الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كرهاً بالكرد
محمود عباس
2017 / 9 / 5القضية الكردية
ما قدمه الكرد لشعوب المنطقة بعد الإسلام، تجاري خدمات أغلبية قادتهم في الواقع السياسي العسكري، وأئمتهم في الحيز الإنساني، وفقهاءهم في خلافاتهم المذهبية، ومن الذين حاولوا تقليص الصراع بين الشيعة والسنة لمصالح سياسية. ولم تنفع أغلبية الشريحة السياسية والثقافية التكفيرية والقومية العنصرية، نتائج علم الكلام، والفتاوي، ولا تأويلات العلماء المسلمين الجاهدين لتهذيب فرقهم الضالة، بقدر ما نفعهم الوجود الكردي، شعباً وقضية.
ساعدهم الكرد في تخفيف أو طمر الصراعات الفجة، المليئة بالأحقاد، والدائمة الحضور بين سلطاتهم الاستبدادية، مثلما لم تستطع أية جهة فعلها. ليس لأنهم تدخلوا وأقنعوهم، أو جروهم إلى حوارات للمصالحة، بل على خلفية ثقافتهم المليئة بالحقد والعداوة للكرد، والمتزايدة كلما تصاعدت المكتسبات الكردية.
فلم يعد غريبا للكرد عندما يرون أن معظم صراعات القوى الإقليمية تذوب عند حضور القضية الكردية، وأضغان أنظمتهم بين بعضهم تتماهى عند حضور قضية كردستان القادمة كدولة مستقلة كغيرها من الدول المجاورة، فتظهر جلية عداوتهم وتدفعهم ليشكلوا قوة موحدة لمحاربة الكرد، خاصة عندما يدركون بأنهم لا يستطيعون المواجهة بشكل انفرادي.
فرغم كل ما قدمه الشعب الكردي وقادته التاريخيين من خدمات جليلة ومصيرية للشعوب المجاورة، تظل أنظمتها مرعوبة من قوة الكرد الخام الكامنة، وقدوم كردستان بكيان جيوسياسي يجاري أكبر الدول في المنطقة، وديمغرافية واقتصادا وثقافة حضارية ستجلب اهتمام العالم.
إنها لجدلية أكثر من غريبة: مقابل كل خدمة وطنية أو محاولة لترسيخ مفاهيم الإخوة مع الشعوب المجاورة يتلقى الكرد الضغينة والطعن من الخلف، وبعد كل انتصار لهم على المتربصين بشعوب الشرق يزداد حسد سلطاتهم المدموج مع الكراهية، وينشرونها بين شعوبهم وبتخطيط.
فلقد أصبحت من المسلمات عند الكردي رؤية تحالف القوى الإقليمية الشيعية والسنية ومؤامراتهم عند حضور قضيتهم، ومثلها اتفاق التكفيريين مع العلمانيين، وداعش أو أمثالها مع البعث، وتركيا مع إيران والمعارضة السورية مع سلطة بشار الأسد، وأئمة ولاية الفقيه مع الوهابية ومعهما المنظمات الإرهابية.
فحضور القضية الكردية في المؤتمرات والحوارات الدولية الأخيرة، سارعت من تلاحم كل القوى الإقليمية المذكورة، فتبدى وكأنه عامل خير للمنطقة، وهي كذلك فيما لو استمرت حواراتهم من أجل مصالح شعوب المنطقة! لكن وللأسف فإن الأنظمة المبنية على ثقافة الكراهية والحقد لا تستطيع التخلص من سجيتها، ولن تحدث حتى عندما يخسر الكرد المكتسبات التي حصلوا عليها، وتعود القضية الكردية إلى العتمة، لأنهم يتشربون من ثقافة مليئة بالأحقاد والكراهية تجاه الأخر.
لقد أصبحت واضحة لدى المثقفين الكرد والشعوب الأخرى، بأن تنامي القوة الكردية تزيد من مكتسبات الشعوب المجاورة، وهذا ما لا تود سلطاتهم تبيانه، ويعملون على طمسها، لأنها تضعفهم بالمقابل وتقلل من هيمنة أنظمتهم الشمولية الاستبدادية في المنطقة. فالسلطات الحاكمة تدرك بأنه كلما تمتنت العلاقة بين الكرد وشعوبهم تقترب نهاياتهم، وكرد فعل استباقي، يستخدمون كل الأساليب لتكريس الصور النمطية المعادية للكرد في لا شعور شعوبهم، ويجندون حركات ثقافية ومراكز أبحاث لتصعيد موجات العداوة ضد الكرد. وبالمقابل يخططون ضد رفاهية شعوب المنطقة، وبلوغها مراحل متقدمة من الديمقراطية والثقافة الصحية، لأن هذا التطور سيؤدي إلى حالتين، أولا إزالتهم، وثانيا نجاح القضية الكردية، وتدرك الأنظمة الإقليمية المحتل لكردستان أن حصول الكرد على حقهم في تقرير مصيرهم، وبناء كيان سياسي ديمقراطي حضاري، ستكون مقابل ضعفهم أو زوالهم.
وخير مثال على ما نحن بصدده، هي أن المكتسبات الكردية إلى جانب مطالب حركتهم السياسية والثقافية تشمل كل الشعوب، وجميع أطراف النسيج السوري، وغايتها الفائدة والأمان لكل سوريا، وحرية الشعب الكردي أهم عامل لإزالة الهوة بين القوى الإقليمية السنية والشيعية، لأن القضية الكردية تدفعهم على تخفيف الضغينة بين بعضهم، والتاريخ يشهد للكرد مثل هذه الخدمات لشعوب المنطقة، بدءً من تحريرهم، في الماضي لأرض الشرق من الاجتياحات الأوروبية، وصونهم لكرامة شعوب الشرق المسلمة والمسيحية، إلى اليوم وهم يتبوؤون جبهات الصراع ضد الإرهاب، وحروبهم ضد داعش والتكفيريين والعنصريين القوميين خير مثال. وكان لهم ولا يزال دور في تشذيب الأحقاد بين الفرق والملل الإسلامية المارقة.
ولأهمية تماسك الكرد، لا بد من تجاوز خلافاتهم، والاتفاق على بعض نقاط التقاطع، فهم إذا عرفوا كيف يحافظون على المكتسبات التي يحصلون عليها، وتفعيلها وتصعيدها، وتمكنوا من استغلال قوتهم الخام بشكل منطقي، فلا نستبعد بأنهم سيقودون في القادم من الزمن شعوب المنطقة إلى الحرية والحضارة.
لطرح هذه الجدلية على طاولة البحث والنقاش سنقدم لا حقاً حلقات في قضايا تهم قادمنا، ككرد.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
10/10/2017م
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. قلق واستياء في غزة مع إعلان الأونروا عدم قدرتها على تشغيل عم
.. بعد 11 عاما من التحقيقات في قضية بلعيد.. القضاء التونسي يصدر
.. برنامج الأغذية العالمي: شمال قطاع غزة تحول إلى بؤرة للجوع
.. أردنيون يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية في عمان دعما لغزة
.. بندا خلافيا في مفاوضات الهدنة.. لماذا ترفض إسرائيل عودة النا