الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصور الشعرية عند -محمد العموش-

رائد الحواري

2017 / 9 / 4
الادب والفن


الصور الشعرية عند
"محمد العموش"
من سمات الأدب الجيد وجود صورة أدبية تمتع المتلقي للنص/للقصيدة، ووجود لغة قادرة على اختراق وتجاوز ما هو عادي/رتيب، وأيضا تناول الفكرة التي تحملها اللغة وتظهرها الصورة الأدبية، وإذا ما اجتمعت هذه العناصر نكون أمام نص إبداعي متألق، فالمتعة حاضرة، والتغير موجود، والفكرة الإنسانية/النبيل مؤثرة فينا، وإذا ما توفرت احدى هذه المكونات يمكننا أن نقول بأن النص/العمل الأدبي جميل، فما بالنا إذا ما توفرت جميعها؟، بالتأكيد سنكون أمام نص متألق، وهذا ما قدمه لنا الشاعر "محمد لعموش" في قصيدته التي يفتتحها:
"ماءٌ بغيمةِ غُربتي ثَجّاجُ"
قلنا في موضع غير هذا أن فاتحة النص الأدبي مهمة جدا للمتلقي وللنص أيضا، حيث هي من يقرب ويعطي القارئ لمحة، فكرة مختصرة عن فحوى النص، وهذه الفاتحة التي تبدأ بالماء عنصر الحياة، يحوله لنا الشاعر من مكانه الطبيعي ـ الأرضي ـ إلى السماوي "الغيم" لكننا نكتشف بأنه ليس الماء الذي نعرفه بل ماء آخر، ماء الغربة، لهذا أقرنه الشاعر بكلمة "ثجاج" مما يجعل المتلقي يشعر بحالة الصراع في القصيدة، وهذه الصراع هو الحرك والمحفز لمعرفة هذه الجمع بين المتناقضات، الماء عنصر الحياة، والغربة سبب الألم والعذاب.
إذن من المحفزات على تناول القصيدة وجود حالة الصراع، الاضطراب، وهذا الأمر يثير القارئ ويجعله يأخذ القصيدة على محمل الجد والتأمل، من هنا نجد الشاعر يكمل البيت:
" أحتاجُ بَوحاً ، كيف لا أحتاجُ ؟!!"
وهذا المقطع أيضا يقربنا فيه الشاعر من قصيدته، فهو، يجد فنا، نحن المتلقين للقصيدة، أهل لبوح ما في صدره من ألم، فنحن من المقربين عنده، لهذا خصنا بالكلام عما يحمله من مشاعر تؤلمه/توجعه، فنحن وسيلته، وغايته للتفريغ عن هذا الألم.
ينصحنا الشاعر بهذه النصيحة:
"لا تشربوا ماءَ القصيدةِ إنّها
- مُزِجَتْ بملحِ الموحشاتِ - أجاجُ"
من عناصر التفريغ عند الكاتب/الشاعر، المرأة والطبيعة والكتابة والثورة، يصور لنا الشاعر إحدى هذه عناصر "القصيدة" والتي من المفترض أن تحمل شيء من التفريغ والتهدئة، بشكل مغاير، غير مألوف، فالقصيدة من المفترض أن تكون وسيلة للمتعة، الخروج من حالة القسوة، تخفيف الألم، لكن "محمد لعموش" يحذرنا منها، فهي قصيدة صعبة لما فيها من ألم، فهل هذا صحيح، وهل هو منسجم مع الشكل واللغة والصور التي قدها لنا؟
بالتأكيد سيكون الجواب بالنفي، فالصور الشعرية/الأدبية رغم الفكرة القاسية التي تحملها إلا أن الشكل الجميل يمتع المتلقي، وهذه المتعة تشير بطريقة ما إلى الانسجام بين ما جاء في فاتحة القصيدة" الصراع"، بين "الماء وغربتي" لكنه صراع قدم/جاء بشكل ايحاء، غير مباشر، وهذا من جمالية القصيدة، ما يؤكد حيوية الشاعر وقدرته على استخدام لغة وصور تخدم الفكرة التي يريدها وبشكل غير مباشر.
من صورة الصراع هذا المقطع:

"ضَرَبتْ أعاصيرُ النّوی بحرَ الهوی
!!مَدّاً ، فهل تستأذنُ الأمواجُ "
إقران حالة الصراع بعلامة سؤال، يجعل المتلقي يتوقف عند المشهد، متأملا ما أريد من وراءه، فدائما السؤال يثير المتلقي ويجعله يهتم أكثر في الكلام/المشهد.
يستخدم الشاعر ألفاظ تشير إلى ما يمر به من ألم من خلال هذه الابيات:
"واللّيلُ مُعتَكَفُ البكاءِ ، وحُرقتي
وجعُ البُراقِ ، وآهتي معراجُ
هاجتْ بكَ الأشواقُ ، هَدِّئْ روعَها
كي لا يموتَ بعصفِها المُهتاجُ"
الفاظ "الليل، البكاء، وجع، لآهتي، هاجت، يموت، عصفها" كلها تشير إلى حالة صعبة وقاسية، وتأكد على وجود واقع غير سوي يمر به الشاعر، لكن الصورة التي قدم بها هذا الألم صور جميلة، "ليل معتطف" "هاجت الاشواق، يموت بعصفها" مثل هذه الصور الجميل تعطي القارئ شيء من الراحة لما فيها من سلاسة وجمالية تخفف من وطأة الفكرة القاسية/المؤلمة.
بعد هذه المقاطع التي تعطي فكرة الألم والقسوة يقدمنا الشاعر من دوافع تمسكه بالأمل، بالفرح الذي يرفعه مرة أخرى إلى "ماء السماء" النقي، والبعيد عن التلوث الأرضي/"الغربة" يقول:
" فلديكَ بيتٌ دافئٌ وقصيدةٌ
مِعطاءةٌ ....شفّافةٌ ... مِغناجُ
ولديكَ أطفالٌ كأنّ قلوبَهم
لمّا تُصابَ بعتمتيكَ سِراجُ"
يقدم لنا الشاعر عناصر التخفيف "الكتابة/القصيدة، والأسرة/الأطفال لكن هذا التقديم جاء منسجم بين الشكل والمضمون، بين الفكرة والطريقة التي قدمها لنا، فالصور جميلة والفكرة كذلك، فعندما جعل قلوب الأطفال سراج في العتمة، جمع بين عنصرين البياض/اللون، والإنسان/الأطفال، وتكمن في هذه الصورة جمالية جامعة بين الطبيعة والإنسان، بدون أي شوائب تشوه هذه الصورة الصافية والنقية.
يعيدنا الشاعر إلى حدث ماضي، ما زال يحمله ويؤثر عليه بشكل كبير، مشهد الوداع/الفراق:
" رجموكَ بالنّظراتِ يومَ فراقهم
وكأنّ قلبكَ في المطارِ زجاجُ"
من أجمل الصور التي يمكن أن يقدمها كاتب/شاعر، عن حالة الفراق، وما كان لهذه الصورة أن تأتي بهذه الألفاظ "الرجم والزجاج" إلا أن كان مصورها فنان أو شاعر، فهي تخدم فكرة الصراع الداخلي عند الشاعر، وأيضا قدمت بشكل جميل ورائع وممتع في ذات الوقت. الأثر الذي تركه أطفاله لم يكن آنيا فحسب، بل حمله معه، وهو من جعله يمر/يشعر بحالة الغربية، لهذا يقدم لنا هذه الصورة:
" طُفتُ البلادَ ولمْ أغادرْ قريتي
رَحِمي هنالك ، والبلادُ خداجُ"
حركة متناقضة بين الجسد وابتعاده عن المكان من جهة، وحركة الأحباب من جهة أخرى، فالروح، النفس، المشاعر تبقى مكانها ثابتة في موضعها لم تتزحزح قيد انملة، رغم حركة الجسد البعيدة.
ويختم لنا الشاعر قصيدته بهذا المقطع الذي يتحفنا به، وينهي فيه الصراع الذي يمر فيه، فيقول:
" ماذا تريدُ من الحياةِ ؟!! يقولُ لي
قلبٌ كأنّ هديرَهُ ميراجُ
أحتاجُ قبراً في حمايةِ تينةٍ
قد أرهَقَتني ها هنا الأبراجُ"
من يتوقف عند هذه الصورة يتأكد أنه أمام شاعر متمكن، يتقن فن الشعر، ويجيد تقديم افكاره، من خلال الربط بين الألفاظ والمضمون، بين الصورة ودلالتها الفكرية، لهذا نجد في القصيدة متعة ولغة وفكرة ومشاعر وهي مبتغانا من أي نص أدبي.
ملاحظة: القصيدة منشورة على صفحة الشاعر، على الفيس بوك










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا