الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (83) العقل التحليلي

بشير الوندي

2017 / 9 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (83)

العقل التحليلي

بشير الوندي
------------
مدخل
------------
تحليل الاستخبارات هو تطبيق الأساليب المعرفية ودراسة المعلومات واختبار الفرضيات , والتمييز بين المعلومات المضللة والصحيحة لتجنب الوقوع بالمكائد .
ويشكل العقل التحليلي الاستخباري جوهر مقولة ان "الطريقة المثلى لأداء العمل الاستخباري هي استخدام أدنى عدد من الأفراد الذين يملكون أكبر القدرات الممكنة" , فالعمل الاستخباري ينقسم الى قسمين جوهريين هما جمع المعلومات وتحليل المعلومات , فالمعلومة هي مادة خام يمكن تشكيلها بمختلف الاستخدامات , ولاقيمة لها مالم تصقل بالتحليل .
فالجهاز الاستخباري الفاقد لعقول تحليلية يكون عاجزاً عن فهم الامور وغير قادر على الافادة من المعلومات , وهو امر لاقيمة للمران والتدريب فيه , مالم يمتلك المحلل ملكة فكرية وعقل منظم ونظرة ثاقبة يمكن تطويرها .
ان ابرز الحلقات الاستخبارية هي التحليل , وفي الدول المتقدمة لا تكتفي الاستخبارات بمراكز تحليلها بل تشجع الى استحداث مراكز تحليل ودراسات في جميع المجالات وتتعاقد معها لتضيف خبرات اضافية حقيقية تساهم في فهم الحقيقة ووضع الحلول
-------------------------
مؤثرات التحليل
-------------------------
يتأثر العقل التحليلي بعوامل كثيرة تجعله غير قادر على قراءه المستقبل , اخطرها النظرة العاطفية للامور , والنظرة المتأثرة ببيئة المحلل الاجتماعية وقناعاته المتبناة والموروثة كالدين والقومية والعقيدة والعادات والتقاليد.
فالتقييم والتحليل بدوافع عاطفية , اوالتحديد ضمن العرف الاجتماعي او الموروث الديني اوالقيود الاجتماعية يُفقد المحلل قابلية ادراك الامور بشكل صحيح ,ولذا يجب ان يحاول ان يتمركز في حدود المنطق والعقل بلا موثرات.
حدثني صديق بانه كان جالس مع اساتذة سويديين ويتكلم معهم عن كرم حاتم الطائي وكيف ذبح فرسه ليعد الطعام للضيوف ,فإنزعج الحضور وقالوا ان هذا عمل غير انساني فكيف يكون مدعاة لكم للفخر؟, وكذا قد يفتخر الرجل الغربي بشيء ونحن نعتبره عيباً.
والتحليل لايحتاج فقط التمعن في بيئة العدو او الخصم ودول الجوار , وانما يشمل بيئة المجتمع الداخلية ,فيجب ان تكون لنا معلومات وافية عن الظواهر والمخاطر لنحللها ونعرف جذورها واسبابها لنصل الى حل صحيح لها.
--------------------------
المحلل والسلطة
--------------------------
من اهم الاشياء التي يمكن تطويرها لدى المحلل , هو فهمه العميق لطبيعة واهمية عمله , فعليه ان يجيد التعامل مع الجهات العليا وان يقدم تحليلاته دون مجاملات , فعمله التحليلي ليس مهمته ارضاء صاحب القرار بل تنبيهه وهو واجب يحتاج الى مصداقية وموضوعية وتأكيد بلا محاباة , لذا لابد من اختيار التوقيت والاسلوب المناسبين لدى رفعه للتحليل للجهات المختصة .
ومن هنا يحتاج المحلل الى المران النفسي كي يتحلى بأكبر قدر من الموضوعية , بلا احكام مسبقة قطعية تخرج من دائرة التصورات الى دائرة القناعة المسبقة , وهذا يحتاج الى التغلب على صراع القناعات الذاتية التي يميل بها الانسان الى استبعاد كل مالاينسجم مع قناعاته , فالمحلل الامني لايمكنه اهمال معلومات او ملاحظات لكونها تتناقض مع استنتاجاته وتوقعاته , لذا عليه ان يبعد تحليلاته عن اية قناعات شخصية وان يضع اراءه الشخصية جانبا.
كما يحتاج المحلل الى تطوير مهاراته من خلال سعة الاطلاع بمختلف المواضيع العامة الفكرية والثقافية والاقتصادية وغيرها من العلوم والمدارك , وان يطور مهاراته في كيفية الدفاع عن تحليلاته امام المسؤولين لاسيما الصادمة والمفاجئة منها والتي تحتاج منه ان يكون دقيقا فيها .
فالمحلل الاستخباري يتعامل مع صانعي القرار سواء كانوا جهات تنفيذية مدنية او عسكرية , ومع قادة سياسيين , وبالرغم من ان اساس اهمية المحلل تكمن في مصداقيته وثقة الجهات العليا به , الا ان الامر ليس سلساً كما يتصور البعض , ومن هنا يحتاج المحلل الى التفرقة بين العقليات العليا التي يتعامل معها , على ان لايحابي اياً منها على حساب تحليلاته .
فالجهات التنفيذية تميل الى قبول التحليلات بشكل دائم وتتعامل مع التحليلات بجدية , بينما القادة العسكريون منهم يميلون الى حشر تحليلاتهم الخاصة , يقول زلماي خليل زاد في مذكراته انه عام 1989 كان يعمل خبيرا ومحللاً في وزارة الدفاع ,ضمن مجموعه محللين من الدفاع والخارجية , وانهم قد توصلوا الى تحليل مفاده بأن صدام حسين سوف يهاجم دولة الكويت , وطلب وزير الدفاع انذاك من الفريق التحليلي ان يناقش الموضوع مع الجنرال نورمان شوارسكوف والذي تم تعيينه قائدا للقيادة الوسطى , الا ان الاخير توسعت عيناه حين ابلغناه بتحليلنا ورفض الفكرة قائلاً: انا جنرال واذا استشارني الرئيس بخصوص دخول حرب بعد حرب طاحنة من 8 سنوات مع ايران سوف ارفض لان الجيش غير مستعد ومتعب ويحتاج الى سنوات لاعادة التنظيم , فاجابه فريق التحليل بأن عليه ان يتعرف شخصية العدو قبل ان يحلل , فصدام لا يفكر بهذا الشكل ولا يقرر بهذا الشكل.
لقد كان الجنرال يفكر بعقلية العسكري المنطقية ولا يعرف شخصية صدام ودور قياداتة العسكرية التي لا تستشار بل تنفذ.
اما القادة من السياسيين , فانهم في باديء استلامهم لزمام الامور يكونون متلهفين الى التحليلات الاستخبارية , الا انهم مع ترسخ احزابهم في السلطة يبدون تشكيكهم باية تحليلات لاتنسجم مع رؤاهم ويرون ان لديهم مايثبت عكس التحليلات التي ترفعها الجهات الاستخبارية لهم بحكم ان لهم مجساتهم التي تخالف التحليلات, فتراهم يطالبون بالتفاصيل والادلة التي تتضاد مع قناعاتهم بينما لايهتمون بالادلة والقرائن حين توافق التحليلات هواهم .
ان مهمة المحلل لاتقف عند حدها الوظيفي الجامد , فالمحلل يتنبه ويتنبأ بالمخاطر وبالثغرات وبالفرص المثلى للانقضاض على العدو , لذا فان مهمته لاتقف عند حد رفع التقرير او الايجاز الاستخباري فقط , وانما عليه الالحاح على اقناع سلطة القرار بأهمية التحليل والدفاع عنه .
-----------------------
مراحل التحليل
-----------------------
تتم عملية التحليل الاستخباري على ثلاث مراحل, هي :
1- المرحلة الاولى : يتم بها جمع المعلومات من المصادر المختلفة , ثم تجري مقارنتها بما متوافر وتقييم المعلومات وتحديد مدى صدقها وواقعيتها ومن ثم ترتيب المعلومات ومقارنتها .
2- المرحلة الثانية : وتشمل وضع المعلومات في محيطها واخضاعها للمنطق وبناء الفرضيات عليها
3- المرحلة الثالثة : وتشمل الاستدلال والاستنتاج وبناء التقديرات وفقاً للمعلومة او لمجموع المعلومات .
ولاشك من ان افتراض الخداع الاستخباري المعادي يبقى افتراض قائم يحيط بالمعلومة حتى في حال كان مصدر المعلومات صادقاً , فقد تكون المعلومة قد وضعت امامه ليبتلع الطعم ويقوم بنقلها .
-------------------------------
عوامل نجاح التحليل
-------------------------------
هنالك مجموعة عوامل يجب ان يتحلى بها المحلل بالمران كي يستطيع ان يحقق الموضوعية في تحليلاته , اهمها :
1- دراسة المعلومات بشكل دقيق ومتأنٍ واستكمال المعلومات الناقصة .
2- الابتعاد عن اطلاق التعميمات .
3- ابعاد القناعات الشخصية والانتماء الديني والمذهبي والقومي والعرقي للمحلل لانها تحجب الموضوعية في التحليل , وكذا ابعاد العواطف .
4- الافاده من الخبرات والتجارب السابقة .
5- العمل بشكل جماعي بروح الفريق, فايجاد غرفة التحليل هي غرفة تلاقح العقول وللعصف الذهني.
6- الاطلاع المستمر سواء في المواضيع العامة ومعرفه خصوصيات واخلاق وعادات وتقاليد وموروثات المجتمع او الخصم او البيئة التي تصنع فيها المعلومة والمطلوب تحليلها .
7- ان يعي المحلل ان مصداقيته على المحك وانها معرضة للانهيار دوماً , لذا فان عليه الحذر في استنتاجاته وفي ذات الوقت ان لايحابي بها ويدافع عن قناعاته وقناعات فريقه.
8- ان يطور قابلياته الادبية على كتابة التحليل والتقرير الاستخباري لاسيما التدريب على الايجاز .
9- ان يتضمن التحليل الاستخباري استنتاجات واضحة وموجزة وتوقعات , وفي حال ان كان التحليل خطيراً ويبنى عليه قرار سياسي اوعسكري كبير , فان على المحلل ان يضمن تحليله وتقاريره ادلة قاطعة واضحة لاتقبل اللبس , كالصور الجوية والتسجيلات.
وعموماً , فان الاجهزة المحترفة لا ترفع المعلومات الى القيادة بل ترفع فقط نتائج الرؤية المستنتَجة من المعلومات التي يعدها التحليل او مركز التحليل, فالقيادة تحتاج الى معرفة وتحليل مستند على الاخبار التي تنظم لتصبح بيانات تستكمل بدورها لتصبح معلومات محللة توصل للمعرفة.
--------------
خلاصة
--------------
ان فقدان الكوادر والخبراء في مجال التحليل الاستخباري يعمي على صانعي القرار و اصحاب القرار رؤيتهم للمخاطر وللفرص , ومن ثم فإن على الاجهزة الاستخبارية ان تبحث عن افضل العقول التحليلية وتسلحها بالمعرفة وباصول العمل التحليلي , إذ لاجدوى من المعلومات التي لاتنتج معرفة ومن ثم لاتنتج استنتاجات تحليلية تتيح اتخاذ القرارات , والله الموفق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا