الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار المفتوح........ ج4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سؤال_ هل تعتقد أن الجهود الفكرية التي بذلها علماء الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا لليوم كانت تدور على شبهة لم ينتبه لها أحد في موضوع الإمامة والخلافة والسلطة الزمنية والدينية في المجتمع الإسلامي؟ هل هم غافلون لهذه الدرجة مع عظم الخصام والتفنيد المتقابل والتسفيه الذي مارسه العلماء ضد كل فكرة دخيلة على الدين، السؤال هل حقا تؤمن بما تقول؟.
الجواب_ هل هذا سؤال كبير ومتعدد الأتجاهات ولكنه في الأخر يتضمن ثلاثة محاور أساسية سأجيب على كل محور بأختصار دقيق ومركز يفي بما ينبغي للأجابة أن تكون، المحور الأول ما سميته بجهود علماء الإسلام في عدم الأنتباه للشبهة، هذا السؤال تقزيم للحركة التنويرية التي خاضها بعض المسلمون من الأفراد والجماعات، وقد أستبكروا في طرح هذا الموضوع على طاولة النقاش العلمي، ومن أبرز من دعا وجاهر ببطلان مثلا السلطة الزمنية لللأئمة والخلفاء هم جماعة المعتزلة، وقد غلب الصوت الرسمي السلطوي ومنافسه الصوت المعارض الذي بنى نظرية مقابلة بنفس الأطار ولكن من تخريج مختلف وأقصد بها مدرسة الإمامة، هذا الزحام الفكري تغلب بالأخر على صوت العقلانية التنويرية في هذا الجانب، فلم يخلو تأريخ الفكر الإسلامي وخاصة المغيب منه من نماذج مشرقة قرأت الدين والحياة وفق منهاج عقلاني قصدي، يتماشى مع جوهر الرسالة ومستلزمات بسطها كرافع عقلي للإنسان بدل أن تكون خطة لبناء مؤسسات وتجربة سلطوية فاقدة الروح الإنسانية*.
الجواب الثاني فيما يتعلق بالخلافة ومعناها والتي تعتمدها المدرسة المحافظة وخاصة المكية الجذور القريشية الهوى من أنها حقيقة إسلامية لا يمكن إنكارها أو تجاهل مصدريتها، وعندما نصف أي موضوع فكري بأنه ذات حقيقة علينا أن نتحرى أولا تلك الحقيقة المزعومة قبل أن نسلم بها، مفهوم الخلافة لم يرد في أدبيات الإسلام قبل رحيل النبي محمد ولم تظهر على الساحة الفكرية حينئذ، وكل ما نجده في التأريخ الإسلامي هي الحيرة التي أستبدت بالمسلمين حين تمت البيعة لأبي بكر، الحيرة تجلت في التسمية وفي حدود ما يختص به الحاكم الإسلامي بعد فترة الرسالة، فأهتدوا إلى معنى الخليفة، بما فيه من إشكالية المعنى كون الخلف يجب أن يكون في مستوى المخلوف أو قريبا منه، هذه الحيرة أيضا لازمت نفس الفئة حينما نجح عمر بن الخطاب في تولي مقاليد السلطة وإشكالية أن يكون خليفة الرسول، وبينه وبين الرسول خليفة فسمي خليفة خليفة رسول الله، إذن الحقيقة التي يزعم البعض منا على أنها فكرة إسلامية لها جذور من وحي الرسالة تتهاوى مع هذه الحيرة وهذا التخبط في التسمية وفي الدلالة المعرفية لها.
الخلافة التي وجدت في الإسلام نوع من الأنتخاب النخبوي لرموز القوى الفاعلة في المجتمع حينئذ وتدبير أجتماعي سياسي بشري لا علاقة له بالنص ولا بالشرعية الدينية، تحولت مع تولي معاوية بن أبي سفيان إلى ملكية ثيوقراطية إرثية تنتقل داخل سلالة من العوائل الحاكمة بأصولها القبلية وليس بموجب نص تشريعي واضح وقاطع، إذن الموقف من هذه الحقيقة هو أنها من بدع العقل البشري ولا يمكن عدها من بنات أفكار الإسلام أو من أحكام الشريعة النافذة، هذا لا يعني أن منهج الإمامة المتقابل بالضدية له هو الأخر يملك الشرعية بحسب طروحاته المعلنة، ولكنه أيضا يؤمن بحق النخبة في أن تختار من بينها من يمثل الخلافة الدستورية السياسية وإن كان من مخرج أخر كما قلنا سابق وبالنتيجة غياب فكرة أساسية من أذهاب زعماء ومفكري ومدوني المدرستين أن الإسلام كدين لم يهتم أساسا ببناء دولة بقدر أهتمامه ببناء فرد مستقيم وسوي يتدبر الحياة فيختار الأنسب والأسلم لبناء المجتمع وفقا لقواعد العدل والإحسان دون النظر إلى شكلية نظام الحكم بقدر ما يهتم ببناء القاعدة الأخلاقية التي تقود الفرد المسلم للحرية الإنسانية لكل أفراج المجتمع أو ما يسميها النص الصراط المستقيم.
الجواب للشق الأخير أن الجمع بين النتيجتين تظهر لنا حقيقة مهمة لا بد من الأنتباه لها وأعادة التفكير فيها مجددا، وهي التفريق بين الضرورات المجتمعية بشقيها السياسي والسلطوي من كونها وظيفة بشرية خالصة لا عناوين تنسب للفكرة الدينية الأصل أو نسبتها لها وبين الحقائق الدينية الأمرة تشريعيا، بمعنى أن المجتمع المتوازن العادل والمستقيم هو من ينتج السلطة والشكلية العامة لها من خلال التجربة الدينية، وليس من تبني مفاهيم وليدة الواقع الأجتماعي للمجموعة البشرية وإلباسها الثوب الديني تحت مسميات مخترعة لتكون عنوان فريد لتجربة الحكم في المجتمع الإسلامي، وهنا أجيب على الشق الأخير من السؤال، نعم أنا مؤمن تماما أن ما أردت أن أصل إليه ليس قناعة فردية خاصة بي، بل من هي نتاج التجربة الفاشلة التي قادت المجتمع الإسلامي لواقعنا الحالي دون أن نملك فرادة حقيقية في نظرية الحكم مستندة إلى أسس الدين المحمدي.
سؤال_ لو قدر للنأريخ أن يعود لسنة 11 هجرية وأختار أهل الحل والعقد حلا متوافقا مع ما تقول أنفا ليكون مرشدهم إلى المجتمع العادل الرسالي، فهل تتصور شكل هذا النموذج؟ وهل سيختلف ما يختارون عن واقع ما حدث سياسيا وسلطويا؟.
الجواب_ في جواب سابق قلنا أن هناك مفهوم نصي حاكم فضلا عن كونه إرشادي ومولوي، بمعنى أن يختاروا للمهمة من كان مجعولا لهم وللناس إماما، أولا لأستمرار الهداية بالطريقة التي رسمها النص {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125، ثانيا لأنهم مؤمنين بالحق كما هو نزل أو وصل إليهم، فهم بالتالي ملزمين بأن يتبعوا ما جاءت به الرسالة من تحديد وشروط للإمامة، فلا يمكن أن يكون خيارهم غير الطاعة والأنقياد للشرط الملزم لها {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً }الجن16، فلا بد أن يختاروا ما أختار الله لهم تخريجا وقراءة واعية لإيمانهم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36، ولأن الإمام المجعول لا بد أن يكون باسطا للخير وعاملا له فسيكون خيارهم بالنهاية هو الفلاح والنجاح في حياتهم ومستقبلهم، من هذا الخيار العقلاني الإيماني تبدأ التجربة الحقيقية المبنية على النص وحده بنتائجها وإرهاصاتها التي لا بد أن تنتهي بنضج حقيقي يتطابق فيه الإيمان المعلن مع الممارسة الحية.
هنا في هذا الجواب لا أكرر مقولة الفرقة الإمامية التي تدع وجوب الإمامة بالنص والتعيين وفق السلسلة التي يطرحونها، ولكن وجوب الإمامة هنا مبني على الأمر الحاكم وفقا لمفهوم الإمامة ذاته الوارد في التعريف السابق، دون أن نتنازع في أمر لا خيار لنا فيه وإن كان الخيار مطروح بين الطاعة وضدها، سيكون الإمام هنا والمجعول إلهيا هاديا لمرحلة مع بعد النبوة والتبليغ والإنذار على أن يطرح ومن خلال الوظيفة الجعلية التي أهلته لهذه الصفة ما يمكن أن يكون {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7، فهو يعمل على تنفيذ النص كما هو وهو يعلم أن لكل قوم هاد ولكل زمان هاد ولكل مجتمع هاد يعمل بشروط الإمامة ويواصل مسيرة البناء المجتمعي على وفق ما حمل من مهمة يدرك بالضرورة أن لكل مجتمع رأس ونظام وسلطة وحدود لا بد من مراعاتها.
من الطبيعي وبغياب التجربة الأصيلة وما يمكن أن نقرأ من خلالها لا يمكننا أن نتصور الشكلية الدستورية والسلطوية للمجتمع الإسلامي والتي سيبلورها الإمام المجعول لو قدر له تأسيسها وإخراجها للوجود، ولو أن شيء من التجربة قد حصل بولاية الإمام علي لكنه بالتأكيد لم يستطع أن يطرح النموذج المرتقب عقليا لأسياب عديدة، منها حكم الواقع وثبوت تجربة الخلافة بمعنى تجذرها بالعقل الجمعي الإسلامي، وثانيا للمشاكل والأزمات التي أثيرت في ولايته منها العسكرية ومنها السياسية، مع تنامي نفوذ وقوة المدرسة المحافظة التي ترى في تجربة الخلافة بالشكل الذي تعاطى به المجتمع الإسلامي كحقيقة لا يمكن تجاوزها أو إنكارها، مما أثر وبشكل حاسم على أن يمضي بإصلاح ما يمكن إصلاحه بالفترة الزمنية القصيرة نسبيا بينه وبين من أستخلفهم في السلطة.

*وللمعتزلة إرث غني في اللاسلطویة، وإن تجاھلھا مفّكِروا السیاسة، كـابن أبي على الفّراء، (تـ458ھـ/1131م) الحنبلي، الذي یصِر ُف بسرعة مقولة عقلیة الخلافة لصاِلح نصیتِھا، أو كالماوردي الشافعي، من نظِر الخلافة المعیاریة. وتعود تقالید إلغاء الخلافة لدى المعتزلة إلى كثیر من متكلمیھم، الذین أنكروا أن یكون في الِّدین ما یترتّب على الخلافة. ونعِر ُف الآن أن خصوم المعتزلة قد أحرقوا معظم كتُبھم فلم تصلنا، ولكنّنا نعِر ُف من متفِرقات أقواِلھم، التي نقلھا باجتزاء مؤ ِّرخوا الملل والنحل وجامعوا مقولات الفرق، أنھم وّزعوا ھذه التقالید اللاسلطویة على عّدة محاججات وفِرق. فقد أنكر الأ ّصم والنظام والجعفران: جعفر بن مبشر (تـ234ھـ/848م) وجعفر بن حرب (تـ236ھـ/850م) مقولة الحاجة إلى إمام من أصِلھا، بدلیل أنّھا لیس في أسس الإمامة، فقد خلَص إلى أن الخلافة كانت واجبة في وقت استقامة الأمة ووحدتِھا؛ وأن ھذا الشرط قد سقط في ظلِ إسلام المرء ما یحتاج لسلطة سیاسیة. أما ھشام الفوطي، الذي رو َمنَ
لتلمیه، عباد بن سلیمان، للقول إنه لم یعد بالإمكان أن یكون ثمة إمام مّرة أخرى. وھكذا تغدو الخلافة تشعُّب السیاسة في الإسلام إلى طوائف مختلفة غیر قابلة للتوحید. ولعل ھذا كان ُملھماً فردوساً مفقوداً وسقط من متاع العصر النبوي، الجمیل والحالم، . المصدر http://hekmah.org/%D8%A5%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%84%D8%A9-%D8%AD%D8%AA%D9%91%D9%89-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي