الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يتم تحريف الدين في كل مرة ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان من نتائج ذلك أن أصبح الدين واحدا من المعارف التي يمكن مناقشتها، بل يمكن حتى محاولة دحض الكثير من الأفكار التي كانت تعتبر حدود محصنة لا يفكر المسلمون بالتقرب منها، كما تسللت الكثير من المتناقضات الفكرية وأساليب فهم وتعقل النص لديني، ودخلت معارف وعلوم غريبة عن المجتمع الإسلامي، لتشكل لاحقا جزء من المنظومة الفكرية له، من خلال كل ذلك نجح الإنسان صاحب القدرة المزدوجة والمحرك ثنائي القطبية أن يطوع الدين لخدمة أهداف معينة وصل لها نتيجة التطور الطبيعي له في مجتمع متحول ومتغير، خاضعا باللا وعي لقوانين ومتطلبات التفكير حين يكون مصلحيا وبأهداف ذاتية متجردا من أهمية المحافظة على روح وجوهر السمو المعرفي للدين وأهدافه النبيلة.
من نتائج ما تقدم يمكننا أن نسجل هنا بعض الحقائق التي أدركناها من عمق التجربة الدينية والتي لها علاقة في الإجابة على السؤال الأول، لماذا يتم التحريف في كل مرة، من هذه النتائج وإن حصرنا أستدلالنا هنا فيما وقع فيه الدين الإسلامي تحديدا دون غيره هي :
• ينقسم الناس من حيث تعاملهم مع الإيمان وكيفية إدراكه وطريقة تعاطيهم مع تفصيلات وتفريعات وجزئيات وكليات الدين إلى مستويات نفسية (سيكولوجية) وأجتماعية لثلاث درجات كما أسلفنا، كلما تقربنا من الأستقرار المدني والتعود على الحياة المنتظمة بقوانين وأطر فكرية وعلمية، كلما أصبحت علاقة المؤمن مع الدين علاقة يسودها نوع من التشكيك ومحاولة فهم ما هو خارج المتعارف، وكلما أبتعدنا نحو الريف والصحراء والخضوع للنمط الأجتماعي والقبلي وتمركز السلطة في يد زعيم أو شيخ القبيلة ، يتحول الدين الفردي إلى مجرد ظل لدين الزعيم أو المالك للقوة، بغض النظر عن كون هذا الزعيم أو القائد يطابق إبمانه مع الأسس أو يختلف معها.
الدين هنا جزء من نمطية العلاقة السائدة في الثقافة القروية والبدوية، ولكن عندما ينتقل هذا القروي والبدوي من مجتمعه إلى مجتمع المدينة، فالمهمة الأولى له البحث عن سيد أو زعيم له، لأن قيم الإتباع والطاعة وفقدان الإستقلالية الذاتية في الفكر والأنتماء مترسخه لديه، هنا يكون البحث عن القوي وليس عن الصحيح، فهو أمام خيارين سلطويين، أما السلطة الزمنية أو السلطة الدينية، فإذا نجح في الوصول إلى الإحساس بوجود الشيخ الرمز أو الزعيم الرمز، يحاول أن يثبت له ومن خلال الزحام أنه مطيع تماما له أو مخلص بدرجة عالية للحال الجديد.
وهنا تظهر أولى علامات التطرف عند الوافدين أو الذين يظنون أنهم تخلصوا من سطوة الواقع القديم ليس كنتيجة حتمية لوجودهم في هذا الحال، بل لوجود قابلية طبيعية أن يتحول الفرد فيهم لهكذا مصير إن تزاحمت في خياراته العقلية مسألة الأنتماء أو أستشعر ضرورة البحث عن عنوان جديد في ظل التغير الحاصل، لذا لا غرو أن نشاهد هذا النمط المتحول من الولاءات الشاذة عن المدنية في كل المجتمعات النازحة نحو المدن والحواضر التي تتمتع بصفات الأستقرار وتمركز السلطة بشقيها الديني والسياسي، وخاصة تلك الفئات التي تعاني من إشكالات قانونية أو معيشية أو حتى وجودية.
• المستوى الثاني من المتعامليين مع القضية الدينية بإلحاح وقوة وداخل المجتمعات المدنية، هؤلاء ينقسمون إلى فئتين مناقضتين الأولى التي تستشعر إنتمائها ووجودها مرتبط بالدين وبقاءه قوة رئيسية من قوى ومحركات المجتمع، هؤلاء أكثر محافظة وأشد في تعاملهم مع الدين على أنه أسوار محمية بوجودهم، هنا يتم الخلط بين ما هو ذاتي وبين ما هو موضوعي ويتحول الدين إلى هوية خاصة، وأكثر المتطرفين في القراءة المحافظة لفكرة الدين هم من الأقوام التي حملت الفكرة وساهمت في أنتشاره تحت دواعي (الأنا).
أما الفئة الثانية والتي تعتبر أن الدين الوافد إليها مجرد ضيف حضاري فرض بطريقة أو أخرى لواقعهم الفكري والثقافي وإن كانوا لا يحبذون المواجهة المباشرة، ولكنهم وبما يملكون من عمق وأصالة في أنتمائهم للواقع الحضري يحاولون أكتشاف نقاط الضعف والقوة في الدين، والمواجهة تكون خفية أو تكون النية في خلق تدين متناسب ومتوازن بين عمقهم الحضاري ومتطلبات الدين، لذا نجد أكثر ما يسمى بعلماء الإسلام ومفكريه هم من هذه الفئة أو من الأقوام التي دخلت الإسلام بظرف الفتح والغزوات وحتى مع مرور الزمن يبقى الهاجس الذاتي الحضاري مهيمنا على واقعهم الفكري.
• ويبقى السواد الأعظم من المسلمين هم الذين لا خيارات لهم في ما يختاره المنتمين للمستوى والأول والثاني، أولا لعدم وجود ما يدفعهم للتطرف فهم يرون في ما حدث مجرد تحول طبيعي لا يمس مصالحهم وهويتهم، وثانيا أفتقارهم أو عدم أهتمامهم بقضية الإرث الفكري لإنشغالهم في قضايا أهم وأجدر بالمتابعة من الأنخراط في الصراع الديني والحضاري، وإن كانت هذه القاعدة الواسعة من المسلمين طبيعيا أن تكون وتحت تأثيرات الأزمة قادرة بالقوة للأستجابة في أي لحظة للتحول إلى أحدى الفئتين حسب الخلفية التي ينحدرون منها أجتماعيا وطبقيا.
المستخلص الأساسي من البحث أن الدين كلما أحتك بثقافات وحضارات وأديان تشكل منظومة معتبرة عند الشعوب القادم إليها، سوف يتعرض إلى جملة من التغيرات الحاصة من التلاقح أو الصراع الخفي معها، لذا فأن الفترات المبكرة من وجوده في الواقع هي الأقرب للصورة النمطية التي جاء بها، وكلما أبتعدنا زمنيا ومكانيا عن مركز الرسالة أو مكان نشوءه ظهرت لنا تفسيرات وقراءات لها وجهة نظر أخرى قد تمس حتى ما يسمى بالثوابت الإيمانية البدية فيه.
فلا عجب مثلا أننا نرى اليوم الكثير من الدعوات لأعادة فهم الدين وكيفية التعامل معه على أنه واحدا من المعارف القابلة للتطور تنتشر بقوة وتفرض لها حضورا فاعلا وصل لمرحلة حرجة تنادي بفصل الدين عن مجمل الواقع وحصره في حدود ضيقة لا تتدخل في رسم التوجهات العامة ولا تؤثر فيه، ليس فقط بتأثير التطور العقلي المصاحب لحركة الزمن وتأثير التراكم الثقافي، بل تلعب العوامل النفسية والأجتماعية التي تفرض نفسها بقوة على خيارا المجتمع كأفراد أو كواقع من تأثيراتها على الأنتماء الديني كيفي ونوعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س