الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم الكنز ..بين السيناريو المفكك وإرتقاء الأداء

رياض حسن محرم

2017 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


غامرت بالذهاب الى السينما في زحمة أيام العيد، مغامرة لم أندم عليها كثيرا فقد ردتنى عشرات الأعوام الى الخلف، أيام أن كنا نحرص على النزول لمحطة الرمل ودخول السينما في العيد، لم تكن خيارات الأفلام كثيرة لذا كان إنحيازنا " أنا وزوجتى" الى المخرج شريف عرفه وفيلم الكنز.
الكنز فيلم لشريف عرفة، والمؤلف عبد الرحيم كمال يربط الأحداث الحب المستحيل وفساد وسطوة بعض رجال الدين عبر العصور على السلطة ، إذ يشتبك العمل على جميع الأصعدة بصراعات داخلية وخارجية، وإسقاطات سياسية ودينية، الاقتراب من النفس البشرية ورغبتها في الانتقام وتعلقها بالسلطة، ورغبتها في الاستحواذ على كل شيء في نفس الوقت، إذ نرى في العصر الفرعوني صراعا داخل الملكة «حتشبسوت» بين كونها أنثى، وكونها أول امرأة تجلس على عرش مصر، تقاوم محاربيها والطامعين في العرش، و تتضطر إلى أن "تسترجل" حتى يمكنها مواجهة الكهنة ورجال الدين الطامعين، ومن ناحية أخرى حتى تكبح جماح «تحتمس الثاني» زوجها وأخيها، والذي يرى أنه أحق بالحكم منها، وفى نفس الوقت تتحكم في عاطفتها الأنثوية تجاه مهندسها الأعظم بانى معبد الدير البحرى سننموت، وفي العصر العثماني، يتكرر نفس الأمر، مع قصة «علي الزيبق»، إذ يعيش صراعا بين رغبته في الانتقام من «صلاح الكلبي» الذي قتل والده، وبين حبه لابنته «زينب» التي قامت بدورها الفنانة روبي، قصة ثالثة في العصر الحديث، وبالتحديد في فترة الأربعينيات بطلها بشير الكتاتني، رئيس البوليس السياسي، الذي قام بدوره الفنان محمد سعد، والمطربة نعمات رزق، التي قامت بدورها الفنانة أمينة خليل، وكيف يضحى رجل البوليس صاحب السلطة بشقيقه «مصطفى» من أجل كرسيه، يقول: «كل لما كرسيك يعلى، ممكن تعمل أي حاجة عشان متخسرش الكرسي ده»، إلا أننا نشهد فيما بعد الجانب العاطفي داخله، عندما يقع في حب المطربة نعمات رزق، وتتبدل أحواله ومحاولته لنيل قلب المطربة الشابة، لكن في نفس الوقت، يخشى من ارتباط اسمه بها؛ بسبب مكانته ومنصبه، فهل ينال كل شيء؟.
أظهر الشريط السينمائى تطورا أعتبره إيجابيا أن يقبل الفنان محمد سعد النصائح أن يغيّر من طبيعة أدواره الهزلية التي تعتمد على الإيفيهات والحركات الجسمانية الى أدوار أكثر عمقا تظهر الفنان الحقيقى بداخله، وكان جرأة منه أن يقبل دورا في فيلم محسوب للفنان محمد رمضان من جهة ودورا دراميا خالصا من جهة أخرى (ربما يذكرنا بالدور الذى قام به نجيب الريحانى في فيلم غزل البنات)، أيضا لاحظت نضجا فنيا للممثل أحمد حاتم في تجسيده لشخصية حسن إبن الباشا الذى لعب دور الراوى رابطا بين أحداثها، أول مشاهد الفيلم نرى «حسن» الشاب يقول: «أنا حاسس إني ماليش جذر»، كما أن محاولته لبيع القصر وتراجعه عنها، ربما يكون هو الكنز، وهو الإسقاط الأكبر في الفيلم، كون أن التاريخ والأرض هما الكنز الحقيقي الذي يجب أن يحافظ عليه الإنسان، ولا يفرط فيهما، فكما قيل داخل الفيلم أن الذي لا يحافظ على تاريخه وأرضه لن يكون له مستقبل، لفت نظرى أيضا تلك الشخصية التي لعبت دور خادم الباشا في الفيلم.
حاول كاتب القصة "عبد الرحيم كمال" الإيغال في الكتابة الملحمية " كانت بدايات ظهوره في مسلسل الخواجة عبد القادر" ولكن يبدو أن الخيط أفلت منه وإتسعت قماشة العمل عليه في محاولته الربط بين ثلاث عصور مختلفة من التاريخ المصرى، بينما حافظ المخرج شريف عرفة على قيمته الفنية منذ فيلمه الإرهاب والكباب، رغم وجود بعض الكبوات المؤقته في الطريق إلّا أنّ عرفة يظل علامةً مميزةً في الإخراج المصرى، كتب عبد الرحيم كمال قصة شاب يعود من أوروبا بعد موت عمه ليبيع بيت العائلة ويعود فيفاجأ بأنّ أبوه ترك له إرثًا لا يتمثل في البيت فقط، بل شرائط مسجلة صوت وصورة، وملفات تحكي سير قديمة لعلي الزيبق وحتشبسوت والكثير من الشخصيات التي تخطفه، فلا يعرف ماذا يجب أن يفعل بالضبط حيال ما يقرأه ويعرفه، ثم يأخذنا الفيلم في رحلة عبر ثلاثة أزمان، زمن حتشبسوت والمعابد والنقوش الفرعونية الملونة والملابس التي كانت متقنة للغاية، وزمن علي الزيبق ومصر القديمة بأحيائِها العريقة وزمن الشطار ومقدمي الدرك والولاية العثمانية، وإنتهاءا بزمن الملك فاروق والبوليس السياسي، كل زمن يحكي حكاية مختلفة تنتهي عند حسن الشاب العائد من أوروبا والذي لا يفهم بالتحديد ماذا يريد له أبوه أن يفعل، ونحن معه لا نفهم، تأخذنا حركة الكاميرا والألوان والمشاهد المتقنة العلوية للقاهرة القديمة جدًا، فندرك أنّ كل شيء في الفيلم مصنوع بإتقان بدءًا من المؤثرات الخاصة والجرافيكس، وصولًا إلى مكساج الصوت في الأغنيات التي يؤديها ممثلون على الشاشة ومغنون وراء الكواليس، كل هذا تحت قيادة شريف عرفة، الذي هو بالفعل لا يخرج فيلمًا فقط، بل كما ذكر على التتر هو صاحب رؤية سينمائية.
لقد أجاد المخرج إختيار الكاست الفني "الاّ قليلا"، وهو مالم يحدث مع باقي شخصيات العمل الذي كان كل منهم في مكانه تمامًا ومميزًا بشكل خاص جدًا، وبالطبع مقارنة بعدد الشخصيات والنجوم الذين ضمهم الفيلم، لن تنتبه إلى أنّ هؤلاء الشخصيات لم يكونوا موفقين تمامًا، خاصةً أنّهم لم يفشلوا هم فقط لم يكونوا مبهرين كأقرانهم في نفس العمل، بعض السفطات الصغيرة في ميكياج أحمد رزق وهيثم أحمد زكى في إطار إظهارهم طاعنين في السن، كذلك بعض سقطات الديكور لكن ذلك لم يؤثر على العمل ككل وغطى عليه بقية الجوانب المتقنة.
أزمة الكنز في أنه فيلم يحمل قدرا من التشوش والشحوم الإيقاعية –ناهيك عن طول الزمن الذي يقترب من الثلاث الساعات– بشكل يجعله ثقيل الحركة فكريا وشعوريا، بل إنه يبدو حتى على مستوى النوع غير منضبط الهوية، خصوصا أن عرضه في العيد جعل من جمهور غالبيته من الشباب والأطفال غير قادر على تحمل هذل الإيقاع ويجتهد لخلق ضحكة من المشاهد، فنجده آنا يقهقه لكلمة أو حركة لمحمد سعد أو لإفيه يطلقه محمد رمضان على إستحياء، فبعد مرور الساعة الأولى من الفيلم يكتشف الجمهور أنه خدع، فليس ذلك هو محمد رمضان بصولاته وجولاته، ولا الآخرين وليست هند كهند أو روبى كروبى، كذلك القصة يزداد غموضها وصعوبة طلاسمها بين عصور مختلفة لا يوجد رابط واضح بينها سوى الكنز الذى لا يعرف كنهه ولا مكانه وسينتهى الفيلم دون أن نعرف، وجود كنز ما (مجهول وغامض وغير معروف مكانه) مدفون منذ آلاف السنين في أرض الأقصر الجنوبية "على ما يبدو" لأن السرد حافظ على غموضه لدرجة مزعجة فلم نعد ندري هل هو معادن نفيسة أم مخطوطات خارقة مرتبط وجودها بتاريخ مصر على مر ثلاثة عصور تمثل ثلاث هويات حضارية، الفرعونية (حكاية حتشبسوت) والعربية (سيرة علي الزيبق)، والمدنية الحديثة (حكاية اللواء بشر باشا رئيس القلم السياسي)، والتي تستمر بشكل ما ممتدة في إرثه الغريب الذي تركه لابنه الباحث في علم المصريات الذي يعود للجنوب عام 1975 ليقرأ ويعرف ويستخرج الكنز أو يستمر في حراسته مثل كل من سبقوه.
ما ميّز العمل في تقديرى أنه فصل بين مراحل التاريخ المختلفة ولم يجر على مرحلة لحساب الأخرى، حتى نجوم العمل إكتفى بوضعهم في مرحلة واحدة مستقلة، فشخص مثل محمد رمضان "الذى ينسب اليه بطولة العمل" وضع فقط في مرحلة حسن رأس الغول وعلى الزيبق ولم يتغول على باقى المراحل، لكن أزمة الحكايات الثلاث أنها لا تدور من خلال سياق إيقاعي منضبط على مستوى الكتابة، حيث يطغى زمن السرد لحكاية على زمن السرد لحكاية أخرى، بشكل يجعلنا في مرات كثيرة ننسى الحكايات الأخرى ونستغرق في حكاية واحدة، إن حكاية بشر باشا تحديدا تمتلئ بالتفاصيل أكثر من الحكايات الأخرى، وهو ما يجعلها تطغى في زمن الحكي على بقية الحكايا القابعات في البرديات والسير، حتى أخوه الذي ألقاه في السجن لأنه مدمن كوكايين واستمر لأجل لا نعرفه. وعندما يظهر عبد العزيز مخيون، في دور شخصية غرائبية لا ندري هل هو كاهن أم جني أم مجذوب، وفي شكل يشبه «حسن البنا» مرشد الإخوان بلحيته وطربوشه في منظر دخيل على الفيلم.
إن حكاية حتشبسوت في الفيلم تتسم بالبساطة والسذاجة االتي نجدها في قصص الأطفال والسندريلا، ناهينك عن تأثر الفيلم بشخصية الأميرة «عنخ» بنت آمون التي كانت محاربة أمازونية من طراز رفيع، لم تتمكن هند صبري في شخصية حتشبسوت من مجاراة لياقتها البدنية في مشاهد الاشتباك مع جنود الكاهن الأكبر، حكاية لا هي بالعاطفية، ولا هي بالتاريخية، ولا هي بالفلسفية، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الجمل الساذجة التي ينطقها الحكيم "إن" أو عبد العزيز مخيون هي خلاصة فلسفية لأي شيء، بل تبدو مكررة في كل تفاصيلها بشكل مستفز (الأميرة التي تحاول أن تتقرب من الشعب فتلتقي أحد العامة وتقع في حبه دون أن يدري أنها صاحبة العرش، ثم تنشأ بينهما علاقة خاصة لأنها متزوجة من الفرعون لأسباب سياسية، بينما قلبها مع أبي العيون المكحلة والشعر الرمادي).
حتى حكاية على الزيبق الذى سجّل المغنى الشعبى أدق تفاصيلها فحاول المخرج أن ينقلها عبر مغنى شعبى "غير لائق على الدور" ليدخلنا في رحلة قدرية لا هي بالمقاومة الشعبية " كما تظهر في أعمال نجيب محفوظ الملحمية" أو في سينمائيات صلاح أبو سيف، وتم تقديمها بنفس الشكل الطفولي البسيط دون تراكيب درامية وبشخصيات مسطحة أحادية البعد، حتى شخصية «علي» نفسه (الذي يبدو شابا عابثا يملك بعض القدرات الحركية الطريفة)، وليس البطل الذي يعاني من أزمة مركبة تكونت عبر طبقات من حياته السابقة؛ حين قُتل أبوه غدرا، وتربي غريبا مع أمه "فاطمة الفيومية" أو سوسن بدر، وينشأ ليجد قاتل والده هو أبو حبيبته بالطبع كما تقول الحدوتة، لا ينفى ذلك محاولة إستغلال خفة ظل محمد رمضان في شخصية على الزيبق المعجباني الذي يريد أن يوقع البنت الحلوة زينب في حبائله فيستدرجها بصباع من حلوى صوابع زينب كرمز للعشق الممنوع.
ربما يمكن لنا أن ىنغتفر أخطاء تاريخية في الجزء الفرعونى أو المملكوكى من الرواية فلم يكن تسجيل تلك المرحلتين بالدقة الواجبة، ولكن في حكاية الباشا بشر في الأربعينات فلا ندرى لماذا أقحم المؤلف دورأنور السادات بشخصية كاريكاتورية دخيلة على العمل مع عدم الدقة التاريخية في علاقته بمقتل أمين عثمان حيث كان دوره الحقيقى تخاذليا وهامشيا ولعب الدور الأعظم في العملية "حسين توفيق" الذى لم يكن وفديا كما تم ذكره بل ينتمى لحركة مصر الفتاة والحزب الإشتراكى.
على ما يبدو فإن الكنز يقف في المنتصف من كل شيء، من العمق ومن التسلية، من الكوميديا ومن الفانتازيا والأكشن، ولكنه في النهاية عمل جدير بالمشاهدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام