الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معايدةُ العيد من ألدّ خصومي!

فاطمة ناعوت

2017 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




لماذا أكتبُ هذا المقال؟ ليس وحسب لغرابة الحكاية، بل أملاً في أن يحدث ما حدث لي، لغيري ممن تعرّض للظلم، من التنويريين الذين طالتهم يدُ الدعاوى الكيدية، فأُلقي بهم في غياهب السجون، أو ينتظرون، أو طالهم حكمُ الإدانة مع إيقاف التنفيذ، مثلي.
في صباح يوم عيد الأضحى المبارك، وصلتني مئات المعايدات والمباركات والزهور والدعوات الطيبات، من قرائي وأحبتي، صخرتي التي أعتصمُ بها من ويلات المتربصين. لكنْ، من بين تلك المئات، وصلت صفحتي الرسمية المعايدةُ الأغربُ، والأكثر إدهاشًا، الكاسرةُ لكل توقع. جاءت المعايدةُ من ألدّ خصومي وأشرسهم!
وعلّ القارئ يندهش من كلمة "خصم"! ذاك أنني أعلن دائمًا أن “لا خصومَ لي”، و”أنني لا أكره أحدًا، حتى مَن آذاني”. وتلك حقيقة لا أنكرها. لكن الشاهد أن الخصومةَ أمرٌ ثنائي، لأنها تقع بين طرفين. فقد أختصِمُ، وقد أُختَصَم. فحين أقولُ: “خصمي” هنا، فإنما أعني:مَن اختصمني، لا مَن اختصمتُه.
هو ذلك المحامي الذي رفع ضدي قبل ثلاثة أعوام دعوى قضائية بتهمة ازدراء الأديان، لأنني استنكرتُ أن تتم شعيرة نحر الأضاحي على غير أصولها الكريمة التي تأبى تحقير الأضحية أو تعذيبها أو التنكيل بها قبل نحرها. وانتهت الدعوى بالحكم عليّ بالسجن ستة أشهر، مع إيقاف التنفيذ.
بدأت الحكاية الأسبوع الماضي حين نشرتُ على صفحتي صورًا من شرفتي الحاشدة بعشرات العصافير التي تزورني كل يوم لتأكل وتشرب من الطعام والماء الذي أعلّقه لها في أغصان أشجاري. ومع الصور ناجيتُ العصافير بهذه الكلمات: “بكامل الحرية تملأون بيتي زقزقةً وغناءً وصدحًا. من دون قفص. فأنا لا أقايضُ حريةً ... بماءٍ وقمح. شرفتي محطُّ العصافير. شكرًا للموسيقى والشدو.”
ومن بين مئات التعليقات الجميلة على البوست، وجدتُ هذا التعليق من خصمي اللدود:
"مدام فاطمة، كل عام وأنت والأسرة بخير وصحة وسعادة. معايدة أبتغي بها استرضاء الله. إن كان في قلبك مني غصّة فسامحيني. وأنا لا أخجل أن أشكرك على كثير أمام الناس. مررنا بمحنة شديدة أنا وأانت. أسال الله العظيم ألا يعيدها لأي منا. ممكن المعايدة دي متعجبش ناس كتير. وممكن متعجبكيش أنتِ؛ الله أعلم. لكن كما قلت انها استرضاء لله.”
وكان ردّي:
"سامحتك منذ زمن. وعلّك لا تصدقني إن أخبرتك أنني لم أكرهك يوًما رغم ما مرّ بي من مرار واغتراب، ولم أدعُ عليك بسوء رغم شعوري اليومي لعامين بالظلم والغبن. فقد علّمتُ نفسي منذ طفولتي ألا أكره وألا أدعو اللهَ إلا في خير. حزنتُ؟ بالطبع نعم. بكيتُ كثيرًا واندهشتُ مما يحدثُ لي بسببك؟ دون شك. لكنني حتى لم أقل آمين لمن كان يدعو عليك بالويل أمامي من ذوي قرابتي أو قرائي. وعلّك لاحظت أنني شكرتك في مقال بـ المصري اليوم ، بعد الحكم. لأن تلك المِحنة العسرة جعلتني أكسب كنزًا من الأصدقاء الذين ساندوني، ولولا تلك المِحنة ربما ما كنت أعرف قدر رحمة الله الهائلة بي ولا قدري ومكانتي لدى قرائي: كنزي وصخرتي. أُثمّن كثيرًا أن معايدتك عليّ واعتذارك لي، بل وشكرك لي كان علنيًا، وليس في رسالة خاصة. لهذا أشكرك وأسامحك على الملأ اليوم، وقد سامحتك بيني وبين نفسي وبين الله منذ دهرٍ. بارك الله لك في أسرتك ومبروك افتتاح مكتب المحاماة الذي لولا مخافة سوء الظن لكنت أرسلتُ لك يوم افتتاحه باقة من الزهر. كل عام وانت في خير وفرح ونور وبركة.”
فجاء ردُّه:
حق عليّ أن أعتذر لك سيدتي عن كل قطرة دمع خانتك عيناك واسقتطهما رغما عنك لأمر كنت أنا مسببه، ولأسرتك الطيبة كل التقدير وأخص الخلوق نبيل بك بارك الله لك فيهم جميعًا. والأكيد أن شكري لك؛ سببه معان وحقائق أبصرتُها أثناء تلك التجربة. ربما أخبرك بها إن قدرت لي الأقدار شرف لقاك. وأشكر لكِ جميلَ ردك الذي لن أستطيع أن أسطر أبدع منه مهما حاولت. وقطعا أنا احب الزهر فلا حياة دون ورود. وورود فاطمة ناعوت تذكار عظيم الشأن؛ أنتظرها في جميع الأحوال.”
وكان ردّي:
أشكرك كثيرًا. ومنّي ومن نبيل ومازن وعمر، خالص الاحترام والمحبة. ودعني أعترف لك بأن معايدتك هذه، كانت الأكثر إدهاشًا لي، والأعلى إثلاجًا لصدري. لماذا؟ لأنني أكره أن أنام ليلي وثمة مَن يختصمُني. كلمة أخيرة: أنا مدينة للعصافير التي تحطُّ على شرفتي بالشكر؛ لأنها كانت سببًا على نحو ما في معايدتك تلك. شيءٌ من الفرح يغزوني أن جاءت معايدتك مع سرب العصافير. تحية لك.”
وجاء ردُّه:
"دائمًا في فرح وسرور. ويشرفني أن أكون ضمن حضور صالونك الشهري. كل الاحترام والتقدير لك.”
أرجو أن تكون تلك الرسالةُ من "خصمي اللدود"، بدايةَ حملة اعتذارات وندم من ظالمينا الذين زجّوا وراء القضبان بتنويريين أرادوا الإصلاح. أتمنى أن يندم أيضًا المحامي الذي اختصم "الشيخ محمد عبد الله نصر"، فذاق بسببه ظلمة السجون التي لا تليق به، بل تليق بالذين يشوهون الأديان ويشيعون الطائفية وروح البغضاء بين الناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل تعتذرين لمن حرضت ضدهم
عبد الله اغونان ( 2017 / 9 / 6 - 20:47 )
الاخوان المسلمين الشرفاء
وشهداء رابعة والنهضة وغيرهم

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س