في الفترة الأولى من صدر الإسلام، وقد أخبر بعض المسلمين نبيهم أن أصابوا بعض كتب الأقوام السابقة وبدأوا يتسائلون عنها.
5. كان أختلاط المسلمين مع أصحاب الديانات السابقة وخاصة اليهود والنصارى وأحتكاكهم كمبشرين أو من خلال ما يثار من إشكاليات التجاور، أن أثار هؤلاء بعض الأسئلة أو الطروحات التي كان الهدف منها أما التعرف على حقيقة الديانة الجديدة، أو محاولة أحتواءها ومحاربتها، فصارت الكثير من الأفكار الإسرائلية تتسرب إلى المسلمين وخاصة في مجتمع المدينة المنورة.
6. بعد أنتشار الفتوحات الإسلامية أو ما تسمى كذلك وخروج الأعراب والعرب من المسلمين من الدائرة المغلقة عليهم بالصحراء، وأصطدامهم بمعارف وعلوم وأفكار لم يطلعوا عليها، جعلت الكثير منهم في صدمة معرفية أثارت لديهم الشهية لمعرفة كل ما يثار بوجههم أو يوضع بين أيديهم، في هذه الفترة أتسعت دائرة النقاش ومع تنامي قدرة المسلمين على التدوين والكتابة وأستقرارهم في الحواضن المدنية، بدأ عصر التفكير والتفكر والخلط ما بين الحقائق وأشباهها، نتيجة أو قلة الخزين المعرفي لهم فهم لا يملكون إلا القرآن الكريم وبعض أحاديث السيرة، بالمقابل المجتمعات التي أوتهم كانت تملك رصيدا حضاريا عميقا ومنوعا ومتعدد الأتجاهات
7. غياب مرجعية فكرية أسلامية جامعة ووجود التنازع والخصام الفكري حول الخلافة وقضايا أخرى شجع من جهة أخرى على حدوث أستقطاب فكري أستفاد منه خصوم الإسلام ومعانديه، من خلال هذا الغياب وبوجود الة التشرذم تسللت الكثير من الأفكار والنظريات التي لو تم فحصها على ضوء النسقية الفكرية لنصوص القرآن لوجدناها تتعارض بشدة مع محددات الإيمان بالدين الإسلامي.
8. لجوء المدونين والكتاب وأصحاب المعرفة الدينية نحو السلطة والشروع بالتخادم البيني بينهم وبين مراكز القرار السياسي، تحول هذا الواقع إلى سلاح في المعركة الدائرة بين المعارضة الإسلامية والغالبية الموالية، مستعينة هذه الطبقة من الكتاب وأهل المعرفة بكل الإرث الذي وجوده أمامهم، لم يكن هناك فحص وتحري ومقارنة ونقد، بل كانوا يؤمنون أن ما عند أهل الكتاب هو تمام الدين ولا مانع أن يتم الخلط بين الأفكار إلا ما يتعلق منها بالشرك.
9. مع توسع المعرفة الإسلامية وتراكم ما سمي بالفكر الإسلامي لاحقا في الفلسفة وعلم الكلام والتأريخ والفقه والعقائد، شكلت هذه المجموعة الهجينة من الأفكار مصدر تفسير وتدبير وتأويل للقرآن في مراحل لاحقة، هنا مثلا ظهرت التفسيرات اللغوية والتأريخية وتفسيرات المناطقة والمتكلمين للدين الإسلامي بعنوانه الأبرز القرآن الكريم، من جعل موضوع ما أختلفتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله فكرة عاطلة عن الفعل واللجوء إليها، وأصبح الأختلاف حتى في أفكار القرآن يرجع بها المسلمون إلى ما موجود أمامهم من معرفة دينية وفكرية وحضارية، والسبب يعود في كل ذلك إلى أن المسلمون نقلوا الواقع إلى الدين وفشلوا بنقل الدين إلى الواقع بالفكرة التي بنينا عليها هذا المبحث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah