الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحضارة الإسلامية في الفكر الاسلامي المعاصر(2)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2017 / 9 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


علي شريعتي- فلسفة الرؤية الثقافية السياسية


لقد كانت الهموم الفكرية الكبرى لعلي شريعتي تصب فيما يمكن دعوته بالنزعة النقدية الشاملة، بمعنى نقد السياسة والفكر والثقافة واللاهوت والمذاهب. وفي كلها كان يهدف إلى تأسيس الفكرة الإصلاحية العقلانية المتداخلة مع وجدان الأفكار الثورية واليسارية للنصف الثاني من القرن العشرين. فهو على خلاف سيد حسين نصر لم يتعمق ويتفلسف في إشكاليات الحضارة بشكل عام والإسلامية بشكل خاص، إلا أنها كانت على الدوام كائنة في رؤيته ومواقفه النقدية تجاه كافة القضايا التي تناولها مثل نقد النظام الشاهنشاهي وتقليده الفج للنزعات الأوربية والأمريكية، ونقد الحالة الواقعية للثقافة ودور المثقف فيها، ونقد المذهب الشيعي عبر محاولة إرجاعه من "التشيع الصفوي إلى التشيع العلوي"، وأفكاره المتناثرة في مقالاته ومحاضراته عن اليسار والثورية والماركسية وغيرها.
ووجد كل ذلك حصيلته المكثفة في موقفه من التقليد الحضاري وليس تحليل ودراسة إشكاليات الحضارة الغربية والإسلامية. فقد توصل في مجرى بحوثه وتأملاته بهذا الصدد إلى أن تطور الحضارة الغربية والإسلامية يمثلان اتجاهين مختلفين لا يمكن التوفيق بينهما. وان الحضارة الغربية عظيمة بانجازاتها لكنها تبقى غريبة عنا. وكل ما فيها جزء منها. فصل الكنيسة عن الدولة، الصراع ضد الدين، مهاجمة مفكريها وفلاسفتها للنصرانية – كل ذلك أصيل وايجابي، و"نتيجة منطقية"، وان "تجربة التاريخ تقف إلى جانبهم". وقد ارتبط ذلك بتفضيلهم "الحرية على القيود لا الكفر على الدين". وذلك بسبب "إرجاعهم الدين إلى داخل الكنيسة وإغلاق الرتاج عليها" فقد دفعت مساعي المفكرين للتخلص من البابوية إلى إعلان قوميته ولا دينيته. وينطبق ذلك على كل مواقفه تجاه كافة القضايا التي ميزت تطور الفكر الأوربي مثل الإقطاع وغيره. وذلك لان الكنيسة نفسها كانت اكبر إقطاعي في أوربا.
لكن الحالة تختلف بالنسبة للعالم الإسلامي. إذ لا كنيسة ولا رجال دين، إضافة إلى أن الإسلام دين آخر، وظروف أخرى، لا تشبه في شيء حالة العالم النصراني الأوربي، حتى في اشد حالات انحطاط العالم الإسلامي (القرن الثامن عشر والتاسع عشر) أو ما يسمى بعصر الانحطاط الديني.
وبالتالي، فان المقدمات ونتائجها التي أدت إلى تطور أوربا (فصل الكنيسة ومحاربة الدين وما شابه ذلك) حالما جرى أو يجري تطبيقها في العالم الإسلامي فأنها تؤدي إلى نتائج مغايرة تماما. وذلك لأنها تؤدي إلى "تحطيم السد الذي كان يقف حائلا في وجه النفوذ الامبريالي ونفوذ الاستعمار الاقتصادي". فالدين الإسلامي هو قوة المناعة الضرورية للعالم الإسلامي. وبالتالي، فان الفكر الشرقي والإسلامي حالما يأخذ نتاج الفكر الأوربي، والخصائص المميزة لهذا الفكر، فانه لا يفعل إلا على تقليدها. ومن ثم فان كل محاولة لتوظيفها لا يتعدى كونه خداعا ووهما ذاتيا. فالحضارة والثقافة من وجهة نظر علي شريعتي ليست بضاعة تصدر وتستورد. وان هذا النوع من الحضارة هو مجرد تكرار مستمر لخدعة تستلفت الأنظار، لكنها كاذبة لا تصل إلى نتيجة أبدا".
إننا نعثر في هذه الصيغة الحادة على أبعاد سياسية ثقافية ملموسة ودقيقة. ففي نقده ينعكس أولا وقبل كل شيء حالة وطبيعة ونموذج التقليد الإيراني الشاهنشاهي للتجربة الغربية. أنها تجربة كسيحة ومزيفة وتابعة وضيقة. وفِي الوقت نفسه نقف أمام خلطة من تنظير حر وتبرير تقليدي، وجمود وثورة، وحرية واستبداد، وخلل منهجي وحدس سليم!
إن مفارقة الفكرة النقدية في مواقف علي شريعتي من الحضارة تقوم في روحها النقدي السليم والعميق تجاه تقليد الغرب، وفِي الوقت نفسه لا يتعدى البديل أكثر من خطاب ديني إصلاحي ورومانسي في الوقت نفسه. وهذا بدوره لم يكن معزولا عن حالة الاستبداد والقمع الشامل للحرية في إيران آنذاك، وذروة صعود وهيمنة الفكر اليساري وحركات التحرر والثورة على النطاق العالمي آنذاك. وهي نتيجة يمكن رؤيتها في أفكار اغلب إن لم يكن جميع المفكرين الإسلاميين المعاصرين.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك